البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

في لزوم السنة والتحذير من مخالفتها

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. توكيل الله مهمة تفسير القرآن لنبيه صلى الله عليه وسلم .
  2. إنعام الله علينا ببعثته صلى الله عليه وسلم .
  3. وجوب اتباع السنة .
  4. ثمرة اتباعها وعدم مخالفتها .

اقتباس

فالنبي صلى الله عليه وسلم أفعاله وتقريره وحاله؛ ذلك كله من سنته؛ فلولا السنة لم يعرف الناس عدد ركعات الصلاة وصفاتها وما يجب فيها، ولولا السنة لم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله فيها من الحدود والعقوبات ..

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم، واتبعوا كتابه المبارك الذي أنزله موعظة لكم وذكرى، فاتبعوه واتقوه لعلكم ترحمون (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:16]، (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].

ومن اتبعه وتمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلال؛ ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: "إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به - كتاب الله". وفيه أيضاً عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله؛ فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به" وفي هذا بيان منه -صلى الله عليه وسلم- أن اتباع الكتاب والتمسك به عصمة من الضلال، ونجاة من الفتن، ونور في الظلمات، وفرقان بين الحق والباطل عند اشتباه الأمور.

أيها المسلمون: ولقد وكل الله تبارك وتعالى مهمة تفسير القرآن وبيانه للناس إلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44] وقال سبحانه: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل:64] وبيان النبي صلى الله عليه وسلم لكتاب الله والذكر الذي جعله الله هدى ورحمة للمؤمنين هو بوحي من الله تعالى؛ كما قال سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3-4].

ولهذا امتن الله تعالى -وله الفضل والمنة- بذلك على هذه الأمة السابقين منهم واللاحقين - ببعثته صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:2-4].

فمن فضل الله ورحمته علينا أن بعث إلينا عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب ليتلو علينا آياته، ويعلمنا الكتاب والحكمة التي هي السنة؛ يبين بها معاني القرآن، ويفصِّل أحكامه، ويبشر وينذر ويهدي بها إلى صراط مستقيم؛ كل ذلك فضل من الله على هذه الأمة ورحمة بها، والله ذو الفضل العظيم.

أيها المسلمون: فالنبي صلى الله عليه وسلم أفعاله وتقريره وحاله؛ ذلك كله من سنته؛ فلولا السنة لم يعرف الناس عدد ركعات الصلاة وصفاتها وما يجب فيها، ولولا السنة لم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله فيها من الحدود والعقوبات؛ ولهذا أوجب الله طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وقرنها بطاعته، وجعلها من أسباب رحمته وهدايته، وحذر من معصيته ومخالفته؛ فقال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132] وقال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54] وقال -سبحانه-: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80]. وقال -جل ذكره-: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7]. وقال -تبارك اسمه-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

قال الإمام أحمد رحمه الله: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعل إذا رد بعض قوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم؛ ففيهما الهدى والنور والخير الكثير، واحذروا ما يخالفهما من محدثات الأمور؛ فإنها ضلال وغرور.

ولقد وعد الله تعالى من اتبع هداه بأن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، فقال: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه:123]. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". وفيهما أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رغب عن سنتي فليس مني". وأخرج البيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".

فعليكم -عباد الله- بلزوم سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في جميع أحوالكم؛ فإنها سعادة لمن تمسك بها ونجاة له من كل هلكة، واعلموا أنه لا يقبل قول وعمل ونية، ولا يصلح إلا بموافقة السنة، وأن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن اقتفى أثره فإن الله يجعل له نوراً في قلبه، ونوراً يسعى به على الصراط يوم القيامة. وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده -يعني خلفاءه وأصحابه- سنناً؛ الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكثار عن طاعة الله، وقوة على دين الله، فمن اهتدى بها فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين"، والله تعالى يقول: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:115].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.