البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

هل للمسلِمين أيَّةُ إسهاماتٍ في نهضةِ البشَريَّة؟

العربية

المؤلف باحثو مركز أصول
القسم موسوعة الشبهات المصنفة
النوع صورة
اللغة العربية
المفردات مراحل التاريخ الإسلامي - علم التاريخ - شبهات حول الإسلام
الجواب المختصر:

مضمونُ السؤال:

صاحبُ هذا السؤالِ يَرَى أن المسلِمين قد تخلَّفوا عن رَكْبِ الثورةِ العلميَّةِ الحديثة، وأنهم عالةٌ على غيرِهم فيما يَحْتاجون إليه؛ فاستبعَدَ أن يكونَ لهم إسهاماتٌ في نهضةِ البشريَّة.

مختصَرُ الإجابة:

إن الإسلامَ يدعو للعلمِ والعملِ، اللَّذَيْنِ هما مِن أسبابِ نهضةِ الأُمَم:

- فإن أوَّلَ ما نزَلَ مِن القرآنِ الكريمِ قولُ اللهِ تعالى:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

[العلق: 1].

- وكذلك يدعو إلى عِمارةِ الأرضِ؛

قال اللهُ تعالى:

﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾

[هود: 61]،

وقال: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، أي: طلَبَ منكم عِمارتَها بكلِّ ما يُفيدُ ويساعِدُ في نهضتِها، وكذلك حَثَّ الإسلامُ على العملِ وإعلاءِ شأنِهِ، بل أمَرَ بإتقانِهِ والاحتسابِ في ذلك.

وإذا نظَرْنا إلى المسلِمين الأوائلِ، نجدُ أنهم قد امتثَلوا هذا الأمرَ الإلهيَّ، وحرَصوا على العِلمِ، وقاموا بعِمارةِ الأرضِ في وقتٍ كانت فيه الأممُ تَغرَقُ في ظُلُماتِ الجهالة، بل كان الملوكُ والأمراءُ في الغربِ يُرسِلون أولادَهم لبلادِ المسلِمين؛ كالأَندَلُسِ ونحوِها؛ للتعلُّمِ والعلاجِ ونحوِ ذلك، وهذه النهضةُ العلميَّةُ التي نراها عند الغربِ اليومَ إنما قامت على ما حصَّلوهُ مِن علماءِ الإسلام؛ وهذا مدوَّنٌ ومعلومٌ باعترافِ مفكِّري الغربِ أنفُسِهم. وسببُ ما آلت إليه أحوالُ المسلِمين في شتَّى بِقاعِ الأرضِ الآنَ، كان مِن جَرَّاءِ بُعْدِهم عن دِينِ ربِّهم، وعن مَعِينِ العلومِ العَذْبِ الذي خلَّفه لنا أسلافُنا مِن علماءِ المسلِمين في كلِّ مجالٍ؛ في العلومِ الدينيَّةِ، والعلومِ الكونيَّة.


الجواب التفصيلي:

الجوابُ التفصيليّ:

ويُمكِنُ تجليةُ هذا الإشكالِ مِن خلالِ النقاطِ التالية:

أوَّلًا: الإسلامُ يدعو للعلمِ والعملِ الذي تَنهَضُ به الأممُ:

الإسلامُ يدعو للعلم، ويحُثُّ عليه؛إذ هو سببٌ في نهضةِ الأممِ؛ فإن أوَّلَ ما نزَلَ مِن القرآنِ الكريمِ قولُ اللهِ تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، وقد كان ذلك في فترةٍ قد تحكَّمتِ الخرافاتُ والأباطيلُ في العرَب؛ فكانت الرسالةُ المحمَّديَّةُ بمثابةِ الثورةِ العلميَّةِ لتصحيحِ المفاهيم، والنهضةِ والارتقاءِ بالناسِ جميعًا.

وقد قال اللهُ تعالى لنبيِّهِ ^:

﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾

[طه: 114]،

فلم يأمُرْهُ تعالى بالزيادةِ مِن شيءٍ كما أمَرَهُ بالزيادةِ مِن العلم، ومِن العجيبِ: أن كلمةَ «العِلْمِ» بمشتقَّاتِها قد ورَدتْ في القرآنِ (779) مرَّةً، وأما السنَّةُ، فإحصاءُ ذلك فيها صعبٌ جِدًّا.

وكذلك حَثَّ القرآنُ الكريمُ على العملِ النافعِ والاكتسابِ؛

فقال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾

[الملك: 15]،

وقال تعالى:

﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾

[يس: 35].

وذكَرَ القرآنُ الصناعةَ في مقامِ الامتنانِ؛

فقال تعالى:

﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾

[الأنبياء: 80]:

قال القُرطُبيُّ: «هذه الآيةُ أصلٌ في اتِّخاذِ الصنائعِ والأسباب، وهو قولُ أهلِ العقولِ والألباب، لا قولُ الجهَلةِ الأغبياءِ القائلِين بأن ذلك إنما شُرِعَ للضعفاء؛ فالسببُ سُنَّةُ اللهِ في خلقِهِ؛ فمَن طعَنَ في ذلك، فقد طعَنَ في الكتابِ والسنَّةِ، ونسَبَ مَن ذكَرْنا إلى الضعفِ وعدمِ المُنَّة». اهـ. «تفسيرُ القُرطُبيّ» (11/ 321).

ثانيًا: حثُّ الإسلامِ على إتقانِ العمل:

ولم يكتفِ الإسلامُ بالدعوةِ للعمَلِ، بل حَثَّ ورغَّب في إتقانِ العمَلِ؛

فعن عائشةَ؛ أن رسولَ اللهِ ^ قال:

«إِنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ»؛

رواه ابنُ أبي داودَ في «المصاحف» (ص 344)، وأبو يَعْلى (4386)، والطبَرانيُّ في «الأوسط» (897)؛ وهو حسَنٌ بشواهدِه.

وكلُّ هذا مِن إعلاءِ الإسلامِ لقِيمةِ العلمِ والعملِ المتقَن، والذي يكونُ سبيلًا لنهضةِ الأمَّة.

ثالثًا: الإسلامُ يدعو إلى عمارةِ الأرض:

وكذلك يدعو الإسلامُ إلى عِمارةِ الأرضِ؛قال اللهُ تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وقولُهُ: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، أي: طلَبَ منكم عِمارَتَها بكلِّ ما يُفيدُ ويساعِدُ في نهضتِها.

وإذا نظَرْنا إلى المسلِمين الأوائلِ، نجدُ أنهم قد امتثَلوا هذا الأمرَ الإلهيَّ، وحرَصوا على العلمِ، وقاموا بعمارةِ الأرضِ في وقتٍ كانت الأممُ تَغرَقُ في ظُلُماتِ الجهالة؛ بل كان الملوكُ والأمراءُ في الغربِ يُرسِلون أولادَهم لبلادِ المسلِمين كالأَندَلُسِ؛ للتعلُّمِ والعلاجِ ونحوِ ذلك، وهو ما دعا العلَّامةَ الفَرَنسيَّ جُوسْتاف لُوبُون:يتمنَّى لو أن المسلِمين استَوْلَوْا على فرنسا؛ لتغدُوَ باريسُ مثلَ قُرْطُبةَ في إسبانيا المسلِمةِ تقدُّمًا ونهضةً». «حضارةُ العرَب» لجُوسْتاف لُوبُون (ص 13- 317).

رابعًا: تطويرُ المسلِمين لعلومِ مَن سبَقَهم:

ولا شكَّ أنه كانت هناك علومٌ كثيرةٌ متداوَلةٌ قبل المسلِمين، وقد استفادوا منها؛ لكنهم لم يقتصِروا على مجرَّدِ النقلِ عمَّن سبَقوهم، بل توسَّعوا وأضافوا إضافاتٍ باهرةً مِن ابتكاراتِهم واكتشافاتِهم؛ وذلك في سائرِ العلوم؛ كـ «الطبِّ، والفيزياءِ، والبصريَّاتِ، والهَندَسةِ، والجُغْرافْيا، والفلَكِ، ونحوِ ذلك»؛ وكلُّ هذا بإقرارِ علماءِ الغرب:

ومِن ذلك قولُ المستشرِقِ الفَرَنسيِّ البارُونِ (كارا دِي فُو): «أنجَزَ العربُ أعظمَ المكتشَفاتِ العلميَّةِ فعلًا، فعلَّمونا استعمالَ الصِّفْرَ، ولو أنهم لم يكونوا مبتكِرِيه، وهكذا ابتدَعوا حسابَ الحياةِ اليوميَّة، إنهم جعَلوا «الجَبْرَ» عِلْمًا متقَنًا، وتقدَّموا به، ووضَعوا أُسُسَ علمِ الهَندَسةِ التحليليَّةِ، وهم - بلا منازعٍ - مُوجِدو عِلمَيِ المثلَّثاتِ «المستوِيَةِ» و«الكُرَويَّةِ»، اللذَيْنِ لم يكن للإغريقِ فضلٌ في وجودِهما؛ إذا ما توخَّيْنا الدقَّةَ والإنصافَ». «تراثُ الإسلام» بإشراف أَرْنُولْد (ص 563- 564).

ومثلُ هذه الشهادةِ كثيرٌ جِدًّا في سائرِ العلومِ التي كانت سببًا في النهضةِ العلميَّةِ الحديثة.

خامسًا: شهادةُ علماءِ الغربِ بنهضةِ المسلِمين الأوائلِ:

وهذه النهضةُ العلميَّةُ التي نراها عند الغربِ اليومَ، إنما قامت على ما حصَّلوهُ مِن علماءِ الإسلام؛ وهذا مدوَّنٌ ومعلومٌ باعترافِ مفكِّري الغرب.

فهذه الحقيقةُ تؤكِّدُها المستشرِقةُ الألمانيَّةُ (زِيجْرِيد هُونْكَه)، وذلك حين قارَنت بين العلمِ في نظرِ الإسلامِ، والعلمِ في نظرِ النصرانيَّةِ في الغربِ الأوروبيِّ خلالَ العصورِ الوسطى، فذكَرَتْ كيف أوصى الرسولُ ^ كلَّ مؤمِنٍ - رجلًا كان، أو امرأةً - بطلبِ العلمِ، وجعَلَ ذلك واجبًا دينيًّا، ولم يَنْهَ ^ أتباعَهُ عن التعمُّقِ في دراسةِ المخلوقاتِ وعجائبِها، ويَرَى ذلك وسيلةً لمعرفةِ قدرةِ الخالق [أي:

كما في قولِهِ تعالى:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾

[البقرة: 164]،

وقولِهِ تعالى:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾

[فصلت: 53]

، ونحوِ ذلك]، ثم أَتبَعَتْ ذلك بقولِها: «وعلى النقيضِ تمامًا يتساءَلُ بُولِسُ الرسولُ مُقِرًّا: «ألم يَصِفِ الربُّ المعرفةَ الدنيويَّةَ بالغباوة؟!». «شمسُ العرَبِ تَسطَعُ على الغرب» لزِيجْرِيد هُونْكَه (ص 369).

ويقولُ دويبر - الأستاذ في «جامعة نُيُويُورْك» - بعد أن عدَّد مآثرَ المسلِمين في العلومِ الطبيعيَّة: «فإنهم [أي: المسلِمين] قد رَقَّوُا العلومَ القديمةَ ترقيةً كبيرةً جدًّا، وأوجَدوا علومًا جديدةً لم تكن معروفةً قبلهم، وإنَّ جامعاتِ المسلِمين كانت مفتوحةً للطَّلَبةِ الأوروبِّيِّين الذين نزَحُوا إليها مِن بلادِهم لطلَبِ العِلْم». «معالمُ الحضارةِ في الإسلامِ، وأثَرُها في النهضةِ الأوربيَّة» (ص 115).

وقال المستشرِقُ الفرَنسيُّ (سيديو): «وهكذا تجلَّى تأثيرُ العربِ في جميعِ فروعِ الحضارةِ الأوروبيَّةِ الحديثة ... وتَشهَدُ الإنتاجاتُ المتنوِّعةُ والاختراعاتُ المهمَّةُ على ما كان يتَّصِفُ به عرَبُ ذلك الزمَنِ مِن النشاطِ العجيب، وبما كان لهم مِن الأثرِ البالغِ في أوروبا، فجاء هذا مسوِّغًا للرأيِ القائلِ: «إن العرَبَ كانوا أساتذةً لنا». «تاريخُ العرَبِ العامّ» (ص 425).

وهذه الإنتاجاتُ المتنوِّعةُ والاختراعاتُ المهمَّةُ التي تحدَّث عنها (سيديو)، كانت بمثابةِ الأساسِ لهذه النهضةِ العلميَّةِ التي يَشهَدُها العالَمُ الآنَ في سائرِ العلوم؛ لكننا لما تخلَّفنا عن امتثالِ أوامرِ الإسلامِ في الحرصِ على العلمِ وعمارةِ الأرض، تأخَّرْنا وتقدَّم غيرُنا.

وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (209)، (224).