المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | جمع القرآن - شبهات حول القرآن |
يزعم بعض المتقولين أن ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يكن يعتبر نسخة عثمان - رضي الله عنه - صحيحة، ولهذا رفض أن يسلمه نسخته ليحرقها، كما أنه أمر أهل العراق أن يحتفظوا بنسخهم ولا يسلموها لعمال عثمان - رضي الله عنه، وأنه حذف السورة الأولى (الفاتحة) والسورتين الأخيرتين (المعوذتين) من نسخته، بحجة أنها ليست من القرآن. ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في تواتر القرآن والطعن في سلامة تلاوته وتمام سوره.
1) رفض ابن مسعود أن يسلم نسخته لعثمان رضي الله عنهما، لا لظنه أن نسخة عثمان - رضي الله عنه - غير صحيحة، وإنما لظنه أنه أحق بجمع القرآن من زيد لسبقه في الإسلام؛ على أنه قال هذا في وقت غضبه، فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد ومن معه، وقد ندم على ما قال واستحيا منه.
2) لقد أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل من إنكار ابن مسعود لهما باطل لا أصل له، وهذا من الروايات الواهية التي لا سند لها.
لقد كان ابن مسعود - رضي الله عنه - أحد أئمة القراءة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم، وأول من جهر بالقرآن في مكة، وأحد الأربعة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخذ القرآن عنهم؛
«فعن عبد الله بن عمرو أنه ذكر عبد الله بن مسعود، فقال:
لا أزال أحبه؛ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب»
[1].
جمع عثمان - رضي الله عنه - القرآن، ونسخه في المصاحف، وأرسل المصحف إلى الكوفة مع حذيفة ابن اليمان كره ابن مسعود ذلك؛ إذ كان يرى أنه أحق بأن يقوم بجمع القرآن، لما له من سابقة في الإسلام، ومكانة في القراءة والتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم. عن عبد الله أنه قال: «على قراءة من تأمروني أقرأ؟! لقد قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا لصاحب ذؤابتين يلعب مع الصبيان». [2] وقال أيضا: «يا معشر المسلمين كيف أعزل عن جمع المصحف ويتولاه رجل، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر» [3].
على أن قول ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في مصحف، ولا إنكاره لمصحف عثمان - رضي الله عنه، ولا تشكيكه في صحته، كل ما يدل عليه - فقط - أن ابن مسعود - رضي الله عنه - يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسابقته في الإسلام، على أنه قال هذا في وقت غضبه، فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان - رضي الله عنه - ومن معه من الصحابة لزيد بن ثابت ومن معه، وقد ندم على ما قال واستحيا منه؛ فقد ذكر أبو وائل هذه القصة ثم قال عقبها: إن عبد الله استحيا مما قال، فقال: ما أنا بخيرهم، ثم نزل عن المنبر.
وشيء تجدر الإشارة إليه في هذا المقام مؤداه أن اختيار كل من أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - لزيد لم يكن إلا لما له من المزايا التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة.
وفيه صفات أربع لا بد منها لمن يقوم بهذا العمل هي: الشباب المقتضي للقوة والصبر والجلد، والعقل وهو جماع الفضائل، والأمانة وعدم التهمة وهي الصفة الأهم وبها يتم التوثق والاطمئنان ناهيك عن كتابة الوحي، وهذه الخصائص جميعها لا تقتضي أفضليته على عبد الله بن مسعود وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم؛ وإنما تقتضي أهليته لما عهد إليه به [4].
هذا من جانب، ومن جانب آخر هل كتب ابن مسعود لأهل العراق أن يحتفظوا بنسخهم ولا يسلموها لعمال عثمان بحجة أنها أصح النسخ؟ وهذا معناه أن ابن مسعود بمحل يستطيع فيه أن يعارض أمر أمير المؤمنين، وأن أهل العراق كانوا يصدرون عن رأيه، والسؤال: هل صدعوا لأمره واحتفظوا بنسخهم؟!!
فإن قيل: نعم، فأين تلك النسخ؟ ولم لم يرو لنا التاريخ شيئا عن مخالفتها لنسخة عثمان - رضي الله عنه؟ وإن قيل: لا، فكيف يعقل أن يفرط أهل قطر عظيم كالعراق في تلك النسخ لو كان ثمة ما يؤخذ على عثمان - رضي الله عنه؟ ولم لم تبد منهم أية حركة مقاومة؟! أكان أهل العراق من خور العزيمة في هذه الدركة؟ وأنى يستقيم ذلك وهم الذين انتدبوا لخلع عثمان - رضي الله عنه - فحاصروه في بيته، ثم قتلوه؟
هذا، وقد أحصى أهل العراق على عثمان - رضي الله عنه - مآخذ كثيرة ليس فيها أنه عمد إلى تحريف القرآن، وكانت هذه الحجة كافية وحدها في صرف القلوب عنه، ودفعها إلى ارتكاب أشد ضروب القسوة ضده.
وإذا افترضنا جدلا أن ابن مسعود كتب لأهل العراق وأمرهم بالاحتفاظ بمصاحفهم، فلم لم يفعل ذلك مع أهل المدينة وهو بين ظهرانيهم وبينهم مئات من كبار أصحاب رسول الله؟ ألم يكونوا أولى بذاك من أهل العراق؟! وإذا كان ابن مسعود - رضي الله عنه - قد فعل، فهل يعقل ألا نجد أثرا عن أحد وافقه في ذلك؟! وهل يعقل أيضا أن يجمعوا كلهم على رفض قوله؟!
إن هذا القول المنسوب لابن مسعود لا يمكن التسليم بنسبته إليه جريا على أسلوب النقد الإسلامي، فإن المسلمين لا يقبلون قولا منسوبا لرسولهم إلا بعد التحقق من حالة رواته العقلية والنفسية والدينية، وقد رفضوا مئات الآلاف من الأحاديث المنسوبة إليه، وعدوها موضوعة، فهل يقبل المسلمون المنصفون من غيرهم قولا من هذا الطراز تقوم ضده كل ما ذكر من المضعفات والمشككات؟!
قال ابن حزم في كتاب "القدح المعلي": "هذا كذب على ابن مسعود وموضوع. بل صح عن ابن مسعود نفسه قراءة عاصم، وفيها المعوذتان والفاتحة". [5] فقد جاء عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؛
* (قل أعوذ برب الفلق (1)) [الفلق،]
* و (قل أعوذ برب الناس (1)) [الناس». [6]]
* وجاء عن ابن عباس أنه قال: «بينما جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» [[7].]
عدم كتابة المعوذتين والفاتحة لا يستلزم إنكار كونهما من القرآن لجواز أنه كان لا يكتبهما اعتمادا على حفظ الناس لهما لا إنكارا لقرآنيتهما، فالفاتحة يقرأها كل مسلم في الصلاة، والمعوذتان يعوذ بهما المسلمون أولادهم، وأهليهم [8].
" يحتمل أن إنكار ابن مسعود - رضي الله عنه - لقرآنية المعوذتين والفاتحة - على فرض صحته - كان قبل علمه بذلك، فلما تبين له قرآنيتهما - بعد أن تم التواتر، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما - كان في مقدمة من آمن بأنهما من القرآن" [9].
قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: "ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن؛ لأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار".
إن سلمنا بأن ابن مسعود أنكر المعوذتين، وأنكر الفاتحة، بل أنكر القرآن الكريم كله، فهل ينقض إنكار فرد تواتر القرآن؟ إن هذا الإنكار - الذي لم يثبت - لو افترضنا أنه ثبت، فإنه لا يرفع العلم القاطع بثبوته القائم على التواتر، ولم يقل أحد في الدنيا: إن من شروط التواتر والعلم اليقيني المبني عليه ألا يخالف فيه مخالف. [10]
وبقي أن نتساءل: أية مصلحة للذين جمعوا القرآن أن يضعوا فيه ثلاث سور قصار ليست منه في شيء، أكانوا يرمون بذلك لغرض من الأغراض التي تحمل النفوس المنحرفة على التحريف، وليس فيها ما يشوه جمال القرآن، ولا ما يتناقض مع الحكمة التي أتى بها؟!
وهل يعقل أن يفوت هذا على دقة القائمين على هذا الجمع من الأثبات الأجلاء المبشرين بالجنة؟ أم هل يعقل أن يضع المنحرفون فاتحة الكتاب، وأن يذيلوه بسورتين صغيرتين، في أمة تتعبد بتلاوة ذلك الكتاب، وفيها ألوف من الرجال الذين حضروا وحيه وكتبوه، وصحبوا رسولهم في جميع أدواره؟!
هل يعقل أن يحدث هذا الأمر فلا يثير صخبا ولا يهيج غضبا، ويمر كأنه لم يكن في أمة دستورها هذا الكتاب وحده ومتعبدها سوره وآياته؟!
وكيف سكت عنه ابن مسعود نفسه، فلم يسمع له فيه زئير يدوي في العالم الإسلامي دوي الرعود القاصفة؟! لعلهم يقولون خشي بأس عثمان، فقد قتل عثمان، وابن مسعود حي يرزق، فلم لم ينبه المسلمين إلى هذه الجناية، ويلجأ إلى خليفته ليمحو من المصاحف هذه الزيادة التي ليست منه [11]؟!
• رفض ابن مسعود تسليم نسخته لعثمان - رضي الله عنهما -، لا لظنه أن نسخة عثمان غير صحيحة، وإنما لظنه أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسابقته في الإسلام؛ على أنه قال هذا في وقت غضبه، فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد ومن معه، وندم على ما قال واستحيا منه.
• أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئا منهما كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل لا أصل له، وعلى فرض صحة إنكاره لهما يحمل هذا على أنه كان قبل علمه بقرآنيتهما، فلما تبين له ذلك بعد أن تم التواتر، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما - كان في مقدمة من آمن بأنهما من القرآن.
• إن إنكار أحد من الصحابة شيئا من القرآن - وهو ما لم يحدث ألبتة، ولم يثبت عن أحد منهم - لا يرفع التواتر المعلوم في هذا الشأن، ناهيك أن يسكت أحد من الصحابة على نسبة ما ليس من القرآن له بعد أن يثبت ذلك، فضلا عن أن الفاتحة مما لا تخفى قرآنيتها على أحد!