الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
إن هذه النطفة بتشكلها وأطوارها واحدة من دلائل الإيمان بالخالق جل جلاله، فهي لا تختلف في أسبابها، ولا تنقطع عن الوجود بتكررها، وهي آية كبرى تدل على عظمة من خلق فسوى والسر الأعظم أن هذا الإنسان المدرك فيما بعد، صاحب القوى والقدرات، والطاقات والانفعالات.. أصله من ماء مهين التقى فيه ماء الرجل مع ماء المرأة، فتولى الله خلقه وتكوينه عبر مراحل وأطوار، ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وتلك وصية الله لكم ولمن قبلكم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه) [النساء:131]. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق-5].
ألا فاتقوا الله عباد الله واشكروه وهو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
أيها المسلمون: في هذا الحديث سر عظيم من أسرار الحياة والأحياء، وقدرة إلهية عظيمة تتكرر وتتجدد عبر القرون، ويشهد بها الناس في أنفسهم وذراريهم ومن حولهم، وإن لم يقفوا على سرها.
والتأمل في هذا الخلق العجيب، والنظر في هذه الأطوار المتعاقبة لجنين حتى يخرج إلى الوجود يزداد لها المؤمنون إيماناً وتقطع دابر الشك، وتفحم أهل الإلحاد المنكرين لوجود الخالق جل جلاله.
إن هذه النطفة بتشكلها وأطوارها واحدة من دلائل الإيمان بالخالق جل جلاله، فهي لا تختلف في أسبابها، ولا تنقطع عن الوجود بتكررها، وهي آية كبرى تدل على عظمة من خلق فسوى والسر الأعظم أن هذا الإنسان المدرك فيما بعد، صاحب القوى والقدرات، والطاقات والانفعالات.. أصله من ماء مهين التقى فيه ماء الرجل مع ماء المرأة، فتولى الله خلقه وتكوينه عبر مراحل وأطوار، لا يعلم بها أقرب الناس إليها - إلا بعد تحركها ونفخ الروح فيها فتبارك الله أحسن الخالقين.
هذه النطفة يعلم الله بدءها وهو الذي يصورها ويعلم ما ستكون إليه، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [ال عمران:6].
ولا يقف علمه -سبحانه- بكونها ذكراً أو أنثى، بل يعلم قدرها وأجلها وفقرها وغناها، وشقاها وسعادتها، وحيث أطلق علم الله فيها بقوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام) [لقمان:34].
فهو شامل لكل ما يتعلق بهذه النطفة منذ بدء تكوينها إلى نهاية حياتها، وإلى أن تنتهي إلى المصير المقدر لها في الجنة أو في النار، وهذا ما يقف البشر عاجزين عن معرفته مهما تقدمت بهم وسائل المعرفة، إذ هو من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله وهذه النطفة بما فيها من أسرار وإعجاز، وكثرة وانتشار في الأمم الخالية واللاحقة هينة على الله في خلقها وفي بعثها وكأنه لم يخلق إلا نفساً واحدة: (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [لقمان:28].
وفي ذلك رد على المنكرين للبعث، الذين جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله خلقناً أطواراً، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً، ثم تقول: إنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة، فأنزل الله هذه الآية، والله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد، بل يقول للقليل والكثير كن فيكون.
عجباً لك يا ابن آدم إذا اشتد عودك، وكملت قواك، نسيت الذي خلقك من ضعف، وبدأت تجادل وتخاصم ناسياً أو متناسباً أصل خلقتك، وسر العظمة في بداية تكوينك، (أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يّس: 77-79].
وعجباً لك يا ابن آدم، (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار:8]. ، ثم أنت بعد تكذب أو تشك في يوم الدين، وإن لم تقل هذا بلسانك، فلسان حالك يشهد بإضاعتك للواجبات وارتكابك لكثير من المحرمات وقد لا تشعر بخطئك، وقليلاً ما تستغفر ربك، فأين ما يستلزمه الإيمان بالدين من خالص المحبة لله والتوكل عليه، والخوف منه، والرغبة إليه.
أيها المسلمون: الإيمان بعظمة الخالق وقدرته من خلال بدء الخلق وتصوير الأجنة ينبغي أن يقود لمزيد الإيمان بالبعث والجزاء، وكثيراً ما تأتي آيات الخلق وانتشار الأحياء في الحياة الدنيا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج:5-7].
بل يقرر الله أن إعادة الخلق للبعث أهون عليه من بدئه - وله المثل الأعلى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الروم:27].
عباد الله: في هذا الحديث الذي بين أيدينا إخبار صادق بتقدير الرزق وتحديد الأجل لابن آدم وهو بعد في بطن أمه، فعلام الجشع في طلب الرزق إلى حد يتجاوز المرء الحلال إلى الحرام؟ أو إلى درجة يشغله هذا الرزق المضمون عن المصير المحمود في الجنان وهو غير مضمون.
ولماذا التخوف على الحياة إلى درجة يخشى الناس فيها أكثر من خشية الله، ولربما قال الإنسان باطلاً أو كنتم حقاً، تخوفاً أو تحسباً أو توهماً من الشيطان والله يقول: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ال عمران:175]، ويقول في آية أخرى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].
يا عبد الله: لا يعني ذلك بحال ترك فعل الأسباب المأمور بها شرعاً ولا التقحم في المهلكات والمنهيات، ولكن اليقين والتوكل، والصدق مع الله، والإيمان بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، بهذا جفت الأقلام وطويت الصحف وجرى قدر الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ) [الواقعة:58-62].
الخطبة الثانية
الحمد لله الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى وهو العزيز الحكيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه وآله، ورضي عن أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
إخوة الإيمان: لا ينتهي الإعجاز الإلهي في خلق النطفة وتكوينها وتسويتها، بل تتكاثر هذه النطفة حتى ينشأ عنها الأنساب والأصهار، فهو في بداية أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهراً، ثم يصير له أصهار وإخوان وقرابات وكل ذلك من ماء مهين، ودليل على قدرة رب العالمين، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان:54].
وسر آخر: أن هذه النطفة التي لا تكاد ترى بالعين المجردة حين استقرارها في الرحم تحمل معها مواصفات وموروثات الجنين بعد.
أما السر الثالث: فهو أن هذا الجنين يعيش ويتشكل في ظلمات ثلاثة: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة؛ كما قال تعالى: (يخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [الزمر:6].
والله تعالى وحده يتولى رعايتها، ويهيء لها غذاءها، والظروف المناسبة لنموها، ثم بقدرته بعد يتولى إخراجها بعد اكتمال قواها وقدرتها على العيش خارج هذا الجو الذي ألفته.. فتبارك الله الخالق، ونعم القادر المقدر، (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات:23].
إخوة الإسلام: في نهاية الحديث لفتة ووقفة عند حسن الخاتمة أو سوئها، والثبات على الحق إلى الممات أو الزيغ عنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور، والضلالة بعد الهدى، فوالله إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
قال ابن أبي حمزة -يرحمه الله-: هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ماهم فيه من حسن الحال؛ لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم. ترى من منا تخيفه نهاية هذا الحديث فيظل دائباً في عمل الصالحات خائفاً من الزيغ قبل الممات.. سائلاً ربه دائماً حسن الختام، والخوف والمصيبة حين يقل عملنا ويقل خوفنا، وحين ندعو "اللهم أحسن خاتمتنا"؛ فهل ترانا نستحضر، ما جاء في نهاية هذا الحديث؟
وما أحرانا أن نتأمل ما جاء في الرواية الأخرى من حديث أنس عند أحمد وصححه ابن حبان بلفظ "لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً.."الحديث.
إخوة الإيمان: في الحديث تذكير وتأكيد على الإيمان بالقضاء والقدر وهو أحد الأركان الستة للإيمان فلا يتم إيمان العبد إلا به، وهو التسليم والرضا لأقدار الله على العبد، وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعاً: "إن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه".
وكيف يجزع المرء ويتسخط من شيء قد كتبه الله عليه سلفاً وهو في بطن أمه، ولكن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتعارض مع فعل الأسباب المشروعة ولا ينبغي أن يقعد بالإنسان عن العمل. فهذه كذلك من أقدار الله والعبد مأمور بفعلها، ولهذا فحين سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل مع تقدم القدر أجابهم بقوله: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" فقد أخرج البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكت به في الأرض فنكس وقال: "ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة"، فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: "لا، اعملوا فكل ميسر"، ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) [الليل:5].
وفي هذا الحديث وأمثاله رد على شبه القدرية الذين يتعلقون بالقدر ويتركون العمل، أو الجبرية الذين يقولون إن الإنسان مجبر على ما يقوم به ولا خيار له ولا مشيئة، ومذهب أهل السنة والجماعة أ، كل ما تحدث في الوجود بقضاء الله وقدره، ولكنهم يثبتون للعبد مشيئة وإرادة بها يتجه للخير أو للشر، ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله كما قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه) [الانسان:30].
وخلاصة هذه النظرة عبر عنها العلماء بقولهم: "إن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ".