الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الرحمن الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
ما أجمل الأعمار تُختم بالتوبة والاستغفار! وسبيل المسلمين في ذلك أن نختم كل عمل وكل مجلس وكل يوم وكل خطأ وذنب بتوبة واستغفار، ولا يزال الله يعفو ما أحدث العبد توبة وندمًا واستغفارا، فإن نسيت التوبة أو فاتك الاستغفار في شيء من أيام العام فلا يفوتنك ذلك في مواسم الطاعة وأيام فتح أبواب الجنان. فأشهد ربك على توبتك، ولا تصر على معصية أو تحقرن من الذنوب شيئًا، وإن داخلك الشيطان بتعاظم ذنبك وعدم مغفرة ربك، فاعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء، والله يغفر الذنوب جميعا، وهو الكريم الوهاب يحب عبده إذا اقترب منه ويمحو عنه الزلات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين؛ له الحمد في الأولى والآخرة لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيرًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله تعالى شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فإن نعم الله على عباده تترى، وحقه أن يُحمَد وهو أهل أن يُعبَد؛ يوالي على خلقه النعم، ويصرف عنهم الشرور والنقم، ونعمه التي تقرّب إليه وتوجب الزلفى لديه هي النعم الدينية التي تكون سببًا في قرب العبد منه ونيل محبته وثوابه، ألا فاغتبطوا أيها المؤمنين والمؤمنات بدخول شهر رمضان وإدراكه فهو شهر بركات ورحمات وعتق ودرجات؛ فرض الله فيه الصيام وجعله ركنًا من أركان الإسلام واختاره زمنًا لنزول القرآن وانطلاقة الإيمان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
فيه ليلة هي خير من ألف شهر، فيه تتحقق التقوى لمن حفظ حدود الله وصام عن المفطرات وصامت جوارحه عن السيئات، فأين من يستشعر نعمة بلوغ الشهر، أين من يملئوه بالعمل الصالح، ويل للمفرطين! فتحت أبواب الجنة فأعرضوا! وهبت رياح التوبة فصدوا! ونادى المنادي يا باغي الخير أقبل فما أقبلوا وما عملوا! بل تباطئوا وكسلوا، فأتتهم الأرباح وعناهم الناصح الأمين حين قام على منبره -صلى الله عليه وسلم- وجبريل -عليه الصلاة والسلام- يسأله: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت آمين".
يا كثافة الغفلة على قلوب الغافلين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، هممهم في رمضان مقصورة على تحصيل مطعم ومشرب ونوم ولعب ولهو، إن هم إلا كالأنعام، فيا بؤس الأشقياء! إلى متى يهيمون في معاصيهم؟! كيف الحال إذا أُخذ بالمجرمين بنواصيهم يوم يسحبون في النار على وجوههم؟!
متى يحذر أصحاب الكبائر والسيئات من الغبن الفاحش أن تقول (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) [الزمر: 56].
إنكم -يا عباد الله- في شهر رمضان وقد لا تدركونه فيما يأتي من أزمان أعماركم تنتهب وأيامكم تذهب وأعمالكم تُكتب فمتى نخالف الهوى؟!
إذا المرء لم يغلب هـواه أقامه | بمنزلة فيها العـزيز ذليـل |
لو تأمل العقلاء حين يتأسف العصاة يوم يتذكر الإنسان وأن له الذكرى واجهوا سفرا طويلا إلى الآخرة (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر: 24] قالوا (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) [الأنعام: 31].
أيها المسلمون: شهر الصيام فرصة للتخفف من أثقال الذنوب ومغفرة من علام الغيوب، فهنيئًا لمن أحس بذنبه وشعر بخطيئته فصام شهره وقام منه ما تيسر وبكى على تفريطه واستغفر ربه وأناب إليه.
عباد الله: قدموا الخير في شهر الخير (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، سابقوا -رحمني الله وإياكم- (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21].
بادروا أيام القوة قبل الهرم، وأيام الصحة قبل السقم، وأيام الفراغ قبل الشغل، وأيام الحياة قبل الممات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا".
استعينوا بالله وحده (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، وتعوذوا بالله من العجز والكسل فالعبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله -عز وجل- فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول.
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".
فيا أيها الطالبون للجنة هذه أبوابها قد فُتحت، وهذه حورها قد زُينت، فاستبقوا الخيرات، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، و"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
واحرصوا على حفظ الصيام باجتناب المفطرات الحسية، وباجتناب اللغو والكلام والسماع والنظر المحرم، واجتهدوا بالمواظبة على الفرائض في أوقاتها مع الجماعة، ونافسوا في صلاة التراويح كل ليلة من هذا الشهر، فهذه فرصة العمر وخذوا حظكم من تلاوة القرآن؛ فإن القرآن مع الصيام يشفعان للعبد يوم القيامة.
والله الله بمجاهدة النفس وكفها عن هواها (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40-41].
روى الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المجاهد من جاهد نفسه في الله"، وقال عبد الله بن عمرو لرجل سأله عن الجهاد: "ابدأ بنفسك فجاهدها وابدأ بنفسك فاغزها".
وقال أبو بكر الصديق في وصيته لعمر -رضي الله عنهما- حين استخلفه: "إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك".
فلا تركن -يا عبد الله- إلى الكسل؛ فإن نفسك بمنزلة دابتك إن عرفت منك الجد جدت، وإن عرفت منك الكسل قعدت عن العمل وطلبت منك الحظوظ والشهوات.
عباد الله : وفي سبيل محاسبة النفس على التقصير في الطاعة تذكروا أن أشق شيء على النفوس جمعيتها على الله -عز وجل- وهي تناشد صاحبها ألا يوصلها إليه، وأن يشغلها بما دونه فإن حبس النفس على الله شديد، وأشد منه حبسها على أوامر الله -عز وجل- وحبسها عن نواهيه، فهي دائمًا ترضيك بالعلم دون العمل.
عباد الله: ما أجمل الأعمار تُختم بالتوبة والاستغفار، وسبيل المسلمين في ذلك أن نختم كل عمل وكل مجلس وكل يوم وكل خطأ وذنب بتوبة واستغفار، ولا يزال الله يعفو ما أحدث العبد توبة وندمًا واستغفارا، فإن نسيت التوبة أو فاتك الاستغفار في شيء من أيام العام فلا يفوتنك ذلك في مواسم الطاعة وأيام فتح أبواب الجنان.
فأشهد ربك على توبتك، ولا تصر على معصية أو تحقرن من الذنوب شيئًا، وإن داخلك الشيطان بتعاظم ذنبك وعدم مغفرة ربك، فاعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء، والله يغفر الذنوب جميعا، وهو الكريم الوهاب يحب عبده إذا اقترب منه ويمحو عنه الزلات.
قال -عز وجل- في الحديث القدسي: "من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤه مثلها أو أغفر، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بى شيئًا جعلت له مثلها مغفرة، ومن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا ومن أقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشى أتيته هرولة".
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين .. اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين .. اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون وأكرموا ضيفكم بأنواع الجود، فلقد "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
فأحسنوا في عبادة الله، وأحسنوا إلى عباد الله من الفقراء والأيتام والأرامل والمعسرين، وأحسنوا إلى الوالدين والأقربين بالصلة وطيب المعاملة وأحسنوا إلى الأولاد بإسداء النصح إليهم وكفّ أذاهم عن المصلين وتدريبهم على الصوم والصلاة وتلاوة الآيات، وكثرة الذكر والاستغفار وسائر الطاعات، وكونوا أنتم قدوة صالحة لهم فإنهم يقتادون بكم في غالب الأحوال.
اللهم يا ذ الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا من بيده ملكوت كل شيء نسألك أن تعيننا على كل خير ..