البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

دواء الجريح في حادثة القديح

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. وجوب الحذر من الفتن .
  2. جريمة نكراء وفعلة شنعاء .
  3. مخاطر إثارة العنف والافتراق .
  4. من أسباب الفرقة والتكفير والتفجير .
  5. وجوب المحافظة على نعمة الأمن. .

اقتباس

الأحداث في زمن الأحداث، والفتن تلو الفتن، والمحن بعد المحن؛ تقلبات واختلافات، وحوادث مزعجات، وشرور وملهيات؛ فتن كقطع الليل، ومحن وبلاء، فتن تدع الحليم حيران وتدهش الأذهان، وتبلبل الأفكار، وتحير أهل العقول والادكار، أزمان كُذب فيها الصادق، وصُدق الكاذب، وخُون فيها الأمين، وائتُمن فيها الخائن المشين. كثر فيه الأكاذيب والحيل والأساليب وسوء الكيل، تنوعت أساليب التغرير والتدليس، وزخرفة الحق والتلبيس، وراج النفاق والتزوير، وإطلاق اللعان، والسب والتكفير؛ فالموفَّق من باعد وحجز أنفاسه، وجانب الفتن والخوض فيها، والاستشراف والوقوع فيها والتطلع لها...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمر بالعدل والإنصاف، ونهى عن العدوان والظلم والإجحاف، وأشهد أن لا إله إلا الله صاحب الكرم والألطاف، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نهى عن الاعتداء والإرجاف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم العدل والإنصاف.

أما بعد: فاتقوا الله؛ فتقواه حياة الأرواح ونور المساء والصباح وجُنة ووقاية وكفاح وفوز وعز وفلاح.

أيها المسلم: أنت في هذه الدنيا تزرع، ومن شأن المزارع الحفاظ على زرعه استواءً ونباتا وحصادا، ومن ثم بيعا وكسبا، هكذا أنت في دنياك زرعك هو عملك فما هو نوع زرعك وما هو دورك في المحافظة عليه وإتمامه وإكماله، ومن ثم فوز وسعادة وجنة وفي الدنيا راحة ووقاية وجنة.

غدا توفَّى النفوس ما عملت

ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنُوا لأنفسهم

وإن أساءوا فبئس ما عملوا

أيها المسلمون: الأحداث في زمن الأحداث، والفتن تلو الفتن، والمحن بعد المحن؛ تقلبات واختلافات، وحوادث مزعجات، وشرور وملهيات؛ فتن كقطع الليل، ومحن وبلاء، فتن تدع الحليم حيران وتدهش الأذهان، وتبلبل الأفكار، وتحير أهل العقول والادكار، أزمان كُذب فيها الصادق، وصُدق الكاذب، وخُون فيها الأمين، وائتُمن فيها الخائن المشين.

كثر فيه الأكاذيب والحيل والأساليب وسوء الكيل، تنوعت أساليب التغرير والتدليس، وزخرفة الحق والتلبيس، وراج النفاق والتزوير، وإطلاق اللعان، والسب والتكفير؛ فالموفَّق من باعد وحجز أنفاسه، وجانب الفتن والخوض فيها، والاستشراف والوقوع فيها والتطلع لها.

فلا يسلم للإنسان دينه وراحة عيشه إلا بذلك، وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ..".

فالحماية والوقاية والدفع والصيانة قبل الولوغ والجناية، فربما ولجت الفتنة وعسر خروجها والانفكاك عنها، سواء فتن شبهات أو شهوات مضلات. ولهذا فالفتن تحتاج إلى قوة وبصيرة، وعقل وحنك وحنكة وروية، والفتن مزلق وخيم ومنعطف خطير دميم ولهذا جاء عن الرسول الرءوف الرحيم: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ, إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ".

ومن هذه الفتن حادثة التفجير الواقع في بلدة القديح في مسجد علي بن أبي طالب الجمعة الماضية حصل من جرائه فاجعة ودماء سائلة، وأريقت دماء وجروح، ومصائب وبلاء، فهي جريمة نكراء وفعلة شنعاء، ولا يخفى على ذي لبّ أن الدم حرام "إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام".

وأن القتل من عظائم الأمور وذنب عظيم ومحظور، إن مما حدث يستهدف زعزعة الأمن واستقراره، وتمزيقه وإهداره، وتفريق صفّه ووحدته، وإحداث شرخ في مجتمعه يحولها إلى دماء سائلة ونعرات مذهبية وطوائف حزبية ومذاهب جاهلية.

إن إثارة العنف والافتراق والتشتت والإحراق يشتت الأصل والاتفاق والاجتماع والتآلف والرفاق، إن زعزعة الأمن يخدم الأعداء ويورث البغضاء والشحناء، إن زعزعة الاجتماع يخدم العدو الداخلي والعدو الخارجي، ويجلب الحسرات ويورث النكبات ويفتك بالأعراض والممتلكات.

ثلاث يُجهل مقدارها

الأمن والصحة والقوت

فلا تثق بالمال من غيرها

لو أنه درّ وياقوت

إن الأعداء لا يألون جهدا في التفريق والتمزيق وبث السموم وغرس البغضاء وإثارة العداوة واللأواء في وسائل متفرقة من قنوات ومواصلات ومواقع وتواصلات ومنتديات وشبكات؛ يتلقفها ضعاف الإيمان، ويشربها حداثة الأسنان مما تبث من الشبهات وتمخضه من الشهوات، فمن لا دين عنده ولا وقاية ولا عقيدة صافية ولا حماية خاض فيها بدون سلاح متين ودرع حصين.

ومن الوسائل المزعزعة: الذنوب والمعاصي فهي أعظم عقوبة فادحة وفساد ناجمة وأضرار قادحة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].

وهو نوع من الإفساد ورب العباد يقول (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) [الأعراف: 54] والفساد في الأرض كما يقع معنويا بالكفر والنفاق والبدع والشقاق والظلم والعدوان والإيذاء والخسران يقع حسيًّا كالتفجير والتكفير وإهدار الممتلكات والتدمير والتخريب والإيذاء والإتلاف والشعواء.

إن الإسلام جاء بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والبغي والعدوان (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].

عليك بالعدل إن وليت مملكة

واحذر من الجور فيها غاية الحذر

فالعدل يبقيه إن اختل من بلد

والجور يفنيه في بدو وفي حضر

ونهى عن السعي في الأرض بالإفساد بالذنوب والفساد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة:204 - 205].

إن التفرق والاختلاف يؤجج الفتن ويورث الإحن والإتلاف، إن الأعداء حسدونا على الاجتماع والإتلاف فسعوا لتأجيج الخلافات وزرع المشاغبات عبر تويتر والتواصلات والرسائل والإشاعات، وأوقدوا نار الفتن وأثاروا النعرات الطائفية والتحزبات البغيضة والتفرقات المذهبية.

إن من قل دينه وضعف عقله وسهل إدراكه؛ تلقفه العدو من كل جانب وصاده الملاح في كل قارب، فلهذا -عباد الله- "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"، لا تأخذوه من شبكات موهومة، ومواقع مبهمة، ومنتديات مجهولة وطلبة مرتزقة وأسماء مغلفة، فكم أحجبت تلك الفتن وزرعت المحن، ودعت إلى الخروج لمفارقة الجماعة ونزع يد الطاعة، والتجاسر على القتل والتكفير والتدمير والتفجير، وإسقاط العلماء الموثقين والتنفير!! فحصنوا أولادكم وأنفسكم بالعلم النافع والخير الجامع والديانة المتينة والمراقبة الإيمانية وحب العلم وأهله والإتلاف حول الجماعة والتأصل بمعتقد أهل السنة والجماعة.

إن مما ينبغي أن يدرك أن الأعداء يبثون سمومهم، ويغذون صغارهم، ويزرعون شرورهم لفك المجتمعات وزرع الخلافات فيفتحون جبهات وينشرون المعتقدات الأمن نعمة ومنة كبيرة كريمة بدونها لا راحة ولا اطمئنان ولا سعادة ولا إيمان.

الخوف والقلق والفزع والأرق يورث الفتن والإحن العدو يريد إيجاد فجوة بين الراعي والرعية، ونشر العداوة وإشغال الأمة وتفكيك العلماء وطلبة العلم الأوفياء.

العدو يريد بأفعاله المشينة والمخططات الآثمة تفريق صفوفنا ونزع ثقتنا وترويع أمننا وإحداث فوضى في بلادنا، وزرع الشرور بيننا وتوهين وحدتنا، فلنكن أمة مجتمعة وأمة مترابطة متحدة ومتماسكة متلاحمة مترابطة متآلفة في ظل ديننا وأمننا وولاتنا ويد واحدة على أعدائنا (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا

منه بعروته الوثقى لمن دان

فالاجتماع رحمة ولحمة والفرقة شر وبلاء ومفسدة، ولابد أن نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب ربنا وسنة نبينا (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].

كلٌّ يرى رأياً وينصر قوله

وله يعادي سائر الإخوان

ولو أنهم عند التنازع وُفِّقوا

لتحاكموا لله دون توان

ولأصبحوا بعد الخصام أحبة

غيظ العدا ومذلة الشيطان

وكذا الاجتماع يغيظ الأعداء ويدفع الشر والمصائب والبلاء، والتفرق شر ووباء ومرض وفساد وداء.

إن التفرق داء معضل أبدا

في العرب أعيا على الدهر المداوينا

ومن أسباب الزعزعة التكفير والتفجير: أن الناس بين طرفي نقيض؛ منهم من يكفر مطلقا، ومنهم من ترك التكفير مطلقا، وأهل السنة والجماعة يكفّرون من كفره الله ورسوله بضوابطه وشروطه وانتفاء موانعه، ويكفرون بالنوع لا العين إلا من ثبت كفره دون جهل وميل، والكفر ليس لكل كبير وصغير، وإنما هو لمن تأمل وتدبر وعلم وتعقل وتفكر، فليس حمًى مستباحًا دون تروٍّ وتأنٍ وجمع للنصوص وتحرٍّ، يقول ابن القيم رحمه الله :

الكفر حق الله ثم رسوله

بالنص يثبت ? بقول فلان

من كان رب العالمين وعبده

قد كفراه فذاك ذو الكفران

نفعني الله وإياكم بالسنة والكتاب ووفقنا للحق والصواب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه فهو غفار لكل أواب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد الشاكرين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين ..

أيها المسلمون: إن ما حدث من التفجير في الجمعة الماضية المرير إنما هو من أعداء يريدون التفرقة والزعزعة والبلايا المروعة لا يقره عقل صحيح ولا منهج صريح، فالواجب أن نكون جسدا واحدا وأمة مجتمعة ونعتصم بالله ونجتمع ونتفق ونأتلف ونقتنع (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].

نتذكر عباد الله أن ديننا دين أتمه الله وأكمله وبالتمسك به والعمل به سعادتنا وسيادتنا وعزنا وقوتنا (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].

لنسعَ إلى ثوابتنا وعقيدتنا فنتعلمها على وفق المنهج القويم والصراط المستقيم عودا إلى التوحيد والعقد المجيد لننشئ أولادنا على الخير وحبه والرحمة والشفقة، نحافظ عليهم من جلساء يُفسدون عقائدهم، ويزرعون الأحقاد في قلوبهم ويبثون السموم في أفكارهم، ونحتك بهم ونجتمع ونتواصل ونرتفع؛ إن الأعداء يحرصون على الشاب الصغير ذا القلب الصافي يزرعون الشهوات بالبرامج والقنوات والمسلسلات والمسرحيات والنساء العاريات والصور الخليعات والحرية والمغريات.

وآخرون يبثون الشكوك والشبهات فيتلقفه أعداء الشبهات والشهوات فينغمس في وحل المهلكات فلا بد من توصية جادة وتحذير هادف وتنبيه لطيف وتقريبه، والاعتناء به واحتوائه والتواصل معه والوقوف مع مشاعره نعظم الله في قلوبهم ونذكرهم بما يعود عليهم نفعه وخيره له ولأسرته ومجتمعه، ومن ثم نفعه ودعوته نرفع همته ونوقظ مشاعره.

إن مثل هذه الحوادث من التكفير والتفجير يستغلها العدو ويجعلها سلمًا لأفكاره ومنبعًا لمطالبه وعدوانه وتغييره واتهامه، إن الاحتراب والاقتتال وإشاعة الفوضى والانفعال هدف لإشاعة الفوضى وسفك الدماء وتدخل الأعداء، إن الأمن مسئولية كل مواطن وبلادنا مستهدَفة من كل حاسد حاقد فاتن، فلا داعي لزرع الطوائف والمزايدة على الفوضى والمخاوف، بل يجب التلاحم والتآلف والاجتماع والتكاتف، والتأمل في العواقب والنظر في المصالح والنوائب.

حينما تنكر هذه الجرائم فإننا نؤكد على لحمتنا وجمعة صفنا، ونحافظ ونحذر من الأفكار المنحرفة والأهواء المضلة، ولا يعني استنكار الحدث والجرم تصحيح عقيدة القوم، فهم أعداء لنا في الدنيا والدين وإلى يوم الدين.

نسأل الله ألا يرينا في أمننا مكروها، وأن يحفظ إيماننا من أعدائنا، وأمننا من تفرقنا، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ..