الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
ولقد ضمن الله تعالى الرزق للجن والإنس، وأخبر أنه هو الرزاق ذو القوة المتين؛ لأجل أن يتفرغوا للعبادة، وليستعينوا به على الطاعة، وليتميز أهل الشكر والإحسان من ذوي الجحود والكفران؛ فتبًّا لمن شغله أمر الرزق عن عبادة الرازق، ويا خسارة من أبطرته النعمة فاستعملها في معصية المحسن الخالق، ومن تجرأ على الحرام فقد أساء الظن بالملك القدوس السلام
الحمد لله العليم الحليم، الرؤوف الرحيم، ذي السلطان والمن القديم، المتفضل بأنواع الجود والإحسان، والمسبغ للنعم الكثيرة الغزيرة المترادفة الحسان، أحمده سبحانه على أحكامه وحكمه، وأشكره تعالى على سوابغ نعمه وألوان جوده وكرمه، وأعوذ به جل ذكره من أسباب سخطه ونقمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته وأنواع طاعاته، كما أنه لا شريك له في خلقه وملكه وتدبيره لمخلوقاته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته وفي أفعاله وكمالاته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، بعثه الله بالحق إلى الجن والإنس بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله تعالى على وجه التمام والكمال حتى أتاه اليقين من ذي العظمة والجلال، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعبدوه بأن تطيعوه ولا تعصوه، وتذكروه ولا تنسوه، وتشكروه ولا تكفروه، فإنه سبحانه أهلٌ لأن يُعبَد ويُتقى، ويُخشى ويُرضى، وأن لا يشرك معه في حقه من خلقه أحد.
أيها المسلمون: إن عبادة الله تعالى وحده لا شريك له هي أعظم الحقوق، وآكد الواجبات، وأساس الطاعات، وأعظم الحسنات، وسبب مغفرة الذنوب، وتكفير الخطيئات، ومضاعفة الأجور ورفعة الدرجات.
كما أن الشرك بالله هو أعظم الذنوب، وشر المهلكات وأشنع أنواع الظلم، وأقبح الجنايات، وسبب منع المغفرة وحبوط الأعمال في الدار الآخرة، وموجب الحرمان من الجنة، والخلود في النار، وبئس القرار؛ فتقربوا إلى الله بطاعته، وأخلصوا له في عبادته، واستقيموا له كما أمر، واتبعوا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم سيد البشر، واحذروا الشرك به وهو دعوة غيره معه وتسوية غيره به. فذلك شر المعصية وعبادة الطاغوت، وموجب الندامة يوم القيامة.
( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الزمر:11-18].
أيها المسلمون: إن عبادة الله تعالى اسم جامع لفعل كل ما يحبه الله ويرضاه؛ مما شرعه من الاعتقاد الصحيح والقول السديد والعمل الصالح، وترك كل ما يكرهه الله ويأباه؛ وهو ما حرمه تعالى من أنواع الشرك والضلال وفروعهما من فاحش القول وسيء العمل وقبيح الاعتقاد ونحوها من موجبات الشقاء والخسران في المعاش والمعاد.
فمن فعل ما شرعه الله وترك ما حرمه الله على وجه القربة وعلى الوجه الذي شرع، وحذر من الأهواء والبدع - فهو عبد الله حقًّا، المؤمن به صدقاً، وقد ضمن الله له طيب الحياة والسعادة بعد الممات، وأن يجعله الله من مجاوريه في أعلى جناته، وأن يحل عليه رضوانه؛ وهو من النعيم أكبر درجاته.
أيها المسلمون: إن عبادة الله تعالى هي حقه على المكلفين، ومن أجلها خلق الثقلين، وللدعوة إليها بعث جميع النبيين والمرسلين، وأنزل به كتبه ذكراً للعالمين. قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات:56-58].
وقال -سبحانه-: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) [النحل:36]. وقال جل ذكره: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء:25].
وقال -تبارك اسمه-: ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [هود:1-4].
عباد الله: ولقد ضمن الله تعالى الرزق للجن والإنس، وأخبر أنه هو الرزاق ذو القوة المتين؛ لأجل أن يتفرغوا للعبادة، وليستعينوا به على الطاعة، وليتميز أهل الشكر والإحسان من ذوي الجحود والكفران؛ فتبًّا لمن شغله أمر الرزق عن عبادة الرازق، ويا خسارة من أبطرته النعمة فاستعملها في معصية المحسن الخالق، ومن تجرأ على الحرام فقد أساء الظن بالملك القدوس السلام.
معشر المسلمين: حق على كل مؤمن بالله واليوم الآخر من الثقلين أن يجتهد وسعه في أداء العبادة لله تعالى على وجه الإخلاص، سليمة من الزيادة أو الانتقاص، بل يقوم بواجبات الطاعات، ويكملها لتتميم نقصها، وتكميل أجرها بالنوافل والمستحبات على وجه الخضوع والتذلل والمحبة لله، والرغبة والاضطرار إليه وحده دون من سواه، ويتجنب المحرمات، ويحتاط لذلك باتقاء الشبهات؛ تعظيماً لله، وإجلالاً له، وخوفاً منه ورهبة؛ فلا يتعلق القلب ولا ينشغل اللب من العبد إلا بالله تعالى، فإنه سبحانه هو الذي خلقه من العدم ورباه بأنواع النعم، وأنشأ له السمع والبصر والفؤاد وبصَّره من العمى، وهداه من الضلالة، فما أعظم نعمه على العباد!
فحق على العبد أن لا يدعو ولا يستغيث ولا يستنصر ولا يستجير ولا يحلف ولا يستخير إلا بالله، وأن لا ينحر ولا ينذر وأن لا يركع ولا يسجد أو يخضع إلا لله، ولا يخاف ولا يخشى على وجه الإجلال والتعظيم إلا الله، ولا يرجو ولا يحب إلا الله، وهكذا إن أصابه خير شكر الله، وإن أصابه ضر التجأ إلى الله وشكا الحال على مولاه.
فعبد الله -حقيقةً- قلبه متعلق بالله وحده، يرغب إليه، ويستعين به في تحصيل كل محبوب، ويهرب إليه، ويستجير به من كل مرهوب، ويتوجه إليه في جميع مقاصده وإراداته، ويخلص له في دعائه وصلاته، ويتقرب إليه بزكاته وصدقاته، وسائر نفقاته، ويتجنب الرفث والفسوق والجدال في حجه وصيامه، وينمي الخير، ويسعى للإصلاح في كلامه، ويحتسب عند الله تعالى الثواب على حركاته وسكونه، ومنامه، ويغتبط.
ويرى أن المنة لله عليه؛ إذ شرفه بعبادته، وجعله أهلاً لطاعته، ووعده على ذلك بجزيل ثوابه، وحذره وزجره من موجبات عقابه، فيجمع المؤمن بين إحسان العمل ابتغاء وجه الله عز وجل، والخوف والشفقة خشية من رد العمل، لعلمه بكثرة أسباب الزلل، وموجبات الخلل، ولا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل.
فاتقوا الله -عباد الله-، واستمسكوا بذكره وهداه، وأخلصوا دينكم لله، ولا تكونوا ممن آثر دنياه، واتبع هواه، فاستحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله، أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون. واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الهدى والتذكرة والبيان، وجعلنا من أهل عبادته بإحسان، فإنه سبحانه هو اللطيف بعباده، الرؤوف الرحيم الرحمن، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي الأمين والناصح المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى حق تقاته، وعظموا أوامر ربكم وشعائره وحرماته، واحذروا الشرك به سبحانه؛ فإنه يحبط ما تقومون به من طاعته؛ فإن الشرك ظلم عظيم وجرم أثيم، وهو يبطل العبادة كما يبطل الحدث الطهارة.
عباد الله: كل من دعا غير الله في أمر لا يقدر عليه إلا الله، أو فعل شيئاً مما يبتغي به وجه الله، يتقرب به أو يعظم به أحداً سواه - فقد أشرك بالله، ويا سوء من جناه؛ فإن الذين كفروا بربهم يعدلون، جعلوا لله تعالى أنداداً وهم يعلمون، وسووا غيره به؛ فيا ويحهم يوم يوافون حين يدخلون النار قالوا وهم فيها يختصمون: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الشعراء:97-98].
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.