البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الحث على تعلم القرآن وتلاوته في العمل به

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. نعمة القرآن .
  2. فضل تعلم القرآن والعمل به .
  3. أقسام الناس عند تلاوة القرآن .
  4. مفاسد اتخاذ تلاوة القرآن حرفة .
  5. سهولة ويسر الحصول على المصاحف .
  6. حرمة القرآن وبعض الأمور الواجبة نحوه .

اقتباس

من الناس مَنْ يتخذُ تلاوة القرآنِ حرْفةً يتأكلُ بها، فيقرأهُ في المحافل والمآتم والموالدِ لأجلِ ما يُدْفَعُ إليه من الأجرة، ويقرؤونه على غير الوجهِ المشروع، فيمطِّطُونه ويلحِّنونه بألحانِ الأغاني، فهؤلاء جَمَعُوا بين عدة جرائم. أولاً: قراءة القرآن في مواطن البدعة والمعصية، كالمآتم والموالد، وبعض المحافَل التي تشتمل على المنكراتِ والهزليات. ثانياً: اتخاذُ تلاوة القرآن لطلب الدنيا. والتلاوةُ عبادة لا ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ذي الفضل والإِحسان، أنعمَ علينا بنِعَمِ لا تُحصى، وأجلُّها نعمة القرآن.

وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً تُنجي مَنْ نَطَقَ بها وعرفَ معناها وعَمِلَ بمقتضاها من النيرانِ، ويستحقُّ بها دخولَ الجنان.

وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله المؤيد بمعجزة القرآن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهُم على طريق الإيمان، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما مَنَّ به عليكم من نعمةِ الإيمان، وخصَّكم به من إنزالِ القرآن، فهو القرآنُ العظيم، والذكرُ الحكيم، والصراطُ المستقيم، هو كلامُ الله الذي لا يُشبهه كلام.

ولا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفهِ، تنزيلٌ من حكيم حميد، تكفَّلَ الله بحفظه فلا يتَطَرَّقُ إليه نقصٌ ولا زيادة، مكتوبٌ في اللوح المحفوظ وفي المصاحف، محفوظٌ في الصدور، متلوٌّ بالألسن، ميسَّرٌ للتعلم والتدبر: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17].

يستطيعُ حفظَه واستظهارَه الصغارُ والأعاجم، لا تَكِلُّ الألسن من تلاوته، ولا تَمَلُّ الأسماع من حلاوته ولذته، لا تَشبَعُ العلماءُ من تدبُّرِهِ والتفقه في معانيه، ولا يستطيعُ الإِنسُ والجن أن يأتوا بمثِل أقصرِ سورة منه؛ لأنه المعجزة الخالدة، والحجة الباقية، أمرَ الله بتلاوته وتدبره، وجعلَه مباركاً، فقال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:29].

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأَ حرفاً من كتابِ الله فله حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، لا أقولُ: ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف"[رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"].

وقد جعل الله ميزةً وفضيلةً لحملةِ القرآن، العاملين به على غيرهم من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم مَنْ تَعَلَّمُ القرآنَ وعلَّمه"[رواه البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثلُ الأُترجّة، ريحُها طيبٌ، وطعمهُا طيبٌ، ومثلُ المؤمن الذي لا يقرأ القرآنَ، مثل التمرةِ، لا ريحَ لها، وطعمُها طيبٌ حلوٌ، ومثلُ المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثل الحنظلةِ ليسَ لها ريحٌ وطعمُها مرٌّ"[رواه البخاري ومسلم].

ففي هذه النصوص حثٌّ على تعلُّمِ القرآن أولاً، ثم تلاوتهِ وتدبره ثانياً، ثم العملِ به ثالثاً.

وقد انقسمَ الناسُ مع القرآن إلى أقسام:

فمنهم مَنْ يتلوه حق تلاوته، ويهتمُّ بدراسته علماً وعملاً، وهؤلاء هم السعداءُ، الذين هم أهلُ القرآن حقيقة.

ومنهم مَنْ أعرضَ عنه، فلم يتعلَّمه، ولم يلْتَفِتْ إليه، وهؤلاء قد توَّعدهم الله بأشدِّ الوعيد، فقال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].

وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:124-126].

ومن الناس من تعلَّمَ القرآن، ولكنه أهملَ تلاوته.

وهذا هَجْرٌ للقرآن، حِرمانٌ للنفس من الأجر العظيم في تلاوته، وسببٌ لنسيانه، وقد يدخُلُ في قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي).

فإنَّ الإِعراضَ عن تلاوة القرآن، وتعريضه للنسيانِ خسارةٌ كبيرة، وسببٌ لتسلط الشيطان على العبد، وسببٌ لقسوة القلب.

ومن الناس مَنْ يتلو القرآن مجردَ تلاوةٍ، من غيرِ تدبُّرٍ ولا اعتبار، وهذا لا يستفيدُ من تلاوته فائدةً كبيرة.

وقد ذمَّ الله من اقتصر على التلاوة من غير تفهُّمٍ، فقال سبحانه في اليهود: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [البقرة:78].

أي: يتلونه تلاوةً مجردة عن الفهم.

فيجبُ على المسلم عند تلاوتهِ للقرآنِ: أن يُحْضِرَ قلبَهُ لتفهُّمِهِ على قدرِ استطاعته، ولا يكتفي بمجردِ سَرْدِهِ وختمه من غيرَ تفهُّمٍ وتأثُّرٍ.

ومن الناس مَنْ يتخذُ تلاوة القرآنِ حرْفةً يتأكلُ بها، فيقرأهُ في المحافل والمآتم والموالدِ لأجلِ ما يُدْفَعُ إليه من الأجرة، ويقرؤونه على غير الوجهِ المشروع، فيمطِّطُونه ويلحِّنونه بألحانِ الأغاني، فهؤلاء جَمَعُوا بين عدة جرائم.

أولاً: قراءة القرآن في مواطن البدعة والمعصية، كالمآتم والموالد، وبعض المحافَل التي تشتمل على المنكراتِ والهزليات.

ثانياً: اتخاذُ تلاوة القرآن لطلب الدنيا.

والتلاوةُ عبادة لا يجوزُ أن يُقْصَدَ بها الدنيا، وإنما يقصَدُ بها وجهُ الله، وطلبُ الأجر والثواب.

ثالثاً: قراءة القرآن على غير الوجه الصحيح، بل على وجه التطريب والألحان المحرمة.

ومن الناس من يتلو القرآنَ، ويُحسنُ التلاوة لأجلِ الرياء والسُّمعة، وهو لا يؤمن به، وهؤلاء هم المنافقون نفاقاً اعتقاديّاً الذين قالَ فيهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومثلُ المنافقِ الذي يقرأُ القرآن كمثلِ الريحانَةِ ريحُها طيِّبٌ ومطعمُها مرٌّ".

وقد يقرأُ هؤلاء القرآنَ من أجلِ المجادلة به، واتباع متشابهه، كما قالَ الله -تعالى-: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران:7].

أمَّا مَنْ قرأ القرآنَ، وهو مؤمنٌ به، ولكنَّه بقراءتِهِ يحسنُ صوته، يقصدُ ثناءَ الناس عليه، ومدحَهم له، والاجتماع حوله، فهذا نفاقٌ عملي، وشِرْكٌ أصغرُ، يُبطلُ الثوابُ، ويوجبُ العقابَ، قال الله -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) [الماعون:4-6].

وإن كان يقصِدُ بذلك نفعَ الناس بإسماعهم القرآن، فهو مثابٌ مأجور.

عباد الله: إنَّ وجودَ القرآن بيننا، وتيسيرَ الحصول عليه لِمَنْ طلبه، وتوفيرَ المصاحف في المساجد والبيوت والمكاتب، وإذاعةَ تلاوته في الإِذاعات التي يسمَعُها مَنْ قَرُبَ ومن بَعُدَ كلُّ هذا من أعظم النعم على من وَقَّفَه الله لتعلُّمِ كتاب الله، واستماعه، والعمل به، ومِنْ أعظمِ قيام الحجة على مَنْ أعرضَ عنه، أو خالفَه، فقد قال الله لرسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام:19].

وقال صلى الله عليه وسلم: "والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك".

فاتقوا الله -عباد الله- واهتمُّوا بكتابِ الله تعلُّماً وتعليماً، وعلماً وعملاً، تكونوا من أهله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الإسراء:9-10].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله رب العالمين، جعَلَ القرآنَ نوراً للمؤمنين، وحجةً على الكافرين، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله الملك الحق المبين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، بَلَّغَ البلاغَ المبين، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسَلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيها الناس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عباد الله: اعْلَمُوا: أنَّ لكتابِ الله حرمةً ومكانةً عظيمةً، توجبُ على المسلم: احترامَهُ وتعظيمه، والتأدُّبَ عند تلاوته، واستماعه بإنصات وخُشوعٍ، وحضور قلب، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204].

ومِنْ تعظيمِ القُرآن: أنه لا يجوزُ أن يمسَّ المصحفَ إلا طاهرٌ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَمَسُّ القرآنَ إلا طاهرٌ".

ومِنْ ذلك: تحريمُ تلاوتِهِ على الجُنُبِ، سواءٌ من المصحف أو حفظاً؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجبُهُ عن قراءةِ القرآن شيء إلا الجنابة.

وكذلك الحائض والنفساء لا يجوز لهما قراءة القرآن حتى تَطْهُرا، وقد رَخَّصَ بعضُ العلماء للحائض والنفساء بقراءةِ القرآن حفظاً إذا خشيَتْ نسيانَه، وأما المحدِثُ حدثاً أصغرَ، فيجوزُ له أن يقرأ القرآن حفظاً.

ولا تجوزُ كتابةُ القرآن على شيءٍ يتعرَّضُ للإِهانة، ككتابته على الستور، وعلى الجُدرانِ من أجلِ الزخرفة والزينة، أو كتابته على لوحات تُعَلَّقُ، وهذا كَثُرَ فعلُه في هذا الزمان، بحيثُ تكتبُ آياتٌ على شكلِ زخارف، وبخطوط غير عادية، وربَّما تكتَبُ الآية على شكلِ حيوان أو على شكل مصباح كهربائي، وهذا كلُّه من العبث بكتابِ الله، وتعريضه للإِهانة، وفي ذلك ابتذالٌ له، واتخاذُه حرفةً للكَسْبِ والبيع والشراء، فإنَّ الذين يكتبون هذه اللوحات يبيعونها للناس، ويأكُلون ثمنَها، والذين يشترونها يُعَلِّقونها على جُدرانِهم من أجلِ الزخرفة والزينة، والمناظرِ الجميلة، وقد تُعَلَّقُ مع صوَرٍ محرمةٍ، وفي أمكنةٍ غير لائقة.

فاحترموا كتابَ الله وصُونوه عن هذا العبث.

واعلَمُوا: أنه يحرمُ دخولُ الخلاء بالمصحفِ، أو بشيءٍ من القرآن، كما تحرُمُ قراءة شيءٍ من القرآن داخلَ محلِّ قضاء الحاجة.

ومما يجدرُ التنبيه عليه: المجلات والجرائد التي يكتب فيها شيء من القرآن، فإنه لا يجوزُ إلقاؤُها، وتعريضُها للامتهانِ، بل يجبُ رفعُها أو انتزاعُ ما فيها من القرآن قبلَ إلقائها وامتهانها.