البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

التربية بالترهيب منهج قرآني وهدي نبوي

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. اختلاف النفوس تجاه الترغيب والترهيب .
  2. أساليب الترهيب في القرآن الكريم   .
  3. التربية بالترهيب في السنة النبوية .
  4. أثر ترك التربية بالترهيب. .

اقتباس

إن التربية بالترهيب منهج قرآني وهدي نبوي، وليست بدعة عصرية كما يدعي الذين يرون أن الإسلام لا يعرف إلا اللين والتلطف ولا مجال فيه للشدة والترهيب، ويحاولون أن يثبتوا لأعداء الله -ليل نهار- أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وأن الفتوحات لم تتم إلا باللين والدعوة بالقول الحسن والأسلوب اللين...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، بعث رسله مبشرين ومنذرين بمواعظ الدين، ترغيباً وترهيباً لقلوب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد أفصح لساناً وبياناً لمواعظ الدِّين، أرسله الله رحمةً للعالمين، وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: إن النفوس البشرية تختلف اختلافاً عظيماً مع مبدأ الثواب والعقاب، فهناك نفوس ينفع معها الترغيب والترهيب وهي معظم النفوس، وهناك نفوس ينفع معها الترغيب أكثر من الترهيب، وهناك نفوس ينفع معها الترهيب أكثر من الترغيب، وهذا الصنف من الناس هم حديثنا اليوم.

إن المربي الأعظم -صلى الله عليه وسلم- كان يعامل هذه النفوس معاملة خاصة؛ لأنه يعلم أنه لن تقومها إلا الشدة، ولن تنفع معها إلا القوة، ولن تمشي في الطريق الصحيح إلا إذا أنذرت وحذرت.

إن التربية بالترهيب منهج قرآني وهدي نبوي، وليست بدعة عصرية كما يدعي الذين يرون أن الإسلام لا يعرف إلا اللين والتلطف ولا مجال فيه للشدة والترهيب، ويحاولون أن يثبتوا لأعداء الله -ليل نهار- أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وأن الفتوحات لم تتم إلا باللين والدعوة بالقول الحسن والأسلوب اللين فقط.

عباد الله: لقد جاء الترهيب في القرآن الكريم بصور شتى، وطرق متعددة، منها: أن الله -سبحانه وتعالى- أمر به أمراً صريحاً فقال: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة : 40]، وقال: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : 12]. وأمر بالتعامل به مع أعداء الله الذين يستحقون ذلك، فقال في آيتين مكررتين أحدهما في "سورة التوبة" والأخرى في "سورة التحريم" يقول فيها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة : 73] [التحريم : 9]، وقال: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) [البقرة : 191].

وخاطب بالترهيب النفوس المريضة المتمادية في غيها وباطلها، وبيّن لها عاقبة غيّها وسوء منقلبها، فقال مخاطباً أهل الضلال: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص : 26]، وخاطب أكلة الربا فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة 278: 279].

أما رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فمخطئ جداً من يقصر تعامله على جانب الترغيب فقط وينسى أنه تعامل بالترهيب، ومخطئ من يهتم بجانب الترغيب ويهمل جانب الترهيب.

إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو الضحوك وهو القتَّال، وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة، وهو الماحي الذي يمحو الله به الكفر، يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ" [البخاري (3532) مسلم (2354)]. ويقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أحمد (5114)].

عباد الله: في هذا الحديث يخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه بعث داعيًا إلى توحيد الله بالسَّيف بعد دعائه بالحُجَّة؛ فمَنْ لم يَسْتَجِبْ إلى التوحيد بالقرآن والحُجَّة والبيان، دُعِيَ بالسَّيف والسنان، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]. وفي قوله: "وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي" إشارةٌ إلى أنه سيقتل الأعداء الممتنعِين عن قَبول دعوة التوحيد، ويستبيح أموالهم ويرهبهم، ويسبي نساءهم وذراريهم.

وروى -الإمام أحمد- عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أنّ مشركي قريش اجتمعوا عند الحجر: فَقَالُوا : "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، أَوْ كَمَا قَالُوا : قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ يَمْشِي ، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ, غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا, فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ, ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ, فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا, فَقَالَ: تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ, فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ : انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولاً، قَالَ : فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" [أحمد (7036)].

فانظروا كيف أنهم لم يكفوا عن قلة أدبهم وقبيح فعلهم إلا حينما هددهم -صلى الله عليه وسلم- بالذبح فإذا بهم بعد هذا يتلطفون معه في الكلام، ويلينون له الخطاب، ويقولون: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولاً.

وفي غزوة بدر قَتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبعين من المشركين، وأسر سبعين آخرين، ثم استشار فيهم أصحابه، فأشار أبو بكرٍ بأخذ الفداء؛ لعل الله أن يهديهم للإسلام، وأشار عمر بضرب أعناقهم، فأخذ بمشورة أبي بكر، ثم عاتبه الله على أخذ الفداء بقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال : 67] فندم على ذلك حتى بكى من شدة الندم، وتمنى أن لو قتلهم ولم يقبل الفداء. وكان من بين هؤلاء الأسرى "عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ" أقيم ليُقتل لعظيم أذاه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال مستعطفًا رسول -صلى الله عليه وسلم-: من للصبية يا محمد؟ فقال: " النار" [المعجم الأوسط (3003)].

فصلى الله عليك يارسول الله، فما أعظم تربيتك وتوازنك! لم يأخذك العطف والحنان العظيم الذي تحمله أن تجيب هذا المجرم الذي أخذ يترجاك ويتوسل إليك، يقول من يتكفل صبياني ويتصدى لتربيتهم وحفظهم وأنت تقتل كافلهم، فاترك قتلي لأجل أطفالي من بعدي، فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الجواب الرهيب لهم النار، وكأنه يقول له أن النار هي الكافلة لهم. (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة : 68].

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

أيها المسلمون: ومن أعظم الشواهد النبوية التي تدل على التربية بالترهيب "قصة العرنيين" أتدرون ما قصتهم؟ قَدِم نفرٌ إلى المدينة مسلمين، أصابتهم حمى المدينة، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرجوا مع راعي الإبل، يشربون من أبوالها وألبانها، فلما صحّوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم حتى جيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وكحل أعينهم بمسامير محماةٍ بالنار؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي، ثم تركهم حتى ماتوا يستسقون فلا يُسقون، ويطلبون الماء فلا يعطونه.

فياله من ترهيب عظيم، تقطع أيديهم وأرجلهم، وتكحل أعينهم بمسامير محمية بالنار، ويتركون عطشى بلا ماء، لكنه كان درساً لهؤلاء الغادرين، ولغيرهم ممن يفكر أن يصنع مثل صنيعهم.

 ولما همَّ- بنو النضير- بقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم حاصرهم، وخرّب نخيلهم وحرّقه، حتى قبلوا بالجلاء والخروج من المدينة، فمدحهم الله على ترهيبهم لهم، وإحراقهم لنخيلهم، وطردهم من المدينة، فقال: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر : 5].

ولما غدرت -بنو قريظة- بعد الخندق، استنفر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى قتالهم واستعجلهم حتى قال: "لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فحاصرهم حتى اشتد عليهم الحصار، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم بقتل رجالهم وسبي النساء والذرية، وكانوا ستمائة أو يزيدون حتى إنه ليأتي الغلام الذي اشتبه في بلوغه، فيكشف عنه، فإن كان قد أنبت وبلغ قُتِل، وإن لم ينبت ترك حتى فرغ منهم.

فماذا يقول أدعياء الترغيب واللين عن هذا الإرهاب النبوي العظيم؟.

وروى –النسائي- "أَنَّ أَعْمَى كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ، وَكَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَسُبُّهُ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ذَكَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَتْ فِيهِ، فقال: فَلَمْ أَصْبِرْ أَنْ قُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُهَا فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا.

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَمَعَ النَّاسَ وَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا لِي عَلَيْهِ حَقٌّ، فَعَلَ مَا فَعَلَ، إِلَّا قَامَ فَأَقْبَلَ الْأَعْمَى يَتَدَلْدَلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي، وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَةً، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِيكَ وَتَشْتُمُكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ الْبَارِحَةُ ذَكَرْتُكَ فَوَقَعَتْ فِيكَ، فَقُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ" [النسائي (4081)].

ولما فعل -كعب بن الأشرف- ما فعل قام -عليه الصلاة والسلام- في أصحابه قائلًا: "من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله" فانتدب إليه محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- في نفرٍ، فاستدرجوه حتى قتلوه. ثم بعد ذلك جاء -نصيب ابن أبي الحقيق- فأرسلت إليه سرية، فقتلوه وهو في بيته نائمٌ بين عياله.

أيها الناس: إن أسلوب الترهيب أسلوب ناجع مفيد في التربية، ويوم أن تخلينا عنه كثر الضياع، وزاد التسيب، وتجرأ علينا أعداؤنا؛ لأنهم يعلمون أننا اعتنقنا اللين في كل الظروف وسلكناه في كل الأحوال، مع أن – الله- قال لنا: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : 60].

ويوم أن تخلينا عن الترهيب قلّ أدبُ أبنائنا تجاهنا، واستهان بنا طلابنا؛ لأنهم يرون أن البيت والمدرسة قد خلتا من أساليب الترهيب المختلفة، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ, وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ" [ أحمد (6756)].

ألا صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].