البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

ماذا يمكن أن تفعل في سيارتك؟

العربية

المؤلف عبد الله اليابس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أوقات كثيرة تضيع في السيارات .
  2. كيفية اغتنام الوقت في السيارة .
  3. فضائل ذكر الله تعالى .
  4. الاستماع للكتاب المقروء فرصة للاستفادة .
  5. أهمية التفكر والتأمل في نعم الله على العبد. .

اقتباس

في ظل اتساع المدن في وقتنا الحاضر, أصبح الإنسان يقضي أوقاتاً طويلة في سيارته, متنقلاً بين حاجاته ومشاويره, وهذه الأوقات محسوبة من عمره, وقد ذكرت بعض الإحصائيات أن معدل بقاء الإنسان في سيارته ساعتين يوميًّا. هذه الأوقات الضخمة والتي إذا جمعناها تعادل شهرًا كاملاً كل سنة يقضيه الإنسان في سيارته, يُحسن البعض استغلالها بما ينفعه ويفيده, بينما تضيع على غالب الناس في صمت أو استماع للموسيقى والأغاني, أو حتى استماع لبعض الإذاعات التي برامجها لا تسمن ولا تغني من جوع. ولعلنا في خطبة اليوم بإذن الله نتذاكر سويًا بعض الأمور التي يمكن للمرء إنجازها في سيارته يوميًّا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددًا، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره, نعمه لا تُحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, هو أخشى الناس لربه وأتقى، دلَّ على سبيل الهدى، وحذَّر من طريق الردى, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه معالم الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. روى ابن مسعود -رضي الله عنه- كما عند الترمذي وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدما ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّه حتى يُسألَ عن خمسٍ: عن عمُره فيما أفناهُ، وعن شبابِه فيما أبلاهُ، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وماذا عمِل فيما علِم".

في ظل اتساع المدن في وقتنا الحاضر, أصبح الإنسان يقضي أوقاتاً طويلة في سيارته, متنقلاً بين حاجاته ومشاويره, وهذه الأوقات محسوبة من عمره, وقد ذكرت بعض الإحصائيات أن معدل بقاء الإنسان في سيارته ساعتين يوميًّا.

هذه الأوقات الضخمة والتي إذا جمعناها تعادل شهرًا كاملاً كل سنة يقضيه الإنسان في سيارته, يُحسن البعض استغلالها بما ينفعه ويفيده, بينما تضيع على غالب الناس في صمت أو استماع للموسيقى والأغاني, أو حتى استماع لبعض الإذاعات التي برامجها لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولعلنا في خطبة اليوم بإذن الله نتذاكر سويًا بعض الأمور التي يمكن للمرء إنجازها في سيارته يوميًا.

فمن أول هذه الأمور استغلالُ المرء وقته في السيارة بذكر الله -سبحانه وتعالى-.

فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم" قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "ذكر الله عز وجل" (رواه أحمد).

وفي صحيح البخاري عن أبي موسى -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَثَل الذي يذكر ربَّه، والذي لا يذكر ربه مَثَل الحي والميت".

فيستطيع الإنسان في سيارته أن يجعل لسانه رطبًا بذكر الله, فمن أحب شيئًا أكثر من ذكره, ومن أحب الله أكثر من ذكره.

يستطيع الإنسان كلما ركب سيارته أن يكسب ألف حسنة.

فعن مصعب بن سعد قال: حدثني أبي قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيعجزُ أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنةٍ؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يُحطُّ عنه ألف خطيئة". (رواه مسلم).

يستطيع الإنسان في سيارته أن يكسب أجر عتق عشر عبيد, إضافة إلى مائة حسنة ومحو مائة سيئة.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرةٍ، كانت له عِدلَ عشر رقابٍ، وكُتبت له مائة حسنةٍ ومحيت عنه مائة سيئةٍ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه" (رواه البخاري ومسلم).

بإمكان الواحد منَّا في أثناء ذهابه لعمله ــ مثلاً ــ أن يغرس له بستانًا في الجنة.

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة" (رواه الترمذي).

وهكذا ينتقل الإنسان من ذِكْر إلى ذِكْر, ليكون ممن قال الله تعالى فيهم: (وَاٌلَّذاكِرِينَ اٌللهَ كَثِيراً وَاٌلذَّاكِرَاتِ أَعَدِّ اٌللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وأَجْراً عَظِيماً)[الأحزاب: 35].

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أحب الأعمال إلى الله أن تَمُوتَ ولسانُك رَطب من ذكْر الله" (رواه ابن حبان).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الذكرُ للقلب مثلُ الماءِ للسَّمَك، فكيف يكون حالُ السمك إذا فارق الماء؟".

ومن الأمور التي يمكن للمرء استغلال وقته فيها أثناء ركوبه بالسيارة أن يستمع إلى ما يفيده من خلال جهاز التسجيل في السيارة, أو من خلال جهاز الجوال.

وينبغي أن يتخير الواحد منَّا ما يستمع إليه, ويتأكدَّ من مدى ملائمته لحالته الذهنية أثناء ركوبه السيارة, فيحرص الإنسان على تعطير مسمعه بآيات من القرآن الكريم, ليتذوق ويستشعر حلاوة القرآن, وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يستمع القرآن من غيره, وبإمكانك أيضًا الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم السعودية أو البحرينية أو الاستماع لإذاعة نداء الإسلام, فكل هذه الإذاعات طيبة مفيدة.

 كما أنك تستطيع أيضًا الاستماع إلى بعض السلاسل التاريخية, والتي تجمع بين الفائدة والمتعة معًا, ولا تحتاج إلى كثير تركيز وإعمال ذهن, أو تستمع إلى بعض المحاضرات العامة عن طريق شرائها من التسجيلات الإسلامية أو تحميلها من الشبكة العنكبوتية, فإذا كان الطريق إلى عملك يستغرق نصف ساعة ذهابًا ومثلها في العودة, فتأكد أنك ستستمع إلى محاضرة كاملة يوميًّا.. وستعلم كم كنت تهدر من أوقات فيما مضى.

ومن الأمور الجميلة التي يمكن للإنسان أن يستغل وقته بها في سيارته قراءة الكتب..

ولك أن تسأل – أخي-ـ كيف يمكن للإنسان أن يقرأ كتابًا وهو يقود سيارته في الزحام بين جموع السيارات, فيعرّض نفسَه وغيرَه للخطر؟

فيقال: بإمكان كل واحد منَّا أن يقرأ ما شاء من الكتب عن طريق الاستماع إليها.

فإن هناك مواقع كثيرة في الشبكة العنكبوتية تقوم باختيار مجموعة من الكتب, ثم تقوم بتسجيل جميع مادة الكتاب صوتيًّا, ليتمكن الإنسان من قراءة الكتاب دون الحاجة للنظر فيه, ومن أبرز هذه المواقع شبكة الألوكة والتي تحوي مجموعة كبيرة من الكتب الناطقة.

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه, والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وإخوانه, وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون..

أيها الإخوة: ومن الأمور التي يمكن للإنسان أن يستغل وقته بها أثناء ركوب السيارة الحفظ والمراجعة, فبإمكان الواحد منَّا مراجعة مقطع من حفظه من القرآن في السيارة -ولو كان شيئًا يسيرًا-ـ أو يتابع مع جهاز التسجيل، ويكرر هذا المقطع حتى يثبت الحفظ, أو يقرأ حديثًا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بيت شعر فيردده طوال مشواره حتى يرسخ في ذهنه.

ومن الأمور التي يمكن للإنسان أن يستغل وقته بها أثناء ركوب السيارة التفكر, فيتفكر أولاً في نفسه, فينظر كم وصل إليه سنّه, وهل قدم خيرًا لنفسه غدًا في الآخرة أم لا؟ (يَأَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْس مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18].

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم".

ويتأمل أيضًا حاله في أمور دنياه, هل يمشي على طريق الناجحين أم أنه يراوح في مكانه منذ زمن؟ ويتأمل الأسباب ويبحث عن العلاج.

كما ينبغي أن يتفكر في عيوب نفسه, وما هي سلبياتها فيتفاداها, وما هي إيجابياتها فيعززُها.

ويتفكر أيضًا في مخلوقات الله -سبحانه وتعالى- من حوله, (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية: 17- 20].

وليعلم المسلم أن هذا التفكر يزيد في الإيمان (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190- 191].

ومما يستطيع الإنسان استغلال وقته به أيضًا في سيارته: الدعاء, فيدعو الإنسان لنفسه ولأهله ولإخوانه المسلمين, يستغل هذه الأوقات المهدَرة بمناجاة الله -سبحانه وتعالى- وبثّ الحاجات له جل في علاه.

ويُشرَعُ أن يرفع يديه حال الدعاء ولو كان في السيارة, فإن كان يشق عليه رفعهما جميعًا لانشغالهما بالقيادة فليرفع أصبعه السبابة, فقد روى الترمذي -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلاً كان يدعو بإصبعيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحِّدْ أحِّدْ" –أي: أشر بأصبع واحدة؛ لأن الذي تدعوه واحد سبحانه-.

أيها الإخوة.. هذه بعض الأفكار والمقترحات لاستغلال أوقاتنا المهدرة في السيارات, ولعل لديك أنت أيضًا أفكار أخرى, لكن المهم أن تبدأ من اليوم باستغلال وقتك في السيارة, ليصبح هذا الوقت فرصة للتزود من خيري الدنيا والآخرة.

فاللهم وفقنا لاغتنام أوقاتنا في صالح الأعمال, وارزقنا البركة في الأعمار والأعمال يا رب العالمين.

عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.