الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
وتوبوا إلى الله تعالى من أنواع الفسوق والعصيان، واستكثروا فيه من أنواع الإحسان: أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، تدخلوا الجنة بسلام، ولا تحتقروا معروفاً ولو قلّ تبذلونه في المسلمين، وارحموا الضعفاء من اليتامى والنساء والمساكين والمحرومين، وأسعفوا المضطرين، وأغيثوا الملهوفين، وواسوا المنكوبين؛ فإن أفضل الصدقة صدقة في رمضان ..
الحمد لله الذي شرع الصيام، ويسر ما شرع فيه من الأحكام، وجعل صوم رمضان أحد أركان الإسلام، أحمده سبحانه على ما له من عظيم الجود والإحسان، وأشكره أن بلغنا شهر رمضان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى وصفات الكمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير الخلق نهجاً، وأعظمهم خلقاً، وأكرمهم سجية، فأعظم به من بني حميد الخصال. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وأكرم آل.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله، واتبعوا هداه، فقد أفلح عبد راقب الله واتقاه، وسارع إلى الفرار من موجبات عضبه، والأخذ بأسباب رضاه، واستجابة لأمره الذي به وصاه، فكان من الموعودين بأنواع التكريم (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:21-22].
أيها المسلمون: إن شهر رمضان شهر عظيم، ووافد كريم، فهو سيد الشهور، وقد وعد الله المتقين فيه بعظيم الأجور، وقد بلغكم الله إياه، وجعله من موجبات تقواه، وكتب عليكم صيامه، وسن لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم قيامه، فاتجروا فيه بصالح الأعمال، وتزودوا فيه بكريم الخصال. ألا وإن لحظاته منصرمة وأيامه ماضية، فأحسنوا فيه رجاء أن يقال لكم غداً: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24].
وكونوا ممن وصفهم مولاهم بقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17].
أيها المسلمون: قد أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه برحمته فيغفر الذنوب، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي فيه من حرم رحمة الله عز وجل، وحيل بينه -لإعراضه وسوء عمله- وبين جنة عرضها السماوات والأرض، فصوموا نهاره محتسبين محسنين، وقوموا ليله راهبين راغبين، وأكثروا فيه من الدعاء متضرعين مستكينين.
واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وهما: شهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار. وخصلتان لا غنى لكم عنهما وهما: سؤال الله الجنة، والاستعاذة به من النار.
وتوبوا إلى الله تعالى من أنواع الفسوق والعصيان، واستكثروا فيه من أنواع الإحسان: أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، تدخلوا الجنة بسلام، ولا تحتقروا معروفاً ولو قلّ تبذلونه في المسلمين، وارحموا الضعفاء من اليتامى والنساء والمساكين والمحرومين، وأسعفوا المضطرين، وأغيثوا الملهوفين، وواسوا المنكوبين؛ فإن أفضل الصدقة صدقة في رمضان، وأكثروا من تلاوة القرآن، فإن لكم بكل حرف منه عشر حسنات، مضاعفة إلى سبعمائة ضعف، فكيف إذا كان ذلك في رمضان؟ فهنيئاً لكم يا أهل القرآن.
أيها الصائمون: حافظوا على صيامكم باجتناب المفطرات، وما اختلف في تفطيره، فإن اجتنابه من ترك الريبة واتقاء الشبهات، واشغلوا أوقاتكم بأنواع الطاعات وجليل القربات، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم، فذلك شأن أهل المروءات، فلا تسمحوا لأحد أن يخل بصيامكم، فإن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، واعلموا أن الله تعالى لا يقبل الصيام من غير المصلين، ولا يرضى لعباده أن يتشبهوا بالمنافقين الذين ذمهم الله في قوله المبين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]. وقوله: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54].
أيها المسلمون: من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، ولا جناح على الصائم فيما يدخل جوفه من الريق أو غبار الطريق. ومن أصبح جنباً فليبدأ بالسحور، وليؤخر الاغتسال حتى يفرغ من سحوره، ولا شيء عليه.
والمرأة إذا انقطع دمها -من حيض أو نفاس- قبيل الفجر فلتصم ولتغتسل بعد السحور، وذلك من لطف الحليم الغفور، ومن تعمد القيء فقد أفطر، ومن غلبه القيء فلا شيء عليه، ومن احتجم فقد أفطر، ومن تبرع بالدم في نهار رمضان فهو محكوم بالفطر عليه، ومن احتاج إلى إخراج دم كثير من جسمه فليفطر احتياطاً وليقضِ يوماً مكانه.
أيها المسلمون: اجتهدوا في الدعاء في رمضان، وتحروا أوقات الإجابة مثل ساعة الإفطار؛ فإن للصائم دعوة عند فطره ما ترد، وكان بعض السلف يقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فتوبوا إليه واستغفروه وادعوه وارجوه.