الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
وهناك فئامٌ من الناس، مَّما يُسمَّى بالعَلْمانيَّة واللِّيبْراليَّة، تريدُ منَّا أنْ نعتزَّ بقيم الغرب والشرق، وأنْ نجعلَ المرأةَ سلعةً رخيصةً لكلِّ ساقطٍ ولاقط، حتى وصلت الجرأةُ ببعضهم هذه الأيام، ممَّن يتكلمون بألسنتنا، ويَسْكنون أرضنا، حيث قال: "نحن قوم أعزنا الله بالليبرالية ..
الحمد لله الذي أماطَ عن الْمُنافقين الغطاء، فأظهرتْ ألْسنتُهمْ ما تُخفيه قلوبُهم من العداء، فسالموا الكفارَ الْمُعتدين، وحاربوا الْمُسلمين الأبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مُنزَّهُ عمَّا يقول الظالمون من الكذبِ والافتراء، وهاتكٌ سترهم، ولو تستَّروا بالنفاق والرياء، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أعظمُ مَنْ صبر على الجفاء، وأطهرُ مَن وطِئَتْ قدَمُه الغبراء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأصفياءِ النجباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الجزاء.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنَّ دينكمُ الإسلامي، دينٌ عظيم، اختاره الله لكم، ومَنَّ به عليكم، فهو خلاصةُ أديان الأنبياء وخاتَمُها، ولا يقبل الله -عز وجل- من أحدٍ غيره: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
أمة الإسلام: إنَّ عزةَ المسلمين ونصرتَهم، لا تكونُ إلا في تمسكهِم بدينهم، واستقامتِهم على شريعة ربهم، فقد حوَّل الإسلامُ الأعرابَ رعاةَ الغنم، إلى قادةِ شعوبٍ وساسةِ أُمَمْ.
لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ -رضي الله عنه- الشَّامَ، لَقِيَهُ الْجُنُودُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ قديم، وَخُفَّانِ باليتان وَعِمَامَةٌ، وَهُوَ آخِذٌ بخِطامِ بَعِيرِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ، فَقَالَ لَهُ أبو عبيدة -رضي الله عنه-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: تَلْقَاكَ الْجُنُودُ وَبَطَارِقَةُ الشَّامِ، وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ هَذَا؟! فغضب عُمَرُ -رضي الله عنه- وقَالَ: "إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
نعم، نحن في هذه البلاد الْمُباركة، بلادِ الحرمين، أعزَّنا الله ورفع قدْرنا بالإسلام، واتِّباع سيدِ الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، سرنا على ذلك نحن وحُكَّامُنا -رعاهمُ الله-، وهناك فئامٌ من الناس، مَّما يُسمَّى بالعَلْمانيَّة واللِّيبْراليَّة، تريدُ منَّا أنْ نعتزَّ بقيم الغرب والشرق، وأنْ نجعلَ المرأةَ سلعةً رخيصةً لكلِّ ساقطٍ ولاقط، حتى وصلت الجرأةُ ببعضهم هذه الأيام، ممَّن يتكلمون بألسنتنا، ويَسْكنون أرضنا، حيث قال: "نحن قوم أعزنا الله بالليبرالية، فمهما ابتغينا العزة بغيرها أذلنا الله، فلن نبتغي العزة بغيرها أبدًا ما حيينا".
نعوذ بالله من حالهم، هذه هي عقيدتُهم وأهدافُهم، والعجب منهم، أنهم لم يأخذوا ما لدى الغربِ من تقنياتٍ، وصناعاتٍ وتنظيمات، بل أخذوا أوساخَهُم وزبالاتِهِم، وأقْبح ما عندهم.
واعلموا -يا أتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم- أنَّ العلمانِيِّيْنَ في بلاد المسلمين، قد انْكشفت حقيقتُهم، وتبيَّن عورُهم، الذين يُنادون كذبًا وزورًا بالحرية، والْمُساواة واحْترام رأيِ الشعوب، وهمُ الذين كانوا وما زالوا، مع كلِّ ظالمٍ وطاغوتٍ ضدّ المسلمين، وهم لا يرضون ولا يقبلون أبدًا، إلا بآرائهم وأفكارهمُ الضالَّةُ والْمُنحرفة، وهم لا يعيشون هموم المسلمين والمستضعفين، بل يعيشون لأجل شهواتهم وملذَّاتهم، فأين هم من دماء أهل الشام وبورما؟! أين هم من الْمُطالبةِ بحقوقِ العجائز والْمُطلقات؟! أين هم من رعايةِ الأراملِ الأيتام؟! أين هم من حلولٍ تفيد المجتمعات والشعوب؟! كلُّ هذا لا يُهمهم ولا يعنيهم، بل همُّهم وشغلهم، أنْ تخرج المرأةُ من بيتها سافرة، وأنْ لا تتقيَّد بالأعراف والأديان، وأنْ لا ينتصر المسلمون على الكفار، فحينما اعْتدى المجرمون اليهود، على أهل غزَّة الْمُحاصرين، كتب كثيرٌ منهم مقالاتٍ تُؤيِّدُهم، وتلْتمس الأعذار لهم، واتَّهموا الْمُدافعين الشرفاء، بالغلوّ والعِداء.
وها هم في مصر الشقيقة، يدعون إلى عصيانٍ مدني، ويُحاصرون ويتظاهرون، لماذا؟! لأن الشعب لم يَخْترهم في صناديقِ الاقتراع، بل هجرهم واختار غيرهم، فقامت قيامتُهم، ورَمَوا بمبادِئهم خلف ظهورهم، وأعلنوها صريحةً كما أعلنها أتْباعُ الأسد: إما نحنُ أو نُحرقَ البلد.
بل إنَّ هؤلاء الذين يدَّعون احترام الآخر، ها هم يقومون بحملةٍ شعواء، وجريمةٍ شنعاء، على مَن؟! على صاحبِ الرسالةِ وهادي البشرية، محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وفي أيِّ وقت؟! في وقتٍ تُسْتباح فيه دماءُ الْمُستضعفين في سوريا، ونحن ننتظر منهم كلمةً في نصرهم والوقوفِ معهم، ننتظر مقالاتِهم وتحرُّكاتِهم، للوقوف في وجه الجزَّار الظالم، إذا بهم كعادتهم، يشنون حملاتِ الحقد والحنَق، على نبيِّنا ومُنْقذنا -صلى الله عليه وسلم-.
يقول أحدُ هؤلاء المنحرفين هذه الأيام: نحتاج إلى تصحيح عقيدة محمد، ودين محمد، ونصوص محمد بن عبد الله.
ويقولُ كبيرهم ومُنظِّرهم: جاء زمنٌ نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله.
فهذا اسْتهزاءٌ وكفرٌ صريحٌ، بنبيِّنا وقدوتِنا -صلى الله عليه وسلم-، ولقد أجمع أهل العلم قاطبة أنَّ من استهزأ أو سبَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فهو كافرٌ مُرتد، يُقام عليه الحدُّ.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بقتل مَن سبَّه وآذاه، ففي الصحيحين: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل كعب بن الأشرف وقال: "مَنْ لكعب بن الأشرف؟! فإنه يؤذي الله ورسوله"، ووجّه إليه مَن قتله غِيلةً دون دَعوةٍ، بخلاف غيره من المشركين؛ وعلّل قتله بأذيَّته له؛ فدلّ ذلك على أن قَتْلَه إياهُ لغير الإشراك؛ بل للأذى والسب.
وكذلك قتل أبا رافعٍ حين سبَّه وشتمه، قال البراء -رضي الله عنه-: "وكان يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويُعين عليه". رواه البخاري.
وكذلك أمْرَ -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح بقتل ابن خطلٍ وجاريَتَيْهِ، اللتين كانتا تُغَنِّيان بسبِّه -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا هو الواجب تجاه هؤلاء، الذين يُفْسدون عقائدَ الناس وأدْيانَهم، ويتهجَّمون على مُسلَّماتِ الْمُسلمين، ويعتدون ويستهزئون.
وشكر الله لسموِّ الأمير محمدِ بن نايف وزيرِ الداخلية، وقوفه أمام هؤلاء الْمُستهزئين والشانئين، ولقد أثلج صدور المسلمين -حفظه الله-، بإيقافِه لأحد هؤلاء المفسدينَ والقبضِ عليه.
نسأل الله تعالى، أنْ يكفيَنا شرّ العَلْمانيِّين، وأنْ يدحرَ المستهزئين بنيِّنا والشانئين، إنه عزيزٌ مُجيب الدعاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاعلموا -أيها المسلمون- أن علماء المسلمين وأئمَّتهم، قد أفتوا بكفر من سبَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يُقتلُ ولو تاب من ذلك.
قال الإمام مالكٌ -رحمه الله-: "من سبَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو شتَمه أو تنقَّصَهُ قُتِل، مسلمًا كان أو كافرًا، ولا يُسْتتاب".
وسأل الرشيدُ مالكًا -رحمه الله- في رجلٍ شتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذَكر له أنّ بعض الفقهاء أفتوْه بجلده؛ فغضب مالكٌ وقال: "يا أمير المؤمنين: ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟! من شَتَم الأنبياء قُتِل، ومن شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- جُلِد".
وقال القاضي عياضٌ -رحمه الله-: "ويدلُّ على قَتْله مِن جهة النَّظر والاعتبار أن من سبّهُ أو تنقَّصه -صلى الله عليه وسلم- فقد ظهرت علامةُ مرض قلبه، وبُرهانُ سِرِّ طَوِيّته وكفره". انتهى كلامه.
وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله-: "إن سبَّ اللهَ أو سبَّ رسوله، كفر ظاهرًا وباطنا، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرمٌ، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاءِ وسائرُ أهل السنة". انتهى كلامه.
وإنَّ هذه الدولةَ رعاها الله، التي مكَّنها الله تعالى من القضاء على الفئةِ الضالة، والفكرِ الْمُتشدِّد، قادرةٌ بحول الله وقوته، على القضاء على مَن سبَّ الله ورسوله، وتنقَّص شرع الله ودينَه، فالفئةُ الضالَّةُ غلت في الدين، وغلاةُ العلمانيين غلو في سبِّ الدين، والتطَّاولِ على رب العالمين، والقدحِ في سيِّدِ الْمُرسلين.
وماذا يريد هؤلاء الدُّخلاءُ، الْمَنبوذون في كثيرٍ من الدول الإسلامية، فقد جثموا على صدور المسلمين، لعشرات السنين في تركيا، فما أنْ أُتيح للناس حقّ التصويت، حتى فاز الإسلاميُّون فوزًا ساحقًا، فزاد اقْتصادُهم، وتحسَّنت معيشتُهم.
وفي مصر والمغربِ وتونس، وليبيا واليمنِ وسوريا، ثار المسلمون في وجه العلمانيَّةِ العاتية، وطالبوا بالشريعة العادلة، فتحقَّقت أحلامُ بعضهم، وبعضُهم لا يزال يُناضل في تحقيقها.
واعْلموا -يا أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم- أنّ سبَّ رسولِكم ونبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- جنايةٌ تربو على سائر الجنايات، وخطيئةٌ تزيدُ على سائر الخطيئات، فلذا جُعلتْ عقوبتُها من أغلظ العقوبات، وإنَّ وجوب الانتصار مِمَّن هذه منزلتُه وقَدْرُه، مُؤَكَّدٌ في الدين، والسعيُ في دَحْره وعقوبته، من أفضل وأوجب الأعمال، ومن أبلغِ الجهاد في سبيل الله تعالى.
نسأل الله تعالى أنْ يُوفق ولاةَ أمرنا لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، وأنْ يُعينهم على ردِّ كيدِ المفسدين، إنه على كل شيء قدير.