المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله بن ناصر الزاحم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ومَن تأمَّل أحوالنا شاهد أخطاء يرتكبها بعضُنا بقصدٍ أو بغير قصد أثناء سيرهم في الشوارع والطرقات، والأصلُ أن يستفيد الإنسانُ من الطريق كغيره، ويراعيَ أحوالَ الآخرين، ويقدِّرَ مشاعرَهم، وأن يتجنَّبَ إلحاقَ الضررِ بهم أو إيذاءهم، فإذا كانت النصوصُ الشرعيةُ تُبيِّنُ أجرَ إزالةِ الأذى عن الطريق؛ فإن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين سببٌ في تحمُّل ِالإثم، والوقوعِ في الذنب.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنان، ذي الجود والإنعام، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى -جل وعلا- على نفسه، نعمُهُ تترا، وفضلُهُ لا يحصى... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
عباد الله: لقد أنعم الله على خلقه بنعم عظيمة أعانتهم على أمورهم، وسهلت لهم قضاء حاجاتهم.
ومن تلك النِّعَمِ السياراتُ التي أراحتهم من عناء السفر، ورفعت عنهم كثيرًا من المشاقّ والمتاعب التي كانوا يواجهونها في رحلاتهم وتنقلاتهم؛ فقرَّبت المسافات، واختصرت الأوقات، ووفرت كثيرًا من الجهود.
فيجب أن تُشكرَ هذه النعمُ حق شُكرِها، ومن شُكرِها أن يُقصَرَ الانتفاعُ بِها على ما يجلب الخير والنفع، وأن لا تكون مفتاحاً للشر، أو مصدراً من مصادر القلق، أو وسيلةَ إزعاجٍ أو أذى.
إن تلك السيارات لم تُصنَع إلا لخدمة الإنسان ونفعه، وهي كذلك إذا أحسن الإنسانُ استعمالها والتزم الطريقة المثلى في قيادتها.
إن الإسلام لم يدع شيئًا يتعلق بشؤون الناس في حياتهم ومعاملاتهم إلا بيَّنه ووضحه، وبيَّن أصول التعامل التي ينبغي أن يتبعها المسلم في حياته، وأمَرَهُ بأن يتحلى بحسن الخلق في كل قول وفعل، ونهاه عن ارتكاب الأعمال المشينة والمخالفات الصريحة المُتَعَمَّدَةِ التي يتضرر منها إخوانُه أو أفرادُ مجتمعه.
وفي عصرنا الحاضر أصبحت السيارةُ من أهم وسائل النقل التي لا غنى للإنسان عنها، واعتُمد عليها في كثير من شؤون الحياة اليومية.
ومع ما تُقدِّمه السيارةُ من فوائد كثيرة لمستخدميها، فإنها -نتيجةً لسُوءِ استعمالها من بعض السائقين- صارت سببا لأن كثُرتِ الحوادثُ المرورية، وأصبحت تُشكِّل خطرًا على الحياة البشرية.
لقد حصدت الحوادثُ أرواحَ كثيرٍ من الشباب؛ الذين تعتبرهم البلادُ عمادَها، وحجرَ الأساسِ لدفعِ تنميتها.
ومَن تأمَّل أحوالنا شاهد أخطاء يرتكبها بعضُنا بقصدٍ أو بغير قصد أثناء سيرهم في الشوارع والطرقات، والأصلُ أن يستفيد الإنسانُ من الطريق كغيره، ويراعيَ أحوالَ الآخرين، ويقدِّرَ مشاعرَهم، وأن يتجنَّبَ إلحاقَ الضررِ بهم أو إيذاءهم، فإذا كانت النصوصُ الشرعيةُ تُبيِّنُ أجرَ إزالةِ الأذى عن الطريق؛ فإن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين سببٌ في تحمُّل ِالإثم، والوقوعِ في الذنب.
والمسلم الذي يخاف الله ويتّقيه ويرجوه هو الذي يحترِم دماءَ المسلمين وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر التَّعدِّي عليهم ظلما وجريمة، ففي الصحيحين: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ...".
وعن فُضالة بن عُبيدٍ أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ".
عبد الله: إذا ركبت سيّارتَك فاتق اللهَ أولاً، ثم اشكره على هذه النعمة، أن هيّأها لك ويسَّرَ لك قيادَتها، فاعرف حقَّ الله فيها.
وإيّاك أن تتجاهلَ حقوقَ الآخرين! أو أن تتصرَّف تصرّفاتٍ خاطئة تُسيء إلى غيرك! فبعض المسلمين -هداهم الله- لا يُبالي أثناءَ قيادةِ السيارة، ولا يُفرِّق بين القيادةِ داخلَ البَلَد وخارجها، وتستوي قيادتُه في الليل والنهار، ولا يُفرِّقُ بين طريقٍ مستقيم وآخر متعرِّج؛ فربما صادَفَ بهيمةً فأدَّت إلى الكارثة، وربما وقَعَ في السيارة خلل فعرَّضه للخطر، والأقدار بيد الله -عز وجل-، ولكنَّا مأمورون بالأخذ بالأسباب والتوقِّي والحذر...
كذلك؛ من واجبنا أن لا نتسبَّبَ في إزهاق النفوس، وإتلاف الأموالِ والممتلكات؛ فنحن محاسبون أمام الله -عز وجل- على ذلك.
ومن الأخطاء الشائعةِ مخالفةُ بعضِ قائدي السيارات للأنظمة المقررة التي ثبتت مصالحُها، ولا تخالِفُ نصوصَ الشَرع، فالالتزامُ بها واجب؛ طاعةً لولي الأمر الذي نظّمها، فطاعته بالمعروف من طاعة الله -تعالى-، ولما في ذلك من تحقيقٍ للمصالح العامة.
أيها الأحباب: كم حصل مِن الكوارثِ العظيمَة بسبب القيادة المتهورة، فجرّت على أفرادٍ أو أُسَرٍ فجائعَ ومصائب، فأهلكت نفوسًا، وأعاقت أبرياء، وأتلفت أموالاً، وجاء الندم في وقت لا ينفع فيه النّدَم.
فالقيادة المتهورة يترتَّب عليها أمورٌ:
أولها: معصيةُ الله -جل وعلا-، حيث عرَّض نفسه للهلكة، والله -تعالى- يقول: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]، وعرَّض الآخرين للخطر، وهذا اعتداء عليهم، والله -تعالى- يقول: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190].
الثانية: معصيةُ ولي الأمرِ، ومخالفة تنظيماته، والله -جل وعلا- أمرنا بطاعته، وحذَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من معصيته، فقد وضع وليُّ أمر المسلمين هذا النظام حفاظا على سلامة المواطنين.
الأمر الثالث: كم من المسلمين حُرِمَ الحياة التي كان يغتَنِمها لطاعةِ اللهِ، والتقرّبِ إلى رضاه! وكم من طفل تيتم بفقد والديه أو أحدهما! وكم من امرأة ترملت بوفاة زوجها! وكم من أبٍ وأمٍ ثُكِلوا في أبنائهم! والسببُ ذلك التهور.
أخي المسلم: اعلم أنَّ الطريقَ ليس لكَ وحدَك، فالناس كلُّهم شركاءُ فيه، فلا تسلب حقوقَهُم، وأَعطِ كلَّ ذِي حقٍ حقَّه.
ومن الأخطاء الكبيرة، بل من الطوامّ، أنَّ بعضَ أصحابِ السياراتِ يغترُّونَ بالتأمين على سياراتهم، فلا يبالون، بل ربما فرّطوا كثيرا وخالفوا بسبب ذلك التأمين.
فاعلم -يا أخي الحبيب- أنه إن أعفتك شركةُ التأمين عن المسؤوليّة في الدنيا، فإنها لا تعفيكَ عن السؤال أمام الله -عز وجل-.
لقد خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر في حجة الوداع فقال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".
كما أن القتل الخطأ يُحمِّلك الكفّارةَ المغلّظَة، وهي عِتق رقبةٍ، فإن عَجزتَ عنها فصيام شهرين متتابعَين.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، وممن يقولون الحق وبه يعدلون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يؤمن أنه يسمعه ويراه، ويعلم سره ونجواه.
عباد الله: لقد رسَمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمّتِه التعامُل أثناءَ الزّحام؛ فعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين انصرَفَ من عرفةَ إلى مزدلفة كان -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى الناس بيده ويقول: "أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ!".
سلك -صلى الله عليه وسلم- هذا المسلَكَ العظيمَ ليربيَ الناسَ ويعلمَهُم أن لا يؤذيَ بعضُهُم بَعضًا، وأن يلزموا السكينة والوقار. (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) [لقمان:19].
ومما يجب التنويه له أن نعتقدَ أنّ احترامَ الأنظمة والتقيّد بها مطلب شرعي؛ لأنّ سلامةَ الأرواحِ والأموالِ من المطالب الشرعية، كما أنَّ التهوُّرَ وعدمَ المبالاةِ ليست مِن أخلاقِ المسلمين.
ومن أخلاق المسلمين قَبولُ الأنظمةِ النافعة وتطبيقُها، ومما يؤسف له أن الغرب والشرق الكافرين أكثرُ منا التزاما بالأنظمة، والواجبُ أن نكون أولى منهم بذلك!.
فلنتَّق الله في أنفسنا، وفي إخواننا، وجميع أفراد مجتمعنا، وأن نجعل التزامنا بالأنظمةِ وقواعدِ السلامة ديناً ندينُ الله به، وأن نحتسبه عند الله؛ جلباً للمصالح، ودفعاً للأضرار.
أسأل الله -جل وعلا- أن يأخذَ بنواصينا إلى ما يحبّه ويرضاه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنة.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، كما أمركم الله فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...