البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

في سبل جلب المال وإنفاقه

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. الثراء نعمة عظيمة وابتلاء عظيم .
  2. خطأ الناس في جلب المال .
  3. خطر الكسب الحرام .
  4. خطأ الناس في إنفاق المال .
  5. مصادر الإنفاق الحرام .
  6. أصناف الناس مع المال زهدا وعدما .

اقتباس

إن المال الحرام دخل مشؤوم، وهو أخطر على بني الإنسان من السموم على الأبدان؛ فإنه يقصم الأعمار، ويورث الخزي والعار، ويخرب الديار، ويكون وقوداً على صاحبه في النار، النفقة منه غير مباركة، والصدقة منه غير مقبولة، وصاحبه غير مستجاب الدعاء، ولا يثنى عليه في السماء ..

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا ربكم وأطيعوه، واشكروه على نعمه وأصناف رزقه، ولا تعصوه فتكفروه، فإنه سبحانه أنزل لكم من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره لنقلكم ومصالحكم، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وآتاكم من كلم ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الله لغفور رحيم، وإن الإنسان لظلوم كفار؛ فما أعظم النعم، وما أكبر المنن! فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون.

أيها المسلمون: لقد وعد الله الشاكرين لنعمه بالمزيد، وتوعد الكافرين الجاحدين لفضله بالعذاب الشديد، يقول -سبحانه-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

(فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) (خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وكونوا ممن وصفهم ربهم بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]. فقد وعدهم الله بالجنة خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً.

 

أيها المسلمون: إن الثراء من النعم العظمى التي ابتلى الله تعالى بها كثيراً من الخلق في هذا الزمان، حيث فشت التجارة، وفاضت الأموال، حتى أنه ليجتمع عند الشخص الواحد من أهل الأموال من الأثمان وأصناف البضائع وأرباح الصنائع ما يصعب تقديره، فضلاً عن عده واستقصائه، حيث يملك الفرد منهم ما يقابل تجارة أمة عظيمة من الأمم السابقة، ويملك الشخص من آحاد الناس من الأموال ما يقابل ثروة مدينة كاملة أو ناحية واسعة؛ ولا شك أن هذا الثراء الكبير من الابتلاء العظيم؛ لأن كل عبد سيسأل عما آتاه الله من المال كما قال سبحانه: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر:1-8].

 

وفي الترمذي وغيره عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ". فمن آتاه الله مالاً فقد ابتلاه، فليفكر في سبيل النجاة، وليجلب المال من وجوهه المشروعة، ولينفقه فيما فيه عظم الأجر ورفعة الدرجة، فإن لكل سؤال جواباً، فليكن الجواب صواباً.

 

أيها المسلمون: إن كثيرين من الناس في هذا الزمان صاروا لا يبالون بما اكتسبوا الأموال أمن الحلال أم من الحرام؟ وما نقموا إلا أن آتاهم الله من فضله؛ فيا ويحهم من هول المقام بين يدي ملك عظيم عليم، جبار عزيز ذي انتقام!! وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ".

أيها المسلمون: ما أكثر الذين يجلبون الأموال بوسائل محرمة وطرق ملتوية، يحتالون على الله تعالى كما يحتالون على الصبيان، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

حيث يكسبون الأموال بالرشا وأنواع الربا والغش والبخس في الوزن والعد والكيل، وآخرون يأخذون الأموال ثمناً للدخان وأنواع المسكرات، وأصناف المخدرات، والمحرم من الآلات، وناهيك بمن يبيعون المصورات لذوات الحياة، وقيمة للسحر والشعوذة والكهانة، وكم من الناس من يأخذ المال أجرة لمحلات الأفلام ونشر الإجرام، ونحو ذلك مما يفسد الدين، ويضلل الضعفاء في الدين. تالله لقد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد وإن ربك لبالمرصاد.

أيها المسلمون: إن المال الحرام دخل مشؤوم، وهو أخطر على بني الإنسان من السموم على الأبدان؛ فإنه يقصم الأعمار، ويورث الخزي والعار، ويخرب الديار، ويكون وقوداً على صاحبه في النار، النفقة منه غير مباركة، والصدقة منه غير مقبولة، وصاحبه غير مستجاب الدعاء، ولا يثنى عليه في السماء.

إن المال الحرام يفسد القلوب، ويعمي البصائر، ويثبط عن الطاعة، ويدعو إلى اتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا على الأخرى؛ فاجتنبوه تسلموا واحذروه تفلحوا.

أيها المسلمون: وكما يخطئ كثيرون من الناس في جلب المال فكثيرون أيضاً يخطئون في إنفاقه؛ فمنهم من ينفقه إسرافاً بالزيادة عن الحاجة في الحلال، فيسرفون في المطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمراكب، فيتباهون بالملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والسيارات الفخمة، والمبالغة في إقامة الولائم بمناسبة الأعراس وغيرها، بالتكاليف الباهظة، والتوسع في الشهوات، والإغراق في اللذات، والإكثار من فنون مطالب الحياة من الترف المذموم، الذي ذم الله به السابقين وحذر منه اللاحقين حيث وصف المترفين بأنهم أعداء المرسلين، وخصوم المصلحين، وأنهم يسعون في الأرض مفسدين ويتولون عن الحق مستكبرين وقال فيهم: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود:116].

وقال عن أصحاب الشمال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) [الواقعة:45]. أي منعمين لاهين مقبلين على أنواع الملذات ومنغمسين في المحرم من الشهوات. وقال في آخرين: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شر أمتي الذين غذوا بالنعم؛ يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون بالكلام ".

وكم حذر العقلاء وحذاق الأطباء من أضرار الترف، وما يجره من تلف؛ فإنه يجلب الأسقام، ويضعف الأجسام، ويهدم الصحة، ويذهب المروءة، ويورث الذلة، ويحدث المهانة، ويفسد الدين، ويذهب الريح.

أيها المسلمون: ومن الناس من ينفق المال تبذيراً ببذله في الحرام وما يجلب الآثام، أثماناً للمخدرات، وأجوراً للمغنيات والعاهرات، ونفقة في محرم المناسبات، ويدفعونه رشاً ويؤكلونه ربا، ويشترون به أواني الذهب والفضة، وما يفوت به المرء حظه. ويبذلونه كسوة للجدران، ومعونة على أنواع الفسوق والعصيان. فيا ويحهم يوم يقفون بين يدي الملك الديان.

أيها المسلمون: احذروا هذين التصرفين المشينين، والخلقين المذمومين، فإنهما ليسا من شأن المؤمنين، وتذكروا قول ربكم تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]. وقوله: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:26-27].

فلا تجلبوا المال من طريق حرام، ولا تنفقوه فيما يجلب لكم عظيم الآثام؛ فإن ربكم قوي عزيز ذو انتقام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:8-12].

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه على هداه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لما بعد الموت؛ فإن من في الدنيا ضيف، وما في يده عارية، والضيف مرتحل والعارية مردودة.

وإنكم الآن في يوم عمل ليس فيه حساب، ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل. ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر. ألا وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه.

أيها الناس: من الناس من لا يرغبون في جمع المال وادخاره، ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره، وإنما رضاهم من الدنيا بسد جوعة وستر عورة، وغناهم فيها ما بلغ بهم الآخرة؛ فأولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ومن الناس من يحبون جمع المال مما حل وما حرم، ومنعه مما افترض ووجب. إن أنفقوه أنفقوه إسرافاً وتبذيراً، وإن أمسكوه أمسكوه بخلاً وتقتيراً، أولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم.

أيها الناس: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق، فإن التاجر المسلم الصدوق الأمين مع الشهداء يوم القيامة، يظله الله في ظله، ولا يحجب عن باب الجنة، فكونوا تجاراً صادقين أغنياء شاكرين منفقين محسنين غير معسرين تفلحوا في الدارين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.