البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الجمعة حكم وأحكام

العربية

المؤلف نايف بن حمد الحربي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. بعض حِكَم الجمعة وأحكامها .
  2. آداب حضور الجمعة .
  3. أحكام وسنن إتيان صلاة الجمعة .
  4. هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في خُطَبِه. .

اقتباس

هو خير يوم طَلعَت عليه الشمس، فيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدخِل الجنة, وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا فيه، من توضأ يومه فأحسن الوضوء, ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غُفِر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن اغتسل يومه وتطهر، وتطيب وبين اثنين لم يُفرِّق، وصلى ما كُتِب له, وللإمام أنصت, غفر له ما بينه وبين الجمعة، ومن اغتسل يومها غسل الجنابة، فراح في الساعة الأولى, فكأنما قرَّب بَدنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، ولا يزال المرء يتثاقل في غدوه إلى الصلاة؛ لضعف داعيها في قلبه، فيضعف لذاك في الميزان قربانه، حتى يكون بمنزلة من قرَّب بيضة، ولربما فاته التقريب بدخول الإمام؛ لفرط تثاقله..

الخطبة الأولى:

الحمد لله بَيْنَ الأديانِ فاضَل، وخصَّ أهل الإسلام منها بعظيم فضائل، بها أدركوا مَن بطول الأعمار بَزَّهم، ولم يزل عليهم بفضل الله منها نوائل، فهي للتنافس ميادين مُشرَعة، وللسبق أنعم بها من وسائل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

فعَلَيْكم بتقوى الله عباد الله، حِصنٌ من الإثم, تُورِثُ مُسْتَكَنًا من الهم، وعاقبةَ خير لأولي الفهم، فاتقوا الله عباد الله، ولا ترغبوا عنها لطرد هوى، يُورِثُ عاقبةَ وهم.

معاشر المسلمين، عَرُوبَةُ أو الجمعة، أو ما ألفت الأذان سَمْعَه, هي أسماء ليومٍ، أدركت به أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-, ما لم تدركه الأمم من قبلها, حِكَمٌ وأحكام, آدابٌ وفضائل، فنحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، فاختلفوا فيه، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه, هدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدٍ، والنصارى بعد غد.

هو خير يوم طَلعَت عليه الشمس، فيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدخِل الجنة, وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا فيه، من توضأ يومه فأحسن الوضوء, ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غُفِر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن اغتسل يومه وتطهر، وتطيب وبين اثنين لم يُفرِّق، وصلى ما كُتِب له, وللإمام أنصت, غفر له ما بينه وبين الجمعة، ومن اغتسل يومها غسل الجنابة، فراح في الساعة الأولى, فكأنما قرَّب بَدنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، ولا يزال المرء يتثاقل في غدوه إلى الصلاة؛ لضعف داعيها في قلبه، فيضعف لذاك في الميزان قربانه، حتى يكون بمنزلة من قرَّب بيضة، ولربما فاته التقريب بدخول الإمام؛ لفرط تثاقله.

 واحتساب هذه الساعات, يبدأ من طلوع الشمس، وارتفاعها قدر رمح، كما هو الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأن ما قبل هذا يكون المرء فيه مشتغلا بصلاة الفجر، والمكث في مصلَّاه.

وصلاة الجمعة إلى مثلها ، كفارات لما بينهن ما لم تغشَ كبيرة, ومن كلَّم صاحبه والإمام يخطب فقد لغا، ومن مسَّ الحصى والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له.

 ووقت وجوبها زوال الشمس، فمن أتى عليه وقت وجوبها وهو من أهله، حرم عليه السفر حتى يؤديها, وفرض وجوبها على كل ذكر مسلم ، بالغ, عاقل، مستوطن.

وأما المسافر على متن سفره فلا تجب عليه؛ إذ لم يحفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلاها في سفر مع اجتماع الخلق الكثير معه.

 أما المسافر الذي نزل بلدا لأي غرض من الأغراض, إذا حضرت الجمعة لزمته ووجب عليه إتيانها، وكذلك كل من كان داخل عامر البلدة, وجب عليه حضورها ولو بعدت عن المسجد داره، وأما أهل البادية، وكل من كان بينه وبين عامر البلدة ما يقرب من خمسة كيلو مترات, فلا يجب عليه حضورها؛ لأن هذه المسافة هي التي لا يسمع فيها النداء للصلاة في الغالب.

وإذا أقيمت الصلاة وجب إتمام الصفوف الصف الأول فالأول، ومنشأ الصف من خلف الإمام لا من ميمنةٍ ولا ميسرة، وتفاضل الجهتين، إنَّما يكون بالقرب من الإمام، لأن هذا هو الذي يحصل به المقصود من الإقتداء بالإمام, فضلاً عن دلالة السنة عليه, كما عند مسلم من حديث جابر وجبَّار, ومن صلَّى خلف الصف وحده مع وجود متَّسع له في الصف الذي أمامه بطلت صلاته، وإلا فلا.

ويدركها آتيها بإدراك الركوع الثاني مع الإمام، ومن فاته الركوع الثاني صلَّاها ظهرا.

ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- منتظرها عن الاحتباء؛ إذ الاحتباء يورث نوما، ومن أتاها والأذان قائم، فالأولى في حقه أن يشرع في صلاة تحية المسجد مباشرةً؛ إذ أن استماع الخطبة أولى من إجابة المؤذن، ومن أتاها والإمام يخطب, لم يجلس حتى يصلى ركعتين يوجز فيهما.

ويسن يوم الجمعة وليلتها الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-, استجابة لحضه على ذلك, وفي الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، قد تباينت أقوال أهل العلم في تحديدها، والذي يَعْضُدُهُ الدليل، أنها ما بين دخول الإمام إلى انقضاء الصلاة؛ لما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام، إلى أن تقضى الصلاة", وأما قول النبي: "وهو قائمٌ يصلي" فالمراد بالقيام: هو الملازمة والمواظبة، كما في قول الحق تبارك وتعالى: (إلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً)، وأما المراد بالصلاة فهو: الدعاء، كما قرره الإمام النووي ، أو أن منتظرها في حكم مؤديها ، كما قرره ابن حجر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله حكم وقدَّر، وشرع ويسَّر، وعلَّم فأبان وأظهر، من رُزِقَ فقها في الدين, فالخير في سما دناه قد أبدر، ومن حادَّ عن العلم بشرع رب العالمين, فليله داج, ونهاره أقتر، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه, خير آل ومعشر، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم البعث والمحشر.

أما بعد: عباد الله, تقدَّم شيءٌ من حِكَم الجمعة وأحكامها، ولم يزل للأحكام بقية, فكثير ما نسمع أن غُسْل الجمعة واجب على كل محتلم أَيْ: بالغ، والتحقيق في هذه المسألة: أن غسل الجمعة لا يجب إلا على من كان معه ريح يتأذَّى بها المصلون، لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح, فأتى رسولَ الله إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا", فهذه هي العلة من الأمر بالاغتسال للجمعة.

ومن أحكام الجمعة: أنه ليس لها سنة قبلية راتبة، وأما البعدية، فإن صلاها في المسجد فالسنة أن يصليها أربعا يسلم من كل ركعتين، وإن صلَّاها في البيت فالسنة أن يصليها ركعتين، لما في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته"، ولما في مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا".

ومن تتبع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في خُطَبِه, وجده يقرر من خلالها حقائق الإيمان في النفوس, ويعالج فيها ما نزل بالساح من أحداث, ففي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر على منبره أحوال القبائل الموافق منها والمخالف: أسلم, وغفار, وعصيَّة.

 وقد كانت خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصدًا، ففي صحيح مسلم من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن طول صلاة الرجل، وقِصَر خطبته، مئنَة من فقهه", ولم يكن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الالتفات حال خطبته، وإنما كان ينظر تلقاء وجهه، كما لم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- تحريك يديه، وإنما كان يشير بسبَّابته فقط عند الدعاء، كما أن التزام افتتاح خطبة الجمعة بخطبة الحاجة, وختمها بآية سورة النحل (إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان) [النحل: 90], والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإطالة الدعاء، كل هذا ليس من الهدي النبوي في شيء, إنما هو من المحدثات.

كما أنه لا يشرع للداعي رفع يديه حال الدعاء المقيَّد بحالٍ, أو زمانٍ, أو مكانٍ, لم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه فيه، كحال الدعاء في خطبة الجمعة، فإنه يكره للخطيب والحاضرين رفع أيديهم إلا إذا استسقى، وأما مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء، فلا يثبت فيه دليل صحيح، لا داخل الصلاة ولا خارجها.

وكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بالسجدة والإنسان، ثبت هذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس -رضي الله عنهم-, كما كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ في الجمعة بالأعلى والغاشية أحيانًا، وبالجمعة والمنافقين أحيانًا، وبالجمعة والغاشية تارة ثالثة، كل هذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة والنعمان بن بشير -رضي الله عنهم-، وأما قراءة الخطيب ما يوافق موضوع خطبته من آيات، فهو من المحدثات.

وأما هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقت للدخول للخطبة، فمع زوال الشمس مباشرة؛ لما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع، رضي الله عنه قال: "كنا نُجَمِّعُ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس"، وفيهما أيضًا عنه -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ننصرف، وليس للحيطان ظل يستظل به"، وفي البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس".

 وأما ما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيِّلُ ولا نتغدى إلا بعد الجمعة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فمحمول على المبالغة في تعجيلها مع الزوال مباشرة، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم نُدِبُوا للتبكير إليها، فهذا هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في دخوله إلى صلاة الجمعة، ولا عبرة بمن خالف تقديما أو تأخيرا.

وبعد أهل الإسلام، فقد ثبت في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم-، أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكُونُنَّ من الغافلين"، فليحذر العاقل من أن يُعَرِّض نفسَهُ لسخط الله.

أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجارنا مِن غلباتِ الهوى, وميلهِ إذا مال.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين, ...