البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الدعاء: فضيلته وحسن عاقبته

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. أهمية الالتجاء إلى الله عند المصائب .
  2. فضل الدعاء .
  3. حسن عاقبة الدعاء .
  4. شروط الدعاء. .

اقتباس

ولقد امتلأت كتب السنة بالتوجيهات الكريمة التي تجعل المسلم موصولاً بربه؛ ففي كل مناسبة دعاء، وفي كل يقظة أو نوم أو حركة أو سكون اتجاه إلى الله، يشد المسلم إلى ربه، ويذكره بفضل ربه عليه، وأن يستغفر لذنبه ويتوب إليه، حتى يحقق الرجاء، ويستجيب الدعاء، ويجود بالخير، ويدفع البلاء ..

 

 

 

الحمد لله، باسط العطاء، مجيب الدعاء، أحمده سبحانه على السراء والضراء، حمداً يملأ الأرض والسماء، وما بينهما مما يشاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الدَيّان، ذو الجود والإحسان، يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، خير من تضرع إلى الله في الشدة، وأرشد إلى صالح الدعوات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يتضرعون إلى ربهم في سائر الأوقات ويسارعون في الخيرات.

أما بعد:

فيا أيها الناس: استكينوا له، وتضرعوا إليه، فإنه لا مفر ولا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه، فآمنوا به وتوكلوا عليه، وأحسنوا الظن به، وفروا إليه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات:50] (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر:53-58].

أيها المسلمون: إن مجالب الهموم وبواعث الأحزان في هذه الحياة كثيرة متعددة ومتنوعة، وتصيب كل أحد من الأنام؛ فلا يسلم منها عظيم لعظمه، ولا غني لماله، ولا ذو جاه لجاهه، فضلاً عن البائس المحروم، والضعيف المظلوم، ولكن المؤمن الحق هو الذي يستيقن أن ما ألمَّ به من نازلة، أو فاجأه من فاجعة، إنما وقعت بقضاء من الله وقدر (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:22-23].

فيتجه العبد إلى ربه في سائر آنائه مخلصاً له في تضرعه ودعائه (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83] (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].

فإنه -سبحانه- سائق كل خير، وكاشف كل ضر، وقد أخبر عن نفسه أنه يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وأن رحمته قريب من المحسنين، فعندما تستحكم حلقات المحن، وتشتد الكروب، وتتابع الشدائد والخطوب، فليس أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى، ويلوذ بجنابه، ويضرع إليه راجياً تحقيق وعده الذي وعد به عباده المؤمنين في قوله المبين: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]. فالدعاء وسيلة مشروعة يأخذ بها الصالحون إلى جانب الوسائل المعنوية والمادية لحفظ النعماء ودفع البلاء.

أيها المسلمون: ولقد كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على أن تكون حياتهم كلها ذكراً لله تعالى، وتضرعاً إليه، وذلاًّ له، واستكانة بين يديه؛ وخاصة عندما تنزل المحن وتشتد الخطوب، وتعظم الرزايا وتتوالى الكروب.

ولقد امتلأت كتب السنة بالتوجيهات الكريمة التي تجعل المسلم موصولاً بربه؛ ففي كل مناسبة دعاء، وفي كل يقظة أو نوم أو حركة أو سكون اتجاه إلى الله، يشد المسلم إلى ربه، ويذكره بفضل ربه عليه، وأن يستغفر لذنبه ويتوب إليه، حتى يحقق الرجاء، ويستجيب الدعاء، ويجود بالخير، ويدفع البلاء.

وكم في القرآن العظيم من الدعوات الكريمة لخيار خلق الله وصفوته من عباده، يستعينون به -سبحانه- على تحصيل عظيم المطالب ومتنوع الحاجات، ويستعيذون به من المصائب والملمات؛ فإنه عبادة لرب العالمين، وسنة مأثورة عن الأنبياء والمرسلين، ووسيلة مباركة من وسائل الصالحين المهتدين، وسلاح عظيم من أسلحة المؤمنين، فإن الدعاء يعالج البلاء، ويدفع شر القضاء، وينفع مما نزل ومما لم ينزل من البلاء، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء، وكم صرف الله عمن قبلنا من أنواع البأساء والشدائد والضراء.

فعليكم بالدعاء، لازموه ولا تعجزوا عنه؛ فإنه لا يهلك به أحد (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) [الفرقان:77].

وإن المصيبة كل المصيبة أن يحال بين المرء وبين الدعاء عندما تنزل به المصيبة أو يشتد به الكرب؛ فلا يضرع إلى الله ويلح بالطلب بأن يدفع المصيبة ويكشف الضر (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43] فمن أحب أن يوفق للجوء إلى الله تعالى عند الشدة والبلاء فليلازم الدعاء والتضرع إليه حال الرخاء، والشكر على النعماء، وليسأل ربه اللطف في القضاء، والعافية من البلاء.

أيها المسلمون: لقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا أهمّه أمر رفع رأسه إلى السماء، فدعا يلتمس الفرج والنجدة من رب السماء، وكم له صلى الله عليه وسلم من الدعوات المأثورات عند الكروب ونوازل الخطوب، فعندما آذته ثقيف جلس صلى الله عليه وسلم إلى ظل شجرة ورفع رأسه إلى السماء ضارعاً يقول: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي" الحديث.

وعندما نازلته قريش في بدر رفع رأسه ويديه إلى السماء وأخذ يدعو الله ويضرع إليه حتى أتم الله له النصر، وبعث إليه ملائكته تقاتل مع جيشه. وشرع صلى الله عليه وسلم الدعاء عند القحط وعند الكسوف والخسوف وغيرها من النوازل، وكان يقنت في الفرائض فترة من الزمان على أشخاص وقبائل آذوه وآذوا أصحابه حتى أعزه الله ونصره، وأظهر دينه.

فاتقوا الله -عباد الله-، وتضرعوا إليه، واتخذوا من الأدعية المأثورة وسيلة لبلوغ الآمال، واقرنوها بصالح الأعمال، واعلموا أن من شروط قبول الدعاء الكف عن انتهاك محارم الله، وعدم الغفلة عن الله، ثم الرجوع إلى التوبة الصادقة، التي يقطع بها المرء الصلة بماضي الآثام، ويستصلح بها النفس في مستقبل الأيام، مع الحذر من الكسب الحرام، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الأرحام، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ولا تقعدنكم عن الدعاء الغفلة، أو الركون إلى ضلال الضالين وشبه المنحرفين، فإن للدعاء أثره الواضح الفعال، في تحقيق الرغائب وبلوغ الآمال، وحسبك أنه هو العبادة التي تفتح بها أبواب الرحمة؛ إذا توجه به العبد إلى ربه راغباً راهباً نال رضاه، وبلغ به فوق ما يتمناه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:55-56].

اللهم اجعلنا ممن آمن بك وتوكل عليك، ورجاك واعتمد في جميع أموره عليك، وفوض أمره إليك، ودعاك وذكرك في سائر آنائه وتوجه إليك، وتضرع إليك رغبة ورهبة، فأجبته فأكرمته وحفظته وأجرته، وزدته من هداك وفضلك، وثبته على الحق في الدنيا وفي الآخرة، يا أرحم الراحمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.