المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يدعي بعض المتوهمين أن النسخ وقع في خمسمائة وخمسين آية من القرآن الكريم، واستدلوا على ذلك بما جاء في كتاب "تاريخ القرآن" للأنباري، ويتساءلون: أين عقول المسلمين حين أغفلوا ما نسخ، وجهلوا ما اقتضاه هذا النسخ من أحكام قصر عنها القرآن الذي بين أيديهم الآن؟ ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في مصداقية القرآن الكريم، وصلاحية نصوصه، وسلامة أحكامه، وتمام آياته، وثبوت ناسخه ومنسوخه.
1) ليس النسخ في حد ذاته تهمة نسارع إلى دفعها، لكننا نرفض أن يوصف به من كتاب الله مالم يقع فيه، كهذه الآيات التي ادعوا أنها منسوخة، وليست طبقا لما عرف عند علماء الأصول والفقه،بل ادعوا ذلك عن محض جهلهم، وفي غمرة تقولاتهم، وكثيرة ما هي.
2) إن ما توهمه المدعون من نسخ ستمائة آية أو ما يناهزها - ليس من قبيل النسخ الذي هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه، فهذا النوع قليل في القرآن، بل هو من قبيل النسخ بمعناه العام، وهو ما يطرأ على النص من تخصيص أو تقييد أو تدرج، وجميعها معروفة عند الصحابة، ولم يقل أحدهم بما قال به هؤلاء، فكيف يتقول المتأخرون بما سكت عنه الأولون الثقات؟!
اتفق جمهور العلماء على جواز النسخ - ولا عبرة بمن شذ عن الإجماع - عقلا وشرعا لأدلة، منها:
• أن أفعال الله لا تعلل بالأغراض، فله أن يأمر بالشيء في وقت وبنسخه عنه في وقت، وهو أعلم بمصالح العباد.
• أن نصوص الكتاب والسنة دالة على جواز النسخ ووقوعه،
* مثل قوله سبحانه وتعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101)) [النحل،]
* وقوله سبحانه وتعالى: ۞ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106]
وقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال:
«قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله عز وجل: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106)) (البقرة)»
( [1]) ( [2])
واستنادا إلى ما سبق، فنحن لا ننكر وقوع النسخ في القرآن، بل نثبت وقوعه كما أثبته جمهور علماء المسلمين، بيد أننا لا نفرط لإثباته فندخل ما ليس منه فيه، ولذلك نقول: إن الآيات المنسوخة قليلة جدا في القرآن؛ إذ لا تتجاوز عشرين آية، أما من ظن أن النسخ أكثر من ذلك فهو يتكلم عن النسخ العام عند الصحابة، والذي يشمل التخصيص والتقييد والتفصيل، والآيات التي ظنوا أنها منسوخة ليست كذلك، وهذا ينم عن فهم خاطئ.
وجمهور الفقهاء وعلماء الأصول يقرونه بلا حرج، وقد خصصوا للنسخ فصولا مسهبة في مؤلفاتهم في أصول الفقه، وقل من لم يذكره منهم، قدماء ومحدثين، والذي ننكره أن يكون وجود النسخ في القرآن عيبا أو قدحا في كونه كتابا منزلا من عند الله،
* (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (27)) [ص.]
وقد حصر السيوطي عدد الآيات التي وقع فيها النسخ - في كتابه الإتقان في علوم القرآن - في عشرين آية، كما ذكر د. مصطفى زيد في كتابه "النسخ في القرآن" أن عدد الآيات التي وقع فيها النسخ خمس آيات، وليس ذلك من باب التضارب، بل هو من قبيل اختلاف وجهات النظر؛ حيث يرى بعضهم أنه يمكن الجمع بين الآيات التي ظن الآخرون أنه لا يمكن الجمع بينها بوجه، فلم يعد منها ناسخا ومنسوخا، أما الآخرون فقد رأوا أنه لا يمكن الجمع بين الآيات بوجه من الوجوه، فجعلوها ناسخا ومنسوخا.
وقد استدل مثيرو الشبهة بعدد الآيات التي ذكرها الشيخ إبراهيم الأنباري في الآيات المنسوخة في كتابه "تاريخ القرآن"، ونحن نرى أن السبب في هذا الاختلاف في التعبير عن المصطلحات عن المراد من الشيخ إبراهيم - هو الخلط بين النسخ بمعناه العام عند الصحابة الكرام، والشامل لكل ما يطرأ على ظاهر النص من تخصيص أو تقييد أو تخفيف أو تفصيل أو تدرج، وبين النسخ بمعناه الخاص عند المتأخرين الذي يعني رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه.
لا نسخ بالمعنى الخاص في الآيات التي زعموا أنها منسوخة( [3]):
نحن إن كنا قد سلمنا بوقوع النسخ، فلا نفرط لإثباته فندخل ما ليس منه فيه، كهؤلاء الذين يخلطون بين النسخ بمعناه الخاص، الذي هو رفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر عنه، وبين النسخ بمعناه العام الذي يدخل فيه تخصيص العام، وتقييد المطلق، والتدرج في الأحكام.
ومن ثم نورد بعض الآيات التي ليس فيها نسخ بالمعنى الخاص، وقد عدوها منه، فنقول:
1. يزعمون أن
* قوله عز وجل: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29)) [التوبة]
* ناسخ لقوله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 109]
ونرد على هؤلاء ما زعموه فنقول: إن سبب نزول
* قوله سبحانه وتعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29)) [التوبة]
هو نقض اليهود العهود التي أبرموها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتآمرهم مع أعداء الإسلام للقضاء عليه في المدينة، فأصبح وجودهم خطرا على أمن الإسلام واستقراره، فأمر الله المسلمين بقتالهم، حتى يعطوا الجزية ( [4]) عن يد وهم صاغرون، ومن ثم فإن الآية لم تأمر بقتال اليهود لإدخالهم في الإسلام، ولو كان الأمر كذلك، ما جعل الله إعطاءهم الجزية سببا في الكف عن قتالهم إياهم، ولاستمر الأمر بقتالهم سواء أعطوا الجزية أم لم يعطوها، حتى يسلموا أو يقتلوا، وهذا غير وارد، ولم يثبت في تاريخ الإسلام أنه قاتل غير المسلمين لإجبارهم على اعتناق الإسلام( [5]).
أما آية العفو فمبدأ عام ودائم إلى يوم القيامة، والمعروف عند علماء الأصول والفقهاء أن الخاص لا ينسخ العام، فالآية محكمة غير منسوخة، وآية التوبة تتحدث عن موضوع خاص، هي مقصورة عليه، أو ما جاء على شاكلته، ولا تتعداه إلى غيره.
2. وأما ما زعموه من أن
* قوله عز وجل: اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [التوبة: 9]
* ناسخ لقوله عز وجل: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190]
، فهذا زعم لا يصل إلى مدعاه، فالآية الأولى خاصة باليهود لخيانتهم، ومن سار على ضربهم إلى يوم القيامة، ولكن آية البقرة تأمر بقتال من يقاتلنا، بشرط عدم الاعتداء، حتى على من قاتلنا لا نعتدي، وإلا تعدينا من مدافعين عن أنفسنا إلى معتدين، والاعتداء ظلم.
ونزل القرآن عندما كان يعيش الإنسان في ظل قانون القبيلة، متخلفا في عقله وسلوكه، وكان ديدنه استخدام القوة في تحقيق مآربه، شأنه في ذلك شأن الحيوانات، ولما تطورت الحضارة البشرية، واكتسب عقل الإنسان النضج، تخلى عن فكرة استخدام القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي، وأول شريعة عالمية أمرت بذلك هي الشريعة الإسلامية، وأقرت مبدأ عالميا في قوله سبحانه وتعالى:
* الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]
وبعد أكثر من أربعة عشر قرنا من ميثاق الله - سبحانه وتعالى - أتى ميثاق الأمم المتحدة ليقر هذا المبدأ، وعلى الرغم من ذلك، فإنه حتى الآن لم يصل إلى وضع يضاهي ما جاء به القرآن الكريم، من أن رد الاعتداء يجب أن يكون بقدر الاعتداء حجما وبعدا، وإلا انقلب المدافع إلى معتد؛ لأن الحرب شرعت للضرورة، والضرورات تقدر بقدرها( [6]).
3. وزعموا أن
* قوله عز وجل: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين (36)) [التوبة]
* ناسخ لقوله عز وجل: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 20]
، فقد جانبه الصواب؛ لأنه من المعلوم عند العلماء - أن النسخ لا يكون إلا في آيتين إحداهما تقضي بخلاف الأخرى، وعلى هذا فزعمهم مردود عليهم من غير أن نجهد أنفسنا في رده، إذ إن كل آية من الآيتين لها موضوعها الخاص بها.
* وقول الله سبحانه وتعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 20]
يدعو إلى السلام عملا وتطبيقا، وإن كان لا يدعو به أمرا أو قولا؛ لأن الله أمر رسوله - سبحانه وتعالى - أن يعرض عن رافضي الإيمان، إن هم اكتفوا بمجرد الرفض ولم يؤذوه، ولم يظاهروا عليه أحدا؛ لأن مبدأ الإسلام العام، والدستور الخالد في ذلك:
* لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]
وأما آية التوبة التي ذكروها وتوهموا أنها ناسخة، ففيها الأمر بقتال من يقاتلنا:
* إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 36]
وكلمة (كما) تفيد المثلية، والمعنى: قاتلوا المشركين واجتمعوا على قتالهم، مثلما يقاتلونكم وهم مجتمعون، وهذا حكم خاص، والخاص لا ينسخ العام كما عرفنا.
4. إن الذين يزعمون أن آية السيف:
* (وقاتلوا المشركين كافة) [التوبة]
* ناسخة لقوله عز وجل: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46)) [الأحزاب،]
يبينون عن كرههم الدفين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، إذ إنها نزلت في الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنزلته، ووصفه بالمكارم الفاضلة.
ولكن الحقد حملهم على القول بالنسخ، مع أنهما لا يقبلان النسخ؛ لأنهما خبريتان، والأخبار لا تنسخ، ولكن هؤلاء المدعين لا ضوابط عندهم عندما يتحدثون عن الإسلام؛ لأنهم لا يتحدثون عنه إلا ابتغاء الفتنة، ومع كثرة بحثهم، إلا أن الله أعماهم عن أوضح الآيات الداعية للسلام، في أول سورة من سور القرآن بعد الفاتحة؛
* حيث يقول الله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61)) [الأنفال.]
5. وكذلك ادعى قوم النسخ
* بين قوله عز وجل: ۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219]
* وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]
والآيتان لا ناسخ ولا منسوخ فيهما، بل إن في الآية الثانية توكيدا لما في الآية الأولى، فقد جاء في الآية الأولى:
* ۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219]
، ثم أكدت الآية الثانية هذا المعنى:
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]
فأين النسخ إذن؟
إنه تدرج القرآن في تحريم الأشياء التي كان لها قيمة في حياة الناس قبل الإسلام، ومن هنا تدرج في تضئيل دورها في حياة الناس الاقتصادية، وسد منافذ رواجها، وتنبه الناس إلى أن تحريمها آت لا محالة، وأخذوا يتحولون إلى منافذ وأنشطة اقتصادية أخرى، وجاء التحريم النهائي في سورة المائدة في
* قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]
بناء على ما سبق، فإن القوم المدعين خلطوا بين النسخ بمعناه الخاص به، وبين ما هو داخل في عموم النسخ كمصطلح عام، مثل: تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتدرج الأحكام التشريعية.
• النسخ بمعناه الخاص عند المحدثين "رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه" واقع في قليل من أي القرآن.
• من ظنوا أن الآيات المنسوخة، قاربت الستمائة آية - إنما يتحدثون عن النسخ بمعناه العام، الذي عرف عند الصحابة الكرام، وهو ما يطرأ على النص من تخصيص أو تقييد أو تدرج، غير أن سوء الفهم وخبث النوايا يؤديان إلى هذه المغالطات.
• نضيف إلى ذلك أن الآيات التي ادعوا أنها منسوخة ليست منسوخة طبقا لعلم الأصول والفقه، وإنما زعموا أنها منسوخة عن جهل وعناد، وغرضهم في ذلك التشكيك في صحة القرآن الكريم، وهو ما لم يبلغوه ولن يبلغوه.