المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبد الله يعقوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
لقد عظُمت الفتنةُ في هذه الأمّة بأقوامٍ من الخوارج، انتسبوا إلى الخلافة الإسلامية وهي منهم براء، وأعلنوا قيام دولة الإسلام، وخالفوا شرائع الإسلام في أصوله وفروعه، بسفك الدم الحرام، وقتل الأبرياء، ونحر الأعناق، وتعليق الرؤوس، وإثارة الفتن العمياء، وتواصلت منهم حلقاتُ الإفساد والتكفير، والتفجير والتدمير. ولا يرتابُ العقلاء أنّما يحدث منهم وأضرابهم وأشباههم في بعض بلاد المسلمين يُعدّ جريمة شنعاء وفعلة نكراء لا يقرّها دين ولا عقل، وهو بكلّ المقاييس أمرٌ محرّم، وفعل مجرَّم، وتصرّف مرذول، ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخليله، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ، وسلمَ تسليماً كثيراً ..
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.. سراً وعلنا.. غيباً ومشهداً.. حضراً وسفراً.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102- 103].
أيها الكرام: روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ من أصحابه من أهل نجد، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ".
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: "مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي"، فَسَأَلَهُ خَالِدُ بْن الوَلِيدِ أن يقتله فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
وقال علي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ" (متفق عليه).
أيها الناس: لقد عظُمت الفتنةُ في هذه الأمّة بأقوامٍ من الخوارج، انتسبوا إلى الخلافة الإسلامية وهي منهم براء، وأعلنوا قيام دولة الإسلام، وخالفوا شرائع الإسلام في أصوله وفروعه، بسفك الدم الحرام، وقتل الأبرياء، ونحر الأعناق، وتعليق الرؤوس، وإثارة الفتن العمياء، وتواصلت منهم حلقاتُ الإفساد والتكفير، والتفجير والتدمير.
ولا يرتابُ العقلاء أنّما يحدث منهم وأضرابهم وأشباههم في بعض بلاد المسلمين يُعدّ جريمة شنعاء وفعلة نكراء لا يقرّها دين ولا عقل، وهو بكلّ المقاييس أمرٌ محرّم، وفعل مجرَّم، وتصرّف مرذول، وعمل إرهابيّ مخذول، وسابقةٌ خطيرة، ونازلةُ شرٍّ مستطيرة، وصدق ابنُ عمر حين كان يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللهِ، ويقول: "إنَّهُمُ انْطَلَقُوا إلى آياتٍ نَزَلَتْ في الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلى المُؤمِنينَ".
أين هؤلاء المنحرفون الضالون من قولِه -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق على صحته: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"؟!
وقولِه -عليه الصلاة والسلام-: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ" (متفق عليه)؟!
وقولِه -عليه الصلاة والسلام-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه) ؟!
عباد الله: يزعم الخوارج.. أنّهم يقيمون شرع الله، ويطهّرون جزيرة العرب من المشركين، ويقيمون دولة الإسلام على أرض العراق والشام.. وكذبوا لعمر الله.. فليست دولتهم إلا دولةً خارجية حرورية، قتلت أهلَ الإسلام وتركت أهل الأوثان، تقودها عصابة بعثية رافضية، ومخابرات صليبية صفوية، ووقودها نابتةٌ أغرار، حُدثاءُ أسنان، سفهاء أحلام، تجمعوا من أصقاع الأرض، في حماس زائد، وعاطفة هوجاء، وجهل مركب، فركبوا رؤوسهم، وهاموا زهوا وتيها وغرورا.. وأحدثوا فتنًا وفواجع وشرورًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الكرام.. إذا اجتمع الجهلُ والهوى.. أفسدا على المرء دينه، وتخبّطَ في أعماله وأقواله بلا زمام ولا خطام، ولا أدل على ذلك من أعمال فاسدة قام بها أولئك الخوارج.. أعظمها تكفيرُ الناس بالجملة، ناهيك عن تكفير الدول والحكومات، فمن لم يدخل معهم في معتقدهم الفاسد فهو عندهم مرتدٌ كافرٌ حلالُ الدمِ والمال.
بل جعلوا قتل المسلمين مقدّمًا على قتل الكفار الأصليين، فصدق فيهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ"، مع التشبثِ بالشبهات والشاذِ من الأقوال، وتنزيلِ الآيات غير منزلها، وفجورٍ في الخصومة، وسباب مقذع وشتم بالغ لكل مخالف. عدا عن الخيانة والسرقة والكذب والخديعة، والتعصب للخلق والصدود عن الحق.
ومن العجائب لديهم: القتل للمصلحة. فيقتلون المرء بلا استحقاق ولا مسوغ شرعي، إلا أن المصلحة تقتضي قتله من وجهة نظرهم الفاسدة.. فيُقتل. وكم قُتل بهذا الأمر من الأخيار والدعاة إلى الله والمجاهدين وطلبة العلم؟!، وعند الله تجتمع الخصوم.
أما طرائق القتل والإعدام لديهم: فهي متنوعة مختلفة، لا خطام لها ولا زمام سوى الجهل والهوى، ولا تسل بعد ذلك عن المشاهد المأساوية.
يقتلون الناس ذبحاً كما تذبح الشاة.. ثم يحملون الرؤوس ويلوحون بها لإرهاب الناس، وقد ينصبون الرؤوس على منارات أو أعلام أو جُدُر.
ومن ذلك ما أحدثوه من قتل أحد الناس حرقاً وتصوير ذلك ونشره، وإيراد أقوال لبعض أهل العلم تأييداً لباطلهم، والإسلام من فعلهم براء.
وقد يكون القتل عندهم بالجملة، فيقتلون في المرة الواحدة المئات من أهل البلد بحجج أوهى من بيت العنكبوت.
ومن العجائب عند هؤلاء الخوارج: تعذيب الأسرى، -والأسرى الذين عندهم هم من المجاهدين من فصائل أخرى أو من عامة الناس ممن يرفض فكرهم ومنهجهم-، ويكون التعذيب بالضرب أو التجويع أو المنع من الصلاة.
فأي إسلام يدعيه هؤلاء القوم؟!، مع أن الإسلام أمر بالأسير خيرًا، بل وضع القرآنُ الكريم الأسيرَ في لائحة من يعْظُمُ الأجرُ بالإحسان إليهم والرفق بهم، فقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8].
ولهذا لا يجوز تعذيب الأسير، بل يتعين معاملته معاملة كريمة، هذا بالنسبة للكافر، والأسير المسلم من باب أولى.
وإذا ظهر للمسلمين أن المصلحة في قتل الأسير، قتلوه قتلة كريمة، امتثالاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولا يجوز أن يكون بُغضهم له، حاملاً على الاعتداء عليه، ومخالفة شرع الله فيه، لقوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]، ولقوله تعالى: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِين) [البقرة: 190].
وقد أمر الشرعُ عند قتل من يستحق ذلك: بإحسان القِتلة، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
وأما القتل حرقاً... فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْثٍ، فَقَالَ: "إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلانًا" لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا "فَأَحْرِقُوهُمَا بالنَّارِ"، ثُمَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- حِيْنَ أرَدْنَا الخرُوجَ: "إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". وقَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
ومن عدل أهل الإسلام في القتل: أنهم يعاملون من أرادوا قتله بالرحمة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
فالمسلمون لا يقطعون ولا يحرقون ولا يمثلون، بخلاف من نزع الله من قلبه الإيمان ثم نزع من قلبه الرحمة!. فتراه يقتل الناس حرقًا.. ويشويهم شيًّا.. وترى نفسه تتلذذ بتعذيب الناس، وكلما صاح الضحية ألما.. صاح معه طربًا! وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسنه الأَلبَانيُّ).
عباد الله: إنّ ما يجري حولنا في بعض بلاد المسلمين من سفك الدماء المعصومة، وإزهاق الأنفس البريئة، وأعمال التفجير والتدمير والتخريب والإفساد وغيره.. لهو من الأعمال الإجراميّة المحرمة، التّي هي إفرازٌ لفكر تكفيري منحرف تأباه الشريعةُ الإسلامية والفِطرُ السليمة والعقول المستقيمة، ويرعاه أعداءُ الأمّة لتشويه صورةِ الإسلامِ السَّمحة، وتشويه صورةِ الجهاد الشرعي بمثل هذا التخريب والإفساد والإجرام.
فيا لله كم من مصالح للأمّةِ دّمرها هؤلاء؟!
وكم من مكاسب للأعداء حقّقها هؤلاء؟!
وكم تضرّرت الدعوةُ والحِسْبةُ والأعمالُ الخيريةُ بسبب هذه التصرفات الرعناء؟!
فالزموا عبادَ الله كتابَ ربكم، وسنةَ نبيكم، وما عليه سلفُ الأمة... واسمعوا للعلماء الربانيين، ورثةِ الأنبياء وحُماةِ الدين، والسدِّ المنيعِ لأمن البلاد والعباد، وإياكم والتفرق والاختلاف، فالدينُ واضح، والسنةُ بيّنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ، فَمَن ْيَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ" (رَوَاهُ ابن ماجه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
أيها الكرام.. لن تتوقف مخازي هؤلاء الخوارج وأفعالهم القبيحة، ما دام قائدهم الجهلُ والهوى، حتى يصبحوا "شر الخلق والخليقة" كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والواجب على المرء المسلم الحذر من فكرهم ومنهجهم، وتحذير الناشئة والصبيان من مشاهدةِ أفلامهم، وقراءةِ أقوالهم، والرجوعِ لأهل العلم لمعرفة الحق، والسير عليه، والتمسك به.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
عباد الله.. من المؤسف أن يُلصق وصفُ الإرهابِ بالإسلام وأهله من قِبل الإعلام العالمي وأذنابه العربي، بسبب فعل هؤلاء الخوارج، وإذا كان من فعل الخوارج قتلُ وحرقُ الأسرى، فإن بعض الخارجين عن الإنسانية من زبانية المجرم الخبيث النصيري في الشام فعلوا ما هو أشد وأنكى.
أرأيتم ما حصل قبل أيام في دوما الجريحة! والغوطة الشرقية الذبيحة؟!
أرأيتم المدن والأحياء وهي تقصف بصواريخ الطائرات، وتدك دكاً دكاً بأنواع القذائف والراجمات؟!
أرأيتم البيوت وهي تُهدم فوق رؤوس ساكنيها من النساء والأطفال؟!
وتقطعت من أهلينا وأحبابنا الأجساد والأشلاء والأوصال؟!
وسالت الدماءُ الزاكيةُ أنهاراً، وحوّلت القنابلُ ليلهم نهاراً..
ولم يحرِّك العالمُ الغربي المنافق ولا توابعه من العَرَبِ.. ساكناً!!
تحركت عواطفهم ومشاعرهم، وبكت عيونهم، وتحدرت دموعهم، لأجل بضعة علوج قُتلوا في فرنسا.. ولم تتحرك نخوتهم وحميتهم وإنسانيتهم -إن كان فيها بقية- لأجل أطفالِ ونساءِ وشيوخِ المسلمين في الشام... (قاتلهم اللهُ أنى يؤفكون).
عباد الله.. ولئن كان الخوارج فعلوا ما فعلوا لبدعة تلبسوا بها فقد فعل جنودُ الغربِ الظالمِ الآثمِ ما هو أشد وأنكى في العراقِ والصومالِ وأفغانستان وغيرها.. وذلك من صميم عقيدتهم القتالية العسكرية.
إن كانوا قد نسوا.. فإن التاريخ لا ينسى صورة أولئك الجنود الغربيين الذين حملوا فتى صوماليًّا مسلمًا.. وبكل سخرية وازدراء.. شووا جسدَه الطاهرَ فوق النار.
إن كانوا قد نسوا.. فإن التاريخ لا ينسى صورة أولئك الجنود الغربيين وهم يبولون فوق أجساد ضحاياهم من المسلمين الأفغان، ثم يبعثون بهذه الصور الممجوجة لأهليهم وأصدقائهم.
إن كانوا قد نسوا.. فإن التاريخ لا ينسى صورة أولئك الجنود الغربيين وهم يعذبون الأسرى المسلمين عراةً بعضهم فوق بعض، ويسلطون عليهم الكلاب الضارية لتنهش أجسادهم الطاهرة وأعضاءهم التناسلية في معتقل أبي غريب في العراق.
ألا سحقا سحقاً لمبادئ الغرب، وقوانينه الجائرة التي تنظر بعين واحدة..
ولا تفرق بين المختلفات، وتفرق بين المتماثلات، والله مولانا ولا مولى لهم.
وصلوا وسلموا على خير الورى ونبي الهدى، كما أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله...