المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق |
إِنَّ التَّارِيخَ يَنْطِقُ أَنَّ هَؤُلاءِ الرَّوَافِضَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ صَفْحَةٌ بَيْضَاءُ مَعَ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فُتُوحَاتٌ عَبْرَ التَّارِيخِ تُذْكَرُ، وَإِنَّمَا هُمْ خَنْجَرٌ يَطْعَنُ فِيظَهْرِ الأُمَّةِ. فَمَنِ الذِي سَلَّمَ الْقُدْسَ بَعْدَ عُمَرَ لِلنَّصَارِى الصَّلِيبِيِّن؟ وَمَنِ الذِي سَرَقَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ وَاغْتَصَبَهِ فِي الأَحْسَاءِ اثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَة؟ وَمَنِ الذِي كَانَ سَبَباً فِي سُقُوطِ الْخِلَافَةِ الإِسْلَامِيَّةِ الْعَبَّاسِيَّةِ؟ سِلْسِلَةٌ طَوِيلَةٌ مِنَ الْمُؤَامَرَاتِ وَالدَّسَائِسِ وَالْخِيَانَاتِ. إِنَّهَا الْحَرَكَاتُ الْبَاطِنِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ التِي أَنْشَأَتْ فِرَقًا لِلْمَوْتِ فِي العِرَاقِ وَسُورِيَا وَلَكِنْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكُلُّ ذَنْبِهِمْ أَنْ تَرَضَّوْا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!!
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ خُطْبَةَ الْجُمْعَةِ جُعِلَتْ لِتَثْقِيفِ النَّاسِ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَلِتَوْضِيحِ دِينِهِمُ الصَّحِيحَ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنَ الْفَسَادِ فِي العَقِيدَةِ وَالعَمَلِ، وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ فِرَقِ الضَّلَالِ، وَإِنَّ مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ التِي حَانَ الْوَقْتُ لِكَشْفِ عَقِيدَتِهِمْ وَبَيَانِ انْحِرَافِهِمْ الْحُوْثِيِّيِنَ، تِلْكَ الْفِرْقَةُ الْبَاطِنِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أُصُولَ هَذِهِ الفِرْقَةِ تَعُودُ فِي الأَصْلِ إَلَى الشِّيَعَةِ الذِينَ خَرَجَ أَوَّلُهُمْ فِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه-.
وإِنَّ الْمُؤَسِّسَ الحَقِيقِيَّ لَهُمْ هَوِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبِأٍ اليَهُودِيُّ، وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ يُفَضِّلُونَ آلَ البَيْتِ وَهُمْ عَلِيٌّ وَبَنُوهُ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ تَطَوَّرَ أَمْرُهُمْ سُوءاً حَتَّى قَالُوا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ اغْتَصَبُوا الخِلَافَةَ مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، ثُمَّ ازْدَادَ ضَلَالُهُمْ وَانْحَرَفُوا انْحِرَافاً عَظِيماً مَعَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ.
أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ: وِمِنْ أَبْرَزِ عَقَائِدِهِمْ: أَنَّ الصَّحَابَةَ كَلَّهُمْ كَفَّارٌ إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ, وَأَنَّ القُرَّآنَ نَاقِصٌ وَأَنَّ القرآن الكَامِلَ لَدَيْهِمْ هُمْ فَقَط، وَيُسَمُّونَهُ (مِصْحَفُ فَاطِمَةَ) يَعْنُونَ بِنْتَ النَّبِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.
وَمِنْ عَقَائِدِهِمْ: الاسْتِغَاثَةُ بِآلِ البَيْتِ فِي الشَّدَائِد، وِلِذَلِكَ يَصِحُيونَ بِأَعْلَى أَصَواتِهِمْ يَا حُسَيْن يَا حُسَيْن، يَا عَلِيُّ يَا زَهْرَاء، وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ الذِيْ حَذَّرَتْ مِنْهُ جَمِيْعُ الكُتُبِ السَّمَاوِيَةُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَلْعَنُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا-، بَلْ يَجْعَلُونَ سَبَّهُمْ مِنْ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاء، وَمْنَ عَقَائِدِهِمْ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهَا- زَانِيَة، مَعَ أَنَّ اللهَ بَرْأَهَا فَي القُرْآنَ، وَلَكِنَّهُمْ فِي غَيِّهِمْ يَعْمَهُونَ. وَهُمْ فِرَقٌ وَأَحْزَابٌ بَعْضُهَا شَرٌّ مِنْ بَعْض.
وَأَمَّا الحُوثِيُّونَ فَهُمْ فِي الأَصْلِ قَبِيلَةٌ يَمَنِيَةٌ، وَكَانُوا عَلَى مَذْهَبِ الزَّيْدِيَةِ الذِيْ كَانَ قَرِيباً إِلَى حَدٍّ مَا مِنْ أَهْلِ السُنَّة، وَالخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ فِرْقِ الشِّيَعَة، ثُمَّ إِنَّهُ فِي بِدَايَةِ التِّسْعِينِيَّاتِ قَبْلَ حَوَالَيْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ مِنْ الآنَ خَرَجَتْ فِي مُحَافَظَةِ صَعَدَةَ باليمن حَرَكَةٌ تِنْظِيمِيَّةٌ أَطْلَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا (الشَّبَابَ الْمُؤْمِنَ) كَانَ مِنْ أَبْرَزِ مُؤَسِّسِيهَا بَدْرُ الدِّينِ الحُوثِيُّ، ثُمَّ تَوَلَّى رِئَاسَتَهَا ابْنُهُ حُسَيْنُ بنُ بَدْرُ الدِّينِ الْحُوثِيُّ، وَكَانَ نَشَاطُ هَذَا التَّنْظِيمِ فِي بِدَايَاتِهِ فِكْرِيَّاً يَهْدِفُ إِلَى تَدْرِيسِ الْمَذْهَبِ الزَّيْدِيِّ الذِي كَانَ كَمَا قُلْنَا: قَرِيبَاً مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَانُوا يَتَرَضَّوْنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
ثُمَّ حَصَلَ انْشِقَاقٌ وَمُنَافَرَةٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الزَّيْدِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ وَبَيْنَ بَدْرِ الدِّينِ الْحُوثِيِّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِسَبَبِ آرَاءِ الْحُوثِيِّ الْمُخَالِفَةِ لِلزَّيْدِيَّةِ؛ وَمْنَهَا: دِفَاعُهُ الْمُسْتَمِيتُ وَمَيْلُهُ الْوَاضِحُ لِمَذْهَبِ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ الاثْنَي عَشْرِيِّةِ وَتَصْحِيحِهِ لِبَعْضِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ، فَأَصْدَرَ عُلُمَاءُ الزَّيْدِيَّةِ بَيَاناً تَبَرَّؤُوا فِيِه مِنَ الْحُوثِيِّ وَآرَائِهِ.
عِنْدَهَا اضْطَرَّ الْحُوثِيُّ لِلْهِجْرَةِ إِلَى إِيَرَانَ، وَعَاشَ هُنَاكَ عِدَّةَ سَنَوَاتٍ تَغَذَّى فِيهَا مِنَ الْمُعْتَقَدِ الصَّفَوِيِّ وَازْدَادَتْ قَنَاعَتُهُ بِالْمَذْهَبْ الإِمَامِيِّ الاثْنَيْ عَشْرِيِّ.
وَفِي عَامِ 1422هـ عَادَ الْحُوثِيُّ إِلَى بِلَادِهِ، وَعَادَ لِتَدْرِيسِ أَفْكَارِهِ الْجَدِيدَةِ وَالتِي مِنْهَا: لَعْنُ الصَّحَابَةِ وَتَكْفِيرُهُمْ، وَوُجُوبُ أَخْذِ الخُمُسِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَسَائِلِ التِي وَافَقَ فِيهَا مَذْهَبَ الشِّيعَةِ الإِمَامِيِّةِ، وَفِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ أَيْضَاً كَانَتِ الْحَرَكَةُ الْحُوثِيَّةُ تُرْسِلُ أَبْنَاءَ صَعَدَةَ إِلَى إِيَرَانَ لِلدِّرَاسَةِ فِي الْحَوْزَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فِي قُمَّ وَالنَّجَفِ؛ لِتُعِبِّئَهُمُ الْعَمِائِمُ الصَّفْوَيِّةُ هُنَاكَ أَنَّ كُلَّ حُكُومَةٍ غَيْرَ وِلَايَةِ الْفَقِيه النَّائِبَةِ عَنِ الإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ هِيَ حُكُومَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ وَلا مُعْتَرَفٍ بِهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحُوثِيُّونَ يَكْرَهُونَ الْحُكُومَةَ الْيَمَنِيَّةَ فَانْدَلَعَتْ حُرُوبٌ خَمْسَةٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ كَلَّفَتْ بِلَادَ اليْمَنِ آلافَ الأَرْوَاحِ وَخَسَائِرَ مَالِيَّةً كُبْرَى.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الظُّرُوفُ الاقْتِصَادِيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ التِي يُعَانِي مِنْهَا الْيَمَنُ، وَالدَّعْمُ الصَّفَوِيُّ الْعَسْكِرِيُّ وَالْمَالِيُّ - كَانَ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبَابِ التِي جَعَلَتْ هَذِهِ الْحَرَكَةَ تَبْرُزُ عَلَى السَّاحَةِ فِي سَنَوَاتٍ قَلائِلَ، فَضْلاً عَنِ الشِّعَارَاِت الرَّنَّانَةِ التِي كَانَ يَرْفَعُهَا الْحُوثِيُّونَ؛ كَشِعَارِ (الْمَوْتُ لِأَمْرِيكَا، الْمَوْتُ لِإِسْرَائِيلَ، لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ)، وَغَيْرِهَا مِنَ الشِّعَارَاِت الْخَدَّاعَةِ وَالتِي أَكْسَبَتْهُمْ تَعَاطُفَاً كَبِيراً بَيْنَ أَبْنَاءِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ إِحْدَى الْحِيَلِ الرَّافْضِيَّةِ فِي كَسْبِ تَعَاطُفِ الشُّعُوبِ الإِسْلَامِيَّةِ الْمَقْهُورَةِ.
قَالَ أَهْلُ العِلْمِ: إِنَّ الْحَرَكَةَ الْحُوثِيَّةَ تَنْتَسِبُ فِي أَصْلِهَا إِلَى الْفِرْقَةِ الْجَارُودِيَّةِ، وَهِيَ أَشَدُّ الْفِرَقِ الزَّيْدِيَّةِ غُلُوًّا وَشَطَطَاً وَالتِي مِنْ عَقِيدَتِهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَأَنَّهُ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَفَرُوا بِتَرْكِهِمْ بَيْعَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْخِلَافَةِ، وَلِذَلِكَ فَمِنْ أَبْرَزِ عَقَائِدِهِمْ تَكْفِيرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ اعْتِقَادُهُمْ فِي خِيَارِ الأُمَّةِ، بَيْنَمَا دِينُنَا مَبْنَاهُ عَلَى إِعْزَازِ الصَّحَابَةِ وَإِجْلَالِهِمْ، لِأَنَّهُمْ حَمَلَةُ الدِّينِ وَحُمَاةُ الشَّريِعَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا)[الفتح: 29].
وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].
إِنَّ جِيْلَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- جِيلٌ فَرِيدٌ فِي إِيمَانِهِ وَجِهَادِهِ، وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، بِذَلُوا الْمُهَجَ وَالْأَرْوَاحَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا، وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.
يَقُولُ أَبُو زُرْعَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحْدَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ".
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَذْكُرَ أَحَدَاً مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلَامِ".
وَأَمَّا لِمَاذَا يَحْنَقُ هَؤُلاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالأَخَصِّ؛ فِلَأَنَّ الْفَارُوقَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هُوَ الذِي أَطْفَأَ نَارَ الْمَجُوسِ وَأَسْقَطَ عُرُوشَ الْفُرْسِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ الْخَبِيثَةَ لَيَسْتَ أَوَّلَ فِرْقَةٍ شِيعِيَّةٍ أَقْلَقَتِ الْمُسْلِمِينَ شُعُوبَاً وَحُكُّامَاً، بَلْ إِنَّهَا سَبَقَتْهَا فِرَقٌ ضَالَّةٌ مُنْحَرِفَةٌ عَانَى مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ عَبْرَ تَارِيخِهِمْ؛ كَحَرَكَةِ الْقَرَامِطَةِ، وَالْحَرَكَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ، وَالصَّفَوِيَّةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ التِي أَذَاقَتِ الْمُسْلِمِينَ الْوَيْلاتِ، وَأَدْخَلَتْ أَهْلَ الإِسْلَامِ فِي صِرَاعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ مَرِيرَةٍ، فَمَا هَذِهِ الْحَرَكَةُ إِلَّا امْتِدَادٌ لِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ جَاءَتْ اسْتِجَابَةً لِلصَّوْتِ الصَّفَوِيِّ الذِي دَعَا لِتَصْدِيرِ الثَّوْرَةِ الْمَزْعُومَةِ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ دَوْلَةَ إِيَرَان هِيَ الدَّاعِمُ الرَّئِيسِيُّ لِهَذِهِ الْحَرَكَةِ التِي سَعَتْ لِاحْتِلَالِ الْيَمَنِ وَالتَّمَدُّدِ إِلَى مَا حَوْلَهُ، حَتَّى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُا مُحْتَلَّةٌ مِنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ الأَحَقَّ بِهَا هُمْ، ثُمَّ الْقَنَوَاتُ الشِّيعِيَّةُ الْفَضَائِيَّةُ أَيْضَاً تَقِفُ مَعَ الْحَركَةِ الْحُوثِيَّةِ وَتُظْهِرُهُمْ مَظْهَرَ الْمَظْلُومِ.
وَالْوَقاَئِعُ تَنْطِقُ بِهَذَا الْمَكْرِ الْكُبَّارِ، وَلَعَلَّ مِنْ أَوَاخِرِهَا تَصْرِيحَاتِ قَادَةِ إِيَرَانَ وَتَحْذِيرَهِمْ لِدُوَلِ الْجِوَارِ مِنَ التَّدَخُّلِ فِي شُؤُونِ الْيَمَنِ.
وَنَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ ! وَهَلْ تَسْلِيحُ إِيرَانَ لِجَمَاعَةِ الْحُوثِيِّ الْمَارِقَةِ وَدَعْمُهَا لا يُعَدُّ تَدَخُّلاً فِي الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ الْيَمَنِيَّةِ؟!
فَهَلْ سَيَسْمَحُ الْفُرْسُ بِتَدَخُّلِ الْحُكَومَاتِ السُّنِّيَّةِ لِحِمَايَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِيَرَانَ مِنَ الْبَطْشِ الصَّفَوِيِّ فِي الأَحْوَازِ وَغَيرِهَا؟
نَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، وَأَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الرَّوَافِضِ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَنْ يُخَلِّصَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ وَفِتَنِهِمْ، وَأَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ ذُلَّاً وَهَوَانَاً مِنْ عِنْدِهِ، وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتِغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ بِلادَنَا الْمَمْلَكَةَ حَرَسَهَا اللهُ الْغَنِيَّةَ بِثَرَوَاتِهَا، وَالْغَالِيَةَ بِمُقَدَّسَاتِهَا كَانَتْ وَلا زَالَتْ هَدَفَاً لِلأَطْمَاعِ اْلفَارِسِيَّةِ وَالتَّوَسُّعَاتِ الإِيرَانِيَّةِ، وَكَمْ أَطْلَقُوا مِنَ التَّهْدِيدَاتِ وَالْوَعِيدِ بِاحْتِلَالِ بِلَادِنَا، وَدُوَلِ الْخَلِيجِ الْعَرَبِيِّ الذِي يُسَمُّونَهُ الْخَلِيجَ الْفَارِسِيَّ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ هَذِهِ الْعَاصِفَةُ التِي قَادَتْهَا الْمَمْلَكَةُ مَعَ شَقِيقَاتِهَا مِنْ بِلَادِ الإِسْلَاِم رَدَّاً عَلَى دَوْلَةِ الصَّفَوِيِّينَ إِيَرَان وَذِرَاعِهَا فِي الْمَنْطِقَةِ: الْحُوثِيِّينَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّارِيخَ يَنْطِقُ أَنَّ هَؤُلاءِ الرَّوَافِضَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ صَفْحَةٌ بَيْضَاءُ مَعَ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فُتُوحَاتٌ عَبْرَ التَّارِيخِ تُذْكَرُ، وَإِنَّمَا هُمْ خَنْجَرٌ يَطْعَنُ فِيظَهْرِ الأُمَّةِ.
فَمَنِ الذِي سَلَّمَ الْقُدْسَ بَعْدَ عُمَرَ لِلنَّصَارِى الصَّلِيبِيِّن؟ وَمَنِ الذِي سَرَقَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ وَاغْتَصَبَهِ فِي الأَحْسَاءِ اثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَة؟ وَمَنِ الذِي كَانَ سَبَباً فِي سُقُوطِ الْخِلَافَةِ الإِسْلَامِيَّةِ الْعَبَّاسِيَّةِ؟ سِلْسِلَةٌ طَوِيلَةٌ مِنَ الْمُؤَامَرَاتِ وَالدَّسَائِسِ وَالْخِيَانَاتِ.
إِنَّهَا الْحَرَكَاتُ الْبَاطِنِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ التِي أَنْشَأَتْ فِرَقًا لِلْمَوْتِ فِي العِرَاقِ وَسُورِيَا وَلَكِنْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكُلُّ ذَنْبِهِمْ أَنْ تَرَضَّوْا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ لَدَيْهِمْ تَنَاقُضَاتٍ عَجِيبَةً فَهُمْ يُعْلِنُونَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَيَلْعَنُونَ إِسْرَائِيلَ وَأَمْرِيكَا وَيَصِفُونَهَا بِالشَّيْطَانِ الْأَكْبَرِ، وَفِي الْخَفَاءِ يَتَعَاوَنُونَ مَعَهُمْ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ وَأَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، كَمَا أَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْصُرَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى هَؤُلاءِ الْمُشْركِينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَنَائِبَهُ لِمَا تُحِبَّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ آرَاءَهُمْ وَصَوِّبْ عَمَلَهُمْ، وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهْمُ.
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.