العربية
المؤلف | حسين بن علي بن محفوظ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إخوة الإسلام: ونحن إذ نعيشُ هذه الأيامُ في جوِّ الأعراسِ، وتكوينِ الأسرِ، وبناء المجتمع، ينبغي علينا ونحن في فرحِنا وسرورِنا: أن نضبطَ ذلك بما لا يخالفُ شرع الله، وأن نبتعدَ عن سخطِ الله وعذابه وعقابه، وأن تكونَ تلك الأعراسِ خاليةً من المنكرات والمخالفات الشرعية. وإن مما انتشر هذه الأيامُ، وعمت به البلوى: إطلاقُ...
الخطبة الأولى:
الوصية بالتقوى.
معشر المؤمنين: يقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 51- 52].
ويقول جل ذكره: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
هذه الآيات من سورةِ النورِ والأحزابِ يتحدث الله فيهما عن وجوب طاعتِه، وأن المؤمن إذا جاءه أمرُ اللهِ ورسوله لا يترددُ في المبادرةِ إلى تنفيذه، يقول العلامة المفسر السعدي: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) حقيقةً، الذين صدَّقوا إيمانَهم بأعمالِهم، حين يُدَعون إلى الله ورسوله ليحكمَ بينهم، سواءً وافق أهواءَهم أو خالفها: (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي: سمعنا حكمَ اللهِ ورسولِه، وأجَبْنا من دعانا إليه، وأطعْنا طاعةً تامة سالمةً من الحرج.
(وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصر الفلاحَ فيهم؛ لأن الفلاح؛ الفوزُ بالمطلوب، والنجاةُ من المكروه، ولا يُفلحُ إلا من حكَّم الله ورسولَه، وأطاعَ الله ورسوله".
ثم قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمره ونهاه، ويسلِّم لحكمِهما له وعليه، ويخَفْ عاقبةَ معصيةِ الله ويحذرْه، ويتقِ عذابَ الله بطاعتِه إياه في أمره ونهيه، قال عبد الله بن عباس -رضي اللّه عنهما-: فيما "ساءه وسره ويخشى اللّهَ على ما عمل من الذنوب: (فأولئك) يقول: فالذين يفعلون ذلك: (هُمُ الْفَائِزُونَ) برضا الله عنهم يَوم القيامة، وأمنهم من عذابه.
أما آية الأحزابِ، فسببُ نزولِها: أن زينبَ بنتَ جحشٍ الهاشميةَ القرشيةَ: أبت الزواجَ من زيدِ بن حارثة مولى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد خطبها له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله الآية التي سمعتم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) فقالت: إذًا لا أعصي رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، قد أنكحتُه نفسي، يقول الحافظ ابن كثير: "فهذه الآيةُ عامةٌ في جميعِ الأمور، وذلك أنه إذا حكَمَ اللهُ ورسولُه بشيء، فليس لأحدٍ مخالفتَه ولا اختيارَ لأحدٍ هاهنا، ولا رأيَ ولا قول".
إخوة الإسلام والإيمان: ونحن إذ نعيشُ هذه الأيامُ في جوِّ الأعراسِ، وتكوينِ الأسرِ، وبناء المجتمع، ينبغي علينا ونحن في فرحِنا وسرورِنا: أن نضبطَ ذلك بما لا يخالفُ شرع الله، وأن نبتعدَ عن سخطِ الله وعذابه وعقابه، وأن تكونَ تلك الأعراسِ خاليةً من المنكرات والمخالفات الشرعية.
وإن مما انتشر هذه الأيامُ وعمت به البلوى: إطلاقُ الرصاصِ سواءٌ بعد العقودِ أو في أي وقت آخر، فهذه الظاهرةُ انتشرت بشكلٍ كبيرٍ في مختلف الأوساطِ انتشاراً خطيراً، والأشدُ خطورةً هو التصاعدُ الكبيرُ في انتشارها، والمسئوليةُ هذه الأيامُ على المجتمعِ كله، وأكبرُ مسؤوليةٍ على أصحابِ المناسبةِ والزواجِ الذين يُفترضُ أن يكونَ لهم دورٌ في ذلك، سواءٌ في التنبيهِ على المدعوين بعدم إطلاقِ النار، أو في الإرشادِ على مَن يخالفُ التعليماتِ ومنعِه.
وأصحابُ المناسبةِ يُدركون صعوبةَ الموقفِ فيما لو حدث إطلاقُ نار، وفيما لو أسفرَ ذلك عن قتلٍ أو جَرحٍ؛ حيث ينقلبُ الزواجُ إلى مأتم، وتنقلبُ الفرحةُ إلى حزن كبير.
وقد أفتى العلماءُ بأن ذلك لا يجوز للأسباب التالية:
- ما فيه مِن تخويفٍ وأذىً للمسلمين، فقد حدث كثيراً أن بعض هذه الطلقات أصابت بعضَ الناس عن طريق الخطأ؛ فأدت إلى وفاتهم أو جَرحِهم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن حملِ السلاح مكشوفاً خشيةَ أن يؤذيَ المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارةِ بالسلاح إلى المسلمِ خشيةَ أن تزِلَّ يدُه بنَزْغٍ من الشيطانِ الرجيم، فكيف بمن يستعملُ السلاحَ فعلاً ويتسببُ بأذى المسلمين؟! قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ" [متفق عليه].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ" [رواه مسلم].
- أنه إتلافٌ للمالِ بلا فائدة، وهذا تبذيرٌ وإسرافٌ نهى الله -تعالى- عنه بقوله: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 27].
العتادُ الذي يُستهلكُ إنما صُنع للدفاعِ عن الدين والوطن والمسلمين، فلا يجوزُ استعمالُه بهذه الطريقةِ العبثيةِ البعيدةِ عما صُنع هذا السلاحُ من أجله، واستعمالُ النعمةِ في غيرِ ما خُلقت له هو من كفرانِ النعمة.
- ثم إنه من قتل إنساناً في الأعراسِ أو الحفلات بواسطةِ الأسلحةِ الناريةِ، فهو قتلٌ شبهُ عَمْد؛ لأنه بحملِه هذا السلاحِ يعرفُ خطورتَه على من حوله من الناس، وأنه قد يقتل إنساناً.
الخطبة الثانية:
عباد الله: ومن المنكرات والعادات الجاهلية التي بدأت تعودُ مرةً أخرى: دخولُ العروسُ المتزوجُ على النساء؛ ليلبس زوجته الخاتم، وهذا منكرٌ عظيم، أن يكن النساء في كامل زينتِهن، ويدخلُ عليهن هذا المتزوجُ من غير حياءٍ ولا مروءةٍ ولا شهامة، ويأبى الإنسانُ أن يسميَ هذا الشخصَ رجلاً؛ لأنه لو كان رجلاً لما دخل على النساء، وإن كان يُطلبُ منهن أن يتحجبن، لكنهن متزينات متعطرات والزينة لا تختفي عنهن.
ثم إن الدخول على النساء بهذا الشكلِ المشينِ لا يفعله إلا قليلو الغيرة.
وتلبيس العروسة الخاتم من عادات النصارى، يقول المحدث الإمام الألباني -رحمه الله- قال: "ويرجع ذلك إلى عادة قديمة يضعُ الرجلُ العروس الخاتَمَ على رأس إبهام العروسةِ المرأةِ، ويقول: باسم الرب، ثم يضعُه على رأس السبابة، ويقول: باسم الابن، يعنون بالأب الله، وبالابن عيسى -تعالى الله عن قولهم-، ثم يضعُه على رأس الوسطى، ويقول باسم روح القدس، وعندما يقول: آمين يضعه في البنصر حيث يستقر.
أيها المسلم: إذا كانت هذه العادة متلقاةٌ من النصارى فكيف ترضى لنفسك بصفتِك مسلمًا أن تقلدهم فيها، وتتشبه بهم، وقد علمتَ أن نبيك -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن تشبه بقوم فهو منهم"؟!
فاتقوا الله -عباد الله- وإياكم أن تفتتحوا أفراحَكم وأعراسكم بما يُذهب بركتَها، ويعكِّرُ صفوَها من الحرام والمعاصي.
وحذارِ حذارِ من الرجوعِ إلى العادات الجاهلية، والتشبهِ بأعداء الله الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم.