النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
من عجبي من الحجاج: حرصهم الشديد على الصلاة في المسجد الحرام خلف الإمام، حتى لو صلوا دون طهارة، أو بطهارة ناقصة؛ لأن الطهارة صعبة جدا وقت الزحام. حدثني بعض إخواني الدعاة: أنه كان بجانبه في المسجد الحرام رجل حاج نام حتى سمع شخيره، ثم استيقظ عند الأذان، فقال له: "قم فتوضأ" فرد عليه: "هذا يكفي" فمسح وجهه بماء من زجاجة معه!. ومن العجب الذي يشبه هذا: ما رأيته بعيني عندما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ...
أيها الإخوة الكرام: في هذا العام الذي حججنا فيه، أحببت أن أسجل بعض غرائب وعجائب وقعت من الحجاج.
الحمد لله القائل: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197] وصلى الله وسلم وبارك على نبينا القائل: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
فمن من الحجاج لم يرفث؟ ومن من الحجاج لم يفسق؟ ومن لم يجادل؟
إننا وجدنا من الحجاج من يسخط عندما يجد المسكن لم يوافق هواه، أو يجد الحافلة التي تقله لم ترضه، فيرفع صوته غاضبا معترضا، وقد يسب ويشتم، وهو حاج وهو محرم، فيخص بشتمه الوزارة أو الشركة أو البعثة الإدارية، وقد يعمِّم.
وقد سمعت بعضهم يقول وهو في حالة غضب شديد: "لا تقولوا لي: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"؟! -عفا الله عنه-.
أين هؤلاء من مدرسة الصبر في الحج؟ وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم: "الحج جهاد كل ضعيف"؟ وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم: "هلم إلى جهاد لا شوكة فيه؛ الحج"؟ أين المطالبة بالحقوق بالرفق واللين، والكلمة الطيبة؟
ونوع آخر من الحجاج من لم يأخذ بالرخصة المشروعة المسنونة، ويعمل بالرخص المظنونة!.
فوجدنا بعضهم يصمم على إتمام الصلاة الرباعية أربع ركعات، ولا يقصرها ركعتين، كما ثبت السنة، فقد مكث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة بضعة عشر يوما يقصر، ويأمر المقيمين من أهل مكة بالإتمام.
وقد سمعت أحد الحجاج يقول مستنكرا: "أضحك على حالي، أو أضحك على ربي؛ أصلي في الحرم أربعا، وأصلي في المسكن أو في الجماعة ركعتين؟".
ولا يدري المسكين: أنها السنة إذا صليت خلف المقيم فتتم، وأما إذا صليت لوحدك أو مع مسافر تقصر.
ومن عجائب الحجاج: أننا علمنا الحجاج أننا في سفرنا هذا لا نصلي الرواتب، مثل سنة الظهر قبلها أو بعدها، ولا سنة مغرب ولا سنة عشاء، ونصلي ركعتي الفجر قبل الفريضة، والوتر بعد العشاء، وتصلي ما شئت من النوافل والتطوعات.
فوجدنا من يصلي كل الرواتب، وكأنه في موطنه بغزة.
والعجب: أن الناس في فجر عرفة قاموا بعد الأذان ليصلوا بعد الأذان سنة الفجر، كما هي عادة النبي -صلى الله وسلم- وسنته، فبعد أن صليتها وجدت أن أحد الحجاج لم يصلها؛ فنصحته بصلاتها، فرد قائلا: "في السفر ما في سنن" فقلت له: "نعم! إلا سنة الفجر" فلم يلتفت إلى قولي، ولم يصل سنة الفجر.
فبعض الحجاج يصلي السنن كلها، وبعضهم لا يصليها كلها حتى سنة الفجر، وربما يترك صلاة الوتر!.
بعض الحجاج ترك الرخص المسنونة، مثل القصر في الصلاة، وأخذ بالرخص المظنونة، مثل الرمي قبل الزوال في آخر يوم يستعجلون، فبدل أن يرموا بعد الظهر، فيرمونها ضحى، أو يرمونها في الليل قبل طلوع الفجر.
والسنة في ذلك: أن يرجم في أول أيام التشريق وثانيها وثالثها بعد الزوال، وليس قبله، فلم يثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وبعضهم يركز على الإتيان العمرة بعد العمرة، ويتباهون في ذلك، من التنعيم -أي من الحل - أي من حدود الحرم ولا يذهب إلى الميقات، ويفعل هذا بين عمرة الحج التي اعتمرها وبين فريضة الحج التي سيؤديها، وبعضهم أباح له ذلك، وبعضهم فعلها أكثر من مرة في اليوم الواحد، مما أدى إلى الزحام فوق الزحام.
وفقد بعض الناس الذي أتى ليعمل العمرة المضمونة بالعمرة المظنونة.
بعض الحجاج رفض السعي للعمرة بعد الطواف، وقال: يكفي هذا، ورجع إلى المسكن، لكن بعد إلحاح شديد وجهد، اقتنع فعاد للسعي فأتمه وتحلل.
بعض الحجاج لبس الإحرام، ورفض خلع اللباس الداخلي، وبعد إقناع شديد صمم على ذلك، فقيل له: عليك ذبيحة، فقال: ولتكن ذبيحتان.
ولا يرمي لباسه الداخلي.
ومن عجبي من الحجاج: حرصهم الشديد على الصلاة في المسجد الحرام خلف الإمام، حتى لو صلوا دون طهارة، أو بطهارة ناقصة؛ لأن الطهارة صعبة جدا وقت الزحام.
حدثني بعض إخواني الدعاة: أنه كان بجانبه في المسجد الحرام رجل حاج نام حتى سمع شخيره، ثم استيقظ عند الأذان، فقال له: "قم فتوضأ" فرد عليه: "هذا يكفي" فمسح وجهه بماء من زجاجة معه!.
ومن العجب الذي يشبه هذا: ما رأيته بعيني عندما ذهبت مبكرا لصلاة الجمعة في داخل المسجد الحرام لا خارجه، فوجدت متسعا في الدور الأول بجانب قسم النساء، فرأيت امرأة نائمة بين النساء، وذلك لطول انتظارها للصلاة، وشدة حرصها عليها في المسجد الحرام، فعندما أذن أو قبيله بقليل، قلت في نفسي: كيف ستذهب إلى الدورات أو المواضئ التي تكتظ بالحجاج المنتظرين دورهم؟ وكيف بعد وضوئها سترجع إلى مكانها لكثرة الناس؟ هذا سيستغرق وقتا، يكون قد أنهى الإمام خطبته وصلاته، وربما تدخل صلاة العصر، فماذا فعلت؟ وهذا ما أثار انتباهي! لقد أخرجت زجاجة صغيرة من ماء وفتحتها، ثم أمالتها على كفها، فدلكت وجهها ويدها، وانتهى الأمر، وكان الله بكل شيء عليما -غفر الله لها-.
وهي وغيرها من الحجاج لا يعلمون أحكام السفر.
فالمسافر لا جمعة عليه، فإن حضرها صلاها، وإلا صلى الظهر ركعتين، فحرص يضيع واجبا، يوقع صاحبه في الإثم، فيا ليتها صلت في غرفتها الظهر يوم الجمعة ركعتين، ولا تصلي الجمعة دون طهارة.
يعتقد الحجاج أن الصلاة في المسجد الحرام فقط وراء الإمام بمائة ألف صلاة، لذلك تجدهم يسببون زحاما شديدا في المسجد، مع أن المائة ألف صلاة في الحرم كله، أي في مكة ومنى ومزدلفة، وأما عرفة فهي خارج الحرم، بل هي في الحل، فعندما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجا طاف بالبيت وسعى، ثم نزل بالحجون بمكة، ولم يرجع إلى البيت إلى يوم عيد الأضحى، ثم رجع إلى منى، فكل صلواته كانت بمنزله بالحجون بمكة لا في المسجد الحرام.
والدليل على أن الصلاة في الحرم كله أفضل من غيره؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة الطائف مقيما بالجعرانة على حدود الحرم من مكة، فإذا حانت الصلاة دخل إلى الحرم فصلى.
وقوله سبحانه عن المشركين: (فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة: 28].
المقصود به كل حرم مكة، فالمشرك محظور عليه دخول هذه المناطق.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
فعلينا -عباد الله-: أن نتعلم أحكام ديننا وعباداتنا، وننصاع لهدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأحكام السفر وآدابه، ونقع في مخالفة نبينا ونفعل ما يخالف سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، أو نقوم بفعل ما فيه تشدد على أنفسنا، قد أرخص الله فيه وقد عفا عنه ديننا الحنيف، وعلينا أن ننصاع لأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- لأمر الله -سبحانه وتعالى-، لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر 7].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ".
هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الخلاص، وهو النعمة بعد النعمة الكبرى.
فالنعمة الكبرى: الهداية إلى الإسلام، والهداية على دين الله -سبحانه وتعالى-.
والنعمة الأخرى: أن هداك للسنة، ولم تكن من أهل البدع والتفرق وأهل التحزب والتعصب للآراء والفرق والأحزاب.
نسأل الله العظيم الجليل أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصرنا على القوم الكافرين.
اللهم وحد صفوفنا، وألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا برحمتك، يا أرحم الراحمين.