مطوية باللغة العربية؛ للدكتور عبد الملك القاسم - أثابه الله - بينت حكم سب الله - عز وجل - أو الدين، أو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام، مع بيان عظم الأمر، وخطورته.
التفاصيل
حكم سب الله - عز وجل -، أو سب الدين، أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو سب الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم -. الحمد لله الذي هدانا للإسلام والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن نعم الله عظيمة وآلاءه جسيمة وأعظم النعم وأجلها منزلة نعمة الإسلام التي من الله بها علينا وخصنا بها. ومع الغزو الإعلامي المكثف وليونة الدين في القلوب ظهر على ألسنة البعض أمر خطير ومنكر وكبير هو: سب الله - عز وجل - أو الدين أو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام .. و في هذه الورقات بيان لعظم الأمر وخطورته حتى ننصح من نراه يفعل ذلك ونعلمه موطن الخير وندله على طريق التوبة. أخي المسلم: الإيمان بالله مبني على التعظيم والإجلال للرب - عز وجل - ولا شك أن سب الله - عز وجل - والإستهزاء به يناقض هذا التعظيم. قال ابن القيم: " وروح العبادة هو الإجلال والمحبة فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم فذلك حقيقة الحمد والله أعلم ". والسب كما عرفه ابن تيمية: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه. ولا ريب أن سب الله - عز وجل - يعد أقبح وأشنع أنواع المكفرات القولية وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله فإن السب كفر من باب أولى. يقول ابن تيمية: " إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحيلاً أو كان ذاهلاً عن إعتقاده ". وقال ابن راهويه: " قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه.. كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله ". قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً "57" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب:58،57] فرق الله - عز وجل - في الآية بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين و المؤمنات فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل. قال القاضي عياض: " لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم ". وقال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل: " يا ابن كذا و كذا - أعني أنت ومن خلقك: هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه ". وقال ابن قدامة: " من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً ". سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز السؤال التالي: ما حكم سب الدين أو الرب؟ - أستغفر الله رب العالمين - هل من سب الدين يعتبر كافراً أو مرتداً وما هي العقوبة المقررة عليه في الدين الإسلامي الحنيف؟ حتى نكون على بينة من أمر شرائع الدين وهذه الظاهرة منتشرة بين بعض الناس في بلادنا أفيدونا أفادكم الله. فأجاب - رحمه الله -: سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات وهكذا سب الرب - عز وجل -، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان من سب الرب - سبحانه وتعالى - أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام فإنه يكون بذلك مرتداً عن الإسلام ويكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب بل يقتل، لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمن عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن سب الدين أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو سب الرب - عز وجل - من نواقض الإسلام، وهكذا الإستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة، فالإستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ "65" لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة:66،65] نسأل الله العافية. وسئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي: ما الحكم في رجل سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة وما شرط التوبة من هذا العمل حيث أني سمعت من أهل العلم يقولون بأن زوجتك حرمت عليك؟ فأجاب فضيلته: الحكم فيمن سب الدين الإسلامي يكفر، فإن سب الدين والإستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله - عز وجل - وبدينه، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله - عز وجل - أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ "65" لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة:66،65] فالاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما، كفر مخرج من الملة. أهـ واحذر أخي المسلم من مجالسة هؤلاء القوم حتى لا يصيبك إثم وتحل بدارك العقوبة. سئل الشيخ محمد بن عثيمين السؤال التالي: هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبون الله - عز وجل -؟ فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله - عز وجل - لقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ﴾ [النساء:140]. - حكم سب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: للرسول مكانة عظيمة في نفوس أهل الإيمان، فقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، ونحن نحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما أمر، محبة لا تخرجه إلى الإطراء أو إقامة البدع التي نهى الرسول عنها وحذر منها. بل له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة نطيعه فيما أمر، ونجتنب ما نهى عنه وزجر. ولنحذر من سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك فاعله أو لم يستحله. يقول ابن تيمية رحمه الله: " إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ". والأمر في ذلك يصل إلى حتى مجرد لمز النبي - صلى الله عليه وسلم - في حكم أو غيره كما قال - رحمه الله -: " في حكمه أو قسمه فإنه يجب قتله، كما أمر به - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد موته ". فاحذر أخي المسلم من هذا المزلق الخطر والطريق السيئ وتجنب ما يغضب الله - عز و جل -. - سب الصحابة: الصحابة هم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفقاء دعوته الذين أثنى الله عليهم في مواضع كثيرة من القرآن قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100]. قال تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ﴾ [الفتح:29] ومن سبهم بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن. والواجب نحوهم محبتهم والترضي عنهم والدفاع عنهم، ورد من تعرض لأعراضهم، ولا شك أن حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، أما التعرض لهم وسبهم وازدرائهم فقد قال ابن تيمية - رحمه الله -: " إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر ". وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بقوله: { من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } [السلسلة الصحيحة:2340]. وقال - عليه الصلاة والسلام -: { لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم أو نصيفه } [رواه البخاري]. قال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب: " فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر ". وسئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة - رضي الله عنهم أجمعين - فقال: " ما أراه على الإسلام ". وقال الإمام مالك رحمه الله: " من شتم أحداً من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو ابن العاص، فإن قال كانوا على ضلال وكفر قتل. أما من قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فإنه كذب بالقرآن الذي يشهد ببراءتها، فتكذيبه كفر، والوقيعة فيها تكذيب له، ثم إنها - رضي الله عنها - فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر ". قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن. ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد، لما ذكر رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، أمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - عز وجل -: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور:26] فإن كانت عائشة رضي الله عنها خبيثة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. - أخي المسلم: إن سب الصحابة رضي الله عنهم يستلزم تضليل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويتضمن أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة شرارها، وكفر هذا من يعلم بالاضطرار من دين الإسلام. اللهم ارزقنا حبك وحب دينك وكتابك ونبيك - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.