البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

ما يجب علمه من فقه الطلاق

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. حكمة مشروعية الطلاق .
  2. وسائل للمحافظة على الأسرة شرعت قبل الطلاق .
  3. تعريف الطلاق .
  4. من أحكام الطلاق والرُّجعة .
  5. جهل الناس بأحكام الطلاق وتهاونهم فيها .

اقتباس

فإذا أخذ بتلك الوصايا، ولم تصلح الحال، وصار الأمر لا يحتمل، فإن الله جعل الطلاق حلاً أخيراً بعدما تفشل كل الحلول؛ لحسم النزاع وبقاء الزوجية، وهو: حل قيد النكاح أو بعضه بلفظ مخصوص، وهو كالدواء الذي يستعمل عند الحاجة وفق طريقة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة، فإنه يضر، كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله.

الخطبة الأولى:

أما بعد: أيها الإخوة، فقد شرع الله النكاح لإقامة الحياةِ الزوجيةِ المستقرةِ، المبنيةِ على المحبة والمودة بين الزوجين، وإعفاف كل منهما صاحبه، وتحصيل النسل، وقضاء الوطر.

فإذا اختلت هذه المصالح، وفسدت النوايا، وتنافرت الطباع، وذهبت المودة والمحبة، ونمت الكراهية والبغضاء، وتعقدت الحياة الزوجية، وساءت العشرة بين الزوجين بسبب تباين الأخلاق، أو الإصابة بمرضٍ لا يُحتمل، أو عقمٍ لا علاج له، أو غيرها؛ وحل الشقاق المستمر الذي تصعب معه الحياة الزوجية، ولم ينفع الوعظ والهجر، واستُنفدت جميع وسائل الإصلاح بين الزوجين، واستعصى حل الخلافات الزوجية، ووصل الأمر إلى هذا الحد، فقد شرع الله الطلاق؛ ليتخلص به الزوجان من حياة مقلقة، وصلة موجعة، وارتباط مؤلم، فقد وعد الكريم بعد الفراق خيراً فقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء:130].

وجعل الطلاق آخر العلاج، بحيث لا يصار إليه إلا عند تفاقم الأمر، واشتداد الداء حين لا يجدي علاج سواه.

وأرشد الله إلى كثير من وسائل العلاج قبل أن يصار إليه، فرغب الأزواج في الصبر وتحمل الزوجات، وإن كانوا يكرهون منهن بعض الأمور؛ إبقاءً للحياة الزوجية، فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، وأرشد الزوج إذا لاحظ من زوجته نشوزاً إلى ما يعالجها به من التأديب المتدرج: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح، فقال: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].

نعم أيها الإخوة: الذي يقرر هذه الإجراءات هو الله الذي خلق، وهو أعلم بمن خلق، وكل جدال بالعلاج بعد قول العليم الخبير مهاترة، وللحديث عن علاج الخلافات الزوجية خطبة بحول الله.

وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتوراً في العلاقة الزوجية، وضعفاً في ميل زوجها إليها، إلى ما تحفظ به هذه العلاقة، ويكون له الأثر الحسن في عودة النفوس إلى صفائها، بأن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية، أو المالية، ترغيباً له بها، وإصلاحاً لما بينهما؛ وشرع التحكيم بينهما إذا عجزا عن إصلاح ما بينهما بوسائلهما الخاصة.

كل هذه الإجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى الطلاق، ومن هذا يتضح ما للعلائق والحياة الزوجية من شأن عظيم عند الله.

أيها الإخوة: فإذا أخذ بتلك الوصايا، ولم تصلح الحال، وصار الأمر لا يحتمل، فإن الله جعل الطلاق حلاً أخيراً بعدما تفشل كل الحلول؛ لحسم النزاع وبقاء الزوجية، وهو: حل قيد النكاح أو بعضه بلفظ مخصوص، وهو كالدواء الذي يستعمل عند الحاجة وفق طريقة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة، فإنه يضر، كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله.

فالواجب على الزوج إذا أراد طلاق امرأته أن يطلقها لعدتها: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) [الطلاق:1]، (لِعِدَّتِهنَّ) أي: لزمان عِدَّتهن، وهو الطهر، وذلك بأن يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، لأنه لا يجوز طلاق المرأة وهي حائض، ولا أن يطلقها في طهر جامعها فيه، إلا إن تبين حملها فله أن يطلقها وهي حامل.

والحكمة في هذا -والله أعلم- أن إرجاء إيقاع الطلاق فترة بعد اللحظة التي تتجه فيها النفس للطلاق خير علاج لقرار متهور، فقد تسكن الفورة وتعود النفوس إلى الوئام، وفيه تأكد من الحمل وعدمه قبل الطلاق، فقد يمسك عن الطلاق لو علم أن زوجته حامل، فإذا مضى فيه وقد تبين حملها دل على أنه غير مريد لها ولو كانت حاملاً.

قال شيخنا محمد بن عثيمين: ولا يجوز له أن يطلقها إلا طلقة واحدة فقط، ليكون في ذلك توسيع على نفسه إذا أراد أن يراجع، ولأن ما زاد على الطلقة الواحدة طلاق بدعة، إما مكروه، وإما محرم. وأنت إذا طلقتها طلقة واحدة؛ فماذا تخاف؟ أتخاف أن ترجع عليك؟ إنها لن ترجع عليك إلا باختيارك! إذاً؛ فلماذا تتجاوز الواحدة فتطلق أكثر منها؟!.

أيها الإخوة: وإذا أراد أحدكم الطلاق فليشهد رجلين على طلاقه، لقوله -تعالى-: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق:2]، (وَأَشْهِدُوا) أي: على طلاقها ورجعتها.

ولا يحل للزوج أن يخرج زوجته من بيت الزوجية إذا طلقها طلاقاً فيه رجعة، وهي الطلقة الأولى والثانية، حتى تنقضي عدتها، ولا يحل لها هي أن تخرج من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، كما قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1]، هذا قضاء الله وحكمه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].

وبقاء الزوجة في بيتها حدٌ من حدود الله -تعالى-، فإذا تعداه أحد الزوجين فقد ظلم نفسه، فالرجل الذي شرعت العدة لمصلحته، يظلم نفسه عند التفريط بهذا الحق، ففي العدة فرصة متاحة للرجل حتى يراجع زوجته إذا شعر بالندم وتبصر بالعواقب.

أما ما يفعله بعض الأزواج في مطلقته، فلا يكاد يلفظ الطلاق حتى يُتْبِعُهُ بقوله: اذهبي إلى بيت أهلك! فإخراجه لزوجته من البيت اعتداء على حد من حدود الله، ويَشْعُرُ الزوجُ بأنه ظلمَ نفسَه عندما يرجعُ إلى رشدِه ويرغبُ بمراجعة زوجته، فإذا ذهب إلى بيت أصهاره للمراجعة أُوصِدَ البابُ بوجهه؛ فقد ساءت النفوس، وتكدرت الأحوال، وربما أخذت أصهارَه العزةُ بالإثم وأخذتهم الأنفة وقالوا: ليسَتْ ابنتنا لُعبة في يدك.. طلقتُك.. راجعتك.. وكذلك الزوجة التي تخرج من بيت الزوجية، متعدية على حدود الله -تعالى- القائل: (وَلَا يَخْرُجْنَ)، إنها تظلم نفسها، ولا تشعر بهذا الظلم لنفسها إلا عندما تجد نفسها تحت سلطة وسيطرة أب أو إخوة لها ربما كانوا من الغلظة والشدة عليها مما يحول بينها وبين العودة إلى زوجها إذا رغبت في ذلك.

أيها الإخوة: فأي مؤمن يتعرض لـحد يحرسه الله عرضة للهلاك والبوار. ثم قال -سبحانه-: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَاً). قال بعض المفسرين: الأمر هنا الذي قد يحدثه الله -تعالى- هو الرغبة في الرجعة، وقال بعضهم: الأمر الذي يحدثه الله هو أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عَزِيمةِ الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها. ولعله طلقها لسبب منها فيزول ذلك السبب في مدة العدة فيراجعها.

وكل ذلك لا يتحقق إلا إذا كانت المرأة موجودة في بيت الزوجية، إذن؛ فمن الذي يعلم غيب الله وقدرَه المخبوء وراء أمره بالعدة وأمره ببقاء المطلقة في بيتها؟.

أيها الإخوة: إن التسليمَ لأمر الله أولى، والرعايةَ له أوفق، وتقواه ومراقبتَه فيها الخير والصلاح، والعجيب أن إقامة المعتدة من الطلاق في بيت الزوجية حكم ثابت واضح الدليل وليس فيه خلاف؛ ولكن! ما من حكم تأكدت مخالفته في المجتمع الإسلامي كهذا الحكم! وفي هذا ما فيه من ظلم النفس, وتفويت فُرص المراجعة، وهدم الأسر، ومن فعل ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه! (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [آل عمران:117].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: وعدة المطلقة بالنسبة للحائض ثلاث حيض، والآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر؛ والحامل حتى تضعَ حملها.

وفي حال بقاء المطلقة طلاقاً رجعياً وهي من طُلقت طلقة أو طلقتين في بيت زوجها تكون المخالطة بين الزوجين تامة وجائزة في الإقامة والطعام والمحرمية والنظر. بل استحب أهل العلم للمطلقة طلاقاً رجعياً أن تتزين له في عدتها؛ لعله يكون سبباً في مراجعتها.

وتتم الرجعة بالقول ولا يشترط لها رضا الزوجة ولا رضا وليها ولا علمها، وتحصل الرجعة كذلك بالوطء مع النية, والوطء بدون نية الرجعة لا يحل.

وإذا انتهت العدة ولم يراجع لم تحل له إلا بعقد جديد بشروطه على ما بقي من الطلقات. قال الإمام علي -رضي الله عنه-: "لا يطلق أحد للسنة فيندم".

أيها الإخوة: لقد جهل بعض الناس أحكام الطلاق, فتجده يتلاعب فيه، يطلق لأتفه سبب وعند أول شكاية بينه وبين زوجته فيضر بنفسه وبأولاده، وبعضهم يطلق في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه, أو يطلق الثلاث جميعاً, وكل ذلك حرامٌ وتعدٍّ لحدود الله -تعالى-، يفعل ذلك في حالة طيش وغضب على أمر لا يستحق الغضب ثم يندم لفعله, ويأتي العلماء وطلاب العلم لعله يجد مخرجاً مما وقع فيه، ولو التزم حدود الله وامتثل أمره لم يتضرر, فعلى المسلم أن ينزع كلمة الطلاق من نفسه ولسانه وإن احتاج إليه وهو لا يعلمُ أحكامه, فليراجع العلماء قبل أن يقول ما لا يعلم فيندم، ولات ساعةَ مندمِ!.

ومن الناس من يجري الطلاق على لسانه بسهولة, وبأدنى مناسبة، فيستعمله بدلاً من اليمين, وإذا أراد أن يحلف على نفسه أو على غيره قال: "عَلَيَّ الطلاق!"، فإذا انتقضت يمينه وقع في الحرج وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من الطلاق الذي حلف به.

أيها الإخوة: هل هان أمر الأسرة على مثل هذا الرجل لدرجة أن يكون حلها بيدي ضيف يلزم عليه بالجلوس أو نحوه من الأمور؟ ووالله! ما هذا إلا بسبب تلاعب الشيطان ببني آدم؛ ليوقعهم في الحرج، ويورطهم في الحرام. فهل ينتهي هؤلاء؟ هل ينتهي هؤلاء؟ أسأل الله ذلك.

وصلوا وسلموا...