الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | جابر السيد الحناوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، لمن وقف بالأمس بعرفات، فمحيت سيئاته، وغفرت ذنوبه، فهو يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت العتيق، ويسعون بين الصفا والمروة، وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يضحون فيه...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له .
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، لمن وقف بالأمس بعرفات، فمحيت سيئاته، وغفرت ذنوبه، فهو يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت العتيق، ويسعون بين الصفا والمروة، وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يضحون فيه وينحرون هداياهم، وما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لسنة مؤكدة يكره لمن قدر عليها أن يتركها، وإن ذبحها لأفضل من التصدق بثمنها لما فيها من إحياء السنة والأجر العظيم ومحبة الله لها.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فى مثل هذه الأيام المباركات أنزل الله عز وجل على نبيه صلي الله عليه وسلم عام حجة الوداع وهو واقف بعرفة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3] وإنه لجدير بنا أن نغتبط بهذا الدين الذي وصفه ربنا سبحانه بالكمال من لدن حكيم خبير رؤوف رحيم؛ فلم يترك خيرا إلا أمر به ووضح طرقه بأوضح بيان وأيسره، ولم يترك شرا إلا حذر منه وبين مغبته ومضرته، ولو تفكر الناس في أنفسهم لوجدوا أن تمسكهم بدينهم أمر ضروري لصلاح أعمالهم واستقامة أحوالهم، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب 70: 71]
ما أجمل يومنا هذا لو كان المسلمون فيه متحدين، ما أحسن هذا اليوم لو كانت دولة الإسلام قائمة، ما أسعد هذا اليوم لو تعاون المسلمون مع إخوانهم المجاهدين ضد الكفر والإلحاد والتنصير، وعلى رأسهم إخواننا فى الشيشان والصومال، وكشمير وأفغانستان، وفلسطين والعراق ... ماذا أقول؟ إن القائمة طويلة، ونحن فى أمس الحاجة لوصل هذه الرحم العامة، الرحم الروحية، الرحم الإسلامية، فالمفروض أن رحم الدين أقوى من رحم الدم، ولكن للأسف قطعناها بالقوقعة كل فى بلده، وبالحدود السياسية التى صنعها لنا الاستعمار فتمسكنا بها، وهذا راجع إلى أننا قطعناحتى الرحم الخاصة، رحم الدم، فانعكس هذا على الرحم العامة .
فاتقوا الله عباد الله: وتقربوا إليه بالضحايا، وتوددوا إلى أرحامكم منها بالهدايا، يمدد لكم ربكم فى أعماركم، وييسـر لكم يسركم، ويصرف عنكم عسركم، ويحبب فيكم أهلكم، ويذهب عنكم فقركم ... وليصفح كل منكم عمن أساء إليه، فعنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ"
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر]
ومن هنا كانت السنة ألا تذبح الأضحية إلا بعد طلوع شمس يوم العيد، ويمر من الوقت قدر ما يصلى فيه العيد، قال رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم:"إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"
والحمد لله فقد أدينا صلاتنا، ونسال الله سبحانه وتعالي أن يتقبلها منا جميعا، إنه هو العزيز الكريم، فالخطوة الثانية إذن فى يومنا هذا، أن نرجع -بعد الخطبة- فننحـر؛ فقد روى البخاري أن النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم قال: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ"
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ويسـن للمضحى إن كان يحسن الذبح، أن يذبح بنفسه، أن يذبح أضحيته بيده، ومن كان لا يحسن فليحضر ذبحها فإن ذلك أفضل، ويسميها عند الذبح فيقول إذا أضجعها للذبح: "بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عن فلان أو فلانة، ويسمى نفسه" هذه هي التسمية الواردة، فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله لما فرغ من خطبته وصلاته يوم النحر، ضحى بكبش فذبحه هو بنفسه وقال: "بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي"
فعلى كل مسلم يضحى أن يذبح بنفسه، أو -على الأقل- أن يشهد الذبح بنفسه، وأن يُشهد أهلَه وأولادَه أضحيتَهم، وأن يعلمهم آداب الذبح ومستحباته. فاليوم يوم العيد، يوم النحر، إنه يوم الأضحية والأضاحى، يوم إراقة الدماء قربانا لله عز وجل.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد فى طريق والرجوع فى طريق آخر، سواء كان إماماً أو مأموماً، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:"أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي الْعِيدَ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ"
فعلى كل واحد منا أن ينفذ هذه السنة المحمدية -قدر المستطاع- بأن يرجع من طريق غير الطريق الذى أتى به إلى المصلى.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
جعل اللعب المباح، واللهو البرىء من شعائر الدين التى شرعها فى العيد، رياضةً للبدن، وترويحًا للنفس، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ"
وفى مسند أحمد عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "إنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فِي يَوْمِ عِيدٍ قَالَتْ:فَاطَّلَعْتُ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ فَطَأْطَأَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم مَنْكِبَيْهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ حَتَّى شَبِعْتُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ"
وروُوا أيضا عَنها رضي الله عنها أنها قَالَتْ:دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ -وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ- وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ -ويوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج-قَالَتْ:وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، -استنكر أبو بكر الغناء فى بيت الرسول صلي الله عليه وسلم-،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا" أجاز لنا صلي الله عليه وسلم أن نرفه عن أنفسنا بالحلال، تقول السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:أنه صلي الله عليه وسلم قال يوم ذاك:"لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ" وفى مسند الحميدي:"الْعَبُوا يَا بَنِى أَرْفِدَةَ، يَعْلَمِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّ فِى دِينِنَا فُسْحَةً"
هكذا يكون اللهو والغناء فى العيد، لهو بريء، وغناء يثير فى النفس الحماسة وحب الجهاد، والرياضة التى تربى البدن، وترفه عن النفس، والتدريب على السلاح كما كان يفعل الحبشة.
ولكن تذكروا وأنتم فى متاعكم ولهوكم البرىء .. تذكروا إخوانا وأخوات لكم من المسلمين يقتلون ويعذبون وتنتهك أعراضهم وتذبح أطفالهم، فى شتى بقاع الأرض، التى استبيحت فيها حرمة الإسلام والمسلمين، وتذكروا أنهم جزء من الجسد الإسلامى الطاهر الذى يتعرض للاعتداء فى كل يوم، ومع ذلك لا يحس كثير من المسلمين بآلامهم، رغم أن المصطفى صلي الله عليه وسلم يقول:"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"
فهل يا ترى يحلوا لأحدنا الطعامُ والشرابُ واللهو فى أيام العيد، وبعض جسده يشكو من الحمى والمرض؟؟
أسائل نفسي وأسألكم هذا السؤال، فلا أجد إجابة إلا أن أقول:إنا لله وإنا إليه راجعون.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
جعل للمسلمين عيدين، يفرح المسلم فيهما، يتلقى الجوائز من الله عز وجل فى كل منهما بعد الانتهاء من عبادته، هما عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك، كل منهما يأتي بعد أداء ركن من أركان الإسلام،
وقد يوافق يوم العيد هذا يوم الجمعة، كما هو حادث في عامنا هذا، فقد اجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد، تفضل الله سبحانه وتعالى علينا بعيدين قي يوم واحد، الجمعة العيد الأسبوعي، ويوم الأضحى العيد السنوي، فلله الحمد والمنة، وقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد واجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد، وبدون الدخول في مناقشة الآراء الفقهية المختلفة في هذا الموضوع، حيث أن الخطبة ليست الميدان المناسب لذلك، فإننا -إن شاء الله تعالى- في مسجدنا هذا سنأخذ بالأحكام الآتية
•?من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
•?من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً.
•?سوف نقيم صلاة الجمعة هنا اليوم -إن شاء الله تعالى- ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا
•?من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.
•?من حضر صلاة العيد لا تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم .
وأخيرا وليس بآخر، على كل واحد منا إذا لقى صاحبه أن يهنئه بالعيد، كما كان يفعل صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم، كانوا إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض:
تقبل الله منا ومنكم
وأنا أقولها لكم:كل عام وأنتم بخير، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ونسال الله العزيز أن يعيد علينا مثل هذه الأيام، وأمةُ الإسلام مجتمعةٌ على قلب رجل واحد.
اللهم اجمع أمة الإسلام على كلمة التوحيد، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم انصرنا على أعدائنا، وأصلح لنا أمورنا، واهد ولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح في ديننا ودنيانا، إنك جواد كريم.
وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه أمهات المؤمنين تسليما كثيرا .