البحث

عبارات مقترحة:

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الأقصى ومكر اليهود وخيانتهم

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. حلقة من حلقات المعاناة والظلم التي وقعت في العصر الحديث .
  2. مكانة المسجد الأقصى وبيت المقدس في الإسلام .
  3. صلة المسجد الحرام بالمسجد الأقصى .
  4. غارات الصليبيين على المسجد الأقصى .
  5. من نور الدين محمود إلى صلاح الدين.. جيل فريد وقادة عظام .
  6. محاولات اليهود إضلال المسلمين .
  7. تاريخ المجازر اليهودية بشع ينضح دمًا وظلمًا .
  8. صور من مكر اليهود وحقدهم .
  9. من صور وأساليب اليهود في إيذاء المسلمين قديما وحديثُا. .

اقتباس

ثم يمضي التاريخ مسرعًا، وإذا جيوش الصليبيين تدق أبواب بيت المقدس، وتطأ جحافلهم بيت المقدس مغتصبة ظالمة، وإذا المذابح تجري على أيديهم أنهارًا في شوارع بيت المقدس ومسجدها الأقصى، وتمكث المدينة المباركة في أيدي الصليبيين النصارى ما يقرب من مائة عام، فعلوا فيها من الأفاعيل المخزية ما يندى له جبين التاريخ الإنساني، وما تتأذى عند ذكره الأجيال المتعاقبة، ثم يمن الله على هذه الأمة بأبطال مجاهدين جعلوا نصب أعينهم تحرير بيت المقدس من دنس الصليبين.. نور الدين زنكي، وعماد الدين زنكي، ثم أتى بطل من تلاميذهم وجندي من أجنادهم وهو صلاح الدين الأيوبي الكردي، وإذا هو بجحافل الإيمان وجيوش التوحيد والإسلام تدق أبواب بيت المقدس مرة أخرى...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل-، واستعدوا لما أمامكم من أهوال وشدائد لن يتخطاها إلا المتقون الموفقون من عباد الله، الذين تزودوا في هذه الدنيا بالأعمال الصالحة والقربات النافعة، جعلني الله وإياكم ممن استعد لأخراه، وختم لي ولكم بخير ما ختم به لعباده وأوليائه الصالحين، إن ربي على كل شيء قدير.

أيها الإخوة المسلمون: لا يخفى على أحد ما يتعرض له المسلمون في فلسطين في الأقصى المبارك والقدس الشريف وغزة، وفلسطين بعامة، من قتل وتشريد وشدة وعناء، ومصادرة وتهجير، وتدمير للمساجد والمنازل والممتلكات.

كل هذا يحدث حلقة من حلقات المعاناة والظلم التي وقعت في العصر الحديث على أهل فلسطين منذ أن وطئت أقدام اليهود أرض الأقصى المبارك أرض فلسطين المباركة.

أيها الإخوة المسلمون: إن مما لا يختلف فيه أحد أن لفلسطين المباركة قيمة دينية وقيمة تاريخية لدى المسلمين، وحتى نعرف مبلغ هذه القيمة لنستمع ما يقول ربنا -تبارك وتعالى- في صدر سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء:1].

هذه الآية في هذه السورة المباركة بينت صلة المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، وأشارت إلى الارتباط فيما بينهم، ثم ألقت الضوء على أن بقعة المسجد الأقصى بقعة طاهرة مباركة لها شأنها وأهميتها، وليس في الأرض بقعة تُشد الرحال إليها إلا المسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى المبارك، عجَّل الله بتحريره من اليهود المغتصبين.

إن صلة المسجد الحرام بالمسجد الأقصى هي صلة الشرف بالشرف، فسكان مكة الذين حملوا هذا الدين من الصحابة الأطهار من السابقين من المهاجرين -رضي الله عنهم- هم أشرف أهل الأرض؛ لأنهم هم الذين نقلوا هذا النور والخير إلى الإنسانية جمعاء، والمسجد الأقصى المبارك هو مهد الرسالات، وهو ملتقى النبوات في فترات طويلة من التاريخ، فيجب أن تنطلق مواكب التحرير من هاتين البقعتين المباركتين، وتسير كتائب الإيمان من هذين المسجدين ليهتدي العالم الضالّ، والإنسانية التائهة بنور الإيمان ورسالة الإسلام.

وتمضي السنوات بسرعة فائقة بعد حادثة الإسراء والمعراج، وإذا المسلمون الفاتحون المجاهدون في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقفون على أبواب بيت المقدس فاتحين هداة ناشرين لهذا النور والخير، وأسلم معظم أهله عن طواعية واختيار، مخلصين صادقين، ثم انطلقوا مع جنود الإسلام بعد ذلك مجاهدين دعاة لهذا الدين ومعلمين وموجهين.

ثم يمضي التاريخ مسرعًا، وإذا جيوش الصليبيين تدق أبواب بيت المقدس، وتطأ جحافلهم بيت المقدس مغتصبة ظالمة، وإذا المذابح تجري على أيديهم أنهارًا في شوارع بيت المقدس ومسجدها الأقصى، وتمكث المدينة المباركة في أيدي الصليبيين النصارى ما يقرب من مائة عام، فعلوا فيها من الأفاعيل المخزية ما يندى له جبين التاريخ الإنساني، وما تتأذى عند ذكره الأجيال المتعاقبة، ثم يمن الله على هذه الأمة بأبطال مجاهدين جعلوا نصب أعينهم تحرير بيت المقدس من دنس الصليبين.

نور الدين زنكي، وعماد الدين زنكي، ثم أتى بطل من تلاميذهم وجندي من أجنادهم وهو صلاح الدين الأيوبي الكردي، وإذا هو بجحافل الإيمان وجيوش التوحيد والإسلام تدق أبواب بيت المقدس مرة أخرى، ويحررها الجيش المسلم بقيادة صلاح الدين الأيوبي الكردي من النصارى الحاقدين، ويرد الحق إلى نصابه، ويرفع في سماء القدس مرة أخرى راية الإسلام خفاقة عالية، فلا يُراق دم، ولا تُنتهك حرمة، ولا ينقض عهد، بل يعامل الصليبيين الحاقدين على الرغم مما ارتكبوه؛ عاملهم بعد النصر معاملة كريمة، فعرض على من أراد البقاء أن يبقى ملتزمًا بأحكام الإسلام، وعرض على مَن رغب الرجوع على البلاد التي قدم منها أن يعود إليها.

وهذا شأن المسلمين الفاتحين المجاهدين الحقيقيين على مدار التاريخ كله.

ويظل بيت المقدس وفلسطين كلها تحت حكم المسلمين حتى دخلتها جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وعندها قال القائد النصراني اللنبي قولته المشهورة التي تدل على حقد ووعي بالتاريخ يقول قولته أمام قبر صلاح الدين "الآن انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين"!!

يقول ذلك النصراني هذا الكلام، ويظن أنهم انتزعوها إلى الأبد من أيدي المسلمين، ويرفض الإنجليز أن يخرجوا من فلسطين إلا بعد أن يخلّفوا ورائهم صنيعتهم وربيبتهم المسماة بدولة إسرائيل، وكان وعد بلفور المشئوم بجعل فلسطين المباركة فلسطين المسلمة بجعلها وطنًا قوميًّا لليهود، فمنح مَن لا يملك وهم الإنجليز في ذلك الوقت؛ منحوا هذا الحق وهم لا يملكونه، منحوه لليهود، ثم بدأت قُطعان اليهود من المشرق والمغرب تتهافت على الوطن المزعوم التي ملَّكته لهم إنجلترا في ذلك الزمن.

ثم تستمر الدول الكبرى في مساعدة اليهود في بناء دولتهم الجديدة التي أقاموها على أرض فلسطين المباركة في زمن تفرّق فيه المسلمون والعرب، في زمن انشغل المسلمون أو العرب بقومياتهم، وابتعدوا عن دينهم مصدر عزهم وقوتهم وسندهم.

استمر اليهود بدعم من الدول الكبرى الظالمة في بناء دولتهم الجديدة التي أقاموها على أرض فلسطين مسرى رسول الله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، أولى القبلتين، حتى انتهت المأساة في حرب 1967م ووقع المسجد الأقصى وبلد الإسراء والمعراج فريسة في قبضة اليهود.

ثم بدأت بعد ذلك مرحلة جديدة من المعاناة والعذاب، والإفساد والاحتلال والتشريد والتهجير لأبناء فلسطين على أيدي اليهود المغتصبين المحتلين، فمنذ أن وطئت أقدام اليهود أرض فلسطين الإسلامية، وهم لا يألون جهدًا في النَّيْل من الدين الإسلامي، يسبون الله –تعالى-، ولا يقدسونه، ويحرقون المصاحف، ويستهزئون بشعائر الدين، ويهدمون الأماكن المقدسة والمساجد.

وفي عام 1976 من القرن الميلادي المنصرم قام عدد من اليهود ممن يستوطنون إحدى المستعمرات التي أقامها اليهود في الخليل، قاموا بدخول المسجد الإبراهيمي وعاثوا فيه فسادا وتخريبا، وأمسكوا بنسخة من القرآن الكريم فمزقوها، وداسوا عليها بأقدامهم كما فعل إخوانهم قبل أيام في المسجد الأقصى المبارك، يوم وطئت أرجلهم النجسة ثراه المبارك فعمدوا إلى المصاحف يرمونها بأرجلهم ويركلونها بأقدامهم؛ عليهم من الله لعائنه المتتابعة.

ومن محاولاتهم لإضلال المسلمين: تشجيعهم للتبشير النصراني بين المسلمين، وتشجيع الإلحاد بشتى الوسائل؛ لعلمهم أن أعظم سند وقوة للمسلمين وأعظم سلاح لهم في معركتهم مع اليهود هو دينهم وعقيدتهم، ولهذا حرصوا على تجريد المسلمين من هذا السلاح القوي.

أما اعتداؤهم على النفوس البريئة فحدِّث ولا حرج، ففي عام 1948م من القرن المنصرم الميلادي أقدم اليهود بقيادة أحد زعمائهم على عمل وحشي فظيع؛ حيث داهموا قرية دير ياسين، وفتكوا بنحو مائتين وخمسين من أهلها دون تفريق بين ذكر وأنثى، وشيخ وطفل؛ مثلوا فيها ببقر البطون وتقطيع الأيدي والأرجل، وفقء العيون، وجزع الأنوف، وتحطيم الجماجم، وأبادوا تلك القرية عن بكرة أبيها، وجعلوها أثرا بعد عين، وأقاموا مكانها ذلك الكنيس التي حصلت فيها الواقعة قبل أيام.

وفي عام 1954م هاجم اليهود إحدى قرى فلسطين وذبحوا 66 من الأهالي، ونسفوا كثيرا من البيوت ، ومن عام 1956م هاجم اليهود قرية أخرى مساء عند رجوع الرجال من مزارعهم وحروثهم إلى بيوتهم فاعترضوهم في الطريق فقتلوهم جميعا بعيدا عن القرية.

وهناك عشرات بل مئات القرى التي أبادوا سكانها، أو شردوهم، ودمروا منازلهم ليقيموا على أنقاضها المغتصبات الصهيونية.

ثم توالت المجازر والمآسي والمصائب والبلايا على أهل فلسطين إلى وقتنا هذا، وما أخبار حرب غزة وحصارها الظالم إلا أحد الشواهد على البغي والظلم والعدوان الذي وقع على إخواننا في فلسطين، هذه المأساة المستمرة طيلة عقود من الزمن مئات الألوف من الرجال والنساء والكبار والصغار، وحصلت أكبر عملية في التاريخ المعاصر من عمليات التشريد والتهجير، فلا يُعرف شعب في العد الزمني المعاصر وقع عليه من ظلم التهجير والتشريد وإبعاده من بلده ما وقع لإخواننا في فلسطين.

أما بالنسبة للاعتداء على الأعراض والشرف، فحدِّث ولا حرج؛ لأن هؤلاء اليهود تقوم مخططاتهم على المتاجرة بالجنس، والمتاجرة بالرذيلة، وتشجيعها في أوساط المسلمين بعامة، بل في أوساط الإنسانية عامة؛ فهم تجار شركات السينما العالمية، وهم المروّجون لأفلام الدعارة والجنس؛ لأنهم يهدفون إلى تحطيم العالم، والقضاء على الأسر، من جملة ما يرمون إليه من مخططاتهم وإفسادهم الأخلاقي والخلقي.

هذه -أيها الإخوة- إشارات يسيرة لما عمله ويعمله اليهود داخل فلسطين من حرب للدين، وسخرية بأهله، وإبادة للنفوس، وإزهاق للأرواح، وتحطيم للشرف والعرض، وإشاعة للفاحشة والفجور وتضليل للعقول.

وليس هذا غريبًا على اليهود قتلة الأنبياء، قتلة المرسلين أكلة الربا، ليس هذا غريبا على اليهود؛ لأنهم أهل سوء وفساد منذ أقدم العصور.

ولا توجد أمة في القديم ولا الحديث حملت للعالم كله لواء المكر والخبث مثل الأمة اليهودية، ولا يوجد عنصر من البشر على مدار التاريخ طغى في الأرض، وأفسد فيها وأوقع الفتنة بين أممها مثل العنصر اليهودي.

ولكي تتجسد حقيقة مكرها، ويظهر مبلغ فسادهم يحسن أن يقسم مكرهم إلى ثلاثة أدوار، الدور الأول مكرهم قبل الإسلام، والدور الثاني مكرهم بعد الإسلام، والدور الثالث مكرهم في العصر الحديث.

أما مكرهم قبل الإسلام فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تبين ذلك وتوضحه غاية الوضوح، فالله -عز وجل- يقول: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء:4]، فأعلن الله -عز وجل- أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويفرطون في الظلم والعدوان والاستكبار.

وقال –تعالى- مبينًا أن غضبه نزل بهم لكفرهم الأثيم، واعتدائهم الظالم، وقتلهم الأنبياء بغير حق: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[البقرة: 61].

وهذه بعض الآيات التي وصف الله فيها اليهود بأبشع الصفات قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) [المائدة:60].

وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:64].

هذا غيض من فيض مما ذكره القرآن الكريم عن حقيقة مكرهم وفسادهم ومعاملتهم السيئة لأنبيائهم ورسلهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق، وقولهم على الله ما لا يليق به سبحانه وتعالى.

وتأملوا -أيها الإخوة- ما ذكره الله عنهم في سورة البقرة وسورة المائدة وسورة الأعراف، خصوصا لتجدوا الكثير من أعمالهم القبيحة وأخلاقهم السيئة ومكرهم السافر، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهيأ لأمة الإسلام من أمرها رشدًا، أن يهيأ لأمة الإسلام أن يجلي أولئك الغزاة الصهاينة الحاقدين الآثمين أن يجليهم عن بيت المقدس وأرض فلسطين المباركة وأن يخرجهم من بلاد الإسلام أذلة صاغرين خاسئين ذليلين وما ذلك على الله بعزيز.

بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ولاذ بحبله ورجاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأعرض عن شرعه وهداه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها؛ فإن أقدامكم ضعيفة على النار لا تقوى، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين الذين لا خوف عليهم ولا يحزنون.

أيها الإخوة المسلمون: لو أردنا أن نتحدث عن مكر اليهود وخيانتهم بعد مجيء الإسلام لطال بنا المقام، وإنما الغرض هنا الإشارة إلى طرف يسير من مكرهم وخبثهم.

إن المتتبع لأفعال اليهود الإجرامية بعد ظهور الإسلام يجد أن المكر اليهودي وصل أوجه وبلغ أشده، ولاسيما حينما علم اليهود أن النبوة أضحت في العرب، وأن الإسلام نسخ الديانات السابقة برسالة عالمية شاملة وتشريع رباني خالص، وهذه أبرز أساليبهم اللئيمة، وأظهر مؤامرتهم الغادرة في عصر النبوة وفي العصور التي تلت.

فمن أساليبهم: كتمانهم الحق وهم يعلمون، وتحريفهم الكلم عن مواضعه، والاجتهاد في صد الناس عن الإسلام وصرفهم إلى الكفر (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].

ومن أساليبهم: حرصهم على إيقاع الفتنة بين المسلمين، والتشكيك في العقيدة الإسلامية؛ كما كانوا يلجئون إلى الاستهزاء والسخرية كاستهزائهم بالأذان، واستهزائهم بتغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.

ومن أبرز مؤامرتهم: تآمرهم على المسلمين في غزوة الأحزاب، بل تآمرهم على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما تَرَاءى للرسول -صلى الله عليه وسلم- أنهم أهل غدر وخيانة، وأن وجودهم في المدينة سيكون مبعث فتنة وتآمر وتأليب على الإسلام والمسلمين عندئذ اتخذ في حقهم -صلى الله عليه وسلم- المواقف الآتية:

فمن هذه المواقف: أمره -صلى الله عليه وسلم- بقتل نفر من اليهود من زعمائهم وخاصة مدبري الفتنة فيهم، فقتل المسلمون كعب بن الأشرف وأبي رافع، وغيرهما من أئمة الكفر والضلال.

ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجلائهم عن المدينة، فأجلى يهود بني النضير وبني قينقاع ووافق -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ -رضي الله عنه- حين حكم على يهود بني قريظة جزاء نقضهم للعهود والمواثيق بأن تُقتل رجالهم وتسبى ذريتهم وتغنم أموالهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لقد قضيت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات"، وقد قُتلوا جميعا واحدًا بعد واحد.

ولما أُريد تنفيذ الحكم في زعيمهم حيي بن أخطب، ويداها مجموعتان إلى عنقه بحبلٍ، نظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال ذلك الزعيم الهالك من زعماء اليهود: "أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن مَن يخذل الله يُخذَل"، وصدق ذلك الهالك، فإن من خذله الله فلا ناصر له، فضربت عنقه.

أما أساليبهم ومؤامرتهم خلال العصور الإسلامية، فيكفي أن تعرف -أيها المسلم- أن اليهود كانوا دائمًا وراء كل نِحْلَة باطلة ومذهب خبيث، فأساس التشيع والرفض شخص يهودي اسمه عبد الله بن سبأ، فهو الذي اخترع فكرة التشيع لعليّ، وأهل بيته، واستغلها لهدم الإسلام، وهو الذي زرع بذور الفرقة، وسبب تعدد الفرق، وأثار النعرات العصبية الجاهلية في المجتمع الإسلامي، وهو الذي دبَّر مقتل الفاروق عمر -رضي الله عنه-، وهو الذي أشعل الفتنة في عهد عثمان -رضي الله عنه-، ولم يكن الدافع لذلك اليهودي ابن سبأ إلى كل هذه الدسائس والكيد والفتن إلا حقده على الإسلام والمسلمين، ورغبته الأثيمة بتنفيذ حلقة من سلسلة مكائد اليهود التي تهدف فيما تهدف إليه إلى زعزعة صرح الإسلام العظيم، وتكفيك دولة المسلمين العتيدة.

ويكفي أن تعرف -أيها المسلم- أن ميمون القداح اليهودي هو مؤسّس المذهب الباطني الذي ذاقَ المسلمون منه الويلات، ولا زالوا يذيقون على أيدي الباطنيين من القرامطة والنصيريين والشيعة الأنجاس.

أما مكرهم وكيدهم في العصر الحديث، فقد جعلوا أمامهم ثلاثة أهداف لتحقيقها؛ الهدف الأول: تجزئة أمم الأرض، وإغراء بعضهم ببعض، وإثارة الحروب فيما بينها، وإيقاظ نار الفتن بين شعوب العالم، والهدف الثاني إفساد عقائد الأمم وتحطيم مفاهيمها وأخلاقها ونظمها، وإبعادها عن صراط الله، والهدف الثالث إقامة دولة إسرائيل، ومركزها فلسطين، ومركزها الأكبر بزعمهم من النيل إلى الفرات.

ومن وسائلهم لتحقيق أهدافهم هذه: تأسيسهم للجمعيات الضالة والمبادئ الفكرية المنحرفة، فأسسوا الجمعية الماسونية الضالة، واستقطبوا لها كثيرًا من الناس وأصحاب السلطة والمال من أجل تسخيرهم لمآربهم، وهم الذين أشاعوا فكرة القومية العربية والقومية التركية ليقضوا على وحدة المسلمين وتألفهم، وهم الذين ابتعدوا النظريات الكافرة كالشيوعية والوجودية، ولا يبالغ الباحث إذا قال: إن كل فكر نتن وكل عمل خبيث كان وراءه اليهود الأنجاس الأرجاس.

بل وصل الأمر باليهود أن رسموا لإفساد الإنسانية منهج أخذوا في تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام ودور النشر والقنوات الفضائية، وعن طريق المسرح والسينما والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، وعن طريق المنظمات الماسونية، بل وعن طريق كل عميل خائن وكاتب مأجور؛ لأنهم يرون أنفسهم شعب الله المختار، وأن من سواهم من أمم الأرض قاطبة ما هم إلا خدم لليهود، هكذا يقولون في كتبهم، ويعتقدون وينشئون أبناءهم على هذه النظرة العنصرية المقيتة، واستطاعوا بمكرهم وخبثهم أن يُفسدوا الشعوب عن طريق الثقافات العامة والفنون والملاهي ودور الدعارة وأشباهها.

كل هذا -أيها الإخوة- في الله نسوقه اليوم للتأكيد على ما أخبر الله عنه في كتابه من أنهم أهل خبث وفساد ومكر، نسوق هذا الحديث لا من أجل تضخيم حجم اليهود، ولا من أجل اليأس من التغلب عليهم، فكيد الشيطان كان ضعيفًا، والله موهن كيد الكافرين، والأمة المسلمة المؤمنة لا يعرف اليأس سبيلاً إلى قلبها مهما تكالب عليها الأعداء، ومهما تردت أحوالها فهي أمة الحق والعدل والهدى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.

نسوق هذا الحديث كله لنعلم -أيها الإخوة- مدى الظلم، مدى البغي مدى الجور والعدوان الذي حلَّ بأهلنا في فلسطين، هذا الظلم المتواصل عشرات السنين، هذه الدماء النازفة طيلة العقود الماضية، فأين المتباكون من الكتبة والصحافيين والساسة، أين المتباكون على بضعة أشخاص من المتعصبين الصهاينة المحتلين الضالين عن أرواح عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم بغيًا وعدوانًا في حروب متواصلة ومجازر بشعة متلاحقة.

أين هم عن كل هذا؟ إنهم يكلون بمكيلين، وينظرون بمنظرين.

نسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه وقوته وعزه وجده وكبريائه أن يرينا في اليهود الغاصبين والصهاينة المحتلين عجائب قدرته، وأن يعجل بتطهير بيت المقدس من دنسهم ورجسهم إنه على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صل وسلم وبارك..