البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

شروط الإيمان

العربية

المؤلف إبراهيم سلقيني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات كتاب الجهاد - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. شروط الإيمان إجمالا .
  2. أهمية الجهاد بالنفس في سبيل الله وبعض القصص المؤثرة من حياة الصحابة في ذلك .
  3. منزلة الجهاد بالمال في سبيل الله وفضله .
  4. قصص مؤثرة من حياة الصحابة في الجهاد بالمال في سبيل الله .
  5. شناعة الظلم الحاصل للمسلمين عموما ولأهل فلسطين خصوصا .
  6. فداحة المؤامرة على المسلمين ودعوتهم للجهاد بالنفس والمال في سبيل الله .

اقتباس

أيها الإخوة المؤمنون: لقد سجل التاريخ في صفحاته أنصع الصفحات في الجهاد بالنفس، كانوا يتسابقون إلى الموت في سبيل الله، كما يتسابق أكثر مسلمي هذا العصر إلى الحياة. هذا سعد وولده يتسابقان في الخروج إلى الجهاد يوم بدر، فلا يجدا حلا إلا اللجوء إلى القرعة، فتخرج القرعة من نصيب الـ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه الإنسان وحيثما استقر.

الحمد لله العلي القادر، العزيز القاهر، القدير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده، وخلفائه الراشدين الهادين المهدين من بعده سيدنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى باقي الصحابة والقرابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: يقول تبارك وتعالى في محكم آياته، وهو أصدق القائلين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات: 15].

الإيمان -أيها الإخوة- له شروط، لا بد من تحققها:

الشرط الأول: (آمَنُوا بِاللَّهِ).

الشرط الثاني: "وآمنوا برَسُولِهِ".

الشرط الثالث: (ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا).

الشرط الرابع: "وجادوا بأموالهم".

الشرط الخامس: (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

(أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات: 15].

وسأتحدث في هذه الخطبة عن الشرطين الثالث والرابع، وباختصار شديد.

(وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الجهاد بالنفس في سبيل الله، لا في سبيل أي غرض آخر.

والجهاد بالمال في سبيل الله أيضا لا في سبيل أي غرض آخر.

أيها الإخوة المؤمنون: لقد سجل التاريخ في صفحاته أنصع الصفحات في الجهاد بالنفس، كانوا يتسابقون إلى الموت في سبيل الله، كما يتسابق أكثر مسلمي هذا العصر إلى الحياة.

هذا سعد وولده يتسابقان في الخروج إلى الجهاد يوم بدر، فلا يجدا حلا إلا اللجوء إلى القرعة، فتخرج القرعة من نصيب الولد، فقال له والده سعد: يا بني آثرني على نفسك؟ قال الولد: والله يا أبتاه لو كان ما تطلبه مني غير الجنة، لفعلت.

وسرت هذه العدوى حتى إلى الصغار، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعرض المجاهدين في غزوة بدر، فيجد بينهم أطفالا صغارا، فيردهم عن القتال، ولكن أحدهم وهو رافع يتطاول على رؤوس أصابعه، ليظهر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من الكبار لا من الصغار، فيبقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وأذكر هنا فقط حادثة رابعة من أروع الحوادث التي لم يسجل التاريخ مثلها.

قدم نفر من الأعراب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون له: "إنا قد أسلمنا فأرسل معنا نفرا من الصحابة يعلمونا القرآن، وأحكام الإسلام، فأرسل معهم صلى الله عليه وسلم ستة من الصحابة، غدروا بهم واحدا واحدا.

ومنهم: زَيْد بْن الدّثِنّة -رضي الله تعالى عنه- هذا الصحابي الجليل لما جيء به إلى أبي سفيان، طبعا قبل أن  يسلم، فقال له أبو سفيان: "أَنْشُدُك اللّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِك نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَأَنّك فِي أَهْلِك؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي.

فقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: "مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا".

ثُمّ أخذ، فضربت عنقه.

ومنهم: خبيب قدم للصلب، فطلب منهم أن يصلي ركعتين، ثم ليفعلوا ما شاءوا، فصلى، ثم قال لهم: لولا أنكم تظنون أني أخشى الموت لأطلت الصلاة، فقدم للصلب، وهو ينادي:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً

عَلَى أَي شِقٍّ كان في اللهِ مَضْعَجِي

وَذلِكَ في ذَاتِ الإلهِ وإنْ يَشأْ 

يُبارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شلْوٍ مُمَزَّعِ

فَلَسْتُ بمبدٍ للعدوِّ تَخَشُّعاً 

ولا جَزَعاً إني إلى الله مَرجعي

كانوا دائما -كما قلت- يسابقون إلى الموت، كما نتسابق إلى الحياة، كان مثلهم الأعلى إحدى الحسنيين: إما الشهادة في سبيل الله، وإما النصر: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].

والشرط الآخر والأهم أيضا: (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ) هذا الجهاد في سبيل الله، وهو لا يقل أهمية، بل -كما عبرت- قد يكون هو الآكد والأهم والألزم: الجهاد بالمال، بل إن كثيرا من الآيات الكريمة في كتاب الله قدمت الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.

وفي آياتنا هذه، قال تبارك وتعالى: (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

وجاء التأكيد على الجهاد بالمال في كثير من الآيات الكريمة؛ منها قول الله –عز وجل-: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].

ومنها: قوله تبارك وتعالى: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن:16].

ولم يكن تسابقهم على الجهاد بالمال أقل من تسابقهم على الجهاد بالنفس.

وسجل التاريخ ما لا يمكن أن يسجله في يوم من الأيام، سجل التاريخ -أيها الإخوة- من قدم جميع ماله في سبيل الله، ومن قدم نصف ما يملك في سبيل الله، فهذ أبوبكر -رضي الله عنه- يتصدق ويقدم جميع ماله، فيقول له رسول لله -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا أبقيت لأهلك؟" فيقول: يا رسول الله أبقيت لهم الله ورسوله.

ويقول لعمر: "ماذا أبقيت لأهلك؟" فيقول: نصف مالي.

وهذا صاحبي جليل؛ جهز جيشا بمفرده، إنه الخليفة الشهيد؛ عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه-.

وليس هذا في الرجال فقط، بل كانت النساء يتسابقن في هذا المجال، كما يتسابق الرجال، كنا يقدمن ما يملكن من مصوغات ومجوهرات، يقدمنها في سبيل الله –عز وجل-.

وهناك امرأة فاضلة، وصحابية جليلة، قدمت جميع ما تملك في سبيل الله –عز وجل-، ألا وهي: السيدة خديجة -رضي الله تعالى عنها-.

وقد سجلت النساء في البذل والصبر والجهاد، ما لا يقل -كما قلت- عما قدم الرجال.

صفية، أم عمارة، أم سعد، أم ياسر، مما يضيق لذكر أمثالهن.

أيها الإخوة الأحبة: إنني أتحدى أن نجد في قواميس اللغة العربية، بل في كل اللغات، ما يعبر عن وصف ما يجري في العالم اليوم، من بغي وظلم وتجبر، كما يجري في فلسطين، وغيرها.

نحن -كما يزعمون- في القرن الحادي والعشرين، لم يعرف العالم في ماضيه ظلما وتطاولا، وتسلطا واعتمادا على الطغيان والبغي، كما يجري الآن في فلسطين.

أن يصل الظلم في بغيه، في طغيانه، إلى حد أن يمنع عن المظلوم الرغيف، وحبة الدواء، فضلا عن السلاح.

أن يمنع ذلك كله بحجة أن تحفظ الدماء عن الإراقة، أي دماء؟!

دماء المسلمين لا قيمة لها، في كل مكان يجب أن تراق.

المسلمون في كل مكان يجب أن يسحقوا؛ لأنهم إرهابيون؛ لأنهم يدافعون عن حقوقهم، عن مقدساتهم.

إن من أولى واجباتنا -أيها الإخوة- إن لم نكن قادرين على الجهاد بأنفسنا: أن نجاهد بأموالنا؛ لأن المؤامرة كبيرة وخطيرة، وإن الخطر ليس فقط لشعب فلسطين، بل هو لكل عربي مخلص، ولكل مسلم.

إننا قادرون -أيها الإخوة- إذا استعنا بالله -عز وجل-، وإذا تضافرنا وتعاونا على الخير، وإذا نفذنا أمر ربنا –عز وجل-: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) [الأنفال:60].

إذا جاهدنا بأموالنا، أو بجزء منه، فنحن قادرون على نصرتهم، قادرون على أن نحقق لهم مجالا بأن يقيموا دولتهم في فلسطين.

نعم -أيها الإخوة- ما زال الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

إننا حين نواسي أخوة لنا، فإنما نواسي أنفسنا.

حينما نمد يد العون لإخواننا، فإننا نمد يد العون لأنفسنا.

ألم يقل عز وجل وهو أصدق القائلين: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ)[الإسراء:7]؟

ألم يقل ربنا –عز وجل-: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ)[البقرة:272]؟

ألم يقل عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا)[فصلت:46]؟

ألم يقل رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم

ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

أقول قولي هذا، وأستغفر الله ...