البحث

عبارات مقترحة:

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

بأي شيء ترجع كل يوم في هذه الأزمة؟

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. قوة الإنسان وقيمته في الإيمان .
  2. أثر الإيمان الحقيقي على القلب .
  3. الدعوة بالتمسك بهذا الدين والرجوع به .

اقتباس

إذا اسْتَقَرَّ الإِيمَانُ في القَلْبِ، فَإِنَّهُ يَنْزِعُ مِنهُ الأَدْرَانَ، ويُنَقِّيهِ من الحَسَدِ، ويُصَفِّيهِ من الحِقْدِ والغِلِّ، ويَسْتَلُّ مِنهُ الضَّغِينَةَ والسَّخِيمَةَ، بَل يُخْرِجُ من قَلْبِهِ حُبَّ الدُّنيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وأَشْكَالِهَا، ويَرْضَى..

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ: الإِنسَانُ بِدُونِ إِيمَانٍ رِيشَةٌ في مَهَبِّ الرِّيحِ، لا تَسْتَقِرُّ على حَالٍ، ولا تَسْكُنُ إلى قَرَارٍ.

الإِنسَانُ بِدُونِ إِيمَانٍ لا يَعْرِفُ نَفْسَهُ، ولا يَعْرِفُ سِرَّ وُجُودِهِ، ولا يَعْلَمُ مَن أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الحَيَاةِ، ولا يَعْلَمُ لماذا وُجِدَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، ولا يَعْلَمُ لماذا تُنْزَعُ مِنهُ الحَيَاةُ، ولا يَعْلَمُ شَيْئَاً عَمَّا بَعدَ المَوْتِ.

الإِنسَانُ بِدُونِ إِيمَانٍ تَرَاهُ دَائِمَاً وَأَبَدَاً مُضْطَرِبَاً حَائِرَاً قَلِقَاً مُتَبَرِّمَاً خَائِفَاً تَائِهَاً مُتَعَقِّدَاً كَقَارِبٍ في وَسَطِ بَحْرٍ لُجِّيٍّ.

الإِنسَانُ بِدُونِ إِيمَانٍ يَكُونُ حَيَوَانَاً شَرِهَاً فَتَّاكَاً، بَل هوَ في أَدْنَى رَتْبَةٍ في سُلَّمِ المَخْلُوقَاتِ، بَل هوَ أَذَلُّ من البَهَائِمِ العَجْمَاوَاتِ، لَهُ قَلْبٌ لا يَفْقَهُ بِهِ، ولَهُ عَيْنٌ لا يُبْصِرُ بِهَا، ولَهُ أُذُنٌ لا يَسْمَعُ بِهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ إذا اسْتَقَرَّ في القَلْبِ، وصَدَّقَتْهُ الجَوَارِحُ، ونَطَقَ بِهِ اللِّسَانُ، يَجْعَلُ صَاحِبَهُ يُرَاقِبُ اللهَ -عزَّ وجلَّ-، ويُحَاسِبُ نَفْسَهُ على الصَّغِيرَةِ والكَبِيرَةِ، ويُسَابِقُ الآخَرِينَ إلى الخَيْرَاتِ، وَيَكُونُ على يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- لا يَغْفُلُ لَحْظَةً، ويُحْصِي على العَبدِ أَقْوَالَهُ وأَفْعَالَهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إذا اسْتَقَرَّ الإِيمَانُ في القَلْبِ، فَإِنَّهُ يَنْزِعُ مِنهُ الأَدْرَانَ، ويُنَقِّيهِ من الحَسَدِ، ويُصَفِّيهِ من الحِقْدِ والغِلِّ، ويَسْتَلُّ مِنهُ الضَّغِينَةَ والسَّخِيمَةَ، بَل يُخْرِجُ من قَلْبِهِ حُبَّ الدُّنيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وأَشْكَالِهَا، ويَرْضَى بِمَا قَضَى اللهُ -تعالى- وَقَدَّرَ وَقَسَمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَتَعَلَّمْ كَيفَ يَكُونُ أَثَرُ الإِيمَانِ الحَقِيقِيِّ في القَلْبِ، وذلكَ من خِلالِ مَوْقِفٍ عَظِيمٍ كَانَ بِحَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِن الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامَاً فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِن الْأَنْصَارِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا. قَالَ: "فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ". قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِن الْمُهَاجِرِينَ، فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَد اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِن الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟". قَالُوا: بَل اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: "أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟". قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وللهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ: "أَمَا واللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبَاً فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدَاً فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِن الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمَاً لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِن الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبَاً وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبَاً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ؛ اللَّهُمَّ ارْحَم الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ". قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قَسْمَاً وَحَظَّاً؛ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- وَتَفَرَّقْنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَرَأَيْتُمْ كَيفَ اسْتَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- مَا في قُلُوبِهِم من حُبِّ الدُّنيَا، لقد ذَكَّرَهُم بِأَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ -عزَّ وجلَّ- عَلَيهِم، إِنَّهَا نِعْمَةُ الإِيمَانِ، نِعْمَةُ الإِيمَانِ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-، لَئِنْ أَخَذَ النَّاسُ الدُّنيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وأَشْكَالِهَا وحُرِمُوا نِعْمَةَ الإِيمَانِ فَمَا يَنْفَعُهُم؟ وإِنْ أُخِذَتِ الدُّنيَا  من العَبدِ وبَقِيَتْ نِعْمَةُ الإِيمَانِ عِنْدَهُ فَمَا يَضُرُّهُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا في هذهِ الأَزمَةِ، بِأَيِّ شَيْءٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَرْجِعُ إلى بَيْتِهِ، هَل نَرْجِعُ بِحُطَامٍ من الدُّنيَا؟ أَمْ نَرْجِعُ بِإِيمَانِنَا باللهِ -تعالى-، وإِيمَانِنَا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-؟

إِنْ رَجَعْنَا بِإِيمَانِنَا باللهِ وبِرَسُولِهِ وباليَومِ الآخِرِ، واللهِ لَقَد رَجَعْنَا بِأَعْظَمِ كَنْزٍ؛ لأَنَّهُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأَرْضِ: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17].

يَا عِبَادَ اللهِ: لِيَرْجِعْ أَهْلُ الدُّنيَا بِدُنْيَاهُم في هذهِ الأَزمَةِ، وخَاصَّةً إذا رَجَعُوا بِهَا وهُم ظَالِمُونَ للنَّاسِ؛ ولْنَرْجِعْ بِإِيمَانِنَا باللهِ وبِرَسُولِهِ وباليَومِ الآخِرِ، سَائِلِينَ المَولَى أَنْ يَجْعَلَنَا على قَدَمِ الأَنْصَارِ الذينَ ذَكَّرَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- بِأَعْظَمِ نِعْمَةٍ عَلَيهِم، ألا وهيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ، آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.