القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
لا تعارُضَ بين ما اكتشَفهُ العلمُ الحديثُ، وبين ما ورَدَ في القرآنِ الكريمِ في وظيفَتَيِ القلبِ والعقل؛ فكلُّ ما يكتشِفُهُ العلمُ الحديثُ في هذا الموضوعِ يوافِقُ ما ذكَرهُ القرآنُ الكريمُ.
فقد جاءت الأدلَّةُ الكثيرةُ والصريحةُ في القرآنِ الكريمِ والسنَّةِ النبويَّةِ: أن القلبَ يَعقِلُ، وصرَّحتْ بمكانِه.
كما ورَدتْ دراساتٌ علميَّةٌ كثيرةٌ تُفِيدُ أن القلبَ ليس مِضَخَّةً للدمِ فحَسْبُ؛ فقد اكتشَفَ العلمُ الحديثُ: أن القلبَ يُرسِلُ هُرْمُوناتٍ عاقلةً إلى بقيَّةِ أعضاءِ الجِسْمِ، وتلك الهُرْمُوناتُ تَجعَلُ القلبَ يشارِكُ الدِّماغَ في عمليَّةِ الفهمِ والإدراكِ، وغيرِها مِن الوظائف، بل إن دراساتٍ حديثةً أشارت إلى أن القلبَ هو الباعثُ الرئيسُ للسلوكِ التحريضيِّ؛ كالوَلاءِ، والإخلاصِ، والقَبول؛ وفي ذلك دليلٌ قويٌّ على دَوْرِ القلبِ في تفكيرِ الإنسانِ وقُواهُ العقليَّة.
لا تعارُضَ بين ما اكتشَفهُ العلمُ الحديثُ، وبين ما ورَدَ في القرآنِ الكريمِ في وظيفَتَيِ القلبِ والعقل.
ومِن فضلِ اللهِ سبحانه وتعالى: أنه كلَّما تقدَّم العلمُ، أثبَتَ صِدقَ نصوصِ الكتابِ والسنَّة، ومِن ذلك: مسألةُ كونِ العقلِ في القلبِ، مع الاشتراكِ مع الدِّماغ؛ وتوضيحُ ذلك يتبيَّنُ مِن خلالِ النقاطِ التالية:
أوَّلًا: جاءت الأدلَّةُ الكثيرةُ والصريحةُ في القرآنِ الكريمِ والسنَّةِ النبويَّةِ: أن القلبَ يَعقِلُ، وصرَّحتْ بمكانِه:
فلقد بيَّن المَوْلى عزَّ وجلَّ في كتابِهِ الكريم: أن العقلَ يكونُ في القلبِ؛
قال سبحانه:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾
[الحجّ: 46]
، وفي الآيةِ نفسِها: بيَّن اللهُ سبحانه: أن القلبَ هو الذي يميِّزُ بين الحقِّ والباطلِ؛
فقال سبحانه:
﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾
[الحجّ: 46].
كما أن السنَّةَ المطهَّرةَ أكَّدتْ ذلك؛
فقال النبيُّ ^:
«أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ»؛
رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).
وكذلك: يدُلُّ عليه ما ورَدَ في الحديثِ الصحيحِ؛ مِن دعائِهِ عليه الصلاةُ والسلامُ:
* «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ [رواه أحمدُ 12107، والتِّرمِذيُّ 4/ 16 رقم 2140.]
والأدلَّةُ الصحيحةُ الصريحةُ: إذا أثبَتتْ مفهومًا، يجبُ قَبولُه، ويجبُ الإيمانُ إلى أنه لا يُمكِنُ أن تتعارَضُ هذه الأدلَّةُ مع أيِّ حقيقةٍ شرعيَّةٍ أو طبيعيَّةٍ، ولكنْ ينبغي أن تُفهَمَ كلُّ حقيقةٍ في حدودِ ما دلَّت عليه؛ لأن بعضَ الناسِ قد يَفهَمُ الحقيقةَ، ويَزيدُ عليها ما ليس منها.
فالأدلَّةُ الشرعيَّةُ دلَّت على أن القلبَ الذي في الصدرِ يَعقِلُ، ولم تُثبِتْ أو تَنْفِ أيَّ دَوْرٍ للدماغِ في ذلك، وفي المقابِلِ: فالأدلَّةُ الطبِّيَّةُ أكَّدتْ على أن الدِّماغَ يتأثَّرُ ويؤثِّرُ في عمليَّةِ التفكير، ولم تُثبِتْ أنها هي مَنشَأُ العقلِ فقطْ، ولم تُثبِتْ أنها نفَتْ دَوْرَ القلبِ في ذلك،،، وهكذا لا يُمكِنُ أن تتعارَضَ أيُّ حقيقةٍ شرعيَّةٍ أو طبيعيَّةٍ. ثانيًا: ورَدتْ دراساتٌ علميَّةٌ كثيرةٌ تُفِيدُ أن القلبَ ليسمِضَخَّةً للدمِ فحَسْبُ:
فقد أشارت عددٌ مِن الدراساتِ العلميَّةِ الحديثةِ: أن القلبَ ليس مجرَّدَ مِضخَّةٍ للدمِ، كما كان يُعتقَدُ قديمًا، بل إنه يُرسِلُ هُرمُوناتٍ عاقلةً إلى بقيَّةِ أجزاءِ الجسم، وتلك الهُرْمُوناتُ تَجعَلُ القلبَ يشارِكُ الدِّماغَ في عمليَّةِ الفهمِ والإدراكِ، وغيرِها مِن الوظائف؛ حتى إن بعضَ العلماءِ أطلَقوا على «القلبِ» مصطلَحَ: «العقلِ الصغير».
وتُشيرُ تلك الدراساتُ: أنه مع كلِّ نَبْضةٍ للقلبِ يتولَّدُ اتصالٌ فَوْريٌّ مع باقي أعضاءِ الجسم، في شكلِ مَوْجةٍ كَهْرَبائيَّةٍ تنتقِلُ بسرعةٍ هائلةٍ عبرَ الشَّرَايِين، مما يخلُقُ نوعًا مِن الاتِّصالِ بين القلبِ والمُخّ.
كما لُوحِظَ أن للقلبِ نوعًا آخَرَ مِن الاتِّصالِ يَتِمُّ عبرَ هُرْمُونٍ كيميائيٍّ يُدْعى: «ANF»، وهو هُرْمُونٌ للتوازُنِ يؤثِّرُ بشكلٍ كبيرٍ على الجسمِ، والأوعيةِ الدَّمَويَّة، ومناطقَ عدَّةٍ في المُخّ.
بل إن دراساتٍ حديثةً أشارت إلى أنه الباعثُ الرئيسُ للسلوكِ التحريضيِّ؛ كالوَلاءِ، والإخلاصِ، والقَبول.
وقد لاحَظَ الأطبَّاءُ: أنه بعد إجراءِ عمليَّاتِ نقلِ القلبِ مِن شخصٍ إلى آخَرَ، تحدُثُ بعضُ التغيُّراتِ على المتلقِّي في سلوكيَّاتِهِ، ونفسيَّتِهِ، وعقليَّتِهِ؛ لدرَجةِ أن بعضًا ممن تلقَّى قلبًا جديدًا، اكتسَبوا مَهَاراتٍ جديدةً، لم تكن لدَيْهم مِن قبلُ؛ مما حدا بالأطبَّاءِ إلى القيامِ بدراساتٍ وأبحاثٍ خاصَّةٍ بهذا الأمر.
وهذه دراساتٌ منشورةٌ، ولكنَّ المعنى الشرعيَّ لا يُعلَّقُ بها؛ فما زال الوقتُ مبكِّرًا للتأكُّدِ منها، واستقرارِ العلمِ الحديثِ بها؛ فلا يُنسَبُ جوابٌ إلى القرآنِ بشيءٍ مِن دونِ يقينٍ تامٍّ .
لكنْ يكفي مما سبَقَ: أن مجرَّدَ إثباتِ وجودِ شيءٍ مِن عمليَّاتِ العقلِ في الدِّماغِ لا ينفي اتِّصالَهُ في القلبِ، ولا وجودَ نمطٍ آخرَ مِن العقلِ في القلبِ؛ فالعلمُ الحديثُ لم يكتشِفْ حتى الآنَ تفاصيلَ عملِ الوعيِ بشكلٍ مفصَّل.
فنخلُصُ مِن هذا كلِّه: أن ما جاء في القرآنِ الكريمِ والسنَّةِ النبويَّةِ: حقٌّ يجبُ قَبولُهُ في حدودِ ما دلَّا عليه، وقد دلَّا على أن القلبَ الذي في الصدرِ يَعقِلُ ويَعمَى ويلهو، وغيرُ ذلك مِن الأفعالِ ذاتِ العَلاقةِ والدَّلالة. وأن الطبَّ لم يُثبِتْ أنه نفى دَوْرَ القلبِ في العقل، حتى لوافتُرِضَ أنه لم يَصِلْ إلى إثباتِ ذلك؛ فعدمُ العلمِ ليس علمًا بالعدم، فضلًا على الدراساتِ التي أثبَتتِ التأثير.