البحث

عبارات مقترحة:

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

حرمة قتل النفس المسلمة بغير حق

العربية

المؤلف حسين بن عمر محفوظ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات كتاب الجهاد - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. حفظ الإسلام للضروريات الخمس .
  2. تجريم القتل وتحريمه، وسدّ كافة ذرائع القتل .
  3. تحريم الغدر بالآمنين والتفجيرات .
  4. شدة عقوبات القاتل .
  5. ضوابط الجهاد. .

اقتباس

فدم المسلم حرام وماله حرام وعرضه حرام، وقد صان الإسلام الدماء والأموال والفروج، ولا يجوز استحلالها إلا فيما أحله الله فيه، وأباحه، وقتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب، والقاتل معرَّض للوعيد..

الخطبة الأولى:

عباد الله: إن الإسلام حافَظ على الكليات الخمس الضرورية، وهي: حفظ الدين والنفس والنسل، والعقل والمال، ووضع الحدود والقيود التي تحافظ على هذه الضروريات الخمسة؛ ففي سبيل حفظ الدين تزهق الأنفس المسلمة في الجهاد في سبيل الله؛ لأن حفظ الدين مقدَّم على حفظ النفس والنسل والعقل والمال، ولأجل الحفاظ على النفس حرم قتل النفس المسلمة بغير حق، وأمر بالقصاص في القتل فقال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:179].

وعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث؛ الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(متفق عليه)؛ فدم المسلم حرام وماله حرام وعرضه حرام، وقد صان الإسلام الدماء والأموال والفروج، ولا يجوز استحلالها إلا فيما أحله الله فيه، وأباحه، وقتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب، والقاتل معرَّض للوعيد، وقد نهى الله -سبحانه وتعالى- عن قتل النفس بغير حق؛ فقال -تعالى-:   (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)[الأنعام:151].

وحفاظًا على النفس المسلمة البريئة من إزهاقها وقتلها بغير حق؛ نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإشارة إلى مسلم بسلاح، ولو كان مزاحًا؛ سدًّا للذريعة، وحسمًا لمادة الشر التي قد تُفْضِي إلى القتل؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار"(متفق عليه)، وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم-صلى الله عليه وسلم-: "من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

فإذا كان مجرد الإشارة إلى مسلم بالسلاح نهى عنه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وحذَّر منه ولو كان المشير بالسلاح مازحًا، ولو كان يمازح أخاه من أبيه وأمه؛ لأنه قد يقع المحذور ولات حين مندم؛ فكيف بمن يقتل الأنفس البريئة ويروِّع المسلمين بتفجير المحلات والأسواق العامة، ويستهدف أرواح الأبرياء، فيقتل الأنفس المسلمة بغير حق؛ فيا لها من جريمة نكراء!، ويا لها من بشاعة تقشعر منها الأبدان!

ولقد شاعت في الآونة الأخيرة حوادث القتل والتفجيرات بشكل مخيف، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى القسوة والغلظة التي تملأ قلوب هؤلاء القتلة المجرمين، يقتلون المسلم ولأتفه الأسباب، فقست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

واعلموا -عباد الله- أن المسلم دمه معصوم وماله معصوم، ولا يجوز استباحة دماء المسلمين وأموالهم إلا بحقها، بل لا يجوز الإشارة إلى المسلم بالسلاح؛ لأن الشيطان قد ينزع في يده فيقتل نفسًا بخير حق، فيتحمل الوزر عند الله، ومعنى "ينزع" أي: يرمي فيقع الفساد.

فالإشارة بالسلاح ولو مزاحًا قد يقع من ورائه القتل والفساد؛ فكيف بمَن يتعمد قتل المسلم بغير حق؛ فإن مَن فعل ذلك كان معرَّضًا لأشد العذاب والعقاب والوعيد، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93]؛ إن الإسلام قد شدَّد على المسلم في هذا الأمر لخطورته؛ فالناس قد يتهاونون في السلاح من غير مبالاة فيقع المحذور، وكم من حوادث قتل حصلت بسبب إشارة الناس بالسلاح بعضهم إلى بعض، أو تعاطيهم السلاح مسلولاً غير مغمود في غمده.

فالحذر الحذر -يا عباد الله- من التهاون في مثل هذه الأمور؛ فإنها قد جرت للمسلمين الويلات والمصائب، واعلموا أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- "نهى أن يتعاطى السيف مسلولاً"(رواه أبو داود والترمذي)؛ فتعاطي السلاح دون أن يُؤَمَّن، والتهاون في الإشارة بالسلاح عن طريق المزاح أقل أحواله أنه يؤدي إلى جرح المسلم، هذا إذا لم يؤدِّ إلى قتله.

فاتقوا الله يا عباد الله، وامتثلوا لأمر ربكم وتوجيهات نبيكم ترشدوا.

الخطبة الثانية:

إن تعظيم الإسلام النفس المسلمة والتشديد في النهي عن قتلها لا يقف عن حدود النهي عن قتل المسلم بغير حق، بل إن الإسلام أوجب الدية والكفارة على قاتل النفس المسلمة خطأ، فقتل الخطأ شرع فيه الإسلام الكفارة والدية، وهو خطأ غير مقصود؛ تعظيمًا لحرمة النفس المسلمة التي صانها الإسلام، ووضع لها القيود للحفاظ عليها، قال الله -تعالى-:   (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء:92].

قتل المسلم خطأ يدل على التشديد في حرمة النفس المسلمة؛ فإذا كان الإسلام قد وضع هذه القيود على من قتل مسلمًا خطأ فكيف بمن يزهق الأرواح البريئة متعمدًا؟ كيف بمن يقتل الأنفس المسلمة بغير حق؟ كيف بمن يزرع القنابل والألغام والمتفجرات فيستهدف الأرواح المسلمة البريئة؛ فيقتل العشرات ويجرح المئات ويروع الآلاف من المسلمين؟ كيف بمن يقتل الصغير والمرأة والشيخ العجوز من غير جريرة اقترفوها إنما إشباعًا لنزواته الشيطانية؟

والأعجب من ذلك أن ترى مَن لا ضمير له، ومَن نُزِعَت الرحمة من قلبه يتبنَّى مثل هذه الأعمال الإجرامية والوحشية البشعة؛ فما من حادثة تفجير تقع إلا وهو يعلن مسئوليته عنها، مع أن هذه الحوادث كلها إنما استهدفت أرواح الأبرياء من المسلمين، إن من يعلن تبنِّيه لمثل هذه الأعمال الإجرامية إما أن يكون خارجيًّا يرى رأي الخوارج في استباحة دماء المسلمين وأموالهم، وإما أن يكون رجلاً أحمق ساذجًا مغفلاً يعتبر تلك الجرائم نوعًا من الجهاد.

فاعلموا -يا عباد الله- أن معركتنا مع اليهود والنصارى والمشركين والمرتدين؛ فالمسلم الغيور على دينه هو الذي يرى أن لا عصمة لمال الكافر الحربي ودمه، وأُمر المسلم بمقاتلة المشركين كافة لقوله -تعالى-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[التوبة:36]، فاذا وُجِدَتْ القدرة عند المسلمين، واستكملوا الإعداد وكانت بيدهم الشوكة التي تمكنهم من الجهاد في سبيل الله أُمِرُوا بمقاتلة مَن لا يدين بدين الإسلام من الكفار المحاربين ممن يلونهم من المنافقين والمرتدين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[التوبة:123]، ولا يستثنى من ذلك من الكفار إلا الذمي والمعاهد، ومن أعطي له الجوار؛ أما أن يجعل الإنسان هدفه المسلمين فيستبيح دماءهم وأموالهم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويصلون ويصومون ويحجون؛ فذلك مما تبرأ منه الإسلام، ونحن براء من ذلك.

وقد أثبتت الأحداث والوقائع المؤسفة التي حصلت أن بعض السذج ممن صرح أو أعلن مسئوليته عن تلك الحوادث المؤسفة أنه ليس هو وراءها‍‍!! فالعجب أن يعلن إنسان مسئوليته عن قتل الأنفس المسلمة، وهو ليس من تدبيره فأي سذاجة وحماقة أعظم من هذا فأمثال هؤلاء -لست أدري- أيحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فإن كان ذلك كذلك فتلك مصيبة، أم أنهم يتشبعون بما لم يعطوا، فإن كان الأمر على ما وصفنا فليعلموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"؛ فالمصيبة إذًا أعظم، ثم يعتبرون ذلك نوعًا من الجهاد وهم قد جمعوا في جرائمهم تلك بين قتل الأنفس الزكية المسلمة بغير الحق وبين ترويع المسلمين وإيذائهم، وهو منهيّ عنه؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب:58]، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"(متفق عليه).

اللهم إنا نشهدك أننا براء من هذه الأفعال والجرائم ومن أصحابها.