الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
من الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الْمُعبّرين: إجابة بعضهم على كلّ الرّؤى والأحلام, وجزمُه بصحّة تأويلِه, وبعضُهم لم تُسمع منه كلمة: لا أعلم! بل سُئل رجلان من أشهر مُعبري الرؤى: هل أخطأت في تأويلك يومًا: فقالا: لا!. ويا لَلْعجب! يُخطئ أبو بكر -رضي الله عنه- في تعبيره, وهو أعلم وأفضل مُعبّر بعد الأنبياء, وهذان لا يُخطئان أبدًا؟ .. فبعضُهم جزم بأنَّ المسلمين سيصلُّون في المسجد الأقصى, خلال أقلّ من سنتين, ومضتِ السنون ولم نر شيئًا. وبعضُهم عبّر لامرأةٍ بأنه سيتزوّجها رجلٌ له مُواصفاتٌ مُعيّنة, فأصبحت تردّ الخطّاب الذين لا تتحقّق فيهم هذه الصفات, وانقضى زهرةُ شبابها تنتظر الخاطب الموهوم!, بل بعضُهم جزم بأن الرائي سيموت بعد أشهر أو سنوات, فجلس ينتظر وفاته بألمٍ وترقّب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ تعبير الرؤى علمٌ عظيمٌ شريف, لا يجوز التساهلُ والخوضُ فيه إلا بعلمٍ ومعرفةٍ, ولأهميّة ذلك وكثرةِ الجهل فيه, وجب بيانُ الصواب والحق.
معاشر المسلمين: يَنقسم تعبير الرؤيا إلى قسمين:
القسم الأول: منّةٌ وهبةٌ محضةٌ من الله تعالى.
فالأنبياءُ ومنهم يوسُفُ ومحمّدٌ -عليهمُ الصلاةُ والسلام-, لم يتعلموا تعبير الرؤى من أحد, بل وهب الله لهم الفهم والفراسةَ, التي من خلالها عبّروا للناس رُؤاهم.
ومما لا جدال فيه, أنّ مَن يَمْتلك موهبةَ تعبيرِ الرّؤيا, لا بدّ أنْ يكون مُتحلّيًا بأمرين:
الأول: الدينُ وصلاحُ القلب.
الثاني: العلمُ بالقرآن والسنة, والعلمُ بالعلوم الأخرى.
فلذا, لَمْ يثبت أنّ أحدًا أعطي موهبةَ التعبير, دون دراسةٍ وتعلّم, إلا الأنبياء والأولياءُ, العالمون بالكتاب والسنّة, والعلومِ الشرعيّة الأخرى.
وقد يرد على هذا, أنّ هناك من يُعبر وهو عاميٌّ لا علم عنده.
فالجواب: أن مثل هؤلاء, يكون عندهم جانبٌ من تعبير الرؤيا, فيقع ما يَعْبُره ويُخبر به, ولكن يُخطئ في كثيرٍ منها أو أكثرِها.
فالعامي الذي يفسّر الأحلام, إنما يُفسّر الأنواع السهلة من الرؤى, ويُفسِّر ظاهرها أو قريبًا منها.
فالرؤى تأتي على درجات, منها السهل ثم الصعب ثم الأصعب, وهكذا. فتفسيره للرؤى السهلة, لا يعني أنه يستطيع أن يفسر جميع الرؤى.
ولِتَقْرِيْبِ هذا للفهم, فالرجل الذي تكون عنده معرفةٌ عن طريق التجارب والذوق, كالطبيب الشعبيّ, والْمُهندسِ والصانع والسبّاك وغيرِهم, تجدهم يُجِيْدُون ما وصلتْ إليه خبرتهم, وما يجهلونه أكثرُ ممّا يعرفونه, وربّما حصلتْ منهم أخطاءٌ كثيرةٌ.
لكنّ الذي اكْتسب هذه الْمِهَنَ والْحِرَفَ عن طريق العلم والخبرة, والْهوايةِ والتّجربة, وقرأ وبحث وأخذ العلم من معدنه, وقام بالتجارب بنفسه, سيتفوّق على الأولين ولا شكّ.
وكذلك هؤلاء الذين يفسّرون الأحلام في هذا الوقت, ويظهرون في وسائل الإعلام الْمُختلفة, كثيرٌ منهم إن لم يكن أكثرُهم, يعتمد على خِبْرَتِه وذوقِه, واغتر بمعرفته تفسير بعض الأحلام السهلة, فظن أنَّه يعرف تفسيرَ جميعِ الأحلام, فاقْتَحم هذا العلم وأخطأ فيه، وكثيرٌ من هؤلاء -بعد استقراء أحوالهم وتفسيراتهم- خطؤُهم أكثرُ مِنْ صوابهم.
القسم الثاني: ما كان من العبد طلبًا وكسبًا:
وهذا هو الأصل, ولا سبيل إلى نيل أيّ فضيلةٍ إلا بالعلم.
وهنا يأتي السؤال المهم: هل تعبير الرؤى إلهامٌ أم علمٌ مُكتَسب؟
الصواب المقطوعُ به: أنه يُمكن أنْ يَكْتَسِبَه أيُّ أحدٍ ويتعلّمه, وليس هو إلهامًا, ومن الغلط البيّن تسميتُه بذلك, وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن الإلْهام في اللغة والاصطلاح: أنْ يُلْقي اللّه –تعالى- في نفس الإنسان أمرًا أو علمًا, بلا اكْتساب منه أو فكر.
قال ابن القيم رحمه الله: الصحيح: أن الفراسة قد تتعلق بنوع كسب وتحصيل، وأما الإلهام فموهبة مجردة، لا تُنال بكسبٍ البتة. ا.هـ.
فمن ذا الذي يدّعي بأنّ علمه جاء عن طريق الإلهام, لم يكتسبه من تعلّمٍ ولا سعتْ إليه يدان, فالواجب أنْ يتنزه عن هذا كلّ إنسان.
والتسميةُ الصحيحةُ للتعبير: الفراسةُ والفهم, كما قال الراغب -رحمه الله-: "ومن الفراسة علمُ الرؤيا".
وكلّ من يدّعي أنّ تعبير الرؤى إلهامٌ, نسأله: هل تُعَبِّرُ الرؤى دون النظر إلى رموزها وحال الرائي؟ فإن أجاب بنعم, فهذه شعوذةٌ بإجماع المسلمين.
وإن أجاب بلا, قلنا: اتفق العلماءُ وأهلُ اللغة, على أنّ الإلهام لا يكون عن طريق العمل والكسب, والنظرِ في رموز الرؤيا.
والسؤالُ عن حال الرائي من العمل والكسب, فحينها لا يُسمى عملُه هذا إلهامًا, بل فراسةً وفهمًا.
الوجه الثاني: أن الله تعالى نصّ على أنه علمٌ, فقال تعالى ليوسف عليه السلام: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) [يوسف: 6].
فقال: "ويعلمك", ولم يقل "يُلْهِمُك", والمقصود بتأويل الأحاديث: تعبير الرؤى عند عامّةِ المفسرين.
الوجه الثالث: أنّ هذا هو رأي الأئمة الأعلام, كالنوويِّ والقرطبي وابنِ حجر, وابن عبد البرّ, وابنِ تيميّةَ وابنِ القيم, وابنِ سعدي, وابنِ عثيمين, وغيرهم.
وقد تقدّم قولُ ابن كثيرٍ -رحمه الله- بأن علم التعبير, كان ضمن المناهج الشرعيّة.
بل إنّ ابن القيم درس هذا العلم, قال -رحمه الله- عن شيخه الشهاب العابر: وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ شَيْخِنَا هَذَا، وَرُسُوخَهُ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ، وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ عِدَّةَ أَجْزَاءٍ. ا.هـ.
وقد ألّف العلماء قديمًا وحديثًا في الرّؤى والأحلام, منذ القرن الثاني, وذكروا الرّموز وشرحوها وأصّلوها, ولو كانت لا فائدة منها, وأنّ الْمُعبّر يستغني بالإلهام المزعوم عنها, لَمَا ذكروها وألّفوا الْمُجلّدات الضّخمة فيها, ولَمَا أرهقوا أنفسهم وغيرهم بها, فهل كان هؤلاء العلماءُ على ضلال؟!
والعجب والله ممّن يتنقص جهودهم, ويزدري تآليفهم.
وإنك لتعجب من أحدِ المعبرين, حينما يتأباها بأنّه لم يرجع إلى ما كتبه علماءُ السلف والخلف, بل يستمدّ تأويلَ الرُّؤى من إلْهام الله, فما أقبح التفاخر بالجهل, وتزكيةَ النفس.
أحدُ مشاهير المعبرين يحلف بالأيمان الْمُغلظة, بأنه ما رجع إلى أيّ كتابٍ سوى فتح الباري لابن حجر!!
بل ويُحذّر من جميع الكتب جملةً وتفصيلاً.
عجبًا والله من ذلك! متى أصبح العلم وصمة عار! ومتى أصبح الجاهل يتفاخر بجهله على العالم!
فالقول بأنه إلهامٌ قولٌ مُحدَثٌ مُبتدَع, يقودُ إلى تقديسِ الأشخاص, والغرورِ والعجب, والتلاعبِ في رُؤى الناس وأحلامهم؛ لضمانِه أنه لن يُسأل مِن أين أتى بتعبيره, لأنه عبّر بإلهامٍ من الله مُباشرةً.
وإنما أطلتُ في هذا لِنَحذرَ مِن هؤلاء, الذي ازْدروا العلم والعلماء, وجاءوا بالتخليطِ في التعبير والآراء.
فتعبير الرؤيا ليس أمرًا سهلاً عارضًا, أو هو أمرٌ يأتي عن طريق الصّدفةِ أو التخمين, بل هو علمٌ قائمٌ بذاته, له أُصولُه وكتبه وضوابطه.
نسأل الله تعالى أنْ يُعلمنا ما ينفعنا, وأنْ يُعيذنا من الجهل والهوى, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: معاشر المسلمين: من المفرح وجود مُعبرين للرّؤى مُتمكنين, لكن لَمَّا دخل هذا العلم من ليس بأهله, جاءت الأخطاءُ الشنيعة, والزلات الفظيعة, والأخطاءُ التي يقع فيها بعضُ الْمُعبّرين كثيرةٌ منها:
أولاً: اعتمادُهم على التّخمينِ وما وَقَرَ في قلوبهم, وقد سبق بيان هذا الخطأ بالتفصيل.
ثانيًا: إجابةُ بعضهم على كلّ الرّؤى والأحلام, وجزمُه بصحّة تأويلِه, وبعضُهم لم تُسمع منه كلمة: لا أعلم! بل سُئل رجلان من أشهر مُعبري الرؤى: هل أخطأت في تأويلك يومًا: فقالا: لا!.
ويا لَلْعجب! يُخطئ أبو بكر -رضي الله عنه- في تعبيره, وهو أعلم وأفضل مُعبّر بعد الأنبياء, وهذان لا يُخطئان أبدًا؟
ثالثا: التحديد الدقيق بجزمٍ ويقين, فبعضُهم جزم بأنَّ المسلمين سيصلُّون في المسجد الأقصى, خلال أقلّ من سنتين, ومضتِ السنون ولم نر شيئًا.
وبعضُهم عبّر لامرأةٍ بأنه سيتزوّجها رجلٌ له مُواصفاتٌ مُعيّنة, فأصبحت تردّ الخطّاب الذين لا تتحقّق فيهم هذه الصفات, وانقضى زهرةُ شبابها تنتظر الخاطب الموهوم!, بل بعضُهم جزم بأن الرائي سيموت بعد أشهر أو سنوات, فجلس ينتظر وفاته بألمٍ وترقّب.
رابعا: الْمُبالغةُ في إقحامِ العين والسحر في تعبيرهم, فأصبح الناسُ مُوسوسين بالعين والسحر, وازْدادتْ همومهم, واشتدّت أوجاعُهم, وأصبحوا يشكّون فيمن حولهم. وآخرون يُبالغون في نفي ذلك, وخيرُ الأمور أوسطُها.
وبعضهم يُعبر الرؤى على الوجه الْمكروه, وإن كانت تحتمل وجهًا آخر أحسن منه, وقد يكون السبب في ذلك: اعتمادُهم على التفسيرِ المكذوب على ابن سيرين.
خامسا: اقْتصارهم على فك الرموز فقط, وكأنّه أصبحَ كتابًا يُرجع إليه في التعبير! فيسمع الرّؤيا، ثم يُفسر رموزها, دون الحديث عن الرائي, ومُحاولةِ الأخذِ والردّ معه, حتى يتوصل إلى تفسير الرؤيا بدقة, ولكي يتوصل إلى حلّ مشكلةٍ عنده, أو علاج مرضه, أو نصحِه أو تحذيرِه أو تبشيرِه.
سادسا: ذكرُ أوصافٍ لا تعلّق لها بالرُّؤيا, كأنْ يصف لباسَ الرائي وشكلَه, بل بعضُهم يُخبر بأنّ أسئلةَ الاختبار ستكون في الموضوع الفلانيّ, والسؤال الفلانيّ.
فمتى رأيتَ مُعبّرًا يقول مثل ذلك, فاعلم أنه لم يأخذ ذلك من الرؤيا, بل عرف ذلك من طرقٍ مُلْتويةٍ ليس هذا محلّ تفصيلِها.
سابعا: بعضُ الذين يعرفون العلاج الطبيعي أو ما يُسمّى بالطبّ البديل, حينما يقصّ عليهم الرائي رُؤياه, ولا يتوصلون إلى تعبيرها, يقومون بسؤاله بعض الأسئلة, التي من خلالها يعرفون أنّ عنده مشكلةً صحيّة, وغالبًا ما تكون باطنيّة؛ حيث لا يسلم منها أحدٌ غالبًا, فيظنّ الرائي والسامع له أنّه عرف ذلك من خلال الرّؤيا! والواقع أنّه لا علاقة للرؤيا في ذلك.
ولا بُدّ أنْ يُعلَم: أنه ليس كلُّ من ادعى التعبير يكون مُعَبِّراً, وإنْ تسابق العامّةُ إليه, وليس العبرةُ بأنّه يُعبّر كلّ رُؤْيا, ولكنّ العبرةَ بصوابها وتحقّقها.
وينبغي لمن رأى رُؤْيا, ألا يعرضها لأيّ أحدٍ, بل يسأل الأعلم والأورع والأتقى, لا المشهور بين الناس, فليست الشّهرةُ معيارًا للصلاح والعلم.
نسأل الله تعالى أنْ يُصلح أحوالَنا, ويجمع كلمتنا, إنه على كل شيءٍ قدير.