الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لقد فتَحَ الإعلامُ الجديد آفاقًا جديدةً واسِعةً؛ ليُعبِّرَ بها المرءُ عن ذاتِه وشخصيَّتِه، والتفاعُلِ مع ما حولَه من قضايا وأحداثٍ، بطُرقٍ مُختلِفة، وأسالِيبَ مُتجدِّدة، قد لا يُدرِكُها أو يستوعِبُها جيلُ الآباء والكِبار. هذه الوسائِلُ قرَّبَت البعيد، ومهَّدَت الطرقَ أمام المُبدِعين، وسهَّلَت نقلَ المعلومات، وبناءَ الأفكار، وتطويرَ المهارات، وصَقلَ الملَكَات، وإشباعَ الحاجات، وإثباتَ الذات، وزرعَ الثقةِ في النفوس. في هذه الوسائِلِ والأدوات تيسيرٌ للمعلومات وتوفيرُها ومُتعتُها، ينتقِلُ فيها المُتلقِّي من المُتابَعةِ إلى المُشارَكَة الفاعِلَة، في كل الموادِّ والأدوات. كل ذلك يتمُّ إذا كان هذا التعامُلُ بوعيٍ ونُضجٍ وحُسن تدبيرٍ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله مُثيبِ الطائعين بجَزيل الثواب، ومُجيب السائِلين فهو أكرمُ من أجاب، يجتَبِي إليه من يشاءُ ويهدِي إليه من أناب، أحمدُه - سبحانه - على نعمٍ لا نُحصِيها وهو الكريمُ الوهَّاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أرجُو بها النجاةَ يوم الحساب.
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أشرفُ رسولٍ أُنزِلَ عليه أفضلُ كتاب، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله خيرِ آل، وأصحابِه أكرم الأصحاب، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم المآب.
أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -، ولتكُن الآذانُ لما جاء من عند ربِّها واعِية، والنفوسُ لحقوقِه راعِية، والأقدامُ في رِضاه ساعِية، واستعِدُّوا ليومٍ تُعرَضُون فيه، لا تخفَى منكم خافية.
اغتنِمُوا نفائِسَ الأوقات .. وتفكَّرُوا في العِبَر والمثُلات؛ فقد أخبرَتكم بما أخذَت من الديار، وما أعفَت من الآثار.
شاهدتُم المنايا، وقوارِعَ الأحداث والرَّزايا؛ فطِيبُوا نفسًا بمُعامَلَة الله، فأنتم الرابِحُون، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
أيها المسلمون: العُمرُ أنفاسٌ معدودة، وأوقاتٌ محدودة، وضياعُ الوقتِ إضاعةٌ للعُمر، وإهدارُ الأوقات إهلاكٌ للنفوس.
وهذا الضياعُ والإهدارُ ينعكِسُ على الإنسان أمراضًا في النفس، وضجَرًا في الحياة، وسُوءًا في الأخلاق والسلوك، واضطِرابًا في العلاقات، وضعفًا في التحصيل، وضياعًا للمسؤوليات.
ومن أجل هذا؛ فإن من توفيقِ الله لعبدِه أن يفتَحَ له أبوابَ الخير، ويُيسِّر له سُبُلُ البِرِّ، ويُبارِكَ له في عُمره، فيستعمِلَه في طاعة الله، ويُوفِّقَه لعملِ الصالِحات.
ومن الخُذلان: أن يضيعَ على المرء عُمرُه، فيسلُكَ مسالِكَ الإثم، ويسيرَ في دُروبِ الشرِّ، ويلهَثَ وراءَ المُتَع، يُضيِّعُ الأيام بما لا ينفَع.
معاشر الإخوة:
ومما ابتُلِيَ به أهلُ هذا العصر: ما عُرِف بالإعلام الجديد؛ من شبَكَات المعلومات، ومواقِع التواصُل الاجتماعيِّ، وغُرف المُحادَثات، والمُدوَّنات، والحسابات الشخصيَّة، والمُنتدَيات والمواقِع.
أما الإعلامُ التقليديِّ، فقد وصَفُوه بالإعلام الساكِن؛ لأنه من طرفٍ واحدٍ، لا يشترِكُ فيه المُتلقِّي بحديثٍ ولا حِوار، ولا إبداءِ رأيٍ، ولا تسجِيلِ موقِفٍ.
أما الإعلامُ الجديد بكل تقنيَّاته وأدواتِه، فهو إعلامٌ حيٌّ، يشترِكُ فيه المُرسِلُ والمُستقبِل في الحديثِ والرأي والحِوار.
معاشر المسلمين:
الإعلامُ الجديد لهُ آثارُه كبيرة، وتأثيراتُه البالِغة على سُلُوك الناسِ وعاداتهم، وإحداثِ أنواعٍ من التغيير الاجتماعيِّ إيجابًا وسلبًا، ونفعًا وضرًّا.
إعلامٌ خطيرٌ، تجاوَزَ الحدودَ الجُغرافيَّة، وتواصَلَ الناسُ فيه من جميعِ أصقاعِ الدنيا أقطارًا وقارَّات، هبَطَ بين أجزاء العالَم وغيَّر معالِمَه، تقارَبَت معه المسافاتُ الزمانيَّة والمكانيَّة.
لقد أصبحَ دورُه مُتعاظِمًا في حياة الأفراد والأُسَر، والمُجتمَعات والشعوب، مُحدِثًا طفرَاتٍ واسِعة في عالَم الاتصال والتواصُل. يتواصَلُون مع أقرانِهم وغير أقرانِهم، ومعارِفِهم وغير معارِفِهم، داخِليًّا وخارجيًّا، يتبادَلُون الأسرار والمعلومات والثقافات، ومُمارَسَةَ ما لا ينحصِرُ من النشاطات والفعاليَّات مع من يعرِفُون ومن لا يعرِفون.
معاشر المسلمين:
وإن من التواصِي بالحق والتناصُح في الخير: النظرَ في هذا كلِّه، في استِجلابِ الإيجابيَّات والإفادَة منها، والاستِزادَة من منافَعِها، وحفظِ الوقتِ والعُمر للتوظيفِ النافِع. والنظر في السلبيَّات لاجتِنابِها والتحذيرِ منها؛ حِفظًا للنفس، ونُصحًا للأمة، وقيامًا بالمسؤوليَّات.
أيها الإخوة:
ومن إيجابيَّات هذه الوسائِل ومنافِعها وفوائِدها: إقامةُ العلاقات الطيبة بين الأفراد والمجموعات، من الأقارِب والأصدقاء، وأصحابِ المِهَن والحِرَف والتخصُّصات، وتبادُلُ المعلومات النافِعة في كلماتٍ وملفَّاتٍ ورسائِل، وإيجادُ مُجتمعٍ مُتوادٍّ مُتعاطِفٍ مُتواصِلٍ في الخير.
مع ما يحصُلُ من توفير الوقتِ والجُهد والمال، وسُرعة التواصُل والإنجاز، بل هو وسيلةٌ فعَّالةٌ في التعلُّم والتعليم، والدعوة إلى الله، والتوجيه والإرشاد، والتعاوُنُ على البرِّ والتقوى، والتناهِي عن الإثمِ والعُدوان.
بطُرقٍ مُبتكَرَة، ونتائِجَ مُبهِرة، في تواصُلٍ عن بُعدٍ وعن قُربٍ، تتهيَّأُ الفُرصُ للإبداع، وتُتاحُ للإنجاز، في الأفكار والآراء والمشارِيع، مما ينفعُ الأفرادَ والجماعات.
لقد فتَحَ الإعلامُ الجديد آفاقًا جديدةً واسِعةً؛ ليُعبِّرَ بها المرءُ عن ذاتِه وشخصيَّتِه، والتفاعُلِ مع ما حولَه من قضايا وأحداثٍ، بطُرقٍ مُختلِفة، وأسالِيبَ مُتجدِّدة، قد لا يُدرِكُها أو يستوعِبُها جيلُ الآباء والكِبار.
هذه الوسائِلُ قرَّبَت البعيد، ومهَّدَت الطرقَ أمام المُبدِعين، وسهَّلَت نقلَ المعلومات، وبناءَ الأفكار، وتطويرَ المهارات، وصَقلَ الملَكَات، وإشباعَ الحاجات، وإثباتَ الذات، وزرعَ الثقةِ في النفوس.
في هذه الوسائِلِ والأدوات تيسيرٌ للمعلومات وتوفيرُها ومُتعتُها، ينتقِلُ فيها المُتلقِّي من المُتابَعةِ إلى المُشارَكَة الفاعِلَة، في كل الموادِّ والأدوات. كل ذلك يتمُّ إذا كان هذا التعامُلُ بوعيٍ ونُضجٍ وحُسن تدبيرٍ.
نعم .. حفِظَكم الله؛ فمن هو هذا المُستخدِمُ المُوفَّقُ الذي يصِلُ به رحِمًا، ويُعلِّمُ جاهِلاً، وينشُرُ معروفًا، ويُنكِرُ مُنكَرًا، ويدعُو إلى سُنَّة، وينشُرُ فوائِد؛ بل إنها وسيلةٌ لكل مسؤولٍ ليُفيدَ منها في معرفة جوانِب القُصور في مسؤوليَّته وإدارتِه، والتواصُل مع ذوِي العلاقة من مُوظَّفين ومُراجِعين ومُحتاجِين لمزيدٍ من المُراجَعة والتطوير، واتِّخاذ الإجراءات المُلائِمة، والقرارات الصائِبة.
على أن ما في هذه المواقِع والمُدوَّنات والشبَكَات من معلوماتٍ ومُحتَوَيات تبقَى بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التوثيقِ والتثبُّت؛ فالعلمُ الصحيحُ والمعلوماتُ الصادِقة تُؤخَذُ من أهلِها، بعد دراسةٍ وأناةٍ وحُسن مُعالَجة.
أيها الإخوة الأحبَّة:
أما سلبيَّاتُ هذه الأدوات، فهي مع الأسف كثيرةٌ وكثيرةٌ؛ من الأفكار الهدَّامة، والجُرأةِ المُهلِكة على الأصول والثوابِت، وضعفِ الرَّقابَة، والخُلُوِّ من الضوابِط والمعايِير في الكلامِ والكتابةِ والصورة، مع ما تحتوِيه من موادَّ مُحرَّمةٍ فاضِحة، تستهدِفُ جميعَ الطبقات والفِئات، مما يُورِثُ الانحِلالَ الأخلاقيَّ، وفسادَ الفِطَر، ونزعَ الحياء، وقتلَ الغَيرَة. ناهِيكُم بضياع الأوقات، واستِنزافِ الجُهود، والانعِزال عن الأُسرة والمُجتمع.
كما قد يُسبِّبُ جفافًا في التعامُل، وجفاءً في التواصُل، وخَذَلاً في الترابُط الأُسريِّ، والعلاقات الاجتماعيَّة.
ثم ناهِيكُم بما قد يُبتلَى به المُتصفِّح من الوقوع في الفتن والمعاصِي، والانزِلاقِ مع خطواتِ الشيطان، (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21].
مع ما يحصُلُ من ترويجِ الإشاعات، وإشاعَة الفَحشاء، والدعوة إلى المُنكَر، واتِّهام الأبرياء، والتدخُّل فيما لا يعنِي من أحوال الناس وخُصوصيَّاتهم، وتتبُّع عورات الناس، ومن تتبَّعَ عوراتِ الناسِ تتبَّعَ الله عورتَه حتى يفضَحَه في بيتِه.
ولاسيَّما حينما تُستخدمُ الأسماءُ الوهميَّة، والحروفُ الرمزيَّة؛ ليكون من ورائِها القذفُ والتشهيرُ وقالَةُ السوء، والخوضُ في الأعراض، وافتِعالُ الخُصومات مع المشاهِير وغير المشاهِير في ميادين العلم، والسياسة، والاقتِصاد، والإدارة، والفِكر، وغيرها، بقصدِ الإفساد، ونزعِ الهَيبَة من الأفراد والمسؤولين.
والتزوير في البرامِج والصُّور، وتوظيفِ الكلامِ والموادِّ بما يضُرُّ ويُورِثُ البَلبَلَةَ والتشويشَ، فلا حُقوقَ مُصانَة، ولا شخصيَّات مُحترَمة، ولا حُرمةَ للمُجتمع.
ثم ما يقودُ إليه ذلك من المُشاحَنَات، والتعصُّب، والتحزُّب؛ مما يُورِثُ الكراهيةَ في النفوس، والغِلَّ في الصدور، ويُرسِّخُ الطائفيَّة والحِزبيَّة والعُنصريَّة والمذهبيَّة، مما يُضعِفُ الهويَّةَ والانتِماء للجماعةِ. حتى عبَّر بعضُهم عن عالَم التقنيَّات هذا بأنه "عالمٌ افتِراضيٌّ"، أي: لا انتِماءَ له ولا هويَّة.
معاشر المسلمين:
وإذا كان الأمرُ كذلك، وكانت هذه هي المنافِعُ والمضارُّ. فعلى المُستخدِم أن يتَّقِيَ الله - عز وجل -، وأن يستحضِرَ النيَّةَ الصالِحةَ المُصلِحةَ، ويستشعِرَ مُراقَبَةَ الله - عز وجل - في سمعِه وبصرِه ولسانِه وجَنانِه، وليستخدِم ذلك كلَّه في الخير والصلاح والإصلاح، والتقرُّب إلى الله، وجمع الكلمة، وزَرع المحبَّة، وحُسن التعامُل، وحُسن الظنِّ، ونشر الصحيح من القول، والصالِح من العمل، والتثبُّت فيما يقولُ وينشُر.
وليجتنِبِ الحرام من الغِيبَة، وفُحش القول، والبَذاء، والبُعد عن الدخول في النيَّات والمقاصِد والخُصوصيَّات، وبَذل النُّصح والتوجيه والإرشاد المبنيِّ على العلمِ والإيمانِ والإخلاصِ.
وفي كلمةٍ جامعةٍ: عليه أن يعرِفَ المنافِعَ، ويستزيدَ منها وينشُرَها. ويعرِفَ المضارَّ فيجتنِبَها، ويحذَرَها ويُحذِّرَ منها.
بل قد يكونُ في مقدور المُتعامِل الحَصِيف المُحسِن المُؤمن الصالِح أن يبتكِرَ لنفسِه وسيلةً إعلاميَّة، مقروءةً أو مرئيَّة أو مسموعة، عبرَ حسابِه، أو موقِعِه، أو مُدوَّنتِه، يتواصَلُ بها في حُضورٍ إيمانيٍّ علميٍّ ثقافيٍّ اجتماعيٍّ، نافعٍ ينشُرُ المودَّة والوِئامَ، وحبَّ الخير للجميع.
على أن من المعلوم لدى أهل العلم والعقل والإيمان: أنه ليس كلُّ ما يُعلَم يُكتَب، ولا كلُّ ما يُعلَم يُقال، وليس كلُّ ما يُرَى يُصوَّر، ولا كلُّ ما يُصوَّر يُنشَر، لا دينًا ولا مروءةً ولا حِكمةً. ومُريدُ الخير لا تُعجِزُه الطرقُ النافِعة، والوسائلُ المُفيدة لنفعِ نفسِه، وإفادَة غيرِه.
والمُوفَّقُ من وفَّقه الله، والسعيدُ من حفِظَه الله، والله المُستعان وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، الحمدُ لله حمدَ من خافَه واتَقاه، والشكرُ له على ما أفاضَ من نعمٍ وأولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أدَّخِرُها يوم أن ألقَاه، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أخشَى عبدٍ وأتقاه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه ومن والاه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا لا محدَّ لمُنتهاه.
أما بعد، أيها المسلمون:
ومن أعظم سلبيَّات هذه الوسائِل والأدوات وأضرارها: المُجاهرةُ بالذنوبِ والمعاصِي والفُحش والبَذاء، حتى ولو لم يظهَر اسمُ المُستخدِم، أو تُعرف شخصيَّتُه. فهو مُجاهِرٌ مُشيعٌ لفاحشةٍ، وناشِرٌ لمعاصٍ، (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 108].
وقد تكونُ المُجاهَرةُ بالإثم أعظمَ من فِعلِه؛ ذلكم لأن مقصودَ المنعِ من المُجاهَرة تعظيمُ الذنبِ، وعدمُ الاستِخفاف به أو التهاوُن فيه، لما في المُجاهَرة من دعوةِ الناسِ إلى الفُجور، وتسهيلِ الإثم، وتكثيرِ سَواد أصحابِ المعاصِي، وتقوِيةِ هل المُنكَرات.
وفي الحديث المُتَّفق على صحَّته: "كلُّ أمَّتي مُعافَى إلا المُجاهِرين، وإن من المُجاهَرة أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملاً، ثم يُصبِحُ وقد ستَرَه الله عليه، فيقولُ: يا فُلان! عمِلتُ البارحةَ كذا وكذا. وقد باتَ يستُرُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشِفُ سِترَ الله عليه". وهل تأمَّلتُم - رحِمَكم الله - معنى رفعِ العافية عن المُجاهِر - نسألُ الله العافية -؟!
إن رفعَها - كما قال أهلُ العلم -: يشملُ الدنيا والآخرة، وإن من رفعِ العافية عن المُجاهِر أن يفضَحَه الله في الدنيا والآخرة، وبخاصَّةٍ إذا كان ينشُرُ باسمٍ مُستعار، أو رُموزٍ مُبهَمة. فيفضَحه الله بزلَّةٍ منه، أو ببعضِ من يعرِفُه أو يُشارِكُه مُنكَراته.
ومن رفعِ العافية: أن يطبَعَ الله على قلبِه، فيألَفَ المعاصِي، فتصيرَ له عادةً وديدَنًا، لا يُبالِي بحُرُمات الله ومحارِمِه.
ومن رفع العافية في الآخرة: ما جاء عند البخاري من حديث عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يُدنِي المُؤمن، فيضعُ عليه كنَفَه وسِترَه، فيقول: أتعرِفُ ذنبَ كذا؟ أتعرِفُ ذنبَ كذا؟ فيقول: نعم أيْ ربِّ! حتى إذا قرَّرَه بذنبِه، ورأى نفسَه أنه هلَك، قال الله: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم. فيُعطَى كتابَ حسناتِه».
ويُخشَى - عباد الله -، يُخشَى أن هذا المُهاجِر يفوتُه هذا السِّترُ والعفوُ في الآخرة.
يقول الحافظُ ابن حجر - رحمه الله -: "سِترُ الله مُستلزِمٌ لستر المؤمن على نفسِه؛ فمن قصَدَ إظهارَ المعصية والمُجاهَرَة بها أغضبَ ربَّه، فلم يستُره، ومن قصَدَ السِّترَ بها حياءً من ربِّه ومن الناسِ منَّ الله عليه بسترِه إياه".
ويقول الحافظُ ابن القيِّم - رحمه الله -: "المُستخفِي بما يرتكِبُه أقلُّ إثمًا من المُجاهِرِ المُستعنِد، والكاتِمُ له أقلُّ إثمًا من المُخبِر المُحدِّث للناس، فهو بعيدٌ من عافية الله وعفوِه".
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وليتَّقِ اللهَ المُتعامِلُون مع هذه الوسائِل والأدوات، أفرادًا ومجموعاتٍ ومُدوَّنات ومواقِع وحسابات، وليتواصَوا بالحقِّ، وليتواصَوا بالصبر، وليتعاوَنُوا على البرِّ والتقوى، ولا يتعاوَنُوا على الإثمِ والعُدوان.
وحسنًا لو أنشأوا مجموعاتٍ فاعِلةٍ هادِفةٍ للترشيدِ والتوعية، في حُسن استِخدامِ هذه الأدوات والتقنيَّات، وتأصِيلِ القِيَم، وحُسن استِثمار فوائِدِها الدينيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة، والتحذير من مضارِّها وسلبيَّاتها.
وفَّق الله الجميعَ لما يحبُّه ويرضَى، وسدَّد ووفَّق، إنه سميعٌ مُجيب.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله، فيومُكم هذا هو سيِّدُ الأيام، ونبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو سيِّدُ الأنام، فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزِيَّةٌ ليسَت لغيرِه، وكلُّ خيرٍ نالَتْه هذه الأمة في الدنيا والآخرة فإنما نالَتْه على يدِه - عليه الصلاة والسلام -.
فجمعَ الله لأمَّته به خيرَي الدنيا والآخرة؛ كيف وقد أمركم الله بذلك، فقال عزَّ قائلٍ عليمًا - وهو الصادقُ في قَوله - قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وصلِّ اللهم على آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلون: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاةَ والملاحدةَ وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاك، واتَّبَع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتَك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، ومُدَّ في عُمره على طاعتك، ووفِّقه ونائِبَيْه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهُدى والسنَّة يا رب العالمين.
اللهم وأصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم واحقِن دماءَهم، واجمع على الحقِّ والهدى والسنَّة كلمتَهم، وولِّ عليهم خِيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرخاءَ في دِيارِهم، وأعِذهم من الشُّرور والفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم من أرادَنا وأرادَ دينَنا وديارَنا وأمنَنا وأمَّتَنا ووُلاةَ أمرنا وعلماءَنا وأهلَ الفضل والصلاح والاحتِساب منَّا، ورِجالَ أمننا، وقوَّاتنا ووحدَتنا واجتماعَ كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغِله بنفسِه، اللهم فأشغِله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا رب العالمين.
اللهم يا وليَّ المؤمنين، اللهم يا وليَّ المؤمنين، ويا ناصِر المُستضعَفين، ويا غياثَ المُستغيثين، يا عظيمَ الرجاء، ويا مُجيرَ الضعفاء، اللهم إن لنا إخوانًا مُستضعَفين ومظلومين في فلسطين، وفي سوريا، وفي بورما، وفي أفريقيا الوسطى، قد مسَّهم الضرُّ، وحلَّ بهم الكرب، واشتدَّ عليهم الأمر، تعرَّضوا للظلم والطُّغيان والتشريد والحصار، وسُفِكَت دماؤُهم، وقُتِل أبرياؤُهم، ورُمِّلَت نساؤُهم، ويُتِّم أطفالُهم، وهُدِّمت مساكنُهم ومرافقُهم.
اللهم يا ناصِر المُستضعَفين، ويا مُنجِيَ المؤمنين انتصِر لهم، وتولَّ أمرهم، واكشِف كربَهم، وارفع ضُرَّهم، وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قلوبِهم، واجمع كلمتَهم، اللهم مُدَّهم بمددِك، وأيِّدهم بجُنودك، وانصُرهم بنصرِك، اللهم إنا نسألُك لهم نصرًا مُؤزَّرًا، وفرَجًا ورحمةً وثباتًا، اللهم وسدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، وقوِّ عزائِمَهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، ومن شايعَهم، ومن أعانَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، ومزِّقهم كل مُمزَّق، واجعل تدميرَهم في تدبيرِهم يا قويُّ يا عزيز.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا مُغيثًا غدَقًا سحًّا مُجلِّلاً، غيثًا تُغيثُ به العباد، وتُحيِي به البلاد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والبَاد.
اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، وليس بنا غِنًى عن سُقياك. على الله توكَّلنا، ربَّنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكرُوا الله يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.