البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الربا ضرر وإثم (1) تحريم الربا

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. تنظيم الإسلام للتعاملات المالية .
  2. من أعظم أمور الجاهلية في تعاملاتهم المادية .
  3. سوء عاقبة المرابي في الدنيا والآخرة .
  4. مآل مال الربا إلى المحق ونزع البركة .
  5. الربا والإيمان لا يجتمعان .
  6. من أهم أسباب انتشار الزنا .
  7. صور من عقوبات آكل الربا في الآخرة .
  8. وجوب الابتعاد عن المعاملات الربوية والحذر من أكل الحرام .

اقتباس

قد يغتر المبتدئ في حياته، أو الجديد في تجارته، بالقروض الربوية الميسرة، أو بالفوائد المركبة أو البسيطة، التي تتولى كبر الإعلان عنها والدعاية لها المؤسسات الربوية بقصد أكل أموال الناس بالباطل، ولكن حين يغرق ذلك المسكين في الربا ربحاً أو خسارة فلن ينجو بسهولة.. نعم! إنه قد يربح الفوائد من الإيداع لكنه سيخسر بركة المال، ولقمة الحلال، ودينه وآخرته، وإن كان مقترضاً فسيجني أغلال الديون مع الإثم والفقر.. والرضى بالقليل الحلال خير وأعظم بركة من الكثير الحرام، ولن يندم عبد أكل حلالاً، لكنه سيندم إن أدخل في جوفه حراماً...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسـوله..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد: فإن أحسن الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المؤمنون: بناء النفس والأسرة، وإصلاح المجتمع والأمة لا يكون إلا باكتساب، ولا اكتساب بلا عمل، والعمل لا يكون إلا بتعامل مع الآخرين، سواء كان هذا العمل وذاك الاكتسابُ أخلاقياً أم غير أخلاقي، مشروعاً أم غير مشروع.

وأحكام الإسلام لم تكن كنظريات الاشتراكية التي ألغت الملكية الفردية، وقتلت إبداع أبنائها، وأدت بهم إلى العطالة والبطالة، وهي كذلك ليست رأسمالية تعطي الحرية المطلقة في الأموال؛ ليسحق الأقوياء الضعفاء، ويكونوا بمثابة العبيد والخدم لهم، والعمال لديهم! كلا، ليست أحكام الإسلام في التعاملات كذلك؛ بل وازنت بين حق الفرد في الملكية الخاصة، وبين حاجة المجتمع بإغلاق منافذ الاستبداد المالي، وفتح أبواب القرض، والإحسان، والصدقة، والمضاربة المشروعة، والاتجار الحلال.

ولقد كان من أعظم أمور الجاهلية، وتعاملاتهم المالية: الكسب بالربا، الذي أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلغاءه على مسمع من الناس في حجة الوداع حينما قال: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ثم قال: وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله» (أخرجه مسلم 147).

واليهود يتعاملون بالربا، حتى كان أكلهم له سبباً من أسباب عقوبتهم (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ) [النساء: 160- 161].

وجاء الزجر عن الربا في كتاب الله -تعالى- عنيفاً شديداً، فهو من الذنوب العظائم القلائل التي وصف اقترافها بمحاربة الله ورسوله! وإذا كان قطاع الطريق يحاربون الله ورسوله باغتصاب الأموال، وترويع الآمنين، وإزهاق الأرواح، فإن أكلة الربا يحاربون الله ورسوله بدمار المجتمعات، وتوسيع الفجوة بين الطبقات، نعم! إن أكلة الربا لا يرفعون السلاح كما يرفعه قطاع الطريق، ولا يأخذون المال عنوة أو بالقوة كما يفعل المحاربون؛ ولكنهم يمتصون دماء الفقراء وهم يبتسمون لهم، وينتهبون أموال الناس وهم يربتون على أكتافهم!!

إنها محاربة ماثلت في بشاعتها محاربة قُطاع الطريق، ولكنها أوسع نطاقاً منها، ومخادعة فاقت في قبحها رفع السلاح، وانتزاع الأموال بالقوة، وكل من قطاع الطريق والمتعاملين بالربا أخبر القرآن عنهم بأنهم محاربون لله تعالى، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278- 279].

وويل لمن حارب الله -تعالى- وهو يمشي على أرضه، ويأكل من رزقه، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب» (أخرجه ابن جرير 3/108)، وفيه عنه -رضي الله عنه- قال في معنى الآية: «فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله»(جامع البيان 3/108).

ثم نقل ابن جرير -رحمه الله تعالى- عن قتادة قوله: «أوعدهم الله -تعالى- بالقتل كما تسمعون فجعلهم بهرجاً أينما ثقفوا»( جامع البيان: 3/108). ويرى بعض المفسرين أن هذه الآية قد أومأت إلى سوء خاتمة أكلة الربا. (انظر: محاسن التأويل للقاسمي: 1/631) .

 والمتعامل بالربا لم يكتف بما رُزق من مال، ولم يشكر نعمة الله -تعالى- عليه، فأراد الزيادة ولو كانت إثماً؛ فكان كافراً لنعمة ربه فمآل ماله إلى المحق ونزع البركة (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276]. قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «أي: لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله -تعالى- له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل» اهـ(تفسير ابن كثير: 1/493).

والتعامل بالربا مخلٌ بالإيمان (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278]، قال المفسرون: فبين سبحانه أن الربا والإيمان لا يجتمعان(محاسن التأويل 1/631)؛ ولذا كان صاحبه حقيقاً باللعن والطرد من رحمة الله –تعالى-، قال جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء» (أخرجه مسلم1598).

وقد عده النبي -صلى الله عليه وسلم- من التسع الموبقات (أبو داود 2875)، ثم عده في السبع الموبقات (البخاري 2766)، وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلّوا بأنفسهم عقاب الله» (أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعاً وصححه ووافقه الذهبي: 2/37).

وكشف عليه الصلاة والسلام حقيقة الربا، وأبان بشاعته وقبحه، بما يردع كل مؤمن بالله واليوم الآخر عن مقاربته فضلاً عن مقارفته؛ فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عبدالله بن مسعود مرفوعاً: «الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه» أخرجه الحاكم 2/37 وصححه)، وروى الإمام أحمد من حديث عبدالله ابن حنظلة رضي الله عنه مرفوعاً: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية»(أخرجه أحمد 5/225).

 فهل شيء أقبح من هذا، وهل بعد هذا الزجر من زجر لأولي الإيمان والبصائر؟! إن الربا فاق في قبحه وحرمته أنواعَ الزنا كلها، مع ما في الزنا من فساد الدين والدنيا، فقد سماه الله -تعالى- فاحشة وساء سبيلاً، ومع ما فيه من خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها، وأسرتها وما ينتج عنه من فساد الأخلاق، وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، ووقوع الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسب ابن زوجته الزانية، والملاعنة في ذلك، وحدُّ الزاني: الرجم أو الجلد مع التغريب، وعقوبة الزناة في تنور مسجور تشوى فيه أجسادهم!!

رغم ذلك كله فإن الربا أشد تحريماً، وأعظم جريمة، مهما كان الربا قليلاً، كما جاء في الحديث: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية»، فإذا كان هذا في درهم واحد فكيف بمن يأكلون الألوف بل الملايين؟! وكم هي خسارة من أسس تجارته على الربا، ومن كان كسبه من فوائد الربا، ومن كانت وظيفته كتابة الربا، أو الدعاية له؟! وما هو مصير جسد ما نبت إلا من ربا، وأولادٍ ما أطعموا إلا من ربا، وما غُذوا إلا عليه؟! فما هو ذنبهم أن تبنى أجسادهم بالسحت والحرام؟!

أيها الإخوة: إن المتأمل للأحاديث النبوية السابقة يجد أن ثمة علاقة وثيقة بين جريمتي الربا والزنا، وأن الربا أشد جرماً من الزنا حتى إن الدرهم منه أشد من ست وثلاثين زنية، وأن أهونه كأن ينكح الرجل أمه، فما هو السر في ذلك يا ترى؟! الذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أن من أهم أسباب انتشار الزنا في الأمم تعامل أفرادها بالربا، ودرهم الربا ضرره على الأمة كلها، أما الزنى فضرره مقصور على الزاني والزانية وأسرتها وولدها ولا يتعدى ذلك في الغالب.

إن الطبقية التي يصنعها الربا بين أبناء الأمة الواحدة، والفجوة بين الفقراء والأغنياء التي تزداد اتساعاً وانتشاراً كلما اقترض الفقير بربا حتى يزداد فقراً إلى فقره، وجوعاً إلى جوعه؛ فيضعف الجوع والفقر غيرته على عرضه. وما زنت الزانية أول ما زنت إلا لما جاع بطنها، وصاح رضيعها، وربما أمرها وليها بالزنا حتى تطعم أسرتها!! وإذا انكسر حياؤها فلن يجبر مرة أخرى.

والواقع يشهد بذلك في كل البلاد التي عمّ فيها الربا، وزال من أفرادها الإحسان؛ حتى أصبح المال في أيدي عدد قليل من عصابات المرابين، وبقية الناس يغرقون في ديونهم، ويموتون جوعاً وفقراً.

فالربا ليس سبباً لوقوع الزنا فحسب، بل هو سببٌ لانتشاره في الأمم، وهو المسئول عن تحويل كثير من البيوت الشريفة إلى أوكار للدعارة والبغاء، وتحويل نساء عفيفات إلى بغايا متبذلات؛ بسبب الحاجة التي أوجدها انتشار الربا، مع انعدام الإحسان؛ فما وجدت كثير من الأسر الفقيرة مصدراً لتخفيف وطأة الفقر، وشدة الجوع إلا ببيع أعراض بناتهن ونسائهن، نسأل الله العافية.

وقليل من الأسر من يغلب دينُها جوعَها فتموت قبل أن تتأكل بعرضها، ولاسيما في هذه الأزمان المتأخرة، التي قلَّ فيها العلم، وانتشر الجهل، وكثر الفسوق، وسيطرت المادة على عقول كثير من الناس. علاوة على ما في الربا من انتشار البطالة والفقر والجوع، والأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة. ألا فاتقوا الله ربكم، واحذروا الكسب الخبيث، فأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 130 - 132].

الخطبة الثانية:

 الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 279-282].

أيها الإخوة المؤمنون: الربا من المعاملات التي أجمعت الشرائع السماوية كلها على تحريمه (محاسن التأويل 1/629)، الآخذ والمعطي فيه سواء؛ كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- (صحيح مسلم 1584).

والمتعاملُ به أخذاً أو عطاءً أو كتابة أو شهادة يُبعث يوم يبعث وهو يتخبط في جنونه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ) [البقرة:275]، قال سعيد بن جبير -رحمه الله تعالى-: «آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق» (انظر جامع البيان: 3/103).

وأما عذابه في البرزخ فكما جاء في حديث المنام الطويل عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- وفيه قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة فيأتي ذلك السابح إلى ذلك الذي جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجراً حتى يذهب به سباحة إلى الجانب الآخر»، وذكر في تفسيره في آخر الحديث أن ذلك السابح الناقل للحجارة هو آكلُ الربا(صحيح البخاري 703).

وأما في القيامة فكيف يقابل آكل الربا ربه، وقد حاربه في الدنيا حتى يقال له: خذ سلاحك للحرب، ومن يحارب؟! إنه يحارب الله –تعالى-، وإنها لموعظة لمن كان في قلبه بقية صلاح (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:275].

إن المتعامل بالربا يعزّ عليه الخلاص منه بعد الغرق فيه، لاسيما إذا كانت تجارته كلها مؤسسة عليه، ولا ينجو من ذلك بعد الانغماس فيه، ويبادر بالتوبة والخلاص إلا من وفقه الله –تعالى-.

قد يغتر المبتدئ في حياته، أو الجديد في تجارته، بالقروض الربوية الميسرة، أو بالفوائد المركبة أو البسيطة، التي تتولى كبر الإعلان عنها والدعاية لها المؤسسات الربوية بقصد أكل أموال الناس بالباطل، ولكن حين يغرق ذلك المسكين في الربا ربحاً أو خسارة فلن ينجو بسهولة.

نعم! إنه قد يربح الفوائد من الإيداع لكنه سيخسر بركة المال، ولقمة الحلال، ودينه وآخرته، وإن كان مقترضاً فسيجني أغلال الديون مع الإثم والفقر.

والشاب الذي يغريه راتب الوظيفة الربوية، وسيارتها وبعثاتها وميزاتها عليه أن يتذكر أن عاقبة ذلك خسران في الدنيا والآخرة، والرضى بالقليل الحلال خير وأعظم بركة من الكثير الحرام، ولن يندم عبد أكل حلالاً، لكنه سيندم إن أدخل في جوفه حراماً (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 275- 276].

ألا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم.