المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | المعارف اللغوية |
مضمونُ السؤال:
يتضمَّنُ السؤالُ بحثًا حول عربيَّةِ القرآنِ الكريم، مع احتماليَّةِ تضمُّنِهِ ألفاظًا غيرَ عربيَّة.
مختصَرُ الإجابة:
- وحدةُ الأصلِ الذي نبَعَتْ منه اللغةُ العربيَّةُ وبعضُ اللغاتِ الساميَّةِ الأخرى، يَجعَلُ وجودَ ألفاظٍ مشترَكةٍ أمرًا غيرَ مستنكَرٍ، بل مِن الطبيعيِّ أيضًا في أيِّ لغةٍ وجودُ ألفاظٍ مقترَضةٍ مِن لغاتٍ أخرى، ومِن الطبيعيِّ كذلك وجودُ كلماتٍ مشترَكةٍ بين اللغاتِ المختلِفة.
- عندما سَمِعَ أصحابُ الفصاحةِ مِن المشرِكين تلك الألفاظَ في زمَنِ النبيِّ ^، لم يُنكِرُوها؛ لأنهم كانوا لا يَسمَعون إلا كلامًا عربيًّا لا غُبَارَ عليه عندهم؛ فهي ألفاظٌ جاريةٌ هي وأمثالُها في كلامِهم وأشعارِهم.
إن التفاعُلَ المستمِرَّ بين لغاتِ شعوبِ العالَمِ المختلِفةِ يؤدِّي إلى اشتراكِ تلك اللغاتِ في بعضِ الألفاظِ والمصطلَحاتِ، وحتى القواعِد.
وقد عرَفَتْ شعوبُ العالَمِ اشتراكَ اللغاتِ المختلِفةِ في بعضِ الألفاظِ منذ القِدَمِ، ولم تُنكِرْهُ أو تستنكِرْه.
واللغةُ العربيَّةُ ليست بمَنأًى عن ذلك؛ ولذا فمِن الطبيعيِّ أن تنتقِلَ إليها ألفاظٌ ومفرَداتٌ كثيرةٌ مِن لغاتٍ أخرى، وكذلك العكسُ؛ فعلى سبيلِ المثالِ: اللغةُ الإسبانيَّةُ أخَذَتْ مِن العربيَّةِ كلماتٍ مِثلَ «الزَّيْتِ»، وحوَّلَتْها إلى (Aceite)، وغيرُها كثيرٌ، واللغةُ الإنجليزيَّةُ كذلك: أخَذَتْ مِن العربيَّةِ كلماتٍ كثيرةً جدًّا؛ فمثلًا: كلمةُ (cipher)، أصلُها عربيٌّ، وتعني: (صِفْر)، وكلمةُ (sugar)، أصلُها: «سُكَّر»، وغيرُها كثير.
ومِن جهةٍ أخرى: يقولُ علماءُ اللغاتِ: إن اللغاتِ الساميَّةَ - مثلَ: اللغةِ العربيَّةِ، والعِبْريَّةِ - تعودُ في أصولِها إلى أصلٍ ومنشأٍ واحدٍ.
ولذلك فإن اشتراكَ اللغاتِ ذاتِ الأصلِ الواحدِ في ألفاظِ كثيرةٍ، وكذلك اقتراضُ الألفاظِ بين اللغاتِ، يُعَدُّ أمرًا طبيعيًّا وحَيَويًّا بالنسبةِ لتلك اللغات، وهذا أمرٌ نجدُهُ شائعًا في اللغاتِ ذاتِ الأصلِ اللاتينيِّ؛ كالفَرَنسيَّةِ، والإيطاليَّةِ، والإسبانيَّةِ مثلًا، لمن عنده أدنى اطِّلاعٍ ومعرفةٍ بتلك اللغات.
وكذلك: لقد كان المشرِكون أحرَصَ الناسِ على التشكيكِ في أن القرآنَ كلامُ الله، والنيلِ منه، ومِن الإسلامِ ونبيِّه، ولنا أن نتخيَّلَهم وهم يَسمَعون القرآنَ بكلماتِهِ العربيَّةِ الفصيحة، وهو يتحدَّاهم أن يأتوا بمِثلِهِ مع أنه بلسانِهم، ومِن جنسِ ما يَنطِقون ويتكلَّمون به؛ فلو أنهم إذْ سَمِعوا تلك الألفاظَ، استنكَرُوها، وأنكَروا أن تكونَ تلك الألفاظُ - التي تضمَّنَتْها هذه الشبهةُ – عربيَّةً -: لكان هذا دليلًا على أعجميَّتِها، ولكنهم لم يَفعَلوا ذلك؛ لأنهم كانوا لا يَسمَعون إلا كلامًا عربيًّا لا غُبَارَ عليه عندهم.
وحتى لو قلنا: إن بعضَ الكلماتِ في القرآنِ ذاتُ أصولٍ غيرِ عربيَّةٍ؛ فإن تعريبَها وتحويرَها وتغييرَ أوزانِها حتى صارت عربيَّةً، كان قبل زمَنِ الإسلامِ نفسِه، وكلُّ ذلك يُثبِتُ عربيَّتَها وقتَ نزولِ القرآنِ الكريم؛ لأن ظاهرةَ التعريبِ معروفةٌ منذ العصورِ السابقة، ولا تَقدَحُ في عربيَّةِ الكلماتِ المعرَّبةِ أبدًا.
وهناك العديدُ مِن الشواهدِ الشِّعْريَّةِ الجاهليَّةِ التي تدُلُّ على استخدامِ العربِ لتلك العباراتِ بغيرِ تحرُّزٍ، ومِن غيرِ نكيرٍ، ويُورِدُ العلماءُ في هذا الموطنِ أمثلةً كثيرةً، ونذكُرُ منها مثالَيْنِ على ذلك:
أحدُهما: كلمةُ «السَّجَنْجَلِ»، وهي لغةٌ رُوميَّةٌ، ومعناها: المِرْآةُ؛ وقد ورَدتْ هذه الكلمةُ في شعرِ امرئِ القَيْسِ، في قولِهِ في المعلَّقة:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
والآخَرُ: كلمةُ «جُمَانٍ»، ومعناها: الدُّرَّةُ مِن الفضَّة، وهي ذاتُ أصلٍ فارسيٍّ، ثم عُرِّبت، وقد ورَدتْ في قولِ لَبِيدِ بنِ رَبِيعةَ في معلَّقتِهِ الشهيرة:
وَتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلَامِ مُضِيئَةً كَجُمَانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا
فالحاصلُ: أن القرآنَ الكريمَ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ على كلِّ الاحتمالاتِ السابقة، ومع ذلك: فهو سهلٌ ميسورٌ لكلِّ متذكِّرٍ ومتَّعِظٍ، عربيًّا كان أو أعجميًّا، الجميعُ يَنهَلُ مِن مَعارِفِهِ وحِكَمِهِ وأحكامِه.