الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | جمع القرآن - شبهات حول القرآن |
مضمونُ السؤال:
عن تدوينِ القرآنِ وجَمْعِهِ، هل تَمَّ كلُّ ذلك في عهدِ النبيِّ ﷺ، فإذا لم يحصُلْ، كان هذا دليلًا على إمكانيَّةِ وقوعِ التحريفِ فيه.
مختصَرُ الإجابة:
حَفِظَ اللهُ سبحانه كتابَهُ الكريمَ؛ وهذا هو الضمانُ الأوَّلُ والأقوَى، وعدَمُ جمعِ القرآنِ في مصحَفٍ واحدٍ في عهدِ النبيِّ كان لعدمِ اكتمالِهِ بعدُ آنَذاكَ.
وقد كُتِبَ القرآنُ الكريمُ ثلاثَ مرَّاتٍ:
مرَّةً: في حياةِ النبيِّ ﷺ في صُحُفٍ ورِقَاعٍ، مرتَّبةً آياتُهُ كما هي الآنَ، إلا أنه لم يكن في مُصحَفٍ واحدٍ؛ لأنه لم يكنِ اكتمَلَ بعدُ إلى قربِ وفاتِهِ ﷺ، ولم يكن المسلِمون يحتاجون لجمعِهِ والنبيُّ ﷺ بين ظَهْرَانَيْهِم، وكان الكثيرُ مِن الصحابةِ يَحفَظونه في صدورِهم.
وثانيةً: في عهدِ أبي بكرٍرضي الله عنه.
وثالثةً: في عهدِ عثمانَ رضي الله عنه.
وقد تَمَّ جمعُ القرآنِ الكريمِ في مصحَفٍ واحدٍ في عهدِ عثمانَ وَفْقَ منهجٍ علميٍّ محكَمٍ كان غايةً في الدِّقَّة، ووَفْقَ ضوابطَ بالغةِ الإتقانِ يلُفُّها الحِرْصُ مِن كلِّ جانبٍ؛ بحيثُ لم يَقبَلِ الصحابةُ غيرَ قطعيِّ الثبوتِ، ويأبى عليهم دِينُهم وعقلُهم أن يُثبِتوا ما ليس بقطعيّ. وكان مِن نتيجةِ ذلك الجُهْدِ العظيمِ: أن القرآنَ الذي نَقرَؤُهُ اليومَ هو القرآنُ نفسُهُ الذي نزَلَ على الرسولِ ﷺ، ولم يتغيَّرْ حرفٌ واحدٌ فيه؛ وذلك بشهادةِ الكثيرِ مِن أهلِ الغربِ أنفُسِهم مِن أصحابِ الدراساتِ الدينيَّةِ المقارِنة؛ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
لم يقَعْ تحريفٌ للقرآنِ الكريمِ بسبَبِ جمعِهِ، ولا يُمكِنُ أن يقَعَ ذلك؛ والدليلُ على ذلك وجوهٌ، منها:
أوَّلًا: لقد حَفِظَ اللهُ القرآنَ لنبيِّهِ ﷺ، بطرُقٍ عديدةٍ، منها:
- حِفظُهُ في صدورِ كثيرٍ مِن الصحابةِ بعدَ تلقِّي النبيِّ ﷺ له على مَدَى ثلاثَ عَشْرةَ سنةً في مكَّةَ، وعشرِ سِنينَ في المدينة.
- وحِفظُهُ بتدوينِهِ مِن قِبَلِ كَتَبةِ الوحيِ فَوْرَ تلقِّي النبيِّ ﷺ إيَّاه.
- ثم بمعارَضةِ جِبرِيلَ القرآنَ عليه كلَّ عامٍ مرَّةً، ومعارَضتِهِ عامَ وفاتِهِ له ﷺ مرَّتَيْن.
وكتَبَتُهُ - وهم الصحابةُ - عدولٌ ثقاتٌ، ثبَتَتْ عدالتُهم بأدلَّةٍ كثيرةٍ، ولا يُمكِنُ تواطُؤُهم على الكذبِ أو الغلطِ في مِثلِ هذا الأمرِ الذي هو أعظمُ ما يُعنَوْنَ به؛ حفظًا وفهمًا، وتدارُسًا وعمَلًا ونَشْرًا.
وقد جُمِعَ القرآنُ كلُّه في حياةِ النبيِّ ﷺ في صُحُفٍ ورِقَاعٍ، مرتَّبًا كما هو الآنَ، إلا أنه لم يكُنْ في مُصحَفٍ واحدٍ.
وبهذا نستطيعُ أن نؤكِّدَ: أنه عندما تُوُفِّيَ ﷺ، كان كلُّ محفوظٍ مِن القرآنِ مكتوبًا، وكذلك كان كلُّ مكتوبٍ مِن القرآنِ محفوظًا؛ والدليلُ على ذلك: مُصحَفُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، الذي اعتمَدَ عليه عثمانُ رضيَ اللهُ عنه في توحيدِهِ المصاحفَ.
ثانيًا: لم يُجمَعِ القرآنُ كاملًا على عهدِ النبيِّ ﷺ في مُصحَفٍ واحدٍ؛ لأنه لم يكنِ اكتمَلَ بعدُ إلى قربِ وفاتِهِ ﷺ، ولم يكن المسلِمون يحتاجون لجمعِهِ والنبيُّ ﷺ بين ظَهْرَانَيْهِم، وكان الكثيرُ مِن الصحابةِ يَحفَظونه في صدورِهم.
ولهذا كان وجودُ النسخِ في حياةِ النبيِّ ﷺ أمرًا واردًا على بعضِ آياتِ القرآنِ؛ طالما أن الوحيَ لم ينقطِعْ بعدُ، فلو دُوِّنَ القرآنُ، ثم جاء النسخُ، لأدَّى ذلك إلى الاختلافِ في الدِّين.
كما أن اللهَ سبحانه أمَّن رسولَهُ ﷺ مِن النِّسْيانِ بقولِهِ:
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾
[الأعلى: ٦].
فحينَ تُوُفِّيَ المعصومُ مِن النِّسْيانِ ﷺ، وبَقِيَ القرآنُ في صدورِ غيرِ المعصومِين مِن النِّسْيان -: وقَعَ الخوفُ مِن نِسْيانِ الخَلْق، وخَشِيَ المسلِمون نَفَادَ الحَفَظةِ، خاصَّةً بعد مقتلِ سبعينَ مِن الحَفَظةِ في حروبِ الردَّة، والتي كانت مِن أهمِّ الأسبابِ التي دعَتْ إلى جمعِ القرآن؛ وذلك في عهدِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه.
أما عن سبَبِ الجمعِ للمرَّةِ الثانيةِ على عهدِ عُثْمانَ رضيَ اللهُ عنه، فهو اتِّساعُ بلادِ المسلِمين، وتفرُّقُ الصحابةِ فيها يدعُون إلى اللهِ، ويعلِّمون العِلمَ، ويُقرِئون القرآنَ، فلم يأمَنوا الفِتْنةَ على أهلِ الأمصارِ بعد اتِّساعِ رُقْعةِ الإسلام، وخاصَّةً بعد غزوِ أَرمِينيَّةَ وأَذْرَبِيجانَ عامَ خمسةٍ وعشرينَ مِن الهجرةِ النبويَّة، حين اجتمَعَ أهلُ الشامِ وأهلُ العراقِ، وكان كلٌّ منهم يَقرَأُ بقراءةٍ مختلِفةٍ، فتنازَعوا وخطَّأ بعضُهم بعضًا، وكفَّر بعضُهم بعضًا، وكادت أن تكونَ فِتْنةٌ عظيمةٌ، فكانت هذه الحادثةُ مِن أهمِّ الأسبابِ التي دفَعَتْ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه إلى جمعِ الناسِ على مصحفٍ واحدٍ، ونَسْخِهِ نُسَخًا للأمصارِ قاطِبةً.
ثالثًا: حِرصًا مِن الصحابةِ على سلامةِ القرآنِ، ولأنهم كانوا أحرَصَ الناسِ على الاحتياطِ للقرآنِ: لم يَقبَلِ الصحابةُ غيرَ قطعيِّ الثبوتِ، ويأبى عليهم دِينُهم وعقلُهم أن يُثبِتوا ما ليس بقطعيّ.
ولو تأمَّلْنا منهجَ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه في جمعِ القرآنِ، لوَجَدْنا مدى الدقَّةِ في اهتمامِ الصحابةِ بجمعِ القرآن؛ فقد اشترَطوا عدَّةَ ضوابطَ لقَبولِ النصِّ القرآنيِّ، منها:
- أن يكونَ مكتوبًا بين يدَيِ النبيِّ ﷺ.
- وأن يكون مما ثبَتَ عَرضُهُ على النبيِّ في العَرْضةِ الأخيرة.
ولهذا اختار أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ زيدَ بنَ ثابتٍ، رضيَ اللهُ عنهما، لمهمَّةِ جمعِ القرآن؛ لكونِهِ مِن حَفَظةِ القرآنِ في حياةِ النبيِّ ﷺ، وكان أيضًا مِن كَتَبةِ الوحيِ، وورَدَ أنه كان قد حضَرَ العَرْضةَ الأخيرةَ للقرآنِ الكريم.
وقد تَمَّ جمعُ القرآنِ وَفْقَ منهجٍ محكَمٍ منضبِطٍ بشروطِ التوثيقِ وقواعدِه، في عمليَّةِ الجمعِ الأُولى، على عهدِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه، وتَمَّ اتِّباعُ المنهجِ نفسِهِ مع إضافةِ بعضِ الشروطِ إليه، في عمليَّةِ الجمعِ الثانيةِ التي تمَّت في عهدِ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه. ومما يدُلُّ على حصانةِ منهجِ الصحابةِ؛ في تدوينِ القرآنِ وجمعِه، وسلامتِهِ مِن النقصِ: أن القرآنَ الذي نَقرَؤُهُ اليومَ هو ذاتُهُ الذي نزَلَ على النبيِّ ﷺ، ولم يتغيَّرْ حرفٌ واحدٌ فيه؛ وذلك بشهادةِ الكثيرِ مِن أهلِ الغربِ أنفُسِهم مِن أصحابِ الدراساتِ الدينيَّةِ المقارِنة؛ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وختامًا:
لا يُمكِنُ التشكيكُ في طُرُقِ جمعِ القرآنِ وتدوينِه؛ فقد كانت وَفْقَ أدقِّ ضوابطِ معاييرِ التوثيق؛ فالواجبُ - بعد ذلك - هو تأمُّلُ مقاصدِ القرآنِ ومعانيه، والنَّهَلُ مِن مَعِينِهِ الصافي في شتَّى العلوم.