الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | تحكيم الشريعة - شبهات حول الإسلام |
يدعي بعض المغالطين أن القرآن الكريم كتاب دين وأخلاق، وليس كتابا في السياسة تؤخذ منه الأحكام والتشريعات التي تبني المجتمعات وتنظمها؛ فهو بما فيه من تعاليم وأحكام يخاطب القلوب، ولا يؤسس مجتمعات أو حضارات. هادفين من رواء ذلك إلى وصف القرآن بأنه كتاب إيماني لا تشريعي.
1) القرآن الكريم أسس دولة متحضرة لها دعائمها وأقام مجتمعا مدنيا.
2) بناء المجتمع لا يقوم إلا بالقلوب التي رباها الإيمان.
3) تلك دعاوى لم تفهم حقائق القرآن، وإنما هي جاهلة بتشريعاته المضيئة التي قصر دونها كل نظام.
إن القرآن الكريم بتشريعاته النيرة وأحكامه الخالدة أقام مجتمعا عمرانيا متحضرا بلغ قمة المدنية وذروة الحضارة الإنسانية، وأسس دولة قوية فتية متكاملة تنبض بكل أركان الحياة السوية وتشمل جميع جوانبها.
حيث أقام المجتمع الكامل بكل جوانبه الإنسانية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك المجتمع وتلك الدولة التي عاشت قرونا طويلة تقدم عطاءها الوافر بحقوق الإنسان، ومنهج العلم، وقواعدالعمران، ونظم التكامل، ووشائج الاجتماع المتكامل.
وهل كان العرب قبل الإسلام إلا مجموعات متناثرة في خضم الصحراء الواسعة، وقبائل متفرقة لا يجمعهم نظام ولا تؤويهم دولة، ويعيشون في تيه من الضلالات ضائعين تائهين بين مطرقة الغرب وسندان الشرق [1]؟ فلما جاء الإسلام وطبقت أحكام القرآن صارت الحياة الراشدة بالعلم والعمل، وبالسواسية والعدل في مجتمع راشد، وإمبراطورية قوية علا شأنها وارتفع صولجانها، وأخذت مكانها بين الأمم بل ظهرت على من سواها، وصارت لها السيادة والقيادة قرونا طويلة وأزمنة عديدة.
الزعم أن القرآن الكريم كتاب دين وأخلاق لهداية الفرد وتوجيه علاقته بربه، وليس كتاب أحكام وتشريعات تؤخذ منه السياسات التي تحكم المجتمعات وتنظمها، فبماذا كان - إذن - قيام دولة الإسلام الشامخة؟ ومن أقامها؟ وما الذي جعل لها شأنا عظيما؟ ومن أقام للعرب دولة وجعل منهم أمة ذات حضارة ونظام تصول وتجول على وجه الأرض ويعلو مجدها، حتى تسود العالم وتقوده بعدما كانت من أحط الأمم وأرذلها؟!
هل من الفهم السليم للقرآن الكريم والتدبر الواعي لما ورد به من تشريعات جديدة، وقضايا لم تكن معروفة قبله - وبخاصة في هذا العصر الذي ثبت فيه انهيار الأيديولوجيات الشرقية والغربية انهيارا تاما في جميع الميادين الإنسانية والاجتماعية والسياسية - أن يقال عن شريعة الله التي أقامت المجتمع المؤمن بكل جوانبه، إن القرآن كتاب دين وأخلاق وليس كتاب سياسة وتشريع؟!
يبدو أن أصحاب تلك الدعاوى المغرضة، جهلوا بما يحفل به القرآن من تشريعات مضيئة قصر دونها كل نظام، من أجل هذا، يجدر بنا أن نعرض لحقيقة النظام والمجتمع والدولة في القرآن الكريم، حتى تتضح حقيقة قيام إيمان المسلم إلى جانب العبادات والأخلاق، على أركان متكاملة من السياسة والأحكام في نظام الحكم وبناء المجتمع.
بين منهج القرآن في جلاء تام أن الدين عند الله واحد وهو دين الإسلام، كما دعا إليه جميع الرسل،
* قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: 19]
كما أن الله تعالى لا يقبل من أحد دينا سوى دين الإسلام،
* قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)) [آل عمران،]
ومع اتضاح تلك الغاية وتمييز هذه الهوية أمر الله - عز وجل - المؤمنين بأن يلتفوا حول مبدأ واحد، ويجتمعوا حول راية واحدة،
* قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103]
وأي نظام وأي مجتمع يكون أسمى من هذا المجتمع الذي تحددت غايته وتميزت رايته، بل إن القرآن دائما يناديهم بنداء الجماعة
* (يا أيها الذين آمنوا) []
، ويصفهم بطريق الجمع "المؤمنين" ليجمعهم على شريعة الله في مجتمع المؤمنين، ولا ينادي بصيغة الفرد أبدا "الذي آمن وحده.
هقولك بصراحة والله من غير منافقة
ومن مظاهر هذه الوحدة التي هي مصدر قوة هذا النظام وعنصر أساسي في استمرار شموخه، أن ألف بين قلوبهم، وجعلهم أخوة، وجعل أخوتهم من أوثق تعاليم هذا الدين
* قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات.]
ثانيا. مقومات بناء المجتمع في الإسلام:
إذن كيف يتصور تجريد هذا الإيمان الصادق الذي أقام دولة المسلمين ومجتمعهم - من أحكامه وأركانه الكاملة، التي تبني الفرد المؤمن الذي هو لبنة من لبنات وحدة المجتمع المؤمن، بينما بدأت الصلاة مع الإيمان جامعة للمؤمنين وراء قائدهم، خاصة صلاة الجمعة الجامعة للمؤمنين إلى غاية الإيمان من تسييس علاقاتهم وتحقيق سواسيتهم،
* قال تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9)) [الجمعة.]
1. مجتمع قائم على الشورى:
وهذا المجتمع المتماسك كالبنيان المرصوص لا بد له من دعائم تمكنه من الاستمرارية، وتصون أركانه من الانهيار والتصدع، ومن أهم هذه الدعائم أنه مجتمع قائم على مبدأ الشورى،
* قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون (38)) [الشورى]
* وقال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)) [آل عمران.]
وما انهار مجتمع من المجتمعات إلا بسبب عدم تطبيق هذا المبدأ - مبدأ الشورى والتناصح؛ لذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغلال والاستبداد بالأمر دون المؤمنين، كما أمرهم بالتناصح والتشارو فيما بينهم، وما عرفت الحضارات الحديثة شرقا وغربا نظام الشورى إلا عن طريق الإسلام وبعد الاطلاع على علوم المسلمين، فنظام الإسلام يسبقهم ويقودهم إلى مثل هذه المبادئ الخالدة.
مثل هذا النظام الذي يحافظ على تماسكه بالشورى والوحدة في الغاية والهدف يبرز فيه نظام الإنفاق الذي هو جزء من سياسة الإسلام الاقتصادية؛ لأنهم إخوة يواسي بعضهم بعضا عندما ينفقون من مالهم، ليسدوا به حاجات الآخرين وحاجات المجتمع المتنوعة
* قال تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (31)) [إبراهيم.]
3. العدل هو أساس قيامه:
إذا كان هذا المجتمع يتمتع بالأخوة الصافية والشورى الواعية، ويكفل بعضه بعضا في نظام متحد الغاية متميز الراية، فإن ذلك كله لا يكفل له بقاءه وتجدده واستمراريته حتى يقوم على أساس من العدل والمساواة؛ لذلك كان من أهم مقومات المجتمع المؤمن أنه قائم بالقسط شاهد بالحق
* قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90)) [النحل]
* ، وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: 17]
* وقال تعالى: ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]
ومن مقاصد العدل في الإسلام أنه أعطى كل ذي حق حقه؛ ولأن الإسلام قام على العدل المطلق، كان من مقومات ذلك أن أعطى الحقوق لأهلها، والأهم من ذلك أن لحقوق الإنسان في القرآن الكريم والشريعة الإسلامية طابع الضرورة المؤسس على العقيدة، أي: طابع الالتزام الناشئ بمحض الإيمان، وإذا تعرضنا لأهم ما كفله القرآن وشريعته من حقوق الإنسان الأساسية، انتصر ذلك الطور العملي والتطبيقي لمبادئ الحضارة الإسلامية، ونجدها كلها قائمة على مبدأ العدل والمساواة.
لقد كان القرآن الكريم أسبق من كل الدساتير العالمية والدولية في تأكيد هذا الحق، كما كان الالتزام به في مبادئ العقيدة عند الحكام المسلمين والمنفذين لأحكام الشريعة أصدق وأبقى،
* قال تعالى في تأصيل هذا الحق: مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة: 32]
حيث جعل سبحانه وتعالى قتل النفس الواحدة - بغير استحقاق شرعي لهذا القتل - جرما وعدوانا يساوي في بشاعته قتل الناس جميعا، ثم تتم المعادلة في حكم الله وشرعه، بأن تجعل من إحياء النفس الواحدة أي: حمايتها من أن تتعرض للقتل ظلما وعدوانا عملا صالحا يساوي إحياء الناس جميعا، وجعل من القصاص حياة؛ لأنه يحرص على حياة الآخرين، عندما يزجر كل من تسول له نفسه ذلك الأمر ويردعه عن ارتكابه
* قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)) [البقرة.]
2. حق الإرادة الحرة للإنسان:
فلا يكون عبدا مملوكا بإرادته لإرادة غيره، وهذا الحق العظيم من حقوق الإنسان منحته الشريعة الإسلامية العادلة؛ إذ إنه من إيمان الإنسان الصادق بالله ينبع إدراكه بأن إرادته لا يملكها إلا الله؛ لذلك كان موقف الشريعة هو أن تدفع بإرادة المؤمنين الأحرار إلى عتق من بيدهم من العبيد بحق الإيمان، وأخوة الإنسان للإنسان أو كفارة عن بعض الذنوب، وأن تنمي في إرادة الرقيق - من الجانب الآخر - أن يكونوا بالإيمان أهلا لحرية الإرادة حتى تتوجه عبوديتهم الخالصة لله وحده؛ لذلك لم تتجه الشريعة إلى الحكم القطعي بإلغاء الرق وإنما اتجهت إلى إلغائه تدريجيا.
وفي هذا المضمار نصت الشريعة على إلزام الدولة في أحد وجوه إنفاقها بتحرير الرقيق
* قال تعالى: ۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
3. حرية الاعتقاد:
لقد أقر الله هذا الحق وأكد عليه في القرآن في مواضع عديدة
* قال تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]
* وقــال تعالــى: (أفأنت تكـره النـاس حتى يكونـوا مؤمنيـن (99)) [يونس]
* ، وقال عز وجل: (لكم دينكم ولي دين (6)) [الكافرون.]
ولقد كان هذا الحق ظاهرا منذ عهد المسلمين الأوائل وحتى اليوم؛ فما لقيه أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى من الأمن ضد أي اضطهاد بسبب الدين مع حرية العمل ومع مشاركة المسلمين جميع حقوق الإنسان الأخرى، هو عكس ما كان يجري بوحشية في الحروب الدينية في أوربا بين طوائف المسيحيين المختلفة، وغيرها من الحروب والنزاعات.
لقد ألغى القرآن العنصرية أو التعصب لجنس أو لون أو سلالة كمعيار للتفاضل، الأمر الذي لا تزال تأخذ به حضارة "الرجل الأبيض" ضد الملونين تأثرا بالصهيونية، وتعلقا بالنزعة الآرية
* قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13]
وبذلك أدان الإسلام أهم مشكلة تعاني منها الإنسانية في الوقت الحاضر؛ وهي العنصرية القبيحة.
5. حق حماية الأسرة:
ضمانا للنمو النوعي وذلك بحماية أمن الأسرة، وضمانا لعدم اختلاط الأنساب، وحق رعاية الطفل وحق التعليم السليم للنشء، وتنمية علاقات الحب والقربى الاجتماعية، وتأصيل طهارة الأخلاق في حياة ونشاط
* يقول تعالى في تأصيل هذا الحق: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرّوم: 21]
وقد بينت السنة المطهرة وأحكام الفقه حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة بالتفصيل.
6. حق الدفاع عن النفس:
لأن هذا المجتمع له أعداؤه الذين يتربصون به الدوائر، ويريدون هدم دولته، والنيل من شريعته ونظامه، شرع الله الجهاد، وأمر المؤمنين بأن يكونوا على استعداد لمن يتربص بهم من أن ينالهم بمكروه أو سوء، وذلك بأن يكون لهم جيش يحمي نظامهم ويدافع عن ثغورهم، وينصر المستضعفين في الأرض، ويحرر المظلومين من الاضطهاد والعدوان
* قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [الأنفال: 60]
* وقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190]
* ، وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)) [البقرة.]
هذه فقط بعض الأمثلة من المقومات التي يقوم عليها نظام الإسلام، والتي أخبر بها القرآن الكريم؛ فهلا اطلع عليها أصحاب تلك الدعاوى المغرضة، أم هم جاهلون بها، ويفترون الكذب بما ليس عندهم به برهان من منطق، أو سند من عقل.
ثم نأتي إلى أهم ما نناقش به حجتهم التي لا تقوم على دليل من منطق أو برهان من عقل ونقول لهم: ماهو الدليل على دعواكم تلك التي زعمتموها؟ هل عندكم دليل من العقل أو شاهد من التاريخ أو نص من القرآن ينهى أتباعه عن إقامة نظام لهم يحكمهم ويسوسهم في أمور حياتهم؟ أم أن القرآن يأمر بعكس ذلك، ولكن عيونهم عميت عن ذلك وأفهامهم طمست أن تدرك تلك التعاليم العلية؟
وبناء على هذا فإن هؤلاء ليس لهم حجة ولا سند من عقل أو منطق أو نص من القرآن يستندون عليه - ولو متأولين له - إنما نلاحظ أن القرآن الكريم ينص صراحة على أن شريعة الله الحقة بما أرادها الله - عز وجل - ما أنزلت إلا للحكم بها، وإقامة المؤمنين لنظامهم ومجتمعهم ودولتهم على أسسها،
* قال تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105)) [النساء.]
* وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44)) [المائدة،]
* وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45)) [المائدة]
* وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47)) [المائدة.]
فكيف يدعي أولئك أن القرآن كتاب دين وأخلاق وعبادات خاصة بالفرد، وليس كتاب سياسة يبني مجتمعا ويقيمه؟ كيف يقال ذلك وهذه هي نصوص محكمة الدلالة واضحة المعنى في القرآن الكريم تبين أن القرآن ما أنزل إلا ليحكم به، وما أنزل إلا لينظم شئون الحياة ويسوسها؟! إنما كانت مرحلة تربية القلوب في البداية إبان مرحلة التشريع في مكة، وكانت لإعداد اللبنات الإيمانية التي سوف يقوم على كواهلها بناء المجتمع السليم [2].
• إن الفرية الزاعمة أن القرآن كتاب هداية لقلب الإنسان فقط، وليس كتابا يقيم مجتمعا، زعم باطل، لا يقوم على ساق ولا يستند إلى برهان من منطق أو دليل من العقل أو نص من القرآن، بل الثابت تاريخيا أن القرآن أقام أمة ذات حضارة إنسانية راقية، وأسس دولة عظيمة ذات سيادة ومدنية؛ فلم تكن للعرب قبل الإسلام تلك الدولة، كما أن تعاليم الإسلام وتشريعاته أقامت نظاما يقصر دونه كل نظام، وأقرت دستورا سبق كل نظم ودساتير العالم إلى كل حق وعدل وصلاح وخير؛ لأنه دستور إلهي وهو القرآن الكريم.
• إن بناء المجتمع لا يقوم إلا على كواهل القلوب المؤمنة التي رباها الإسلام وصفاها من الشوائب، حتى يصبح المجتمع الإسلامي مجتمعا مثاليا.
• لقد كفل الإسلام الحريات في حين ضيعتها المناهج المعاصرة، ووضع أساسا لبناء مجتمع متماسك فأرسى مبادئ الشورى والمساواة، والحرية والعدل والتكافل وسائر الحقوق، فكيف يقال بعد هذا أنه دين يبني قلوبا ولا يبني مجتمعات؟!
* قال سبحانه وتعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا (5)) [الكهف.]