البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الاتحاد وجمع الكلمة

العربية

المؤلف عبد الله حماد الرسي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاتحاد والاجتماع .
  2. خطر التنازع والتفرق ومفاسد ذلك .
  3. وسائل عزة المسلمين ورفعتهم .
  4. حرص أعداء الإسلام على إثارة الخلاف بين المسلمين .
  5. من أحوال المسلمين في القديم والحديث .

اقتباس

أيها المسلمون: إن كتاب الله، هو حبله المتين، والحق المبين؛ من وقف عند حدود كتاب الله نجا، ومن تحلى بآداب القرآن سعد، ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً، إن أنتم أطعتم الله فيه، ونفذتم الأوامر، وقمتم بحقوق الله؛ نلتم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ألّف بالإسلام قلوب المؤمنين، وأوجب عليهم الاتحاد، وحرم عليهم التفرق في كتابه المبين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خير داعٍ إلى الطريق القويم، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين صَفَتْ قلوبهم، واتحدت كلمتهم، والتقت أهدافهم في مصب واحد، وهو إعلاء كلمة الله، وعلى من تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسيلماً كثيراً.

أما بعد:

يقول الله -جل وعلا- في كتابه العزيز؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 102-103].

أيها المسلمون: إن كتاب الله هو حبله المتين، والحق المبين؛ من وقف عند حدود كتاب الله نجا، ومن تحلى بآداب القرآن سعد، ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً، إن أنتم أطعتم الله فيه، ونفذتم الأوامر، وقمتم بحقوق الله؛ نلتم من الخير ما تحبون، وبلغتم الغاية المثلى التي تطلبون، وذلك بأن تتحد القلوب، وتتآلف النفوس، ونتعاون على الخير فيما بيننا، ونرمي بالعصبيات والجاهليات عرض الحائط، وندفن القومية والعصبية والتفرق مع الجاهلية الأولى التي دفنها الإسلام.

أمة الإسلام: إن الاتحاد هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي، فالصحابة رضوان الله عليهم ليسوا من صلب واحد، ولا من أب وأم واحدة، إنهم من أقطار متفرقة، ولكن اجتمعوا تحت ظل "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

إذاً، فالاتحاد -يا أمة الإسلام- هو أساس السعادة، وعماد كل تقدم ورقي، والتاريخ الإسلامي يشهد لما جاء به الدين الإسلامي من أن الخير كل الخير في اجتماع الكلمة والتضامن، وتوحيد الصفوف، والتضحية بالمصالح الشخصية والرغبات الفردية في سبيل المصلحة العامة، فما نالت أمة من الأمم نصيباً من التقدم في شيء من شؤونها إلا باجتماع الكلمة.

يا أمة الإسلام: على كل فرد مسلم واجب يؤديه، ووظيفة يجب أن يقوم بها لصالح الجميع؛ لأن كل فرد من أمة المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام، فيجب أن يقوم بوظيفته ويؤديها بأمانة وإخلاص ووفاء.

عباد الله: فحذارِ حذارِ من التنازع والتفرق؛ فإنهما والله لمن الجنايات العظمى، والجرائم الكبرى، التي قد يدخل ضررها على العجائز في أقصى بيوتهن.

نعم، والله إنهما لمؤذنان بوخامة العاقبة وسوء المصير، يقول الله -سبحانه- وهو أصدق القائلين: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

يا عباد الله: اتقوا الله، واجتنبوا التنازع والاختلاف والتفرق؛ فإن ذلك مبلبلٌ للأفكار، مهرقٌ للدماء، مؤججٌ لنار العداوة والبغضاء، وما أدراكم ما العدواة والبغضاء؟!

هي والله الغزو الموحش والحرب الطاحنة، التي طالما هزت أركاناً راسية، وأودت بمصالح، وكشفت عن خبايا.

يا أمة الإسلام: اتقوا الله واعملوا على ما يجمع كلمتكم، ويقرب وجهاتكم، فذلك أول عدة تعتدونها لقتال أعداء الإسلام، وابتعدوا جميعاً عن مغريات الأعداء التي يزرعونها في صفوف المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها؛ ليضلوكم بها عن سبيل الله، ويبعدوكم عن دينكم الحنيف، وعن أخلاقكم، وعن المثل العليا التي جاء بها الإسلام ورسم لنا خطتها.

أيها المسلمون: ما نال سلفنا الصالح في ماضيهم ما نالوه من عز منيع، وشرف رفيع، بكثرة أعدادهم، ولا بتوفر عددهم ولا بصواريخهم، ولا بطائراتهم النفاثة، ولا بقنابلهم الذرية، ولكن نالوا ذلك بالإيمان بالله، فهو العدة القوية، والسلاح القويم؛ الإيمان بالله، وتوحيد الصفوف، ولَمِّ الشعث فيما بينهم، حتى أصبحوا يداً واحدة، ولساناً واحداً، ينبروا لصالح الإخاء والإخلاص الذي أطاح بعروش الظلم والعدوان -عروش كسرى وقيصر- ونشر لواء العدل والمساواة في أرجاء المعمورة.

وأما الآن -أيها المسلمون- فإن الحالة يرثى لها؛ لأن بعض المسلمين استبدل بحكم الكتاب والسنة الحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها أعداء الإسلام من آرائهم، ونطقت بها أفواههم، معرضين عن كلام رب العالمين؛ الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، معرضين عن سنة رسول الله التي هي أوضح من شمس النهار، لا يزيغ عنها إلا هالك، واستبدل البعض بالقوانين، واستبدل البعض بالأحزاب البعثية، واستبدل البعض بـالاشتراكية ، واستبدل البعض بـالشيوعية إلى غير ذلك من الأعمال التي نجح بإدخالها أعداء الإسلام، وهي مصداق لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "افترقت اليهود والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة؛ ما أنا عليه وأصحابي".

أمة الإسلام: لقد نجح أعداء الإسلام بإدخال تلك المزيفات على الإسلام والمسلمين، وقد أعانهم عليها الشياطين الذين تلبسوا بالإسلام وليسوا من الإسلام في شيء، وإنما هم أعوان للشياطين.

يا عباد الله: اتقوا الله واعملوا على ما يجمع الكلمة، ويوحد الصفوف، ويكون الهدف والغاية، تحت ظلال "لا إله إلا الله، محمد رسول الله": (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8].

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ألّف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، يا ذا الجلال والإكرام.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين -الأحياء منهم والأموات- من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله، يقول الله -جل وعلا- في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

دليل واضح من كتاب الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

إذا غيروا الطاعة بالمعصية، غير الله عليهم الرحمة عذاباً وتسليط أعداء.

أيها المسلمون: لقد كانت الأمة الإسلامية فيما مضى متمسكة بكتاب الله، عاملة بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صحيحة في عقائدها، صالحة في أعمالها، حسنة في معاملاتها وعاداتها، كريمة في أخلاقها، بصيرة في أمر دينها ودنياها، وراقية في آدابها وعلومها، عزيزة الجانب، قوية الشوكة، صاحبة سلطان وصولة على من عادها.

واليوم -أيها المسلمون- كثر عدد المسلمين، وقلّ العمل بالكتاب والسنة، وتبدلت الأحوال، واختلت العقائد، وفسدت المعاملات، وتدهورت الأخلاق، وتأخرت العلوم، وصارت الأمة ذليلة الجانب، ضعيفة الشوكة، فاقدة الهيبة، تتخبط في ظلمات الجهل، وتنقاد للخرافات والأوهام، والتيارات الهدامة والدعايات الزائفة، وما ذاك -يا أمة الإسلام- إلا لأنها خالفت كتاب رب العالمين، وانحرفت عن طريق الهادي الأمين، محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-، وسارت وجرت وراء أهوائها، واكتفت بزخارف الحضارة والمدنية الزائفة، وأدخلت في مدارسها علوم الإفرنج والغربية، وصارت أكثر تداولاً في أيدي الطلاب، حتى صار البعض الذين لا يفرقون بين الحق والباطل يوالون أعداء الإسلام، ويأخذون بأفكار أعداء الإسلام الزائفة، وأخلاقهم البشعة التي لا تتفق مع التعاليم الإسلامية، ولا مع الأخلاقه السامية التي جاء بها رسول البشرية -صلى الله عليه وسلم-، حيث يقول: "إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق".

وصدق الله حيث يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3].

فلك الحمد يا ربنا على نعمة الإسلام، وتباً ثم تباً وخسارة لمن ابتغى غير الإٍسلام ديناً.

وصلوا على رسول الله -أيها المسلمون- امتثالاً لأمر الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً".

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومنقذنا ومخرجنا من الظلمات إلى النور، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً كريماً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أمدهم بنصرك المبين وتأييدك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أئمتنا ولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد أمة الإسلام عامة يا رب العالمين.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل: 90 - 91].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.