الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يدعي بعض المتقولين أن في القرآن آيات من أقوال الصحابة، ممثلين لذلك
* بقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]
* وقوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]
زاعمين أن الآية الأولى من قول أبي بكر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الآية الثانية من قول عمر - رضي الله عنه - ويتساءلون: كيف يكون للقرآن مصداقية عند المسلمين، وفيه مثل هذا التدخل والتحريف والوضع البشري؟! ويرمون من وراء ذلك إلى تشكيك المسلمين فيما بين أيديهم من الكتاب؛ بغية هز ثقتهم في تشريعاته وأحكامه وأوامره ونواهيه.
وجها إبطال الشبهة:
1) نزول الآية الأولى بعد غزوة أحد - أي قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببضع سنوات - يثبت قرآنيتها، وما كان من أبي بكر - رضي الله عنه - إلا أن ذكر الصحابة بها؛ ليثبتوا عند مصابهم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) الآية الثانية نزلت حينما تمنى عمر - رضي الله عنه - أن يتخذ المسلمون من مقام إبراهيم - عليه السلام - قبلة، فنزلت الآية تأمر بذلك؛ تحقيقا لما تمنى الفاروق الملهم، وهي إحدى فضائله المعروفة عنه، وليست الآية بنصها الذي وردت به في القرآن من كلامه - رضي الله عنه - حسبما ادعى بعضهم؛ فثمة فرق بين أسلوب التمني (كلمته)، وأسلوب الأمر في الآية.
* فقد نزل قوله سبحانه وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144)) [آل عمران]
بعد غزوة أحد، أي: قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببضع سنوات تقريبا، وهذا مما يثبت قرآنيتها، وما كان من أبي بكر إلا أن ذكر الصحابة بها.
وقد نزلت الآية في عتاب الصحابة بعد غزوة أحد؛ وذاك أن المسلمين لما أصيبوا في أحد، وأشيع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قتل، اختل نظام الجيش، وفر كثير من المسلمين، وقال بعضهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي؛ فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وبعضهم جلسوا وألقوا ما بأيديهم من السلاح، وقال أناس من أهل النفاق: إن كان محمد قد قتل، فالحقوا بدينكم الأول، فقال أنس بن النضر - عم أنس بن مالك -: "يا قوم: إن كان محمد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم ألقى بنفسه في القتال، حتى لقي ربه شهيدا،
* فأنزل الله هذه الآية: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]
؛ ليبين لهم خطأهم في تصرفهم، حينما ظنوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قتل، وليوضح لهم أن النبوة لا تقتضي الخلود، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كغيره من الأنبياء، يجوز عليه ما جاز عليهم من الموت والفناء،
* قال سبحانه وتعالى: (كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27)) [الرحمن.]
* ويبدو أنه قد التبس على هؤلاء الأمر، بما جرى بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أنكر عمر في سورة الغضب وغمرة الحزن موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل توعد من يقول ذلك بضرب عنقه، وغفل عن هذه الآية، شأنه في ذلك شأن كل البشر - في مثل تلك النوازل - يجري عليه قانون الغفلة والنسيان، فلما أن جاء الصديق - رضي الله عنه - ودخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبله، وقال: «طبت حيا وميتا. ثم قال: "على رسلك يا عمر"، ثم حمد الله وأثنى عليه، وقال: "أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، ثم تلا الآية: (وما محمد إلا رسول) عندئذ قال عمر: "فوالله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات» [ [2] [3].]
إذ قد تحقق ما غاب عنه من أن موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حق لا شك فيه.
وليس صحيحا ما استشهد به هؤلاء على نسبة الآية لأبي بكر - رضي الله عنه - بدليل موقف عمر بن الخطاب عنه سالف الذكر؛ إذ قول عمر - رضي الله عنه - في هذه الرواية: "وما إن سمعت أبا بكر تلاها" إنما يثبت قرآنيتها، والتلاوة إنما تكون - في مفهوم الصحابة - قراءة القرآن حسبما اتفق عرفا واصطلاحا في مجتمع المسلمين، وقد نزلت هذه الآية قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببضع سنوات، والمسلمون جميعا - ومنهم أبو بكر وعمر - يحفظونها ويعرفونها. غير أن عمر ذهل عنها؛ لهول الحادث وشدة صدمته وتصدع قلبه بموت رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم.
ويزيد ما سبق تأكيدا قول الراوي: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر، فأخذها الناس من أبي بكر. والآية - كما هو واضح - ليس فيها ما يدل أو يشير مجرد إشارة إلى أنها من كلام أبي بكر، بل هي تحمل في طيها أدلة كونها من كتاب الله، وهذا ما يؤمن به الصحابة ( [4])، بمقتضى نزولها عليه - صلى الله عليه وسلم - في حياته، شأنها في ذلك شأن
* قوله سبحانه وتعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون (30)) [الزمر.]
ثانيا. ثمة فرق بين الآية المنسوبة لعمر - رضي الله عنه - وبين صيغة التمني التي قالها:
فقد حدث أن تمنى عمر - رضي الله عنه - أن يتخذ المسلمون قبلة من مقام إبراهيم - عليه السلام - فنزلت الآية تأمر به،
* قال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]
وكان هذا من جملة ما ألهم به عمر - رضي الله عنه - من الأشياء التي وافقه فيها القرآن، ولا تعني موافقة القرآن عمر - رضي الله عنه - في أشياء رآها أو اجتهد فيه أنها من كلامه - رضي الله عنه - فهل كل ما حكي على لسان أحد من البشر في القرآن الكريم يعد من قوله؟ بالطبع لا؛ بدليل أن الله - عز وجل - قد حكى كلاما في القرآن، على لسان الكفار والمشركين، ومن ذلك: قول الله - عز وجل - حكاية عن فرعون:
* (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90)) [يونس.]
فهل تصح نسبة هذه الآية لفرعون؟! أم تنسب لجملة القرآن - على أنها من كلام الله - عز وجل - أو الذي قاله لينقل لنا موقفه؟!
ولما أمسك الوليد بن المغيرة، بعظمة بالية، ثم فركها، ونشرها في الهواء، وقال كيف يحيى هذه الله بعد موتها؟ ونقل لنا الله هذا
* في قوله: (قال من يحيي العظام وهي رميم (78)) [يس،]
فهل نقل كتبة الوحي هذا القرآن عن الوليد بن المغيرة، أو هو من قول الله عز وجل؟!وكذا قول الله - عز وجل - مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم:
* وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: 37]
إلى آخر هذه الأمثلة. وكلها داخل تحت إطار السياق القرآني، متصل النسبة بالله عز وجل.
قريب الشبه من هذا - ولله المثل الأعلى - أن يورد الشاعر العربي في قصيدته نص كلام لغيره في بيت أو بيتين من قصيدته، ولا يقتضي هذا أن تنسب تلك الأبيات - أو القصيدة كلها - لغير شاعرها الذي وظف القول المحكي في سياقه الشعري؛ فأبو ذؤيب الهذلي مثلا عندما يحكي قول زوجته " أميمة " في عينيته الشهيرة قائلا:
قالت أميمة مــا لـجسمك شـاحبـا
منذ ابتذلت، ومثل مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا
إلا أقض عليك ذاك المضجع
لا يتسنى لعاقل أن ينسب القصيدة لأميمة - لمجرد أن الشاعر حكى قولها في قصيدته ـ؛ بل ما تزال عينية أبي ذؤيب لا عينية أميمة، وهذه كتلك، ولله المثل الأعلى.
نعود فنقول: إن عمر - رضي الله عنه - تمنى - فقط - أن تكون القبلة تجاه البيت الحرام؛ لما رآه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اتخاذ الكعبة قبلة للمسلمين بدلا من بيت المقدس خاصة بعد أن تكلم أهل الكتاب عن صلاة المسلمين تجاهه؛ حيث قالوا: "اتبع محمد قبلتنا، وعما قليل ليتبعن ملتنا ".
نخلص من هذا إلى أن ما كان من قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن هو إلا أمنية تمناها؛ ذلك أن قلبه كان معلقا بالبيت الحرام حتى قبل إسلامه، فيحكي عنه أنه قال: لقد كنت عندما يلم بي التعب، أدور حول البيت - الكعبة - حتى أتم السبعة، فيذهب ما بي من تعب، هذا هو عمر - رضي الله عنه - وعلاقته بالكعبة قبل إسلامه، فما أعظم هذه العلاقة بعد إسلامه التي تجعله معلقا بالبيت الحرام يتمنى لو كانت القبلة نحوه.
وهل يزعم صاحب هذه الفرية أن قوله - سبحانه وتعالى - في الآية "اتخذوا" بصيغة الأمر هكذا هو من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ فكيف يتأتى لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أو لأي شخص مهما بلغت مكانته ومهما علا قدره أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتشريع لم يشرعه الله؛ فينفذ النبي أمره؟!
ومن نافلة القول أن نبين الفرق بين كلمة عمر - رضي الله عنه - في تمنيه الذي هو سبب النزول، وبين نسج الآية النازلة بذلك السبب، وجلي أن الفعل في الآية إنما جاء بصيغة الأمر، ولم يقرن بلفظ "لو". أما تمني عمر - رضي الله عنه - فجاء الفعل فيه بصيغة الماضي، وقرن بلفظ "لو" على أن من اعتبر تحقيق القرآن أمنية عمر - رضي الله عنه - من كلام عمر - رضي الله عنه - فقد أغفل ما بينهما من البعد الشاسع والبون البعيد( [5]).
* • نزل قوله سبحانه وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144)) [آل عمران]
بعد غزوة أحد، وقبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببضع سنين تقريبا، وما كان من أبي بكر إلا أن ذكر الصحابة بها في موقف موت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يرجعهم إلى صوابهم.
• لقد تمنى عمر - رضي الله عنه - أن تتحول القبلة للبيت الحرام لأسباب معلومة؛ فعبر بأسلوب التمني المقرون بلفظ "لو"، وفرق بين التمني في كلمة عمر - رضي الله عنه - والأمر في الآية الكريمة.
• ليس معنى أن يحكي القرآن قول أحد من الأنبياء أو حتى من المشركين أن ينسب القرآن لهم، وقريب من هذا ما يحكيه أحد الشعراء - ولله المثل الأعلى - من كلام غيره في شعره، ولا تزال القصيدة وثيقة الصلة بشاعرها الذي وظف القول المحكي في نسيجه الشعري، ولله المثل الأعلى.
• لقد جانب هؤلاء الصواب حين خلطوا وأولوا في موقف عمر - رضي الله عنه - عقب وفاة النبي متخذين من ذلك دليلا على صحة نسبة الآية لأبي بكر - رضي الله عنه - إذ قول عمر رضي الله عنه: «وما إن سمعت أبا بكر تلاها»( [6]) يثبت قرآنيتها، فالتلاوة - كما اصطلح المسلمون - تنصرف في ذهن الصحابة إلى قراءة القرآن، وهنا يقف دور أبي بكر - رضي الله عنه - عند التذكير بها مجرد تذكير.