الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
نعم؛ لا بدّ للزواج من مهر، لا بدّ فيه من وليمة، لا بدّ ولا بدّ، ولكن على الجميع تقوَى الله وتسهيلُ المهمّة وتذليل الصعاب، وليتقرّب المسلم إلى الله بما يبذله من عدَم التشدّد في المهر وعدَم التكليف في الولائم، وأن يكونَ الأمر مقتصِرًا على ما يكون به الإعلامُ الشرعيّ، بعيدًا عن المظاهر التي يقلّد الناسُ بعضهم بعضًا فيها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فيا أيّها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، في الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: "ثلاثة حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، المكاتَب يريد الأداءَ، المتزوِّج يريد العفاف" [سنن الترمذي وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي: "هذا حديث حسن", وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الألباني].
أيّها الإخوة: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الثلاثة أنَّ الله قد تكفَّل بإعالَتهم وتسهيل مهمَّتِهم وإخلافِ ما أنفقوه بخير, وأنّ ما أنفقوا في هذا السبيل فنفقة مخلوفة وعمل صالح.
فالمجاهدُ في سبيل الله حقٌّ على الله عونُه، جاهَد بنفسِه، أو جاهد بلسانِه وقلمِه، أو جاهد بمالِه فأنفقَ مالَه في سبيل الخير، في نصرةِ دين الله، وفيما يقرّب إلى الله، فالله يعينه ويوفّقه ويخلِف عليه ما أنفقه بخير، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]؛ لأنها نفقةٌ في سبيل الله وفيما يقرِّب إلى الله، فتلك نفقةٌ مخلوفةٌ على صاحبِها، مبارَكٌ له فيها، بل كلّ النّفقاتِ التي في سبيلِ الله وما أوجَبَه الله على المسلِم فإنّ العبدَ يُعان على ذلك، ويخلف الله عليه ما أنفَق بخير، وفي الحديثِ: "إنّك لن تنفِقَ نفقةً تبتغِي بها وجهَ الله إلاّ أُجِرتَ عليها، حتى ما تضَع في في امرأتك" [متفق عليه].
المكاتب يريد الأداءَ، ذلكُم الذي يريد أن يشتريَ نفسَه من سيّده ليعيشَ حرًّا، فإنّ الله يعينه على ذلك إذ حرّيّتُه تعينه على مصالحِ دينه ودنياه، وقد أمر الله بتسهيلِ أمرِ المكاتب بقوله: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) [النور: 33]، وأمر أن يعطَوا من حقّ الله: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) [النور: 33]، وكلّ هذا من طرقِ الإسلام في تحرير الأرقّاء؛ لأنّ الرقَّ في الإسلام جاءَ لأمرٍ عارض، ألا وهو الكفر، وجاء تسهيل مهمّة إعتاق الرّقاب والحثّ على ذلك وإعطائهم من الزكاة: (وَفِي الرِّقَابِ) [التوبة: 60] قال العلماء: "هم المكاتبون".
وثالث أولئك الثّلاثة الناكح يريد العفافَ، الذي تزوّج يريد أن يعفَّ نفسَه، يريد أن يغضَّ بصرَه، يريد أن يحصِّن فرجَه، يريد سكونَ نفسه، طمأنينة قلبه، يريد حصولَ الولَد، يريد عمارَ البيت، يريد الإنفاقَ على الزوجة والتعاونَ معها على الخير، يريد بزواجه طاعةَ الله والاقتداء بأنبيائه المرسلين، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً) [الرعد:38]، يريد أن يتعاونَ مع امرأته على البرّ والتقوى، يريد حفظَ بني الإنسان.
فإنّ هذا الزواج الشرعيَّ يعين الله صاحبَه، حقٌّ على الله أن يعينَه ويوفّقه ويسدّده، ولكن لهذه الإعانةِ أسبابٌ ينبغي للمسلم أن يسلكَها، فأوّل ذلك تقوَى الله في سرِّه وعلانيتِه، والعفّة عمّا حرّم الله عليه، فمن عفّ عن محارم الله سهّل الله له زواجَ الحلال وأعانه على ذلك، قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور: 33] ، فمن عفّ عن محارمِ الله والتجأ إلى الله وتعلّق باللهِ وعلم الله منه ذلك, فإنّ الله -جل وعلا- قد تكفّل بإعانته، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2، 3].
أخي المسلم: قد تقول: إنّ تكاليفَ الزواج شديدة، وإنّ تكاليفَه مثقِلة لكاهلِ المسلم، لا سيّما الشابّ ضعيف الموارد، فينظر إلى الزواج بأنّه عقبةٌ كؤود، لا يستطيع اجتيازها، ماذا يعمل؟!.
نقول: نعم، إنها عقبةٌ، وإنها كأداء، ولكن سيُيسِّرها من إذا قال للشيء: كن فيكون، سيعينك القادرُ على كلّ شيء، سيفتح لك أبوابَ الخير، فما عليك إلا الصّبر، وما عليك إلاّ العفّة عن محارم الله، وما عليك إلاّ أن تأخذَ بالأسباب النافعة، فلا تكون عالةً على غيرك، ولا كلاًّ على الناس، ابذل السّببَ، اعمَل واكدَح وخذ بكلّ سببٍ شرعيّ أذِن الله فيه، فإذا أخذتَ بالأسباب واتّقيتَ ما حرّم الله عليك فإنّ أمرك سيكون يسيرًا؛ لأنّ الصادقَ المصدوق أخبرنا عن ربّنا بقوله: "ثلاثة حقّ على الله عونهم"، حقّ أوجبه الله على نفسِه، فهو -جلّ وعلا- أصدق القائلين، ووعدُه حقّ ولن يخلِف ميعاده، ولكن على المسلم أن يأخذَ بالأسباب، ثم إذا أخَذ بالأسباب مِن كدحٍ وبذل للجهد وعفّةٍ عن محارم الله والتجاءٍ إلى الله واستعانة به في كلّ الأمور، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32].
هذا وعدٌ للمتزوّج أنه لو تزوّج في حال فقرِه فإنّ الله سيفتح له الأسبابَ من أبواب الرّزق وأسبابِ الخير ما لا يعمله إلا الله، لكن على المسلِم أن يحتسِب، عليه أن يصبِر ويأخذَ بالأسباب ويتّقيَ محارم الله.
ثمّ على المجتمع جميعًا تقوَى الله في هذه الأمور، تقوَى الله في هذه المهمّات، وأن يعينوا الشبابَ على الزواج، وأن يسهّلوا المهمّة، ولا يثقِلوا كاهل الزوجِ بما لا يستطيع، على الجميعِ أن يكونوا أعوانًا على إفشاءِ هذه المهمّة وإشاعتها وتسهيلِ مهمّتها، علينا التعاونُ على البرّ والتقوى، علينا أن لا نفتحَ للسفهاء بابَ السّرف والتبذير، علينا أن نأخذَ على أيدي السفهاء من نساءٍ وصبيان، علينا أن نسهّل المهمّة، علينا أن لا نقفَ عند التقاليد التي لا خيرَ فيها، علينا أن نجاوِزَ هذه التقاليدَ والترَّهاتِ التي تثقِل كواهلَ شبابنا، والتي تسبِّب عنوسَ فتياتنا، فعلينا التعاونُ جميعًا، فإنَّ هذه مسؤولية الأمّة جميعًا، أن يكونوا أعوانًا على البرِّ والتقوى، متناصحين فيما بينهم، متعاونين فيما بينهم.
إنّ إشاعةَ الزواج بين شبابنا أمرٌ يحبّه الله ويرضاه، ففيه غضّ البصرِ وتحصين الفرج وحصول الوَلَد وقلّة الجرائم وعِفّة المجتمع، فمتى شاعَ الزواج في المجتمع دلّ على خيريّة الأمّة وسعادتها، ولكن إذا وقف أمامَ الشباب تلك العقباتُ الكؤود، بمهرٍ غالٍ مرتفع، وولائم متجاوزةٍ للحدود، وتكاليفَ وأمور خطِيرة لا شكّ أن كثيرًا منها لا داعيَ له ولا مبرّر له ولا يُرتجى منه فائدة، إنما هي مجاراةٌ للآخرين، وكلٌّ يحبّ أن يثبتَ وجودَه، وأن يكونَ مظهرُ زواجه أكثرَ من مظهر غيره، تلك المجاراةُ لا خيرَ فيها ولا فائدةَ منها. فعلى المجتمع جميعًا تقوَى الله والتعاونُ على البرّ والتقوى.
نعم؛ لا بدّ للزواج من مهر، لا بدّ فيه من وليمة، لا بدّ ولا بدّ، ولكن على الجميع تقوَى الله وتسهيلُ المهمّة وتذليل الصعاب، وليتقرّب المسلم إلى الله بما يبذله من عدَم التشدّد في المهر وعدَم التكليف في الولائم، وأن يكونَ الأمر مقتصِرًا على ما يكون به الإعلامُ الشرعيّ، بعيدًا عن المظاهر التي يقلّد الناسُ بعضهم بعضًا فيها، فعلى كلّ من له قدرةٌ ويقتدَى به في الأمور أن يكونَ قدوةً صالحة لغيرِه، وأسوةً يُتأسَّى به في الخير.
فكثيرٌ مِن هذه التّكلفاتِ وكثير من هذه الأمورِ لا مبرِّر لها، لا داعيَ لها، لكنّها عقبةٌ أمام زواجِ الشباب، وأمام زواج الفتَيَات، تبقى الفتياتُ عانساتٍ في البيوت، ويبقى الشباب عاجزين عن الزواج، وربما استعمَل الذهابَ هنا وهناك لقضاءِ وطرِه بما لا خيرَ فيه، وتلك جريمةٌ يتحمّل إثمَها المجتمع بأسرِه.
فعلى الجميع تقوَى الله في أنفسهم، والتعاونُ على البر والتقوى، وتذليل تلك العقبات. أسأل الله للجميع العونَ والتوفيق، إنه على كل شيء قدير.
أقول ما تسمعون، ادعوا الله واستغفروه.
الخطـبة الثانيـة:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلهِ وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: يا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيها الشابّ المسلم: إذا أردتَ الزواج فاتّق الله، واستعِن بربك في كلّ مهمّاتك، فإنّ الله قريبٌ يجيب دعوةَ المضطرّ إذا دعاه.
إيّاك والديونَ الباهظة، إيّاك وأن تستدينَ ديونًا لا تستطيع وفاءَها وتعجز عن وفائها، وتبقى أسيرًا لدى أولئك.
إنّ بعضَ شبابنا ربما يستدِين دينًا يثقِل كاهلَه ويعجِزه، فيعيش عمرَه همًّا وغمًّا. استدِن قدرَ استطاعتك، وعلى قدر ما تعلَم أنك تقضيه، استدِن على قدر ما تعلَم أن بإمكانك قضاءَه، دينًا لا يثقل كاهلَك وتقضى به مهمّتك.
وعلى أهلِ الزوجة إذا علِموا منَ الزوج كذلك أن لا يزيدوا على حملِه حِملاً، وأن لا يثقِلوه على ديونه بديون أخرى، وأن يسهِّلوا المهمّةَ ويهوّنوها ويحلّوا كثيرًا من الأمور ويجتنبوا كثيرًا من المظاهر التي لو تفكّرنا فيها حقًّا لعلِمنا أنها عقبات، وأنه لا فائدةَ منها ولا خير في كثيرٍ منها، إسرافٌ في الولائم، إسراف في الملابس، إسرافٌ في الحلِيّ إلى غير ذلك.
على الجميع تقوَى الله في أنفسِهم، وعليهم أن ييسّروا هذا الأمر، وأن يستعينوا بالله، ويتقرّبوا إلى الله بهذا العمل الصالح، فعسى الله أن يعمَّ الجميعَ بفضلِه ورحمته، إنّه على كلّ شيء قدير.
وعليك -أيّها الشابّ المسلم- أن تستعينَ بالله في كلّ مهمّاتك، فلا يسيرَ إلا ما يسّره الله لك، فاستعِن بربّك، واسأله التوفيقَ، واصدق في نيّتك، وعفّ عن محارم الله، فوعدُ الله حقّ وآتٍ لا شكّ فيه، والله لا يخلف الميعاد.
واعلموا -رحمكم الله- أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...