الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | راشد بن مفرح الشهري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن في النساء ضعف, وإن في النساء فضل وخير وفيهن شر. فالسياسة والخشونة علاج الشر, والمطايبة والرفق علاج الضعف, فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء, وما مثل الزوج إلا كما الطبيب, فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعد بما يصلحها, وليحكم العقل ولا يغلبنه الهوى والعاطفة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً كثيراً كثيراً, حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده, الحمد لله هدى من شاء بمنه فكان هادياً مهدياً, وأضل من شاء بعدك وحكمته فكان نسياً منسي, أشهد ألا إله إلا الله وحده خلق من الماء بشر فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, صلوات ربي وسلامه عليه كثيراً كثيراً كثيراً.
اللهم أنت خلقتنا ولا قوة لنا, ورزقتنا ولا حبل لنا وأنت على كل شيء قدير, اللهم أنت ربنا ونحن عبيدك ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا, نعوذ بك من شر ما صنعنا نبوء لك بنعمتك علينا, ونبوء بذنوبنا؛ فاغفرلنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.
اتقوا الله فإن تقوا الله عليها المعوَّل, وعليكم بما كان عليه سلف الأمة والصدر الأول (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
ثم أما بعد:
هذه كلمات في التعامل مع الزوجة؛ لأن بعض شبابنا هداهم الله بين إفراط وتفريط, فلا الشدة في كل وقت منهج حق, ولا اتباع هواها في كل أمر منهج حق, إن بين الزوج وزوجه شعرة ينبغي ألا تطلق ولا تنقطع, ومن هنا فلا يتبسط في الدعابة والموافقة في إتباع هواها إلى حد يفسد خلقها, ويسقط بالكلية هيبته عندها, بل على الزوج أن يراعي الاعتدال, فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكراً, ومهما رأى لله معصيةً, ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات, فمتى رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض.
قال الحسن -رحمه الله-: "والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار". وشدد عليهن عمر رضي الله عنه- فقال: "خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة". وقال الغزالي -رحمه الله-: "قد قيل شاورهن وخالفوهن". إلا أن ذلك ليس على إطلاقه.
وقد قال -عليه السلام-: "تعس عبد الزوجة" نعم؛ تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم, تعس عبد الزوجة, تعس عبد الحلة. وإنما قال ذلك -صلى الله عليه وسلم- لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها وقد تعس, فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه, فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) [النساء: 119].
فحق الرجل أن يكون متبوعاً لا تابعاً؛ لأن الرجل قوام كذا وصفه الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34], وسماه سيداً: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) [يوسف: 25] فإذا انقلب السيد مسخراً؛ فقد بدل نعمة الله كفراً.
واعلم -رحمك الله- أن نفس المرأة كنفسك -أيها الرجل-, إن أرسلت عنانها قليلاً جمحت بك طويلاً, وإن أرخيت عذارها فتراً جذبتك ذراعاً, وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها. قال الشافعي -رضي الله عنه-: "ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك: المرأة والخادم والنبطي". وما معنى ذلك؟ وما مراد الإمام الشافعي -رحمه الله-؟ أراد إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك, وفظاظتك برفقك. فاللين التام لهؤلاء ممقوت, والفظاظة ليس من منهج سيد المرسلين.
وخذ إليك اختبار النساء للرجال: إن كانت نساء العرب تعلمن بناتهن اختبار الأزواج, فكانت المرأة تقول لابنتها: "اختبري زوجك قبل الإقدام والجرأة عليه؛ انزعي زج رمحك, فإن سكت فاقطعي اللحم على ترسه, فإن سكت فكسري العظام بسيفه, فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه, فإنما هو حمارك".
وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض, فكل ما جاوز حده انعكس على ضده, فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة, وتتبع الحق في جميع ذلك؛ لتسلم من شرهن فإن كيدهن عظيم, وشرهن فاش, والغالب عليهن سوء الخلق, وركاكة العقل, ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب" والأعصم يعني الأبيض البطن, وفي وصية لقمان لابنه: "يا بني! اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب, واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير, وكن من خيارهن على حذر".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "استعيذوا من الفواقر الثلاث" وعد منهن: "المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب". وفي لفظ آخر: "إن دخلت عليها سبتك, وإن غبت عنها خانتك". وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في خيرات النساء: "إنكن صواحبات يوسف". يعني أن صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى, قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) [التحريم: 4] أي مالت, وقال ذلك في خير أزواجه.
وكان السلف يقسون تارة على النساء مع إكرامهم لهن, فهذا عمر -رضي الله عنه- غضب على زوجته لما راجعها وقال: "ما أنت إلا لعبة في جانب البيت, إن كانت لنا إليك حاجة وإلا جلست كما أنت" وهذا من القسوة عند الحاجة والغضب.
عباد الله: أقول هذا في زمن ظهرت فيه قسوة عليهن عاتية, أو طاعة عمياء مبكية, وهرع من الزوجات ذريع, واسمع إلى شيء من مظاهر ذلك, فهذا شاب تجبره أن تنزل إلى السوق وحدها, أو تذهب دون إذنه, وتبقى الساعات دون رقيب أو حسيب, والويل لمن أنكر أو غضب.
أين الغيرة ياهذا؟! وقد كان رسول الله يغار والله يغار. وقال الحسن -رحمه الله-: "أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار". قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: "والطريق المغني عن الغيرة ألا يدخل عليها الرجال, وألا تخرج إلى الأسواق". قال -صلوات ربي وسلامه عليه- لابنته فاطمة: "أي شيء أخير للمرأة؟". قالت: أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجلٌ. فقال: "صدقت، إنها بضعة مني" [رواه البزار والدارقطني في الإفراد].
وكان أصحاب رسول الله يسدون الكوى والثغر في الحيطان؛ لئلا تطلع النساء إلى الرجال, واليوم عيونهم الساعات تلو الساعات في القنوات والله المستعان. ومن شبابنا من تسمع زوجه الغناء, ولها حظ في التبرج والسفور, وتتعدى على والديه بل وتتجاف -بعضهن- في حق الله فتدع صلاتها أو تجعلها آخر اهتماماتها, أو لا تصوم, و لا يستطيع أن ينكر عليها أو يردها عن غيها, هذا هو اتباع الهوى واتباع الهوى ضلال مبين. (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 71].
ومن مظاهر ذلك: أن شاباً جال بزوجته في السوق, فأخذ لها وشرى, وكانت والدته معه, فلما امتد يد والدته إلى خاتم لتأخذه؛ غضب وزمجر وأخذ الخاتم من يدها, وألقاه في الأرض بعنف, وقال: وما حاجتك إلى هذا الخاتم, فانكسرت نفسها أمام الباعة, وحزنت لحالها, كيف لا يرد لزوجته طلباً؟, والأم من حملت وهناً ووضعته وهناً حملت وسهرت وتعبت, ومن صدرها غذت ثم تكون هذه عاقبة!!.
وصدق رسول الله من علامات الساعة: "أن يطيع الزوج زوجته ويعق أمه" مرتبه له ولزوجته ولا محل لوالديه فيه, وإن أعطاهما القليل؛ فكأنما جبلٌ سقط عليه وحملٌ وقع عليه.
عباد الله: إن في النساء ضعف, وإن في النساء فضل وخير وفيهن شر. فالسياسة والخشونة علاج الشر, والمطايبة والرفق علاج الضعف, فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء, وما مثل الزوج إلا كما الطبيب, فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعد بما يصلحها, وليحكم العقل ولا يغلبنه الهوى والعاطفة.
وأكمل الهدي هدي المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه-, فقد كان في أهله لطيفٌ خلوقٌ محسن في أعمال البيت مساندٌ, ينام مع زوجه في شعار واحد, يآنس أهله يحادثهم ويسامرهم, إلا أنه لم يكن يتبع هواهن فيما حرم الله, ولم تكن طاعته لهن مطلقة فيفوت لهن الواجبات أو يقترف المحظورات, وقد هجرهن شهراً تأديباً لهن, ومن الناس اليوم من لا يهجر زوجه يوماً ضعفاً أو خوفاً أو خوراً. والهجر ضرب من أضرب العلاج واسمع لتوجيه العليم بهن الخبير بحالهن (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34].
ياشباب الإسلام: إن ما يفعله بعض شبابنا من انقياد تام, وتجاوز في الأمر عام, وتلبية لجميع المطالب, وتحقيق لكل الأهداف بانسياب لاسيما في الأشهر الأول, فهي لا تسمع منه. وبينما هو كذلك يستيقظ من غفلة, ويرى الأمر قد تجاوز حده, وأن قيادة الدار أصبحت إليها, وأن خيلها قد جمح بها, وأن صوتها قد ظهر وطلباتها قد كثرت, وعندها يحاول إمساك الزمام فيجد مشقة في الابتداء, وصعوبة في الاستمرار وعناداً في الحوار.
ومن هنا أوصى علماء السلف بأن تعود المرأة قول (لا) كنوع من التربية, لا كنوع من السيطرة والإذلال, كضرب من كبح جماح نفسها, لا كالنوع من البخل والامتهان. فإياك أن تفهم أن هذا شيء من التشدد والتحجر؛ بل تلك عين الحكمة وصواب الرأي وفلاح الأمر.
وقد قال المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه-: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". يقول هذا مع أنه كان يمازح نساءه ويلاعبهن تطيباً لقلوبهن, فيسابق عائشة فتسبقه ويسبقها, وفي الخبر "كان رسول الله من أفكه الناس معنا وكان يقول خيركم خير كم لنسائهم". وعند الترمذي والنسائي والحاكم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله", وقال عمر مع خشونته: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا ألتمسوا ما عنده وجد رجلاً". وفي شرح حديث: "إن الله يبغض الجعظري الجواظ" هو الشديد مع أهله المتكبر في نفسه.
فلعلك -رحمك الله- قد ظهر لك حال التوازن ومحل الوزن والعدل, والسياسة والحكمة, فكن حسن القيام حسن الخلق حسن السياسة فالمؤمن كيس فطن.
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وجعلنا للمتقين إماما
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.