الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
في كلِ لفظٍ من ألفاظ هذا التعبير في الآية نداوة حبيبة.. وفي إضافة العباد إليه عبادي، والرد المباشر عليهم منه.. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فلم يقل: فقل لهم: إني قريب.. وإنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال.. فقال: إني قريب.. ولم يقل: إني أسمع الدعاء.. بل عجل بإجابة الدعاء: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إنها آية عجيبة.. آية تَسْكُبُ في قلبِ المؤمنِ النداوةَ الحلوة، والودَ المؤنس، والرضا المطمئن، والثقةَ واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جنابٍ رضيِّ، وقُرْبَى ندية، وملاذٍ أمين وقرارٍ مكين. وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الَّذِي أرْشَدَ الخلقَ إلى أكْملِ الآداب، وفتَحَ لهم من خزائنِ رحمتِهِ وجودِهِ كُلَّ باب، أنَار بصائرَ المؤمنينَ فأدركوا الحقائقَ وطلبُوا الثَّواب، وأعْمَى بصائرَ المُعْرِضين عن طاعتِهِ فصار بينهم وبين نوره حجاب، هدى أولئك بفضله ورحمته وأضلَّ الآخرين بعدله وحكمته، إن في ذلك لذِكْرى لأولى الألبَاب.
وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمد الْعَزيزُ الوَهَّاب، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولهُ المبعوثُ بأجَلِّ العباداتِ وأَكمَلِ الآداب، صلَّى الله عليه وعلى جميع الإل والأصْحَاب، وعلى التابعين لَهم بإحْسَانٍ إلى يومَ المَآب، وسلَّم تسليماً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أيها الإخوة: هاهي مواسم الخير قد أقبلت .. وبشائر دخول شهر الخير قد أزفت .. حري بمن منَّ الله عليه بإدراكه أن يقف مع آيات فرضه متأملاً.. فمن اللازم أن يفرض الصومُ على الأمة؛ لأن الصوم مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة.. ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد.. كما أنه مجال استعلاء الإنسان على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثاراً لما عند الله من الرضا والمتاع...
وهذه كلها لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق إلى الله.. الذي تتناثر على جوانبه الرغبات والشهوات.. وتهتف بسالكيه آلاف المغريات..!
أحبتي: إن الحكمة الأصيلة في فرض الصيام إعداد هذا المسلم لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في الحياة الآخرة.
يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : 183].
بهذا النداء الحبيب يستجيش المولى –سبحانه- نفوس المؤمنين لفريضة الصيام... ويبين أنها فريضةً قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الأولى منها إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).. نعم التقوى هي الغاية الكبرى من الصوم.. التقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثاراً لرضاه... التقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال...
التقوى هي غاية تتطلع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصل إليها..
أيها الإخوة: ثم يبين الله سبحانه مقداره فيقول: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..) [البقرة: 184].
ومع هذه الآثار الكبيرة للصيام التي علمناها قد يتبادر للذهن أنه سيكون فريضة الدهر، أو في أيام كثيرة منه.. لكن الحكيم الخبير جعل الواجب منه أياماً معدودات، وليس فريضة العمر وتكليف الدهر... بل أعفي من أدائه المرضى حتى يصحوا، والمسافرون حتى يقيموا، تخفيفاً وتيسيراً.
فأي مرض وأي سفر يُسوغ الفطر، على أن يقضي المريض حين يصح والمسافر حين يقيم.
قال شيخنا محمد العثيمين: "المسافر مخيَّرٌ بين الصيام والفطر سواءٌ طالتْ مدةُ سفره أمْ قصُرتْ، وسواءٌ كان سفرُه طارِئاً لغَرض أمْ مُسْتَمِّراً، كسَائِقي الطائراتِ وسياراتِ الأجْرةِ لعموم الآية، فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كُنَّا نُسَافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَعِب الصائمُ على المُفطِر، ولا المفْطِرُ على الصائمِ". (رواه البخاري ومسلم).
وفي مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ".
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: -صلى الله عليه وسلم- "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ" (رواه مسلم).
وقال الشيخ محمد -رحمه الله-: "والأفضل للمسافر فعلُ الأسهلِ عليه من الصيام والْفِطرِ، فإنْ تساويَا فالصَّومُ أفضلُ لأنَه أسْرعُ في إبراء ذمته.. وأنشط له إذا صامَ معَ الناسِ.. ولأنه فعلُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- قال: "خَرَجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضانَ في حرٍّ شديدٍ، حتى إنْ كان أحَدُنا ليضعُ يَدَه على رأسِهِ من شدةِ الحرِّ، وما فينا صائمٌ إلاَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبدُ الله بنُ رواحة -رضي الله عنه-". (رواه مسلم).
وإذا كان المسافرُ يَشُقُّ عليه الصومُ فإنَّه يفطرُ ولا يصُومُ في السفرِ، فعن جابرٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا أفْطرَ حينَ شَقَّ الصومُ على الناس قيل له: إنَّ بعض الناسِ قد صَامَ، فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أولَئِك العُصاةُ، أولئك العصاة" (رواه مسلم).
وفي الصحيحين، عنه -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفرٍ، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا..؟ قالوا: صائمٌ، فقال: "ليس من البرِّ الصيامُ في السفر".
أيها الإخوة: أما المِريضُ الَّذِي يُرجَى برؤُ مرضِه فله ثلاثُ حالاتٍ:
إحداها: أنْ لا يشقَّ عليه الصومُ ولا يَضُرُّه، فيجبُ عليه الصومُ لأنه ليس له عُذْرٌ يُبِيح الْفِطْرَ.
الثانيةُ: أنْ يشقَّ عليه الصومُ ولا يضُرُّه، فيفطرُ لقوله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.. ويُكْره له الصوم مع المشقَّةِ، لأنه خروجٌ عن رُخصةِ الله –تعالى- وتعْذيبٌ لنفسه، وفي الحديث: "إن الله يُحب أن تُؤتى رُخَصُه كما يكرهُ أن تؤتى معْصِيتُه" (رواه أحمد وابنُ حبان وابنُ خُزَيمة في صحيحيهما، وصححه الألباني).
الثالثةُ: أنْ يضُرَّه الصومُ فيجبُ عليه الْفطرُ ولا يجوزُ له الصومُ لقولِه تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء: 29]، وقولِه: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لِنفْسكَ عليْك حقَّاً" (رواه البخاري).
ومن حقهَا أنْ لا تضرَّها مع وجود رخصةِ الله سبحانه. ولقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضَررَ ولا ضرارِ". (أخرجه ابن ماجه والحاكم. قال النَّووي وله طرق يقويِ بعضها بعضاً).
وإذا حدَث له المرَضُ في أثناءِ رمضانَ وهو صائمٌ وشقَّ عليه إتمامُه جاز له الفطرُ لوجودِ المُبيح للفطر. وإذا برأ في نهارِ رمضانَ وهو مفطر لم يصحَّ أنْ يصومَ ذلك اليَوْمَ؛ لأنَّه كان مُفطِراً في أوَّلِ النهار، والصومُ الواجب لا يصحُّ إلاَّ مِنْ طلوع الفجر ولا يلْزَمه أنْ يُمسِكَ بقية يومِهِ على الصحيح..؟
وإذا ثبت بالطِّبِّ أنَّ الصومَ يجلِبُ المرَضَ أو يؤخر بُرءَه جاز له الفطرُ محافظةً على صِحَّتِه واتقاءً للمرض. فإنْ كان يُرْجى زوالُ هذا الْخَطر، انْتظَرَ حتى يزولَ ثم يقضْى ما أفْطر.
الخطبة الثانية:
وقال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، في هذه الآية الكريمة لفتة عجيبة إلى العوض الكامل عن مشقة الصيام وهو عوض حبيب مرغوب، والجزاء المعجل منه –سبحانه- على الاستجابة له.. وهذا العوض والجزاء هو القربُ من الله، واستجابتُه للدعاء.. تُصَوْرُهُ ألفاظٌ رفافةٌ شفافة تكاد تنير: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
تأملوا معي أيها الأحبة قولَه سبحانه (فإني قريب)، وقولَه: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) أية رقة..؟! وأي لطف..؟! وأية شفافية..؟! وأي إيناس..؟! يحسه به المكلف.. حين بسمع هذا الجواب.. وأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود من الودود، وظل هذا اللطف من اللطيف وفي ظل هذا القرب من القريب..؟!
نعم إن في كلِ لفظٍ من ألفاظ هذا التعبير في الآية نداوة حبيبة.. وفي إضافة العباد إليه عبادي، والرد المباشر عليهم منه.. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) فلم يقل: فقل لهم: إني قريب.. وإنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال.. فقال: إني قريب.. ولم يقل: إني أسمع الدعاء.. بل عجل بإجابة الدعاء: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إنها آية عجيبة.. آية تَسْكُبُ في قلبِ المؤمنِ النداوةَ الحلوة، والودَ المؤنس، والرضا المطمئن، والثقةَ واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جنابٍ رضيِّ، وقُرْبَى ندية، وملاذٍ أمين وقرارٍ مكين.
وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة الموحية.. (السريعة) يوجه الله عباده إلى الاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح. فيقول: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك، وهي الرشد والهدى والصلاح. فالله غني عن العالمين.
واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له هم ويرشدون.. وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه. فهو يُقدْرُ الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم.. فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ" (رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني).
وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا.. مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ.. فَقَالَ رَجُلٌ: مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ.. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ" (رواه الترمذي واللفظ له والحاكم، وقال الألباني حسن صحيح).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" (رواه البخاري ومسلم).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ..؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ" (رواه مسلم).
والصائم أحد الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" (رواه أحمد وهو صحيح بطرقه وشواهده).
وبعد أيها الإخوة: لن أتحدث بغير ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبشراً لأصحابه برمضان ومحفزا لهم على العمل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ". (رواه أحمد وهو حديث صحيح).
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ وَيُنَادِى فِيهِ مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ" (رواه أحمد وهو حديث صحيح)، وفي رواية عند الترمذي "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ".
نعم لا حديث أبلغ من حديثه -صلى الله عليه وسلم-، ولا نصيحة أصدق من نصيحته.. فهلموا إلى الخير في شهر الخير.. فقد أشرعت أبوابه.. اللهم بلغنا شهر رمضان، ووفقنا للعمل الصالح فيه.