البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون

العربية

المؤلف عاصم محمد الخضيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كل بني آدم خطاء .
  2. خير الخطائين التوابون .
  3. فضل الاستغفار في حياة الأنبياء والصالحين .
  4. الاستغفار من أفضل الأعمال .
  5. الاستغفار محرقة الذنوب وممحاة العيوب .
  6. قصص من عجائب الاستغفار. .

اقتباس

أليس منا من قد غش؟! أليس منا من كذب؟! أليس منا من اغتاب؟! أليس منا من ترك الجماعة يومًا؟! أليس منا من انتهك محارم الله في خلواته؟! أليس منا من عصى والديه يومًا؟! أليس منا مَن فرَّط في جنب الله؟! أليس منا من قد سرق؟! أليس منا من ظلم؟! أليس منا من زوَّر الحقيقة لاغتصاب حق؟! أليس منا من أضاع الصلاة يومًا؟! أليس منا من نام عن الصلاة فجرًا؟! أليس منا من أخلف وعدًا؟! أليس منا من أضاع الأمانة وارتضى الخيانة؟! أليس منا من ساء خلقه وجاش به غضبه؟! أليس منا من هجر تلاوة القرآن ومن قطع الأرحام وبارز الله والناس نيام وارتكب الحرام والآثام والإجرام؟! أليس منا من نسي الاستغفار؟! إذاً فلنستغفر الله على كل حال...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: اتقوا الله عباد الله يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

أستغفر الله العظيم، أستغفر الله من ذنبي، إني وإن كنت مستورًا لَخَطَّاء..

اسمعوا هذا الافتتاح (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود: 1- 3].

أستغفر الله العظيم، لو كتبت لائحة مختصرة عن الإنسان لكتب في صدرها كل بني آدم خطاء، ولو كتب دستور عن أفضل عمل يعمله لكُتب الاستغفار.

 كل بني آدم خطاء.. حقيقة كونية وخير الخطائين التوابون، حقيقة شرعية.

أستغفر الله العظيم..

تستغلق موضوعات الخطبة على أصحابها، وتنضب الأفكار، وقرون العقارب لا ترحم، ولست يوشع حين نادى الشمس لا تغربي فتوقفت بمشيئة الرحمن، فقلت: ما استغلقت فكرة إلا بذنب، ولا افتتحت بمثل الاستغفار، إذاً أستغفر الله العظيم فكانت الخطبة والموضوع.

عن أنس -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا "إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلائها الاستغفار"، أستغفر الله العظيم..

كلما استعصت الأفكار ويبست الألسنة وحارت الضمائر واستوحش الاستغفار منا.

كلمة ظلمتها الألسن كثيرًا، وعصت على التذكر وطوائف إبليس تحفر في الأفئدة خدوج النسيان.

أستغفر الله العظيم..

حتى هذه الجملة أصابتها الغربة، ومن يستغفر فحقه أن يُلتفت إليه، لا أن يستغفر الله معه.

عن ابن المبارك -رحمه الله تعالى- عن الأوزاعي أنه قال: "قَالَ إِبْلِيسُ لِأَوْلِيَائِهِ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَأْتُونَ بَنِي آدَمَ؟، فَقَالُوا: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: فَهَلْ تَأْتُونَهُمْ مِنْ قِبَلِ الِاسْتِغْفَارِ؟، قَالُوا: هَيْهَاتَ! ذَاكَ شَيْءٌ قُرِنَ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَ: لَأَبُثَّنَّ فِيهِمْ شَيْئًا لَا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِنْهُ، قَالَ: فَبَثَّ فِيهِمْ الْأَهْوَاءَ".

وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره يقول الشيطان: "أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يستغفرون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا".

يا لها من هزة إبليسية أن يقول الشيطان عنا ويحدّث عنا! هؤلاء قوم يذنبون ولا يستغفرون الله؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، نذنب ونسرف في جنب الله، ثم نقول لمن حولنا: لِمَ نستغفر الله أنحن أذنبنا؟!

ضعفاء مفتنون في إسرافنا حتى اعتراف البغي ما قلناه، نستغفر الله العظيم تعبدًا، غفرانك يا الله..

نستغفر الله؛ لأننا مفتقرون إلى الله –عز وجل- وإلى رحمته وإلى كنفه وستره..

نستغفر الله؛ (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النمل: 46].

نستغفر الله؛ لأن نعلم على أنفسنا أننا لو وردنا على الله بأعمالنا هذه دون استجلاب مغفرة الله لما كان إلا الهلاك والخلود في نقمة الله.

كلنا مذنب يمشي على الأرض فلأي شيء شمخت نفوسنا؟! واستكبرت له طينتنا حتى تركنا الاستغفار لتتخطفنا الأبالسة وتركبنا الموبقات.

لما تكبرت ثمود على الله -عز وجل- وعلى رسالة الله وعلى رسالة نبي الله -عليه الصلاة والسلام- وتكبرت وعتت وتغطرست، وكفرت بالله واستجلبت غضب الله، قال لهم نبي الله صالح: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النمل: 46]، (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[هود: 64]، (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) [النمل: 67]، ليكون الجواب إلى قيام الساعة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 51- 52].

 (لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ماذا؟ لمن يعلمون أن الاستغفار هو ركاب النجاة وأوبة الفلاح ومدار السعادات في الدنيا والآخرة.

وقال موسى لبني إسرائيل بعد أن دعاهم فنقصوا وأرشدهم فكذبوا (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) [البقرة: 58] أي: اسألوا ربكم أن يحط عنكم خطاياكم، وأن يغفر حوبتكم، واستغفروه لعلكم ترحمون، فقالوا ساخرين بها حبة في شعرة، حنطة، ثم دخلوا الباب يزحفون على أدبارهم مستكبرين على الآيات، ويلهم قد كابروا أن يقولوا: نستغفر الله.

فانظر ماذا كانت عاقبة أمرهم، لقد أنزل عليهم رجس من السماء بما كانوا يفسقون رجزًا برجزهم بعد أن نقصوا، والظالمون لهم يوم مع الله.

أستغفر الله العظيم، كلمة قالها نوح -عليه السلام- لقومه، ولكنهم تمنعوا عن قبولها وجاهروا بردها، فأغرقهم الله بالطوفان جميعًا حتى خشي على الجنس البشري بالفناء.

أستغفر الله العظيم كلمة قالها هود -عليه السلام- لقومه فامتنعوا بها، و(قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [هود: 53]، فكانت العاقبة (وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود: 60].

أستغفر الله العظيم.. كلمة قالها شعيب -عليه السلام- لقومه (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ * قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود: 90- 91]، قالوها استكبارا في الأرض ومكر السيئ، فأخذتهم الصيحة الحق فجعلهم الله غثاء فبعدًا لقوم لا يستغفرون.

كل هذه الأمم عزفت عن الاستغفار وسؤال الله التوبة، فأكبهم الله جميعًا في جهنم لا يخرجون منها حتى يدخل الجمل في سم الخياط (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة: 157].

أستغفر الله مما يعلم الله

إن الشقي لمن لا يرحم اللهُ

ما أحلم الله عمن لا يراقبه

كلٌّ مسيءٌ ولكن يحلم اللهُ

فاستغفر الله مما كان من زلل

طوبى لمن كفَّ عما يكره اللهُ

طوبى لمن حسُنت منه سريرته

طوبى لمن ينتهي عما نهى اللهُ

كلما رأيت الرجل يعزف عن الاستغفار ويكثر نسيانه، فاعلم أنه محروم حتى الأنبياء وهم المعصومون يستغفرون الله.

قال موسى -عليه السلام- (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي)، وقال: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)، وأبو البشرية يقول: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ونوح -عليه السلام- يقول: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) ويقول أيضًا: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) [نوح: 24].

وداود -عليه السلام- استغفر ربه فخر راكعًا وأناب فقال الله له: (فَغَفَرْنَا لَهُ) [ص: 25]، وسليمان -عليه السلام- يقول (رَبِّ اغْفِرْ لِي) [الأنبياء: 35]، وإبراهيم -عليه السلام- (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، والله -عز وجل- يقول لمحمد بن عبد الله سيد المعصومين وولد ادم أجمعين (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19] وقال لنا أيضًا (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6].

أستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

 أما بعد: نستغفر الله العظيم لأنا نعلم أحوالنا ونعلم أعمالنا، ونعلم إهمالنا، نستغفر الله لأن الذنب جزء لا يتجزأ من طبع الإنسان، والاستغفار جزء لا يتجزأ من شريعة الصالحين، والذي نفس محمد بيده لو لم نذنب فنستغفر الله لذهب الله بنا وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم.

أستغفر الله العظيم..محرقة الذنوب وممحاة العيوب، روى الإمام أحمد في كتاب الزهد قال: حدثنا مالك بن مغول قال: سمعت أبا يحيى يقول: شكوت إلى مجاهد الذنوب، فقال -رحمه الله-: "أين أنت من الممحاة؟" يعني الاستغفار.

أستغفر الله العظيم..

أليس منا من قد غش؟! أليس منا من كذب؟! أليس منا من اغتاب؟! أليس منا من ترك الجماعة يومًا؟! أليس منا من انتهك محارم الله في خلواته؟! أليس منا من عصى والديه يومًا؟! أليس منا مَن فرَّط في جنب الله؟! أليس منا من قد سرق؟! أليس منا من ظلم؟! أليس منا من زوَّر الحقيقة لاغتصاب حق؟! أليس منا من أضاع الصلاة يومًا؟! أليس منا من نام عن الصلاة فجرًا؟! أليس منا من أخلف وعدًا؟! أليس منا من أضاع الأمانة وارتضى الخيانة؟! أليس منا من ساء خلقه وجاش به غضبه؟! أليس منا من هجر تلاوة القرآن ومن قطع الأرحام وبارز الله والناس نيام وارتكب الحرام والآثام والإجرام؟! أليس منا من نسي الاستغفار؟!

إذاً فلنستغفر الله على كل حال

 ونحن السابحون ببحر من جرائمنا

والغارقون بشطّ الذنب أزمان

 والخائضون على العلات من خطأ

وفي القلوب خبرنا السوء والران

روى الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: "إن كنا لنعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة يقول: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم".

وروى مكحول عن أبي هريرة أنه قال: "ما رأيت أكثر استغفارًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وقال مكحول: "ما رأيت أكثر استغفارًا من أبي هريرة -رضي الله عنه-"، وكان مكحول كثير الاستغفار.

"طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا"..

جاء حذيفة يومًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال حذيفة يا رسول الله إني زرب اللسان –أي: حاد اللسان- وسليطه"، وفي رواية "خشيت يا رسول الله أن يدخلني لساني نار جهنم، وإن عامة ذلك في أهلي"، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟! إني لاستغفر في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة".

نستغفر الله العظيم؛ لأن الله -عز وجل- يقول: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ونحن نقول له: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

نستغفر الله كي يرحمنا الله، كي يعفو عنا بعفوه، كي يخرجنا مما نحن فيه من قماقم الذل وسرادب الاستضعاف، كي نرفع هذه الغمة عن هذه الأمة، نستغفر الله لأن جزءًا من هذا الهوان التي تعيشه الأطياف المسلمة إنما كان بسبب غفلتنا وهذه العذابات التي تتعاقب علينا ما كانت لتكون إلا بسبب الإعراض عن الله -جل وعلا- والتوبة إليه.

نستغفر الله لأن جزءًا مما تتحمله هذه الأمة من مصائبها ومن نكباتها ومن نكساتها كان بسبب ذنوبنا وغفلتنا عن سؤال الله.

نستغفر الله العظيم لأن الكوارث لا تولد إلا الكوارث، وكوارث تركنا الاستغفار وَلَّد مشاهد الكاريثية التي نراها على جميع المستويات، فما يفق أهل السنة على بلية إلا ويصطبحون على بلايا إلا بضربات الكبر.

هزيمة تعقبها هزيمة، وخنوع وخضوع ومدن وحصار ودمار تأكله النار، ولو كان سهمًا واحدًا لاتقته هذه الأمة، ولكنه سهم وثان وعاشر.

مفجعون بكل صقع مسلم وفجائع متلوة بفجائع

يا رب نستغفرك ونتوب إليك  

لاهم إن المرء يمنع

رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم أبداً محالك

والرفض جند الكفر

ما عرفوا حلاك أو حرامك

ضربوا الديار ومن عليها

والذي فيها دعالك

هدموا المساجد واستبا

حوها وقد طلبوا نزالك

ذبحوا الأذان على مأذ

نها كما ذبحوا رجالك

رباه إن سفكوا فمن

يعلي بموطنهم جلالك

إن كنت تاركهم وسنتنا

فأمرك والقضا لك

إنا عيالك ربنا فانصر

ولا تخذل عيالك

ونحن مع هذا مستكبرون أن يكون ذلك من قِبلنا ومن قبل ذنوبنا، أليس الله -عز وجل- يقول: (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33]، وليس على الله بمستنكر أن يصيبنا جميعا في سخطه وفي مقته وعذابه وغضبه إن نحن تركنا الاستغفار وتركنا الالتجاء إليه.

وهل أشد من هذا العذاب الذي يتساقط علينا كالحمم الداكنة والشلالات الطوفانية، وكل يوم أتى فيه العذابات وأهل السنة على مرازب الامتحان مضربون تتخطف منهم في كل حقبة قضية وجزء ثمين من أوطانهم (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

أستغفر الله العظيم..

قال أبو موسى -رضي الله عنه- "كان لنا أمانان ذهب أحدهما، وهو كون الرسول بيننا وبقي الاستغفار معنا، فإن ذهب فقد هلكنا" (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

أستغفر الله العظيم..

تتحدثون عن ضعف أهل الإسلام في هذا العصر وعن ضعتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس، أكثروا من الاستغفار فالله -عز وجل- على لسان نبي الله هود -عليه السلام- (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) [هود: 52].

تتحدثون عن العزة والمنعة وعن القوة وعن العاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم قول الله -عز وجل-: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:147]، فكانت الإجابة (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ) [آل عمران:148].

تتحدثون عن مغفرة الله -عز وجل- اغفروا واعفوا عن الناس فالله -عز وجل- يقول في قصة أبي بكر -رضي الله عنه- ومسطح (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:22].

تتحدثون عن الوظائف والأولاد والأزواج والأموال والغيوث والأرزاق: أكثروا من الاستغفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12].

أزيلوا هذه المنكرات باستغفاركم، استجلبوا الأمن في دياركم باستغفاركم، استدفعوا هذه الهزائم وهذه الضعة وهذه المسكنة باستغفاركم، لنعلنها وثيقة صباحية ومسائية أننا نستغفر الله، نستغفر الله من كل دعوة لم تُستجب لنا لتركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجيب لكم".

كانوا إذا حلت المنكرات ببلدانهم استغفروا الله؛ لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة.

عجائب الاستغفار: عن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز -رحمهما الله- قال: "رأيت أبي في المنام بعد موته كأنه في حديقة فرفع إليَّ تفاحات فأولتهن بالولد، فقلت: يا أبي أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الاستغفار يا بني".

وعن بكر بن عبدالله المزني يقول: "لقيت أخًا لي من إخواني الضعفاء، فقلت: يا أخي أوصني، قال ما أدري ما أقول لك غير أنه ينبغي لهذا العبد ألا يفطر عن الحمد والاستغفار وابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر، ولا الذنب إلا بالتوبة والاستغفار، قال: فأوسعني علمًا ما شئت".

عن جعفر بن برقان، قال: قلت لرجل من أهل البصرة: كيف لا يشتهي أحدنا أنه لا يزال متقربًا إلى ربه يستغفر من ذنب، ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود، قال: قد ذكر للحسن البصري -رحمه الله- فقال: "ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملوا من الاستغفار".

كان أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول لغلمان الكتاب: "قولوا اللهم اغفر لأبي هريرة"، ثم يقولون: "اللهم اغفر لأبي هريرة"، فيؤمن على دعائهم.

قال بكر المزني: "لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول: استغفروا لي لكان قبوله أن يفعل".

ذكر محمد بن مسرور عن أبيه قال: سمعت سليمان بن أسود القاضي يقول: "قد برز الناس للاستسقاء في بعض أيام سعيد بن سليمان، فلما ابتدأ خنقته العبرة، وأشكلت عليه الخطبة، فاختصرها، وأكثر من الاستغفار، والضراعة، ثم صلى، وانصرف، فسُقي الناسُ يومهم".

رُوي أن أحد الأعراب كان ينادي بكل من نزل عليه ويقول: "من أراد أن يقيم بأرضنا فليكثر من الاستغفار، فإن مع الاستغفار القطار، ومن لم يفعل لا نؤويه".

بعد العبادات الاستغفار، وبعد الصلاة استغفار، وبعد قيام الليل استغفار (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)، وبعد الإفاضة من عرفة استغفار (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وعند ختم المجالس استغفار، وفي أواخر العمر استغفار؛ لأن الله -عز وجل- يقول لنبيه في سورة النصر: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر: 3].

بكر بن عبدالله المزني يقول: "إنكم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار؛ فإن العبد إذا وجد يوم القيامة بين كل سطرين من كتابه استغفارًا سرّه ذلك".

فاستغفروا الله، فالله يعدكم منه مغفرة وفضلاً، ومن يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا.

اللهم اغفر ذنوبنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.