الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | ياسر دحيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
إننا نعيش في أيام ابتلاء وتمحيص، والابتلاء سنة ربانية يميز الله بها المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، ويقوي بها إيمان المؤمن؛ ليجعله أكثر اتصالاً بربه -سبحانه-، ويكشف الله بهذه الابتلاءات معادن الرجال وصفاتهم على حقيقتها. في مثل هذه الابتلاءات: تظهر أهل الشجاعة والمروءة، والكرم والنخوة والشهامة، عن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله سبقت كلمته في كتابه المبين بنصر رسله وأتباعهم من المؤمنين، أحمده سبحانه على عموم فضله وإحسانه، وأشكره على ما دفع من المكروه بتوفيقه وامتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أيها الناس: أوصيكم وإياي بتقوى الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].
عباد الله: أبشروا وأملوا؛ ففرج الله آت، ونصره سبحانه قريب، إنما يبتليكم ليصطفيكم، ويختار منكم الشهداء، ويختبركم ليعلم إيمانكم: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140- 42].
إننا نعيش في أيام ابتلاء وتمحيص، والابتلاء سنة ربانية يميز الله بها المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، ويقوي بها إيمان المؤمن؛ ليجعله أكثر اتصالاً بربه -سبحانه-، ويكشف الله بهذه الابتلاءات معادن الرجال وصفاتهم على حقيقتها.
في مثل هذه الابتلاءات: تظهر أهل الشجاعة والمروءة والكرم والنخوة والشهامة عن غيرهم: (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].
ولذا كان لا بد من هذه الاختبارات والابتلاءات، ليتميز الناس بصفاتهم وأخلاقهم ونفوسهم: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران: 179].
عباد الله: ينبغي للمؤمن أن لا يحزن ولا يأسف حين يجد من كان يؤمل فيه خيرا كبيرا قد فشل في هذه الاختبارات، وظهر على حقيقته، وبانت صفاته على طبيعتها، دون تصنع وتجمل، ففي مقابل ذلك ستجد أن بعض الناس الذين لا يؤبه لهم يظهرون من الأخلاق والصفات العظيمة ما لم يكن بالحسبان، ولولا هذه الابتلاءات التي قدرها الله ما عرفت ذلك وما بانت لك حقائق بعض البشر.
عباد الله: تحية مباركة معطرة زكية لإخوانكم في عدن وهم يسطرون أروع البطولات والملاحم التي يعجز القلم عن وصفها رجال وشباب وأطفال ونساء يرسمون بدمائهم لوحة الشرف والشجاعة والصمود ما لم يكن بالحسبان، ولا عجب في ذلك فهم القوم الذين بشر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن منهم مَنْ خيار الناس في آخر الزمان يخرجون أنصاراً لله ورسوله؛ روى أحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَخْرُجُ مِنْ عَدَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَهُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ" [صححه الألباني].
عباد الله: قد يأتي النصر على يد قومٍ ما كان الناس يضعونهم في حساباته، سبحان الله! إن نصر الله يأتي للمؤمن من حيث لا يحتسب ولا ُيقدّر، وفي سيرة نبيكم -عليه الصلاة والسلام- عبرة وعظة، لقد طاف رسول الله بمجتمعات القبائل، وقصد الرؤساء، وتوجه بالدعوة إلى الوجهاء، وسار إلى الطائف، مكث بمكةَ عشرَ سنين يتَّبِعُ الناسَ في منازلِهم عكاظُ ومجنةُ وفي المواسمِ، يقول: "من يُؤويني من ينصُرني حتى أُبَلِّغَ رسالةَ ربي وله الجنةُ؟".
ومع كل هذا لم يجد من يؤويه، ولا من ينصره، ولم تأت النصرة والحماية والتمكين من تلك القبائل العظيمة القوية بمكة ذات المال والسلاح، وإنما جاءت من ستة نفر جاؤوا على ضعف، وقلة من أهل المدينة.
ستة نفر من أهل يثرب دعاهم رسول الله إلى الإسلام، ولم يكن يتوقع منهم نصرة، وإنما أراد دعوتهم فآمنوا وأسلموا، ثم تتابعت الأحداث على نسق عجيب، فإذا هؤلاء النفر يدعون قومهم، ثم يكونون أنصاراً لله ورسوله، يعز الله بهم الدين، ويقيم بهم دولة الحق.
عباد الله: إن هناك صفات ينبغي للمسلم أن يتنزه عنها، ويطهر نفسه منها خاصةً في مثل هذه الظروف التي نمر بها.
ومن هذه الصفات: اليأس والقنوط: ما أحوجَنا ونحن في هذا الزمن، زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلى الأمل والتفاؤل، فمن يدري، ربما كانت هذه المصائب باباً إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أو ليس قد قال الله: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [البقرة: 216].
عباد الله: لقد ضاقت مكةُ برسول الله، ومكرت به، فجعل نصرَه وتمكينَه في المدينة، وارتدت قبائل العرب بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وظن الظانون أن الإسلامَ زائلٌ لا محالة، فإذا به يمتدُ ليعم أرجاء الأرض.
وهاجت الفتنُ في الأمة بعد قتل عثمان، حتى قيل لا قرار لها، ثم عادت المياه إلى مجراها، وتتوالى الفتوحات ليصل الإسلام إلى قلب أوربا.
وأطبق التتارُ على أمةِ الإسلام، حتى أبادوا الخلافة، ومزقوا البلاد، وقتلوا في بغداد وحدها مليوني مسلم، فكسر الله أعداءه في عين جالوت، وعاد للأمة مجدها.
وتمالئ الصليبيون، وخاضت خيولَهم في دماء المسلمين، حتى إذا استيأس ضعيف الإيمان نهض صلاح الدين، فرجحت الكِفةُ لصالح المسلمين.
وقويت شوكةُ الرافضة، حتى سيطر البويهيون على بغداد، والعبيديون على مصر، وكتبت مسبّة الصحابة، ولعنهم على المحاريب، ثم انقشعت الغمة، وأظهر الله السنة.
وهكذا يعقب الفرجُ الشدة، ويتبع الهزيمةَ النصر، وبعد الليل لا بد من طلوع الفجر.
عباد الله: إياكم ثم إياكم: أن يتسلل إلى قلوبكم الانهزام والضعف، فهذه الروح الانهزامية هي أخطر على الناس من كل سلاح؛ لأن المهزوم نفسيا لا يرجى منهم أن يدافع أو يقاوم أو يجاهد.
واعلموا أن ما يصيبنا من الهم والغم والجراح، يصيب عدونا أضعافه: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 104].
لكن أهل الحق يأملون بربهم، ويرجونه سبحانه؛ لأنهم لم يكونوا معتدين، ولا غاصبين، ولا ظالمين.
أيها المؤمنون: ومن الصفات التي ينبغي للمؤمن أن يتجرد منها: صفة الأنانية، وحب الذات، هذا المرض العضال الذي ذمه الإسلام، وجاء لاستئصاله، وتطهير النفوس منه، فلا يجتمع إيمان مع أنانية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [متفق عليه].
هذه الصفة المذمومة تظهر واضحةً جلية في مثل هذه الظروف التي نمر بها، عندما يغلّب الإنسان مصلحته الشخصية على مصلحة الآخرين، أو ينزوي بنفسه غير مبالٍ بالمشاركة مع الآخرين في إدارة الحياة العامة، وشعاره: "نفسي نفسي" أو "ليس لي دخل"، أو "ما سيبي" ومن هذه الألفاظ التي تتربى النفوس المريضة عليها، فأين نحن من قول الله -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
ومن الصفات المذمومة: الشح والبخل، وهي صفة تنتج عن الأنانية، وحب الذات، وتظهر هذه الصفة واضحة في أوقات الخوف والهلع، فالشيطان في هذه الأيام يخوف الإنسان، ويجعله أكثر حرصا على الجمع، وعدم الإنفاق، ويخوفه من المستقبل والظروف والحوال العصيبة، وما درى هذا المسكين: أن رحمة الله ينالها الراحمون، ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربا، ومن يسر على معسر يسر الله عليه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة، فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا".
إن الله يبتلينا بهذه البلايا، ليطر نفوسنا من أمراضها وأسقامها، فهذه العلل والأمراض النفسية مهلكة للإنسان، لذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ منها، فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل".
عباد الله: وفي مثل هذه الأحوال والظروف، تظهر صفة قبيحة؛ ألا وهي: صفة الاحتكار للسلع والبضائع، ويظهر جشع التجار وأصحاب المحلات، فيستغل بعضهم حاجة الناس، وقلة السلع، لمزيد من الكسب، وجمع الأموال، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لا يحتكر إلّا خاطئ" [رواه مسلم].
والخاطئ، أي الآثم.
وقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من الله –تعالى- وبريء الله -تعالى- منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمّه الله –تعالى-" [رواه أحمد].
إن الاحتكار يدل على دناءة النفس، وسوء الأخلاق، إذ كيف يضر إنسان بإخوانه المسلمين، ويتاجر بآلامهم ومصائبهم، وكيف يهنأ هذا المحتكِر، ويفرح بكثرة المال الذي يحققه بالتشديد، والإضرار بغيره، فمن كان هذا حاله، فهو سيء النية، فاسد الطوية: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 - 157].
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، ومن سار على نهجه واقتفى.
عباد الله: ومن الأمراض والآفات السيئة التي تنتشر في مثل هذه الأحول: الإشاعات والأكاذيب، وقد حذرنا الله -تبارك وتعالى- من الأخبار التي لا يوثق مصدرها، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].
إننا في زمانٍ تطورت فيه وسائل الإعلام والتواصل، حتى أصبح الناس يتناقلون الأخبار في لحظات معدودة ينتشر الخبر بسهولة ويسر إلى الآلاف من الناس، ومن هنا يكمن خطر الأراجيف والكذب والكلام غير الموثق الذي ينقله صاحبه وينشره، ويظن أن ليس عليه إثم فيما نقل، وإنما هو ناقل.
وهذا خطأ فاحش، فأنت مسؤول –يا عبد الله- عما كتبت يداك، ونشرت بيمينك، فالأمر ليس بهين ولا سهل، ستسأل عن ذلك، فإن لم تكن متأكدا من خبرٍ فلمَ تنشره؟ عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ، مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي "زَعَمُوا؟" قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ".
وفي رواية: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا".
أي أن ذلك مذموم أن يقول الإنسان: زعموا كذا، ونقلوا، وقالوا.. وهو في كل ذلك غير متأكد، لكن لأنه عجول غير متزن، ينشر ذلك، ويخبر به.
إن من ينشر الأخبار على طريقة النسخ واللصق، وما أكثرهم في زماننا، داخلون في حديث رسول الله الذي يقول فيه: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وفي رواية: "حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".
أي أن صاحبه واقع في الإثم، بل له مما ينشر عن كان كذباً نصيب منه.
فليتق الله من ينشر الأخبار، ويتناقلها دون تمحيص وتأكيد، غير أنه يريد أن يكون أول من نشر الخبر لأصحابه.
عباد الله: تنزهوا ن هذه الصفات الذميمة؛ أعينوا بعضكم بعضا، وتعاونوا على البر والتقوى، فالمجتمعات لا تبنى إلا بالتعاون والاجتماع، واعلموا أن المجتمع كالسفينة إذا غرقت هلك كل من فيها، شاركوا الناس فيما يجتمعون عليه من الحراسات لحفظ الأمن، أو تنظيف الشوارع والأحياء، وأنفقوا وتصدقوا للمحتاجين والجوعى، وأعينوا المرضى، واعلموا أن من شكر النعم التي أنعم الله بها عليكم أن تستعملوها في طاعة الله، وفيما ينفع الناس، لا تبخلوا بشيء عندكم ينفع الناس، ويخفف عنهم من مصابهم هذا، فالناس معادن، فهناك الذهب، وهناك الخشب، وفي مثل هذه الظروف والأحوال تتبين معادن الناس، ومن العار والمهانة: أن يظن الناس أنك ذهبٌ فإذا أنت خشبة، إياكم أن تضيع المروءة والنخوة والشهامة والنجدة منكم -أيها المسلمون المؤمنون- فإن هذه صفات إنسانية كان أهل الجاهلية على كفرهم وشركهم بالله يتفاخرون بها، ويتسابقون إليها، ويحتقرون من تجرد منها، فلا يكن عرب الجاهلية بأفضل منا، ونحن مسلمون مؤمنون، قالَ أَبو ذَرّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: "رأيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكارِمِ الأَخْلاقِ" [رواه البخاري].
عباد الله: ثقوا ثقةً تامة بنصر الله -تعالى-، فقد بدت معالمه واضحة جلية، إن الباطل مهما علا وانتفخ، فلا بد له من زوال واضمحلال، بدت معالم النصر في صمود إخوانكم في عدن، بدت معالم النصر في شباب صغار يبذلون أرواحهم دفاعا عن عقيدتهم وأرضهم، بدت معالم النصر في صمود قلة قليلة من الشباب أمام معسكرات مدربة، وأسلحة ثقيلة، بدت معالم النصر في الدعوات التي ترتفع إلى السماء ترجو خالقها أن يكشف هذه الغمة، ويقصم ظهور الجبابرة المتكبرين الظلمة، بدت معالم النصر يوم أن أتى الغزاة الظلمة من بلادهم بمبررات واهية كاذبة لا يصدقها عاقل، فثبت أمامهم الأبطال يقارعونهم بما يسر الله لهم، بدت معالم النصر يوم أن بلغ اليأس مبلغه، واستحكم في النفوس، ونام الناس على أن الأمر قد قضي وانتهى، فاستيقظوا على دولٍ أرسلت طائراتها لرد المعتدي الظالم إلى رشده وصوابه، فمن قدر في جمعها وجعل قراراها ما تسمعون وتشاهدون.
أيها المؤمنون: إن كان قدر أهل عدن أن يكونوا في مواجهة العدوان الغاشم، والتصدي لهذا الباطل الذي جاء من دياره محاربا غازياً، فدورنا نحن النصرة والتأييد، والدعم والمساندة، كلٌ بما يقدر عليه ويستطيع، وهذا نداء قافلة أبناء حضرموت لنصرة عدن، حيث تداعى مجموعة من الأخيار لإغاثة إخوانهم هناك، في تسيير قافلة إغاثية من مواد غذائية وطبية لإيصالها للمنكوبين هناك، فأعينوا إخوانكم بما تيسر لكم، وأروا الظلمة الغزاة أننا يدٌ واحدة على من عادنا.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.