العربية
المؤلف | سليمان السلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المهلكات |
إن من القضايا التي تحزن الفؤاد، وتقض المضاجع، وتجلب الهم والغم؛ ما تنقله لنا وسائل الإعلام من أخبار جرائم الابتزاز؛ إذ لا يمر يوم غالبًا إلا ونقرأ خبرًا عن الابتزاز, الابتزاز تلكم الجريمة النكراء التي يقوم فيها شاب منحرف عديم المروءة باستدراج الفتاة لإيقاعها في الفاحشة. الابتزاز جريمة نكراء يقوم فيها شاب منحرف عديم المروءة باستدراج شاب لإيقاعه في الفاحشة. المبتز رجل شهواني ضعيف الإيمان، ميت القلب عديم الحياء من الله والناس، متدثر بالوقاحة والصفاقة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله شرع الأحكام وأحكمها، وحدّ حدودًا ونهانا عن تجاوزها...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ولا تتعدوا حدوده, فتقوى الله هي الموصلة للعز والكرامة والرفعة والصلاح.
أيها المسلمون:
ديننا الإسلامي جاء بتأصيل الفضيلة وحمايتها وحرم الفواحش والرذيلة، وتوعد مرتكبها بالعقوبات الرادعة.
ألا وإن من القضايا التي تحزن الفؤاد، وتقض المضاجع، وتجلب الهم والغم؛ ما تنقله لنا وسائل الإعلام من أخبار جرائم الابتزاز؛ إذ لا يمر يوم غالبًا إلا ونقرأ خبرًا عن الابتزاز, الابتزاز تلكم الجريمة النكراء التي يقوم فيها شاب منحرف عديم المروءة باستدراج الفتاة لإيقاعها في الفاحشة.
الابتزاز جريمة نكراء يقوم فيها شاب منحرف عديم المروءة باستدراج شاب لإيقاعه في الفاحشة.
المبتز رجل شهواني ضعيف الإيمان، ميت القلب عديم الحياء من الله والناس، متدثر بالوقاحة والصفاقة, يقول ابن القيم في وصف أمثال هؤلاء: "فالهوى إمامه والشهوات قائده, والجهل سائقه, والغفلة مركبه, فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور, وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور, ويتبع كل شيطان مريد".
أيها المؤمنون الغيورون: ألا تتساءلون لماذا يتجرأ المبتز على الابتزاز؟ ما أسباب وجود الابتزاز؟
لقد كتبت حول ذلك الدراسات والبحوث العلمية، وتبين منها أن من الأسباب ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتيات، وأصبحت عناية كثير من الأسر اليوم بتربية أولادهم تربية جسدية لا روحية, فقل ذِكر الله في البيوت، وأغرقت البيوت في قنوات فضائية هي مجلبة للشياطين مؤججة للشهوات.
لقد تراجع دور كثير من الأسر في التربية حتى أصبحت تعاني تلك البيوت من فراغ عاطفي، فمعظم القضايا التي سجلت لدى الجهات المختصة كانت أسبابها ضعف الدفء العائلي العاطفي, في عصر تعددت فيه وسائل الإغراء والإغواء, هل تصدقون أن من الآباء من انشغل بنفسه وأصدقائه وتجارته وقضى جل وقته في استراحته، وترك متابعة أبنائه وبناته؟!, لا يرون والدهم إلا نذرًا يسيرًا, أب مشغول على مدار الساعة، مشغول بكل شيء إلا بأولاده حتى إن أم الأولاد هي من تتسوق للبيت، و هي من تتصل على المدرسة لمتابعة أولادها, وهي من تتواصل دائمًا مع السائق لقضاء حاجيات البيت.
من أسباب الابتزاز: التقنية الحديثة بأنواعها من إنترنت وجوال، وبرامج التواصل الاجتماعي، حينما يتعامل مع التقنية تعاملا منفتحا لا زمام ولا خطام، فقد تنزل البنت صورًا لها تكون بداية الابتزاز من الذئاب البشرية, وحينما يدخل الشاب محادثًا أو مراسلاً من لا يعرفه فقد يبتزه بمعسول الكلام.
يا غيورون: من الأسباب: الاختلاط اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل، مع ارتباط مصالح النساء العاملات برجال ليسوا أحيانًا من أهل الأمانة والمروءة، وصدق رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" (رواه أحمد).
وجاء في الصحيحين: "إياكم والدخول على النساء" قيل يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" والحمو: أخو الزوج أو قريبه.
ومن الاختلاط الضارّ حينما تنعدم الرقابة في الاجتماعات العائلية التي يكون فيها مبيت باستراحة مثلاً فينام الكبار مع الصغار دون أن ينام معهم رجل كبير مراقب لهم، فربما حصل شيء من الفساد.
يا مؤمنون: الدراسات والوقائع تقول: إن من أسباب الابتزاز الثقة المفرطة بالأبناء والبنات، ومنها انطواء البنت وبقاؤها بغرفتها لوحدها أغلب الوقت، ومنها الإعلانات الوهمية لوظائف الفتيات, ومنها بعض إعلانات بيع أرقام الجوالات، ومنها: بعض مواقع الزواج على الإنترنت وبعض الخطابات التي تطلب صورة الفتاة.
ومنها: استغلال حاجة البنت أو الشاب المادية، بل إن بعضهم يبتز البنت أو الشاب ببطاقة شحن اتصال أو بجهاز جوال.
ومنها: وسائل المواصلات والنقل غير المأمونة ومجهولة الحال.
ومنها: أن من البنات من تكون سببا في ابتزازها بسبب تبرجها وتزينها ولبسها الفاتن من اللباس وخروجها للسوق بهذا التزين والتبرج، أو شاب يتزين كما تتزين المرأة ليلفت الأنظار إليه فيكون ضحية للمبتزين.
فتلك خطوات شيطانية على طريق الابتزاز، وقد حذرنا ربنا من إغواء الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21].
اللهم أصلح لنا النية والذرية، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله....
أما بعد: فيا مؤمنون: لا بد لنا أن نشترك في حماية مجتمعنا من وبال الابتزاز وضرر الابتزاز، لا بد أن نعي جميعًا شدة خطره، وألا ننزل رؤوسنا ونغمض أعيننا عن واقع مؤلم.
ومن علامة الإيمان الغيرة على أعراض المسلمين والمسلمات، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار, وإن المؤمن يغار" (رواه مسلم) ، وقال ابن القيم: "أصل الدين الغيرة, ومن لا غيرة له لا دين له".
ومن الغيرة: السعي في حماية المجتمع عن الابتزاز، فالوقاية خير من العلاج، وأول أمر نقي فيه فلذات أكبادنا أن نكاشفهم ونصارحهم بما يحدث في مجتمعنا، وأن هناك ذئابًا بشرية مجرمة مفسدة ماكرة تبحث عن صيد توقعه في الابتزاز, لنكاشف أبناءنا وبناتنا وأخواتنا في معنى الابتزاز معنى الفاحشة معنى اللواط, لنحذرهم من جلساء السوء ومن مواقع السوء على الإنترنت, لنحذر نساءنا وبناتنا وأخواتنا من تنزيل صورهن على الإنترنت أو إرسالهن لزميلة لهن أو خطابة, قال حذيفة -رضي الله عنه-: "كان الناس يسألون النبي عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه".
يا أيها الولي: قل لابنتك: أنا لا أخاف منك، بل أخاف عليك.
يا أيها الولي: قل لابنك: أنا لا أخاف منك، بل أخاف عليك.
يا أيها الولي: من أعظم أسباب الحماية من الابتزاز أن نُشبع عاطفة بناتنا وأبنائنا وأخواتنا, أسمعهم كلمات الحب، كلمات العطف، كلمات اللطف كلمات المدح والثناء.
وأرسل لهم تلك الكلمات. كانت فاطمة -رضي الله عنها- تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقوم إليها ويقبّلها بل ويُجلسها مكانه.
يا أيها الولي: من أعظم أسباب الحماية من الابتزاز: سدّ حاجة أبنائك وبناتك المادية لا تبخل عليهم, لا تهملهم، تلمس حاجاتهم، كن معهم كريمًا من غير إسراف, سخيًا من غير تبذير, لا يكن المبتزون المجرمون أكرم منك.
من أسباب الحماية من الابتزاز: تشجيع الشباب والفتيات على الزواج المبكر وخفض المهور.
من أسباب الحماية من الابتزاز: أن تنشأ الفتيات على الستر والحشمة، والحياء والخوف من الله، والبعد عن مخالطة الرجال، وألا ينشأ الفتيان على زيادة التزين، والاهتمام الزائد بالملبس وقصات الشعر التي تجعل الفتى شبيهًا بالفتيات.
عباد الله: وإذا ذكر الابتزاز؛ فإنه يذكر جهد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لها فضل كبير -بعد الله تعالى- في إنقاذ كثير من الفتيات، وكثير من الشباب، إنقاذهم من مخالب وشراك المبتزين المجرمين، وما يحوط تعاملهم مع القضايا من سرية وعدم تشهير، وقد خصصوا رقمًا خاصًّا للإبلاغ عن حالات الابتزاز، فلله درّ رجال الهيئة، وجزاهم الله عنا خير الجزاء، وجعلهم ربي سندًا وذخرًا، وزادهم قوة إلى قوتهم.
يا مؤمنون: والله وتالله وبالله إن موضوع الابتزاز لخطير جد خطير. وها أنا قد بلّغت اللهم فاشهد. ألا فليبلغ الشاهد الغائب. ألا فليحدث كل أب عما سمعه في هذه الخطبة من بناته وأخواته وأبنائه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا بحفظك، وأعذنا من السوء وأهل السوء. اللهم أنبت ذرياتنا نباتا حسنا، واجعلهم قرة عين لنا، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا...