البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

ادعاء خطأ القرآن في اتهام يوسف - عليه السلام - بالهم بالفاحشة

العربية

المؤلف
القسم موسوعة الشبهات المصنفة
النوع صورة
اللغة العربية
المفردات الإيمان بالرسل
الجواب التفصيلي:

يدعي بعض المتوهمين اضطراب القرآن الكريم في ذكر قصة يوسف - عليه السلام - فتارة يثبت الهم [1] بالفاحشة ليوسف - عليه السلام -

* كما في قوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]

وتارة يقر بعصمته وخوفه من الله باعتراف امرأة العزيز وصويحباتها كما

* في قوله: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51]

ويعتبرون أن إثبات القرآن الكريم الهم بالفاحشة ليوسف - عليه السلام - متناقض مع ما جاء في الكتاب المقدس من تبرئته ليوسف - عليه السلام - إذ إن امرأة العزيز لما طلبت إليه الشر استنكر طلبها وقال: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟وكان إذ كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها. ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله، ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت. فأمسكته بثوبه قائلة: "اضطجع معي!". فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج". (التكوين 39: 9 - 12).

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن أخلاق يوسف - عليه السلام - وعصمته باعتباره نبيا، تتنافى مع الهم بالخيانة، أو التفكير فيها، كما أن سياق الآيات التي ورد فيها قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها( يؤكد استحالة وقوع يوسف - عليه السلام - في هذه المعصية.

2) للهم معان عديدة في اللغة منها: خطور الشيء بالبال، وميل الطبع، والعزم على الفعل، وهذه المعاني العديدة للهم هي التي أدت إلى الفهم الخاطيء لقوله: )وهم بها( في منظور هؤلاء المدعين.

3) لقد شهد ببراءة يوسف - عليه السلام - كل من له صلة بقصة يوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز من: زوج وشاهد ونسوة المدينة؛ حتى امرأة العزيز نفسها، ومن قبل هؤلاء جميعا المولى وكفى بالله شهيدا.

4) لا اضطراب في آيات القرآن الكريم، فلقد استعصم يوسف - عليه السلام - بالله من البداية إلى النهاية، وقد أنجاه الله من المعصية، أما ما جاء في الكتاب المقدس فهو يدين يوسف - عليه السلام - ولا يبرئه.

التفصيل: أولا. سياق الآيات التي جاء فيها قوله سبحانه وتعالى: )وهم بها( يؤكد استحالة وقوع يوسف - عليه السلام - في المعصية:

في البداية نود أن نشير إلى أن أخلاق يوسف - عليه السلام - وعصمته باعتباره نبيا تتنافى تماما مع الهم بالخيانة، أو مجرد التفكير فيها، ويؤكد هذا ثناء الله - عز وجل - على يوسف - عليه السلام - في كثير من آيات القرآن الكريم، وكذلك ثناء نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن ثناء الله - عز وجل - على يوسف - عليه السلام - قوله سبحانه وتعالى: )وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل( (يوسف: 6)،

* وقوله سبحانه وتعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22]

* وقوله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]

وغير ذلك من الآيات التي تحدثت عن يوسف - عليه السلام - وعن كريم خلقه وحميد خصاله، هذا المدح من الله تعالى لنبيه لا يكون إلا عن استحقاق له، فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يمدح إنسانا عاصيا بأعظم المدائح[3].

وكذلك أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أخلاق يوسف - عليه السلام - وذلك في قوله: «عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه، والله يغفر له، حيث أرسل ليستفتي في الرؤيا، ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له، أتى ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره، ولو كنت أنا لبادرت الباب، ولولا الكلمة لما لبث في السجن»[4]. وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكرم الناس، فقال في إحدى إجاباته: «يوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله»[5].

كما أن التهمة التي وجهت إلى يوسف - عليه السلام - وهي اتهامه بالتحرش والهم بالوقوع بامرأة العزيز، كبيرة من أكبر الكبائر، والخيانة من أقبح الذنوب، ومقابلة الإحسان بالإساءة من المنكرات، فكيف يخون يوسف - عليه السلام - عزيز مصر الذي آواه في بيته، وشمله وأحاطه برعايته، منذ أن كان صغيرا إلى أن شب وكبر في بيته، وأكرمه أيما إكرام؟ وكيف يقابل إحسانه إليه بمثل هذه الفعلة التي يترفع[6] عنها غير الأنبياء؟ فكيف - في حكم العقلاء من البشر - يقع فيها أحد المصطفين الأخيار[7]؟!

أما ما جاء في قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها( من الإشارة إلى هم يوسف - عليه السلام - فإنه لا يفيد أنه عزم على ارتكاب الفاحشة، وحتى نفهم عبارة "وهم بها" على الوجه اللائق بما ذكره الله تعالى عن يوسف - عليه السلام - ينبغي أن نستعرض سياق الآيات السابقة لها حتى نتبين الخطوات التي دبرتها امرأة العزيز للإيقاع بيوسف - عليه السلام - في الفحشاء، قال سبحانه وتعالى: )وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك( (يوسف: 23)، فهي إذن ثلاث خطوات:

الأولى: )وراودته(. قال القرطبي: وأصل المراودة الإرادة والطلب برفق ولين، ويقول الطبري في تفسيره: وراودته امرأة العزيز - وهي التي كان يوسف في بيتها - عن نفسه أن يواقعها[8].

الثانية: )وغلقت الأبواب(. يقول الطبري: وغلقت المرأة أبواب البيوت عليها، وعلى يوسف - عليه السلام - لما أرادت منه وراودته، بابا بعد باب، وهذا يدل على إدراكها تمام الإدراك أنها مقبلة على فعل قبيح؛ ولذلك فهي حريصة على أن تخفي ما ستفعل.

الثالثة: )وقالت هيت لك(. قال القرطبي: )وقالت هيت لك( أي: هلم وأقبل وتعال، أي انتقلت من الاحتيال والمراوغة إلى الوضوح في الطلب. وفي مقابل خطوات امرأة العزيز هذه، ورغم تمكنها حينئذ إذ هي سيدته وهو في بيتها، وذكائها فيما فعلت، فإن يوسف - عليه السلام - قد قابلها برفضه التام لما تريده منه، وكان من وراء رفضه اعتبارات ثلاثة، كل واحد منها كفيل بأن يجعله لا يفكر مجرد تفكير في الاستجابة لها، فضلا عن الهم بالفاحشة، فكيف بها مجتمعة؟! قال تعالى في رفض يوسف عليه السلام: )قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون (23)( (يوسف).

فأول هذه الاعتبارات قوله: )قال معاذ(. يقول الطبري في تفسيره: وقوله: )قال معاذ الله( يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة إلى نفسها وقالت له هلم إلي: أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه وأستجير به منه.

وهو إلى جانب استجارته واستغاثته بالله تعالى يذكر امرأة العزيز بالله تعالى، وأنه تعالى لم يأمر بهذا الفعل الفاحش، وهنا نذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله":«الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه»[9].

وثاني هذه الاعتبارات يتجلى في قوله عليه السلام: )إنه ربي أحسن مثواي(. قال الطبري: يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي، أحسن منزلتي، أكرمني، وائتمنني، فلا أخونه.

وعن ابن إسحاق: قال: )أحسن مثواي( أمنني على بيته وأهله، وقال ابن كثير: )قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي( وكانوا يطلقون الرب على السيد الكبير، أي أن بعلك أحسن مثواي، أي منزلي، وأحسن إلى فلا أقابله بالفاحشة في أهله.

والاعتبار الثالث: )إنه لا يفلح الظالمون (23)(، فقد تنبه يوسف - عليه السلام - لعواقب الخطيئة: )إنه لا يفلح الظالمون (23)( قال الطبري: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينجح من ظلم، ففعل ما ليس له فعله، وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله.

وكل هذه الاعتبارات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على عفة يوسف - عليه السلام - وعصمته من أن يهم بالفاحشة، وهذا ما أكده القرآن الكريم في أكثر من موضع كما ذكرنا.

ثانيا. تعدد تأويلات معنى "الهم" لدى المفسرين هو الذي أدى لهذا الفهم الخاطئ:

لتوضيح معنى الهم الذي نسبه القرآن الكريم ليوسف - عليه السلام - في قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها( لا بد أن نوضح معنى الهم في اللغة، ثم بعد ذلك نحكم هل أثبت القرآن الهم بالفاحشة ليوسف - عليه السلام - أم لا؟

الهم في اللغة له معان متعددة:

الأول: خطور الشيء بالبال قال سبحانه وتعالى: )إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما( (آل عمران: 122)، فهاتان الطائفتان قد خطر الفشل ببالهما، ولو كان المراد هنا العزم لما كان الله وليا لهما؛ لأن العزم على المعصية معصية.

الثاني: ميل الطباع، قال الزمخشري، في معنى "وهم بها": مالت نفسه إلى المخالطة، ونازعت إليها.

الثالث: العزم على الفعل، يقال: يقال: هم بالشيء: إذا نواه وأراده وعزم عليه، قال سبحانه وتعالى: )إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم( (المائدة: 11) أي: أرادوا ذلك وعزموا عليه[10].

وقبل الحديث عن نوع الهم الذي نسب ليوسف - عليه السلام - في القرآن الكريم نؤكد أن كثيرا من العلماء قد اتفقوا على أن هم امرأة العزيز كان لفعل الفاحشة، وقد استعمل القرآن الكريم لامرأة العزيز وليوسف - عليه السلام - نفس الكلمة "همت به" و "هم بها"، ولكن يجدر بنا أن نشير إلى ضرورة اختلاف معنى الهم باختلاف من قيلت في حقه؛ وذلك لاختلاف هدف كل منهما وغايته، فيوسف - عليه السلام - يسرع نحو العفة والطهارة، وامرأة العزيز نحو الشهوة والإثم، وهو يهرب في حين أنها تلاحقه، ولو كان لدى يوسف - عليه السلام - أي ميل للإثم لما كانت هذه المطاردة؛ إذن كان هدف يوسف - عليه السلام - وغايته شيئا آخر[11].

والسؤال الذي يفرض الآن نفسه: أي نوع من الهم هم به يوسف عليه السلام؟

ونجيب على ذلك قائلين:

إذا كان معنى "الهم" الواقع من يوسف، هو الخاطر بالبال وحديث النفس: فلا يعاب عليه يوسف - عليه السلام - ولا يطعن به في حقه؛ لأنه لا صنع للعبد فيه، ولا يدخل تحت اختياره، ونقل النسفي في تفسيره عن أبي منصور قوله: وهم بها هم خاطره، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب، ولا مؤاخذة عليه.

ويرى بعض العلماء أن الخاطر المعفو عنه هو الذي لم يستقر في النفس، وهم يوسف منه، ويدل على عدم المؤاخذة بالعقاب على حديث النفس ما جاء في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة»[12]. فاتضح أن لا شبهة على عصمة يوسف - عليه السلام - في ذلك؛ لأن الأنبياء غير معصومين من حديث النفس، ولكنهم معصومون من طاعة النفس والانقياد لها.

أما إذا كان الهم بالمعنى الثاني وهو ميل الطبع: فلا يطعن به أيضا في حق يوسف - عليه السلام - لأنه غير اختياري، ثم هو قاوم اتباعه، وكف عن رغبته، ومن يكن بهذه المثابة لم يتوجه إليه ذم، بل يؤجر ويمدح عليه.

ومعنى "الهم" هذا هو ما قاله الإمام الرازي: من أنه "ميل الطبع، كالصائم في الصيف، يرى الماء البارد، فتحمله نفسه على الميل إليه، وطلب شربه، ولكن يمنعه دينه عنه، وكالمرأة الفائقة حسنا وجمالا، تتهيأ للشاب النامي القوي، فتقع بين الشهوة والعفة، وبين النفس والعقل، مجاذبة ومنازعة، فـ "الهم" هنا عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان جواذب الحكمة، وهذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحال أشد، كانت القوة على لوازم العبودية أكمل"[13].

بيد أننا نتساءل: إذا كان هم يوسف - عليه السلام - من هذا النوع وهو الميل الطبعي، فهل وقع هذا الهم له أم لا؟

الثابت أنه لم يقع، ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به( وتم الكلام به: )وهم بها لولا أن رأى برهان ربه( (يوسف: 24) وجواب "لولا" ههنا مقدم، والتقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف - عليه السلام - لم يهم بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف - عليه السلام - لولا رؤيته برهان ربه لهم بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها، كما قال عز وجل: )و لولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83)( (النساء).

وقال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: )ولقد همت به وهم بها( قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط، كأنه قال: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها[14].

وقال القرطبي: والاختلاف أن همها كان لمعصية، وأما يوسف فهم بها: )لولا أن رأى برهان ربه( ولكن لما رأى البرهان ما هم؛ وهذا لوجوب العصمة للأنبياء، قال الله سبحانه وتعالى: )كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24)( (يوسف)، إذن ففي الكلام تقديم وتأخير، أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

والناظر لهذه الآيات بما فيها من أحداث نظرة سطحية يقول: إن هناك مساواة في هم كل من يوسف - عليه السلام - وامرأة العزيز، فهي حدثتها نفسها بفعل الفحشاء، وهو حدثته نفسه كذلك، ولكن النص لم يقف عند هذه العبارة، فقد قال بالنسبة لامرأة العزيز: )ولقد همت به( أي: حدثتها نفسها أنها تريده، وعندما تكلم القرآن عن يوسف قال: )وهم بها لولا أن رأى برهان ربه(.

أي أن المعنى: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، "ولولا" حرف امتناع لوجود، وهذا هو الصحيح الذي نرجحه ونقول به؛ لاتفاقه مع عصمة الأنبياء.

وهنا يتساءل بعض الجاهلين: إذا كان يوسف - عليه السلام - لم يهم بالفحشاء، فلماذا قال الله: إنه "هم بها"، ولم يقل: لقد همت به ولم يهم بها؟

والجواب عن ذلك أن الله تعالى لو قال: لقد همت به، ولم يهم بها؛ لأوهم ذلك أن عدم استجابته نقص في رجولته أو لعدم رغبته في النساء، ولكن الله تعالى أراد أن يبين أنه لولا إيمان يوسف ورعاية ربه له لهم بها، فعدم الهم ليس راجعا إلى عيب في يوسف - عليه السلام - وإنما هو برهان ربه الذي أراه له.

فالله - سبحانه وتعالى - يريد أن يثبت رجولة يوسف، وأنه لم يمتنع عنها؛ لأنه لا يقدر أو لأنه ضعيف، ولذلك قال: )ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه( أي أن الذي جعله لا يهم بها أن برهان ربه في داخله، أظهره الله له، ولذا لم يهم بها[15].

ثم قال سبحانه وتعالى: )لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24)( فما البرهان الذي رآه يوسف - عليه السلام - فصرف عنه همه؟

إن البرهان الذي أراه الله ليوسف - عليه السلام - فصرف عنه همه، هو حجة الله الباهرة، الدالة على قبح الزنا، وسوء سبيله، والمراد برؤيته لها كمال إيقانه بها، ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين، وكأنه - عليه السلام - قد شاهد الزنا بموجب ذلك البرهان النير، على ما هو عليه في حد ذاته أقبح ما يكون، وأوجب ما يجب أن يحذر منه، ولذلك فعل ما فعل من الاستعصام، والحكم بعدم إفلاح من يرتكبه[16]. وعليه فلا ذنب ولا معصية من يوسف - عليه السلام - تتنافى مع عصمته.

وإذا كان الهم بالمعنى الثالث وهو العزم على الفعل: فهو كذلك لا يطعن في يوسف - عليه السلام ـ؛ لأن الفعل الذي عزم عليه هو: زجر امرأة العزيز عن الفاحشة، وقصده دفعها عن نفسه، وضربها إن لم تندفع؛ لأن الهم بهذا المعنى هو اللائق بالرسول المبعوث إلى قومه لهدايتهم إلى الخير، وكفهم عن الشر[17].

ومعنى الهم على هذا القول في قوله: )ولقد همت به وهم بها( أي: وتالله لقد همت المرأة بالبطش به لعصيانه أمرها، فهو في نظرها عبدها وهي سيدته، وقد أذلت نفسها له بدعوته الصريحة إلى نفسها بعد الاحتيال عليه بمراودته عن نفسه، فرأت أن هذا الاحتقار لا يطاق، ولا علاج لهذا الفاتن المتمرد إلا إذلاله بالانتقام، هذا ما ثار في نفس هذه المرأة المفتونه بطبيعة الحال، وشرعت في تنفيذه أو كادت، بأن همت بالبطش به في ثورة غضبها، وهو انتقام معهود من مثلها، وممن دونها في كل زمان ومكان، وقد كاد - عليه السلام - أن يرد حيالها ويدفعه بمثله، وهمه - عليه السلام - لدفع حيالها أمر مشروع لكن وجد مقتضاه مقترنا بالمانع منه وهو رؤيته برهان ربه فلم ينفذه، فكان الفرق بين همها وهمه أنها أرادت الانتقام منه شفاء لغيظها من خيبتها وإهانته لها، فلما رأى أمارة وثوبها عليه استعد للدفاع عن نفسه وهم به، فكان موقفهما موقف المواثبة[18]، والاستعداد للمضاربة[19]، ولكنه رأى من برهان ربه وعصمته ما لم تر هي مثله، فألهمه أن الفرار من هذا الموقف هو الخير الذي تتم به حكمته - سبحانه وتعالى - فيما أعده له، فامتناعها عن تنفيذ ما همت به كان بسبب هروب يوسف - عليه السلام - واستباقه إلى الباب، وكان سبب امتناعه هو إرادته - عليه السلام - وما رآه من برهان ربه[20].

ويعلق د. الحديدي بقوله: الهم بهذا المعنى هو الذي نميل إليه لأمرين:

الأول: أن اللين يقدم عادة على العنف، وقد تقدم اللين في نصحها وتذكيرها بحق صاحب الفضل عليها، وسوء عاقبة هذا المنكر

* قائلا: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف: 23]

فلما لم يجد معها كل هذا، وقصدت إليه تجذبه لنفسها، أو تلقي بنفسها عليه، لم يكن بد من دفعها بالعنف، وضربها إن لم تندفع.

الآخر: أنه قد جرت عادة الإنسان أيضا أن يلجأ إلى الهرب إن وجد العنف لا يجدي، ويوسف - عليه السلام - لما رأى برهان ربه، تحقق أن استخدام العنف ليس في صالحه - كما سبق أن قلنا - وأنه سيجعله مدينا، فلجأ إلى الهرب: )واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر( (يوسف: 25). وهذا أرجح الأقوال وأصحها في "هم" يوسف عليه السلام [21].

وخلاصة هذه الحقائق التي ذكرناها أن قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها( لا يقدح في عصمة يوسف - عليه السلام - كما يدعي هؤلاء المتوهمون.

ثالثا. شهادة كل من له تعلق بقصة يوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز تنفي عنه خطأه وتثبت له البراءة:

لقد شهد ببراءة يوسف - عليه السلام - كل من له علاقة بقصته مع امرأة العزيز؛ فقد نقل الفخر الرازي عن القاضي أبي طاهر الطوسي قوله: شهد ببراءة يوسف - عليه السلام - براءة الذئب من دمه كل من له تعلق بتلك الواقعة من: زوج وحاكم ونسوة وملك، وقد أعلن يوسف ذلك، واعترف له خصمه بصدق ما قاله مرتين، وشهد بذلك رب العالمين الذي هو أصدق القائلين[22] وتفصيل ذلك:

1. إعلان يوسف - عليه السلام - لبراءته في تحد وصمود:

وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )قال هي راودتني عن نفسي( (يوسف: 26)، وقوله: )قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه( (يوسف: 33)، فقد أعلن يوسف - عليه السلام - براءته مما نسب إليه، مرة عندما وجد العزيز أمام الباب، وأخرى عندما استعان بربه بعدما رأته النسوة وتوعدت له امرأة العزيز، وصدقه في هذين الادعاءين يؤكده كل من حوله.

2. شهادة الحاكم:

فبعد ادعاء يوسف: )قال هي راودتني عن نفسي( شهد شاهد من أهل امرأة العزيز، بما يؤيد كلام يوسف - عليه السلام -

* قال سبحانه وتعالى: (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (27) [يوسف.]

ومن حكمة الله تعالى أنه جعل ذلك الشاهد من أهل امرأة العزيز حتى لا يقال: إنه منحاز له؛ ولأن هذا الشاهد من أهلها فقد بدأ أولا بما في صالحها، وهو حالة أن يكون قميصه قد تمزق من الأمام، هذا التمزق الذي يكون نتيجة دفاعها عن نفسها وإقباله عليها، ثم ذكر الاحتمال الثاني، وهو أن يكون قميصه قد تمزق من الخلف، هذا التمزق يعني أنها هي التي راودته عن نفسه وجذبته إليها عندما حاول الهروب منها.

وعلى هذين الاحتمالين اللذين ساقهما الشاهد ثبتت براءة يوسف - عليه السلام - وأدينت امرأة العزيز.

3. شهادة الزوج:

بعد الاحتمالين اللذين أوردهما الشاهد، وبعد معاينة الحال الذي أمامهم، ثبتت براءة يوسف وإدانة امرأة العزيز من العزيز نفسه، قال سبحانه وتعالى: )فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم (28)( (يوسف). وبعد أن تيقن العزيز من براءة يوسف - عليه السلام - طلب منه أن يعرض عن الحديث في هذا الأمر وذلك حفاظا على سمعته، قال سبحانه وتعالى: )يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين (29)( (يوسف).

4. شهادة النسوة:

* قال سبحانه وتعالى: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51]

فعندما طلب الملك لقاء يوسف - عليه السلام - رفض أن يخرج من السجن إلا إذا برئت ساحته، براءة يعرفها كل أهل المدينة، وذلك بسؤال النسوة عن مراودتهن ليوسف - عليه السلام - وعندما سأل الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن عن مراودتهن له، شهدوا له بالبراءة والعفة، بل شهدوا بتنزيهه عن أن يفعل ذلك: )قلن حاش لله(.

5. اعتراف الخصم:

وقد أقرت امرأة العزيز ببراءة يوسف - عليه السلام - في موقفين: الأول: عندما هيأت لبعض نساء المدينة مجلسا وآتت كلا واحدة منهن سكينا وأدخلت عليهن يوسف - عليه السلام - ولما دهش النسوة لجمال يوسف، وشهدن بذلك اعترفت امرأة العزيز بأنها راودته عن نفسه، وأنه كان مستعصما متمنعا عنها،

* قال سبحانه وتعالى: قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32]

والموقف الثاني عندما سأل الملك النسوة عن مراودتهن ليوسف - عليه السلام - شهد النسوة ببراءته، واعترفت امرأة العزيز بحقيقة الأمر، قال سبحانه وتعالى: )قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين (51)( (يوسف)، فشهد الملك بأمانته وجعله في منزلة عالية.

6. شهادة رب العالمين وكفى بالله شهيدا:

والله - عز وجل - أعظم وأصدق من شهد ليوسف - عليه السلام - بالعفة والبراءة مما نسب إليه، قال سبحانه وتعالى: )كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24)( (يوسف)، فشهد الله تعالى بأنه صرف عنه السوء والفحشاء، وأنه من عباده الذين أخلصهم - أي الله - لعبادته وطاعته، فلا يقع منهم مكروه ولا يميلون إلى سوء.

فأية شبهة تبقى مع هذه الشهادات في براءة يوسف عن الذنوب؟! قال القاضي: وهؤلاء الطاعنون في يوسف إن كانوا من حزب الله فليقبلوا قوله، وإن كانوا من حزب الشيطان فيجب ألا يتركوا

* قوله: (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) [ص [23]]

وبناء على هذه الأدلة تثبت براءة يوسف - عليه السلام - من كل ما رمي به من الهم بالفاحشة، وقد ذكر القرآن كل هذه الشهادات، مما ينفي تماما أن يكون القرآن قد طعن في عصمة يوسف عليه السلام.

رابعا. القرآن يثبت الهم ليوسف، ويثبت براءته ولا اضطراب في ذلك:

وأما ما ادعاه بعضهم من وجود تعارض بين قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها(، وقوله سبحانه وتعالى،

* على لسان امرأة العزيز وصويحباتها: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21]

فلا أساس لهذا التعارض من الصحة؛ وذلك بناء على ما سبق بيانه من معنى الهم، واختلافه لدى كل من يوسف - عليه السلام - وامرأة العزيز، وبيان موقف كل منهما من الآخر، يثبت عدم تعارض القرآن الكريم، بين قوله سبحانه وتعالى: )ولقد همت به وهم بها( وقوله سبحانه وتعالى: )قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين (51)( (يوسف)؛ بل الآيتان الكريمتان تؤيد كل منهما الأخرى، وتثبت عصمة يوسف - عليه السلام - وبراءته مما نسب إليه.

هل صحيح أن الكتاب المقدس لا يدين يوسف و يبرئه؟

جاء في الكتاب المقدس: "إنها لما طلبت إليه الشر استنكر طلبها، وقال: كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟وكان إذ كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها. ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله، ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت. فأمسكته بثوبه قائلة: "اضطجع معي!". فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج". (التكوين39: 9 - 12).

وقد استدل بعض المدعين بهذا الجزء من الكتاب المقدس على خطأ القرآن فيما أورده بشأن يوسف - عليه السلام - إذ يقولون: إن القرآن أثبت الهم ليوسفـ عليه السلام - في قوله: )وهم بها( بينما نفى ذلك الكتاب المقدس. وقد بينا معنى الهم المراد في الآية، وأما حديث الكتاب المقدس عن تبرئة يوسف - عليه السلام - فما هو إلا إدانة له، حيث يذكرون أنه ترك ثوبه مع امرأة العزيز، وخرج وهذا - منطقيا - أمر ينال من قدرات يوسف العقلية.

فكيف يخرج عاريا ويترك ثوبه في يدها ليثبت الجريمة على نفسه، وهو الذي حاول التخلص منها بكل وسيلة؟! وعليه فلا تناقض في القرآن، وهو أكبر شاهد على براءة يوسف وعفته وطهارته - عليه السلام - ولا عبرة لشطحات الكتاب المقدس.

الخلاصة:

· أخلاق يوسف - عليه السلام - وعصمته باعتباره نبيا تتنافى مع ما نسب إليه من اتهامه بالهم بالفحشاء، ويشهد لهذا القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، كما أن ما وجه إليه من اتهام بالفحشاء ينأى عنه[24] كل عاقل من غير الأنبياء، فكيف به في حق الأنبياء؟!

· لما وقعت من امرأة العزيز المراودة، ودعته إلى نفسها؛ أجابها بقوله: )قال معاذ الله( (يوسف: 23) فكيف يهم بموافقتها مع قوله هذا؟!

· إن الله - عز وجل - شهد ليوسف - عليه السلام - بمقام (المخلصين) فقال: )إنه من عبادنا المخلصين (24)(، وهذا المقام عصم الله أصحابه من سيطرة الهوى واتباع الشيطان، فقد قال الله لإبليس )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر: 42)، وجاء على لسان إبليس اعترافه بعجزه عن إغوائهم قال: )قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83)( (ص) فهل ينسجم هذا المقام مع الهم بفعل الحرام؟

· لقد قال الله عن يوسفـ عليه السلام -: )كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء(وهذا يعني أن الهم بالمعصية لم يقع منه، فلو وقع منه ذلك لما قال الله: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء.

· أعلنت امرأة العزيز براءة يوسف - عليه السلام - من الهم والمعصية، وأنه لم يجبها إلى طلبها إذ قالت: )ولقد راودته عن نفسه فاستعصم( (يوسف: 32) وشهدت بعفته وصدقه إذ قالت: )أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين (51)(، وكذلك فإن النسوة قد شهدن بعفته وطهارته إذ )قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء(.

· أظهرت نتائج التحقيق براءته من الهم بالسوء، إذ إن امرأة العزيز لما وجهت له اتهامها بإرادة السوء، طلب العزيز فتح محضر للتحقيق وعين العزيز شاهدا من أهلها ليحقق في الادعاء.

المدعي: امرأة العزيز، تدعي أن يوسف - عليه السلام - أراد بها سوءا!

المدعي عليه: يوسف - عليه السلام - ينفي التهمة عن نفسه ويقول: )قال هي راودتني عن نفسي( (يوسف: 26)، المحقق: كشف ملابسات القضية بقوله: )إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (27)( (يوسف).

وقد تبين بعد فحص القميص أن المذنبة المدانة هي امرأة العزيز، وبالتالي ظهرت براءة يوسف - عليه السلام - من الهم بالسوء والفحشاء: )فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم (28)( (يوسف) وطلب العزيز من يوسف - عليه السلام - أن يكتم الحدث احتراما لهيبة القصر: )يوسف أعرض عن هذا( (يوسف: 29)، وطلب من امرأة العزيز أن تتبرأ من خطيئتها، وتستغفر لذنبها: )واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين (29)( (يوسف).

المراجع
  1. (*) الرد على كتاب "أخطاء إلهية في القرآن الكريم"، مجموعة علماء، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، 2003م. هل القرآن معصوم؟ موقع إسلاميات. islameyat.com [1]. الهم: قصد الجماع.
  2. حصحص الحق: ظهر.
  3. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص313.
  4. صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 249)، باب العين: أحاديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (11475).
  5. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( (البقرة:١٣٣) (3194)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف ـ عليه السلام ـ (6311).
  6. يترفع: يتنزه.
  7. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص313 بتصرف.
  8. يواقعها: يجامعها.
  9. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (629)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة (2427).
  10. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص309.
  11. العصمة النبوية، محمد فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، ط3، 1425هـ/ 2005م، ص68، 69.
  12. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة (6126)، وفي موضع أخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة (355).
  13. محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، دار الحديث، القاهرة، 1424هـ/ 2003م، ج6، ص172.
  14. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج 6، ج12، ص253.
  15. قصص الأنبياء، محمد متولي الشعراوي، دار القدس، القاهرة، ط1، 2006م، ص183.
  16. محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، دار الحديث، القاهرة، 1424هـ/ 2003م، مج6، ج12، ص172، 173.
  17. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص310، 311.
  18. المواثبة: أن يثب أحدهما على الآخر.
  19. المضاربة: أن يضرب أحدهما الآخر.
  20. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، د. ت، ج12، ص277: 280 بتصرف.
  21. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص313.
  22. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص314.
  23. عصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1399هـ/ 1979م، ص85، 86 بتصرف.
  24. ينأى عنه: يبعد عنه.