البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

مع إطلالة عام جديد

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات -
عناصر الخطبة
  1. نهاية عام هجري واستقبال آخر جديد .
  2. قيمة الأمنيات تحدد بحسب أصحابها .
  3. الفرق بين الأماني والرجاء .
  4. عظم بلاء المسلمين في الشام وغيرها .
  5. أحوال الأمة بين عامين .
  6. خطورة الاقتحامات الصهيونية للأقصى وأهدافها .
  7. كيف ننصر الله؟ .
  8. هل نُتبِع الرجاء بالعمل؟ .

اقتباس

المشاهد المؤلمة ما زالت قائمة، فأرض الشام الجريحة وأهلها الشجعان غيرت الرؤيا والأفكار والموازين، وكشفت أستار الضغائن والأحقاد، وأظهرت الوجه القبيح لأعداء الملة، واليمن ظهر أثره العظيم في مصير جزيرة العرب، وهب جنودنا -ومن معهم بارك الله فيهم- لنصرة إخوانهم، وإنقاذ اليمن من الرجس الباطني. وفلسطين والأقصى المبارك وصمود أهلها أمام جبروت وصلف اليهود؛ ذلك الصمود الفريد الذي أبقى للمسلمين حبلاً متينًا، يربطهم بتلك الأرض المباركة، وبأولى القبلتين، فلولا الله تعالى ثم رباط المقدسيين ومناصرة إخوانهم من المدن الأخرى لكان المسجد في خبر كان.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مع اقتراب نهاية عام هجري واستقبال آخر جديد، تختلج في القلب مجموعة من المشاعر؛ المشاعر السعيدة والحزينة فكل نفس جاوزت هذا العام حملت معها أفراحًا وأحزانًا، وكان لها أمنيات منها ما تحقّق، ومنها ما يزال في الأفق ينتظر موعده، إما أن يتحقق، أو غير ذلك وكله في القدر والقدر مكتوب بحكمة وعدل.

قيمة الأمنيات تحدد بحسب أصحابها؛ فمنهم من لا تتعدى أمنيتهم الأرض بأغراضها وأهوائها ومنافعها، ومنهم على النقيض تماما، وهم قليل، من زهد في الدنيا، فلا رجاء له إلا ما ورائها، ومنهم من جمع بين الاثنين بالتساوي، ومنهم من قدم الدنيا، ومنهم من قدم الآخرة، ومنهم من أمنيته في حدود ومحيط نفسه وأغراضه الشخصية، ومنهم من جاوز ذلك فاتصلت أمنياته بالمسلمين ورفع معاناتهم واسترجاع حقوقهم وأراضيهم ومقدساتهم (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)[البقرة: 148].

ومع علمنا بالفرق بين الأماني والرجاء، فالرجاء مربوط بالعمل وصاحبه يترقب حصوله فالذي يرجو يعمل ويترقب (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة:218].

أما الأماني فإنها طلب حصول شيء محبوب، لكنه صعب ولا حقيقة له في سعي الإنسان وإنما كما قال تعالى: (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) [النجم: 24- 25].

قال المفسرون: "تمنى الكفار الشفاعة، ولم يعملوا لها، فلم يحصلوا عليها، وتمنوا الجنة ولم يعملوا لها فلن يدخلوها" (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى).

معاشر الإخوة: إن تعلق القلب بالآخرة يرفع من نوع الأمانة، فإن القلب إذا تعلق بالسماء استدبر سفاسف الأمور ورديئها، واستقبل معاليها.

في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصرحًا بشيء في صدره في قلبه، قال: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل".

فكل أمنية تنبئ عما في قلب صاحبها ونوع همومه وتطلعاته.

أيها المسلمون: نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا -بإذن الله- فكيف نستقبله؟

المشاهد المؤلمة ما زالت قائمة، فأرض الشام الجريحة وأهلها الشجعان غيرت الرؤيا والأفكار والموازين، وكشفت أستار الضغائن والأحقاد، وأظهرت الوجه القبيح لأعداء الملة، واليمن ظهر أثره العظيم في مصير جزيرة العرب، وهب جنودنا -ومن معهم بارك الله فيهم- لنصرة إخوانهم، وإنقاذ اليمن من الرجس الباطني.

وفلسطين والأقصى المبارك وصمود أهلها أمام جبروت وصلف اليهود؛ ذلك الصمود الفريد الذي أبقى للمسلمين حبلاً متينًا، يربطهم بتلك الأرض المباركة، وبأولى القبلتين، فلولا الله تعالى ثم رباط المقدسيين ومناصرة إخوانهم من المدن الأخرى لكان المسجد في خبر كان.

يا إخوة الإيمان: إن الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى خلال السنوات الأخيرة لم تتوقف، لكن الاقتحامات المتكررة التي شهدنا وما زلنا نشهد فصولها خلال الأسابيع القريبة الماضية تحمل في طياتها مخاطر حقيقية في ظل المآسي التي يشهدها العالم العربي، وانشغال الإعلام بها؛ حيث تسعى المؤسسة الإسرائيلية للإطباق على مدينة القدس، وتهويد كافة مناحي الحياة فيها باستحداث فكرة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.

فاليهود لهم أعياد كثيرة فأخذوا يرتبون فتح المعابد الكريهة على هذا الأساس، وهم يريدون أن يدخلوا المسجد وما حوله دون نفس عربي مسلم، ولذلك جاء هذا التقسيم الزمني حتى يعتاد المسلمين على الغياب عن المسجد بالكلية، فتصبح عمليات هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل فوقه أسهل.

لكن الأخيار من المقدسيين من الرجال والنساء تقاسموا الرباط في المسجد حتى لا يخلوا في ساعة من ليل أو نهار فيدنّسه اليهود، ففي ثنايا الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي منعوا المسلمين من دخول المسجد بحجة عيد رأس السنة اليهودية العبرية الذي حلّ في ليلة الثالث عشر من شهر ذاته، واقتحم جنود اليهود ساحة المسجد لتفريغ المرابطين بأقصى أنواع العنف تجهيزًا ليجده اليهود خاليًا من أهله الركع السجود فقاومهم الأبطال، فكسر اليهود باب المسجد، وخربوا، وأُضرمت النيران وقتلوا أحد المسلمين، فسمعت المدن الأخرى بوقاحة اليهود واقتحامهم للمسجد وتخريبه، واستشهاد أحد الشاب المرابطين على أيديهم -إن شاء الله-، فقاموا محتجين فحدثت مواجهات بين المقدسيين وجنود اليهود، وما زالت هذه المواجهات بين المسلمين واليهود قائمة حتى هذه الساعة.

وباقي المسلمين مشغولون كلٌ منهم بقضيته، والإعلام يسلط الضوء بحسب سعة الوقت وحسب قائمة أولوياته.

أما روحاني الفرس فقد خرج على التليفزيون يهنئ اليهود بعيد السنة العبرية، ولا كأنه قد حصل شيء (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)، ألا شاهت تلك الوجوه!

معاشر الإخوة: مع إطلالة عام هجري جديد ترد على القلب الأمنيات كما تقدم، ولا أحد يمنع أو يحرم الأمنيات الأرضية، ما دامت مباحة، لكن القصد هو ترتيب الأمنيات من حيث أهميتها، فقلوب الكثيرين مليئة بأمنيات ورغبات ورجاء، لكن الملحوظ أن الجزء الأكبر منها والمتبوع بالعمل والحرص والمثابرة إنما هو الرجاء الدنيوي الذي لا يجاوز الأرض ولا علاقة له بالإسلام ولا بالآخرة.

ولذلك ينبغي أن يراجع المسلم أمنياته، ويرتقي بها إلى مستوى أعلى وأسمى لاسيما في زمان كثرت فيها الفتن، واستحرى فيه القتل، وتربص به الأعداء، وأحاطوا بنا إحاطة المعصم.

أسأل الله تعالى أن يصرف عنا وعن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصرنا على أعدائنا وأسأله أن يهدينا لخير الرجاء.

أيها الإخوة: هل نرجو الله –تعالى- بعد أن نبذل الأسباب أم قبل أن نبذلها؟

عندما نرجو أن ننصر وننتصر في اليمن وفي الشام هل نُتبِع الرجاء بالعمل؟ بل حتى في فلسطين هل نعمل لتحقيق رجائنا بتحريرها والمسجد الأقصى؟

قد يقول القائل: وما الذي يمكننا أن نعمله؟ فلسنا جنودًا في جبهات القتال، ولسنا سياسيين؟ نعم، لسنا كذلك، ولكننا نستطيع أن نؤثر في المعركة بشكل غير مباشر، وأهم ما نستطيع عمله هو العودة الصادقة إلى الله –تعالى-؛ هذا هو أول شيء.

نعم العودة الصادقة حتى لو كنا ممن يأتي إلى صلاة الجمعة إذا كان الله تعالى قد خاطب الصحابة المهاجرين منهم والمجاهدين والأنصار بقوله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]، هذا للصحابة فكيف بنا نحن؟!

إن الخبث إذا كثر فلا أقل من أن ندفعه بالخير، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث زينب -رضي الله عنها- حين سُئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث"، إذا لم نتعاون على البر والتقوى فكيف نرجو الفرج؟

بذل السبب هو التعاون على البر والتقوى إذا لم نبدأ بأنفسنا فنغيرها للأحسن كما قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11]، إذا لم نغير ما بأنفسنا فكيف نرجو الفرج؟

إذا لم نصلح أهلينا وأولادنا ونأخذ بأيديهم إلى الصالحات ونمنعهم من المحرمات ونحفظهم من فكر الغلو فكيف نرجو الفرج؟

إذا لم نجتهد في الدعاء للمسلمين في أرجاء الأرض نتحرى فيه أوقات الإجابة فكيف نرجو الفرج؟

فإن عاما ينصرم وعامًا يحلّ، وسنن الله لا تتبدل، وإذا كان لا مناص من سنن الله فهي ماضية ماضية، فإنه إذا قال جل وعلا: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) [محمد: 7]، فإن هذا وعده وهي سنته فكيف ننصر الله تعالى؟

ننصره إذا نصرنا دينه، عند ذلك يتأتى النصر.

أيها الإخوة: إن الأمنيات السامية لا تتحقق إلا ببذل الأسباب، روسيا بكل وقاحة تدخل رسميا بطائرتها وجنودها لتقتل المسلمين في الشام، لما رأت أن إيران وحزب الشيطان فشلوا في إنقاذ النظام والقضاء على المعارضة، عسى الله أن يجعل الشام مقبرتهم.

 الحاصل حتى يستجيب الله لعباده المؤمنين الموحدين لا خيار لهم إلا في نصرته هو، هكذا نصرة دين الله –تعالى- نصرة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، نصرة دين الله تعالى تبدأ أولاً من نصرة الإنسان في النفس نصرة الله –عز وجل- في نفسه أولاً بأن يلتزم الشخص أوامر الله –تعالى-، ويجتنب نواهيه، فإذا مرت عليه الآية الآمرة من كتاب الله بادر إلى الامتثال، وإذا مرت عليه الآية الزاجرة من كتاب الله بادر إلى الاجتناب، كما قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إن أخوف ما أخافه من كتاب الله، ألا تبقى آية آمرة إلا جاءتني، فقالت: يا أبا الدرداء! قد أتيتك آمرة فلما لم تأتمر بي"، ويقول: "ولا آية زاجرة إلا وتقول يا أبا الدرداء قد أتيتك زاجرة فلم تنزجر".

ثم بعد  ذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)  [الحج: 39- 40].

ليس بيدي ولا بيدي الأعداء ولا بيدي أيّ من مخلوقات، إنما العاقبة بيد الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، وقدم الله –عز وجل- ذاته حصرًا بأن العاقبة له سبحانه وتعالى (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، ولم يقل وعاقبة الأمور لله، حصرًا له -جل وعلا- فالعاقبة بيد الله –عز وجل-.

أسأل الله تعالى أن يهدينا للحق وأن يصلح أحوالنا، ويجعل عامنا هذا عاما مباركا يحصل فيه فرج للمسلمين في كل مكان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وألف بين قلوب المسلمين.