العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق - أهل السنة والجماعة |
يؤجل عليه الصلاة والسلام قتال بعض الأعداء قبل التمكين في الأرض، من السياسة الشرعية، ويُهادنُ -صلى الله عليه وسلم- قبائل اليهود عندما أتى المدينة، ويُصالح قريشًا في الحديبية على شروطٍ استغربها بعض الصحابة ورأوا فيها دنيَّةً، وينصرفُ عليه الصلاة والسلام عن ثقيف، ويستميلُ زعماءَ غطفان وغيرها بالعطاء، وكان إذا أراد غزوَ قومٍ ورَّى بغيرهم، وإذا عاداه قوم حرص على مصالحة الآخرين ليتفرَّغ لهم، وإذا حالفته قبيلة مثلُ خُزاعة وهب مشركهَا لمسلمِها ولم يستعْدِه أو يُثيره، كي لا يخسر القبيلة كلها. وكان -صلى الله عليه وسلم- يُفرِّق بين من نصره وحماه من المشركين، وبين من عاداه وآذاه وآذى أصحابه، وعامةُ الأمة عملت عبر التاريخ بهذا المنهج النبوي.. هذا هو الجهاد المبني على الشرع والعقل والمصلحة، وليس عبث متعجلين براياتهم السوداء أو جنون السفهاء..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أوضح مِنهاج الحق، ووهب عليه في كل شيء دليلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بين يدي الساعة، فبلغ وحذر أمته الفتن عموماً صلى الله عليه وعلى آله الكرام البررة وأصحابه الخيرة، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
عاشت البشرية عصراً حجرياً ثم تقدّمت عبر التاريخ والحضارات المتعددة، نالت منها الكوارث والحروب رغبةً في السيطرة حتى وصلنا إلى عصرٍ حاضرٍ يسمّونه متقدّماً تميّز بانتشار العلوم والثقافات وكثرةِ الاختراعات وتنظيمٍ للدولِ والحدودِ ووضعٍ للأنظمةِ التي يريدون بها حماية البشرية خلال قرنٍ من الزمان مضى سبقته قرون طويلة يسمونها مظلمة!! ولكن هل حمى هذا العصر الإنسان ودمه وكرامته؟!
الغريبُ في الأمر -أيُّها الأحبة- أنه خلال قرنٍ مضى من الزمن، ورغم تطور هذا العصر التقني والثقافة المزعومة والعلم والحرية الموهومة، ووضع الأنظمة والحدود؛ فإن أعداد القتل وإراقة الدماء وانتهاكِ الحقوق في هذا القرن أكثر بكثيرٍ من جميعِ ضحايا القرون السابقة من حروبٍ وكوارث منذ بداية الإحصاءِ بالتاريخ، فالضحايا فقط من حربين عالميتين حوالي مائة مليون إنسان، أضف إليها تصفيات لينين وستالين وحروب الأفغان والبلقان، والحروب العرقية بإفريقيا والعنصرية؛ كلُّهم يزعمون إصلاح العالم وتطهيره..
وهذا الذبح وإراقة الدماء لا يستثنى منه أحد، فالرئيس الطاغية يقتل مواطنيه، ويلقي عليهم البراميل المحرقة بعد سنين حكمه التي تميزت بالقمع والسجن.. والقائد العسكري يقود جيشه لحروبٍ هوجاءٍ.. ومذهبٌ فارسيٌ مجوسيٌ أصبح القتلُ لديهِ على الهويةِ والاسمِ والطائفية ويقتلوننا باسم الحسين -رضي الله عنه- وهو من فعلهم براء..
ثم جاءنا من باسم الإسلام يَجزُّ الرقاب، ويحرق الإنسان حياً، ويُفجّر ويكفّر ويهدّد الأصدقاء والعلماء، ويقتل الأهل والأقارب، ثم ينسبُ فعله لخلافةٍ شوهاء ليسَ لها إنجازٌ إلا إثارة الفتن وإراقة الدماء!! وأخبار القتل والدماء تتصدر العناوين اليوم.. ونصيب المسلمين منها مؤخراً يزداد حتى صرت تتساءل أين عقول البشر؟!
زَمنٌ العَجائبِ لَم يزَلْ يُبدِي لَنا | في كلِّ يَومٍ ما يَغُمُّ ويُؤلِمُ |
وزمننا فيهِ الدِّماءُ رَخِيصةٌ | ونُواحُ أَطفالٍ بغير حق يُتموا |
كمْ قَتِّلُوا باسمِ العَدالَةِ واشْتَكَوا | أنَّ الذَّبِيحَ بِجُرحهِ يتأَلَّمُ |
لقد استحقَّ هذا العصر فعلاً أن يسمَّى زمان القتل وإراقة الدماء مع ظهورٍ للفتن، وهنا تأتي أهمية اللجوء لنصوص الشرع والعودةِ للكتابِ والسنة وفهمها، والحديث بوضوحٍ وبلا مجاملة (وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
ونحن لا نستغرب تحذيره -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: "بين يدي الساعة يكثر الهرج، قالوا وما الهرج يا رسول الله؟ قال القتل، لا يدري القاتل لِمَ قَتل ولا المقتول فِيمَ قُتل، قالوا: أكثر مِمَّا نقتله الآن؟ قال: ليس قتلكم للكفار، ولكن قتل بعضكم لبعض، أن يقتل الجارُ جَارَه، وأن يقتل الأخُ أخاه وابن عمه. قالوا: يا رسول الله ومعنا عقولنا يومئذٍ؟ فقال"-صلى الله عليه وسلم-: "إن هؤلاء القوم ذهبت عقولهم، فظنُّوا أنهم على شيء، وليسوا على شيء" (رواه أحمد وابن ماجه).
فتعالوا لنناقش الأمر ونتحدث بالشرع عن الفتنةِ لنحذر منها، فهذا زمنٌ يدع الحليم حيرانَ.. ترى أُناساً يفرّطون في نعمةِ الأمن في الأوطان بممارساتِ الإرهاب والتفجيرِ والتكفير.. وغيرهم يُسرف في النعم ويبذر وإخوانه المسلمين في حاجة شديدة والبعض يُشغل المجتمع بقضايا تافهةٍ كالعصبية للقبائل والأندية، وإعلامٌ يُفسد الأخلاق ببرامجه واختلافٌ للكلمةِ وبَغيٌ من الظلمة.. وأنظمةٌ جائرةٌ تبحث عن مصلحةِ اليهود ومن عاونهم وهي تزعم العدل وإقامة الحقوق..
لكن اللافت في هذا الزمن هو رُخص الدماءِ والاستهانةِ بها التي تُدمي قلوبنا كلَّ يومٍ، وكأن دمَ الإنسان الذي أكرمه ربه وفضَّله لا يساوي شيئاً عندهم يُراقُ ظلماً وعدواناً، يأتي أسامة بن زيد للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الحبيب إليه فيقول إن رجلاً بالمعركة شهر عليه السيف، فقال: لا إله إلا الله، فقتله، فأنكر عليه -صلى الله عليه وسلم- أشد الإنكار، وقال: "أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟" فقال: إنما قالها خوفاً من السيف؟ فقال: "هلا شققت عن قلبه؟! فماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة"؟! يقول أسامة فتمنيت أني أسلمت يومئذ" (رواه الطبراني).
ويبعث -صلى الله عليه وسلم- خالدَ بن الوليد إلى قومٍ يدعوهم للإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ثم قتل الأسرى، فلما أُخبر -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين" (رواه البخاري).
هذا هو الشرع في الجهاد والتعامل مع الغير، ومن نيته الإصلاح ونصرة الدين فليأخذ الدين بكماله وليعمل نصوص الشرع بعضها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208].
لقد كان منهجه -صلى الله عليه وسلم- واضحًا في التعامل مع أعداء الدين، فلم يلجأ عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيام إلى قتل بعض المسلمين من أجل قتل المشركين، وكان جهاد الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- بضوابط لا يُسوِّغُ أن يُحرّفها هؤلاء الغلاة لمصالح استخباراتية لمن أسّسهم!!
وليعلم المشارك في هذه الأحداث والفتن والتساهل بإزهاق الأرواح، وتأييد ذلك -عافانا الله وإياكم وشبابنا منها- أنه قد أقدم على أمر عظيم في دين الله -عز وجل-.. أمر لا يسوغ عنه اعتذار ولا تبرير وضرره أكبر من نفعه (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، فليت شعري! من يسمع هذا الوعيد كيف يجرؤ على قتل نفسه أو قتل نفسٍ حرَّمها الله تعالى؟! وكيف ترخص النفس المسلمة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: "ما أعظمك! وما أطيب ريحك! والذي نفسي بيده لدم المسلم أعظم وأطيب عند الله منك"!!
قد يتعرض بعض الشباب لضغوطٍ نفسية وعاطفية وهو يرى دماء المسلمين تُراق مع ضعف نصرتهم، وتخاذل القادر، لكن هذا ليس مبرراً كي يتجاوز تعاليم دينه ويشوّه بلاده وإسلامه بتصرفه وتطرفه أو أن يشابه تطرف الروافض والظلمة..
إن ضوابط الشريعة تمنعنا من التجاوز والتعدي، قد يتجاوز هؤلاء الكفرة والطغاة والمجوس بالقتل؛ لأن دينهم قام على معاداة الغير، ولكن إذا تجاوز المسلم فإنه يُنبَّه ويُنصَح وإن خرج على الدين وجماعة المسلمين وإمامهم فإنه يُعاقَب..
تتدمر بلدان المسلمين اليوم بالثورات والتفجير والتكفير وإراقة الدماء بلا عقلٍ ولا رويّة، وبتعجلٍ وهمجيةٍ، وإضعافٍ للأمة، وتشويهٍ للجهاد، وتعطيلٍ لنصوص الشرع وتأويلٍ وغلوٍّ واستهانةٍ بالدماء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المرء في فُسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا" (رواه البخاري).
وديننا جاء بمراعاة المصالح والمفاسد في الجهاد والعمل لنصرة هذا الدين، بناء لمصالح وقواعد (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108]، انتهج ذلك -صلى الله عليه وسلم- في سيرته الزكية، فترك قتلَ المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم، والقرآن يتنزل بخيانتهم وأفعالهم حتى قبيل موته ورأى في دين الله فسحة بترك قتلهم خشية من مفسدة أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه..
ومخالفة أمره فتنةٌ وعذابٌ أليم.. يؤجل عليه الصلاة والسلام قتال بعض الأعداء قبل التمكين في الأرض، من السياسة الشرعية، ويُهادنُ -صلى الله عليه وسلم- قبائل اليهود عندما أتى المدينة، ويُصالح قريشًا في الحديبية على شروطٍ استغربها بعض الصحابة ورأوا فيها دنيَّةً، وينصرفُ عليه الصلاة والسلام عن ثقيف، ويستميلُ زعماءَ غطفان وغيرها بالعطاء، وكان إذا أراد غزوَ قومٍ ورَّى بغيرهم، وإذا عاداه قوم حرص على مصالحة الآخرين ليتفرَّغ لهم، وإذا حالفته قبيلة مثلُ خُزاعة وهب مشركهَا لمسلمِها ولم يستعْدِه أو يُثيره، كي لا يخسر القبيلة كلها.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يُفرِّق بين من نصره وحماه من المشركين، وبين من عاداه وآذاه وآذى أصحابه، وعامةُ الأمة عملت عبر التاريخ بهذا المنهج النبوي.. هذا هو الجهاد المبني على الشرع والعقل والمصلحة، وليس عبث متعجلين براياتهم السوداء أو جنون السفهاء، فالأمة ترى جهاداً حقيقيّاً في فلسطين لتحرير المسجد الأقصى ومقاومة الغاصبين، وترى المرجعية للعلماء ولولاة الأمر في إقامة الجهاد في أي بلدٍ لا أن تقوده العاطفة وتحكمه العجلة، وتشوهه التصرفات الهوجاء بالقتل بآراء تكفيرية غالية أو بالتسرّع في تطبيق أحكام الإسلام وحدوده حسب آرائهم بلا تدرّجٍ، وبطريقةٍ تُنفّر منها الناس وتبغضهم إياها، ودفعٍ بالشباب لمواقع الفتن والسفر إليها ليكونوا في براثن الغلو والانحراف والأسر والمذلة باسم الجهاد..
وارتكاب الكبائر المتُوعَّدُ عليها في القرآن بالوعيد الشديد بالقتل أو الخطف، وسرعةٍ للاختلاف والتفرّق فيما بينهم.. وغسلٍ للأدمغةِ عبر وسائل التواصل ليحّولوهم جنوداً لخلافتهم لا يفكرون بعقل ويتسلطون على أهلهم وأقاربهم مع نزع الرحمة من قلوبهم عياذاً بالله..
فإذا كان -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا" (أخرجه البخاري)، فكيف إذاً بدم المسلم والقريب، وبالحديث "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ).
ولما أجارت أم هانئ -رضي الله عنها- وهي امرأةٌ رجلاً مشركًا عام الفتح، وأراد أحد الصحابة قتله أخبرته -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قد أجرنا مَن أجرتِ يا أم هانئ" (متفقٌ عليه).
أيها الشباب، إن الجهاد إنما هو بتحكيم شرع الله، والرجوع إلى نصوص الشريعة المحكمة، واجتماع الكلمة وفهم العلماء الناصحين وعدم مخالفتها بتأويلات خاطئة منزَّلة في غير محلها..
وإن مبدأَ الجهاد علمٌ وعمل، وليس عاطفة وجهلاً، فاتق الله –تعالى- أن تلقاه وفي عنقك أنفسٌ مسلمةٌ معصومة.. وأمنٌ متهاونٌ فيه في بلدك.. وأموالٌ مسلمةٌ معصومة أو ذرائعُ أوجدتها للعدو ليتسلّط بها على أهل الإسلام، أو تكون أداةً من حيث لا تشعر بيد أعداء بلدك تنفذ لهم مخططاتهم المفسدة، أو كنت سبباً لأهل النفاق ليحرفوا بها تعاليم دينك والأمنَ في وطنك، ثم ختمت حياتك بمجموعة من الكبائر المحرّمة في شرع الله، وحاولت تشويهه وإفساده، ومكَّنت للمعتدي بإفساد دين الله وروّعت الآمنين بلا مصلحةٍ حققتها ومفاسد أوجدتها..
والله نستغرب كل يوم كيف يوجد مَن يتعاطف مع مثل هذا الفكر رغم غلوّه وخطره ومجانبته للشرع من صغار العقول التي تتلقفه وتنفذ أوامره بلا تفكير، وكأنه لا يوجد ببلادنا علماء ولا نظام، ويأخذون من وسائل التواصل هذه دينهم وجهادهم ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
وهنا تأتي أهمية حاجتنا للبرامج العلاجية المهمة لمثل هذه الفتن والاستهانة بالدماء والتكفير يقوم بها التعليم والإعلام والدولة والمساجد والعلماء..
أما دور الأسرة فيبقى أساسيّاً في الانتباه والحرص داخل البيت، فهذه الأجهزة التي يجلس أولادنا عندها بالساعات جعلت العالم كله قريةً واحدة، مفتوحة بالفكر من خير وشر وهنا تأتي أهمية تقوية الإيمان وزرع مراقبة الله، والمحافظة على الصلاة، والرفقة الطيبة الصالحة والرعاية الأسرية فهي حمايةٌ للأسرة من كل شر.. والإهمالُ والغفلةُ أو القسوةُ غيرُ المبرّرة سببٌ للشرور كلّها..
ثم إني أخاطبك أيها الشاب بكلمات قلبية ناصحة لك؛ لا أريد بها مجاملة، والله من وراء القصد!!.. إنّ هؤلاء الذين ألهبوا مشاعرك في الخارج أو في الداخل عبر وسائل التواصل ثم وجهوها ذلك التوجيه الخاطئ لن يغنوا عنك من الله شيئًا، إن لم تكن على بصيرة واضحة في دين الله وحذرٍ شديدٍ من التعرض لمقت الله وغضبه بإراقة الدماء وإفساد الأمن والذهاب إلى مواقع الفتنِ والشقاقِ والتكفيرِ بلا بصيرةٍ أو رويِّة.
وهذا ما رآه العلماء والعارفون بتلك المواقع فكيف تذهب إليها؟ وكيف تبايع أسماء مجهولة لا تعرفها؟ أية مصالح حقوقها وبلادٍ حرّروها، وانظر كتابات من رجع وتاب منهم ماذا يقول عن مؤامراتهم، والله إن القلب ليأسى على شباب اعتدى بالقتل على أقاربه أين عقولهم ودينهم؟ سبحان الله!!
إننا ندعو شبابنا للعقل والرويّة، والحذر من وسائل اتصالٍ خارجية وليشاوروا أهلَ العلم.. وإذا رأيت ما يُشكلُ عليك ويُطرحُ في وسائل التواصل فاسأل عنه وابحث عن المعلومة ولا تُسلم نفسك لمن يُوجِّهك بلا علمٍ..
ثم لنعلم أيها الإخوة أن تلك التصرفات تحاربها مناهج التعليم لدينا، ولا يرضاها العلماء الشرعيون الربانيون، ويحاربها مجتمعُنا ككلّ.. والمناهجُ الدينيّة لدينا مبنيَّة على قولِ الله ورسوله الحقّ، والحقُّ خيرٌ كلّه للبشرية، ولا يترتّب عليه باطل، وإذا شذَّ في الفكر شاذّ فشذوذه على نفسه (وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) [النساء: 111].
وما يمارسه البعض بإلصاق هذا التطرف والغلو بمناهجنا القائمة أو لحلقات التحفيظ فإنه ظلمٌ يجانب الحقيقة بالاتهام والتأليب كذباً وبهتاناً على الدولة التي أقامت برامج التحفيظ ومراكزها، وكلامهم تجاوز يستحق العقوبة؛ لأنهم يساهمون بزيادة الغلو والتطرف، وفعلهم إرهابٌ مماثل..
اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده ..
عباد الله.. إن شريعة الإسلام جاءت بالحفاظ على دماءِ الناس وأموالهم وحقوقِهم، ومقاومة المعتدي، والتعايش بين الطوائف، ونشر قيم الإسلام، وتجنُّب منكرات الأخلاق، والحرص على جمع الكلمة، والالتفاف حول الراعي والرعيّة، وحماية الأمن الذي به حياة الناس وعبادتهم، ولنحذر من فكرٍ يجنح للغلو في الدين بالتكفير والتبديع أو كذلك إلى تطرفٍ آخر مضاد بالإلحاد والاستهتار بقيم الدين وتعاليمه أو المجاهرة بفسادِ الأخلاق، وكل ذلك يُعالَج بعلمٍ شرعي يطرحُ الحقَّ ولا يجامل ويضع الرؤيةَ المناسبة للأمة بلا تخوّفٍ.
ولنحرص على جمع الكلمة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وهو ناصرها من طغيان الظالمين، ومغالاة المتطرفين، وانحراف المفسدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، وهيئ لشباب الإسلام دعوةً رشيدة وأفكارًا سديدة، تنوّرت بنور الوحي، وانضبطت بقيود الشرع، وانطلقت في نصرة هذا الدين وأهله..
اللهم يا مغيث المضطرين وجابر المنكسرين نسألك يا ألله كلمة حق تجمع بها قلوبنا وتنصر بها عبادك المستضعفين بأرض الشام وفلسطين في كل مكان وتجعل ولاية المسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.