الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
ولما كان المسلمون في هذا العصر أمة مختلفة متفرقة مستباحة مستضامة؛ فإن أهل الشر والفساد، من أهل الكفر والنفاق؛ هم من يقرر ميزان الحق والباطل، ويميز المصلح من المفسد، بل يتعدى ذلك إلى الحكم على شريعة الله تعالى، والجراءة على نقدها وردها، وبيان ما يصلح منها وما لا يصلح، وإلزام المسلمين بما حكمت به أهواؤهم المنحرفة، وعقولهم السقيمة، تحت مسميات الإصلاح ونشر الحرية...
الحمد لله؛ خلق الإنسان وكلَّفه، وجعل له عينين، ولسانًا وشفتين، وهداه النجدين، أحمده وأشكره؛ فقد هدانا إلى صراطه المستقيم، ودلنا على دينه القويم، وجعل الجزاء عليه جنات النعيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظم سلطانه وقهره، فلا يكون شيء إلا بأمره، وكل الوجود تحت حكمه: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران: 83].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أعلم الناس بربه وأتقاهم له، كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان؛ شكرًا لخالقه، ومحبةً له، واعترافًا بفضله، ورجاءً لرحمته، وخوفًا من عذابه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فهي وصية الله لنا وللأمم قبلنا: (وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].
أيها الناس: عندما يعلو أهل الباطل على أهل الحق، وتكون الغلبة لأصحاب الضلالة على أتباع الحق، ويدال لجند الشيطان من عباد الرحمن؛ فإن المفاهيم تنقلب، وتنتكس الموازين، ويكون الحكم على الأشياء بميزان القوة، لا بميزان الشرع والعقل والحق والعدل، كما هو واقع البشرية في هذا العصر؛ إذ يقرر الحق والباطل شهوات القوي الغالب، فردًا كان أم دولة أم أمة، وعلى جميع البشر الخضوع لهذا القانون الجائر مهما كان موغلاً في الظلم والعسف، ولو كان مغرقًا في الشذوذ والجنون.
ولما كان المسلمون في هذا العصر أمة مختلفة متفرقة مستباحة مستضامة؛ فإن أهل الشر والفساد، من أهل الكفر والنفاق؛ هم من يقرر ميزان الحق والباطل، ويميز المصلح من المفسد، بل يتعدى ذلك إلى الحكم على شريعة الله تعالى، والجراءة على نقدها وردها، وبيان ما يصلح منها وما لا يصلح، وإلزام المسلمين بما حكمت به أهواؤهم المنحرفة، وعقولهم السقيمة، تحت مسميات الإصلاح ونشر الحرية، وضمن مشاريع مسخ أحكام الله تعالى وتبديلها؛ لتوافق المشاريع الليبرالية التي يراد لها أن تسود الأرض كلها، وأن يقضى بها على كل المناهج والشرائع، ربانية كانت أم وضعية، وما اختراع إمامة للمسلمين تؤمهم يوم الجمعة في كنيسة من الكنائس، وعلى حال من الاختلاط بين الرجال والنساء، وكشف العورات، إلا جزء من مشروع المسخ والتبديل لدين الله تعالى، وتحريف شريعته، مع إجماع المسلمين قديمًا وحديثًا على مجافاة هذا الصنيع الشاذ لشريعة الإسلام.
ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا شذاذ من المنافقين والصحفيين، قد تدثروا بالليبرالية وهم لا يعرفونها، وهتفوا بالديمقراطية وهم وأسيادهم ينحرونها صباحًا ومساءً، وكل من أنكر بغيهم وظلمهم، أو أنكر منهجهم وطريقتهم، فهو محور للشر، خارج على القانون، مفسد في الأرض.
إن الله -عز وجل- هو خالق الخلق، وهو الحاكم فيهم، المبين لأحوالهم: (وَاللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ) [البقرة: 220]، فمن تبع شريعته، ودعا إليها، ودافع عنها؛ فهو المصلح، ومن أنكرها، أو تنكر لها، أو حرفها، أو حاد عنها؛ فهو المفسد ولو زعم أنه مصلح، هذا هو حكم الله تعالى، وتلك هي إرادته الشرعية التي شرعها لعباده في كتابه المطهر وعلى لسان نبيه المرسل -صلى الله عليه وسلم-، وبهذا الميزان العادل يوزن الناس، بعيدًا عن تحكيم الأهواء، أو الاعتبار بالأعراق والأنساب، أو الإمكانات والقوة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13].
ولكن المفسدين في الأرض من الكفار والمنافقين ومن وافقهم في إفكهم عن جهل أو هوى لا يرتضون هذا الحكم، ولا يعترفون بهذا الميزان، ولا يختطون تلك الطريقة في الحكم على الناس؛ ولذا فهم يحكمون على المسلمين بالفساد والإفساد، ويرجعون مشاكل البشرية إلى الأحكام الربانية، ويرمون شريعة الله تعالى بكل نقيصة، ويقذفونها بكل خسيسة؛ بل ويتشاءمون من المسلمين ومن شريعتهم على طريقة إخوانهم الذين سلفوا في الأمم الغابرة حين قالوا لنبيهم: (اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) [النمل:47]، وجاء بعدهم أقوام فقالوا لرسلهم: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [يس:18].
إنها سنة الكافرين والمنافقين في كل زمان ومكان؛ يرمون غيرهم بأدوائهم، ويتطيرون بالصالحين من أقوامهم، ونتيجة لضخامة التزوير والإفك الذي ينشره كفار هذا الزمن ومنافقوه ضد المسلمين عامة، ويخصون عباد الله الصالحين بمزيد من الكذب والافتراء؛ فإن كثيرًا من المخدوعين صدقوا إفكهم، وانطلى عليهم افتراؤهم، فظنوا ظن الجاهلين: ظنوا أن التمسك بشريعة الله تعالى هو سبب مصائب المسلمين وضعفهم، وظنوا أن سبب بلاء المسلمين في هذا العصر هم حملة الشريعة من العلماء والدعاة وعباد الله الصالحين؛ ولذا فهم يرومون تغيير دين الله تعالى، وتبديل شريعته التي ارتضاها للناس كافة.
إن المسلمين في الأرض، والصالحين منهم بوجه أخص هم أهل الخير والفضل على البشر أجمعين؛ فبعبادتهم وتوحيدهم عم الخير أرجاء الأرض، ورفع بصلاحهم وإصلاحهم ودعائهم من العذاب ما رفع، فليسوا مصدر شؤم وبلاء؛ بل الكفار والمنافقون، وأهل الظلم والبغي والفساد، المحادون لشريعة الله تعالى، المحاربون لأوليائه هم أهل الشؤم، وهم سبب العذاب والذل والهوان على البشر أجمعين، ويتعدى شؤمهم البشر ليصيب الحيوان والطير والوحش والنبات، بما يحبس عن أهل الأرض من الأمطار، وما يمنعون من الخيرات والبركات، وبما يقع من أنواع العذاب والعقوبات، وكل ذلك بسبب محادتهم لله تعالى ولشريعته.
إن أهل الخير والصلاح يجب أن يفرح الناس بكثرتهم، وأن يقتدوا بهم في سمتهم وهديهم، وأن يعينهم الناس في إصلاحهم ودعوتهم؛ فبدعوتهم تستمطر السماء، ويستنصر على الأعداء، ويدفع البلاء، ويعم الخير والأمن أرجاء الأرض:
ففي شأن الاستمطار بهم قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف:96]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم". رواه البخاري. وفي رواية للنسائي: "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم، بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
قال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: "تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصًا في الدعاء وأكثر خشوعًا في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا". اهـ.
وإيمان المؤمن سبب لرزقه، وينتفع برزقه غيره من قرابته ومجتمعه وأمته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته". رواه مسلم.
وأما رفع العذاب عن العباد فبسبب دعوتهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فهم المصلحون الذين عناهم الله تعالى بقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، ولذلك ثبت أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق؛ لأن الله تعالى لا يبالي بهم، بل ولا يبالي بأهل الأرض إذا خلت من عباد الله الصالحين؛ كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يُقبض الصالحون الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير، لا يعبأ الله بهم شيئًا". وفي رواية: "لا يباليهم الله باله".
والمعنى: لا يرفع لهم قدرًا، ولا يقيم لهم وزنًا، وإذا لم يكن للناس وزن عند الله تعالى بسبب خلوهم من أهل الخير والصلاح؛ رفعت عنهم البركات، وحلَّت بهم العقوبات.
وقد ذكر العلماء من فوائد هذا الحديث: الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم؛ خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله تعالى به.
والله تعالى يقول: (مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء:147]، والمسلمون هم أهل الإيمان الذي ينفي العذاب، والصالحون منهم هم أهل الشكر والإحسان.
وفي خطاب قرآني آخر قال الله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [الفرقان:77]، وأهل الخير والصلاح هم أهل الاستجابة لأمر الله تعالى ودعوة رسله -عليهم السلام-، وهم أهل عبادته وطاعته، وهم أهل دعائه ومسألته، والانطراح بين يديه -جل في علاه-.
وبهذا يعلم -أيها الإخوة-: أن خيرًا كثيرًا ينعم به البشر كلهم سببه وجود الصالحين بين أظهرهم، وهذا الخير الكثير يقع بصلاتهم ودعائهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ فكم من خير نزل على العباد، وشر دفع عنهم بسببهم؟! وكم من عجائز ركع سجد يعبأ الله تعالى بهن، فيرفع عقوبته عن العباد بدعائهن؟! فهل هؤلاء وأولئك شؤم على البشرية حتى يتطير بهم الكافرون والمنافقون ومن وافقهم في بغيهم من الجهلة والظالمين؟! أم أن الشؤم على البشر ما وقع إلا من أولئك الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم وبغيهم، واعتدائهم على شريعة الله تعالى بالتحريف والتبديل، ومحاولة مسخها وإلغائها، ثم اعتدوا على البشر بالظلم والبطش لا لشيء إلا لأنهم يملكون قوة بنوها من أقوات ودماء الشعوب المغلوبة المقهورة، ثم ترى أقوامًا من المنافقين أو من الجاهلين يدعون الناس إلى مناهجهم المنحرفة التي كانت أعظم شؤم على البشرية، ويصرفونهم عن شريعة الله تعالى، ويخوفونهم من حملتها، وما كانت شريعة الله تعالى إلا خيرًا للناس كلهم لو كانوا يعقلون.
فحذار -عباد الله- من هذه الأقوال المرجفة في دين الله تعالى، وفي حملته والمتمسكين به، ولا يغرنكم نعيق الكافرين والمنافقين، ولو عم كذبهم وافتراؤهم أركان البسيطة، ولو قهروا الناس عليه بالقوة؛ فإن الحق قوي عزيز، وإن الباطل ضعيف ذليل، والله تعالى مظهر دينه، معلٍ كلمته ولو كره الكافرون، وما هذه المحن على أهل الإسلام والإحسان إلا ابتلاء وامتحان، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء:227].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ * قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) [البقرة:138-139].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد الله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: فإن ولاية الله تعالى تنال بتقواه، وأولياء الله تعالى آمنون من الخوف والحزن: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [يونس:62-64].
أيها الناس: أهل الإسلام أهل خير وفضل على البشرية جمعاء، وهم رحمة من الله تعالى رحم بها الأحياء على الأرض؛ ولذلك إذا خلت الأرض منهم فلا خير فيها ولا فيمن كانوا على ظهرها، وعليهم تقوم الساعة كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم".
ومن بركات توافر المسلمين والصالحين على الأرض أن العذاب والهلاك يؤخر أو يرفع عمن استوجبوه بكفرهم وفسقهم؛ رحمة من الله تعالى أن يصيب المسلمين أو الصالحين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وقد يدفع العذاب عن الكفار والفجار لئلا يصيب مَنْ بينهم مِنْ المؤمنين ممن لا يستحق العذاب، ومنه قوله تعالى: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:25]، فلولا الضعفاء المؤمنون الذين كانوا بمكة بين ظهراني الكفار عذب الله الكفار، وقد قال المسيح -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) [مريم:31]، فبركات أولياء الله الصالحين باعتبار نفعهم للخلق بدعائهم إلى طاعة الله تعالى، وبدعائهم للخلق، وبما ينزل الله تعالى من الرحمة، ويدفع من العذاب بسببهم حق موجود". اهـ.
ولانتفاع البشر بوجود المسلمين شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم بالنخلة النافعة المباركة التي يستفاد من كل أجزائها، وهكذا المسلم أينما حلَّ في جزء من أجزاء الأرض حلت البركة والخير على أهله، بما يقوم به المسلم من عبادة الله تعالى وطاعته، والدعوة إلى الإسلام، روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: بينا نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- جلوس إذ أتي بجُمَّار نخلة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم"، فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم، فسكت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- هي النخلة". رواه البخاري.
فليس المسلمون كالكفار، ولا الأبرار مثل الفجار؛ فالفجار والكفار يضرون أنفسهم وغيرهم، حتى يطول ضررهم من على الأرض جميعًا، وأما المسلمون الأبرار فإن نفعهم يتعداهم إلى غيرهم (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ) [ص:28]، (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا المُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) [غافر:58].
فلم يُسَوِّ الله -عز وجل- بينهم؛ بل بيَّن أن أهل الكفر والفجور مفسدون في الأرض، ووصفهم بالإساءة، ومن كان هذا وصفهم في كتاب الله تعالى فهم شؤم على أنفسهم، وعلى مجتمعاتهم، بل وعلى أهل الأرض كلهم، نعوذ بالله من حالهم ومآلهم، ونسأله سبحانه أن لا يعذب العباد بما كسبت أيديهم من البغي والظلم والفساد.
وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم ربكم بذلك.