البحث

عبارات مقترحة:

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

التوازن في حياة المسلم (1)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الاعتدال من سمات الشخصية المسلمة .
  2. الموازنة بين الدنيا والآخرة .
  3. ولا تنس نصيبك من الدنيا .
  4. الفرح بإقامة الحدود وثمرات تطبيقها .

اقتباس

إن شخصية الإنسان المسلم تسعى لأن تكون شخصية معتدلة سليمة ظاهرًا وباطنًا؛ بحيث لا يطغى فيها جانب على حساب جانب آخر، ولا يُغفل فيها جانبًا بسبب الاهتمام الزائد بجوانب أخرى غيره. ولذلك ينبغي أن يظهر بأحسن حال يقدر عليه، وقد جاء في السنن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم قادمون على إخوانكم؛ فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس"، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قوامًا في ملبسه وفي هيئته، وكان يقول: "إن الله جميل يحب الجمال".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقسم ربنا -تبارك وتعالى- بالتين والزيتون وبطور سنين؛ جبل الطور الذي كلَّم الله نبيه موسى من جانبه.

ومكة البلد الأمين يقسم الله -تبارك وتعالى- بهذه الأمور الأربعة على ماذا؟ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]، أي: في أحسن تعديل؛ كقوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار: 7].

قال: (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، قوَّم الشيء: أزال اعوجاجه، والقوام في كلام العرب بفتح القاف هو الشيء بين الشيئين، تقول للمرأة المعتدلة الخِلْقة: إنها لحَسَنة القوام في اعتدالها؛ كما قال الحطيئة:

طافت أمامة بالركبان آونة

يا حسنه من قوام ما ومنتقبا

القوام كذلك هو الوسط؛ حياته كلها تقوم على عملية التوسط، بل إن الوسط هو سمة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143].

وقال -سبحانه-: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ) [القلم:28]، الأوسط هنا بمعنى الأحسن والأرجح عقلاً ورأيًا والأعدل والأفضل.

أيها الإخوة: إن عناية الله بأمر الإنسان -على ما به من ضعف، وما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد- تدل على أن له شأنًا عند الله، وأن له وزنًا هو الأكبر في نظام هذا الوجود المخلوق (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]؛ في خلقه وتركيبه، وتكوينه الجسماني والنفساني، وتركيبه الذهني الفريد بنظام متوازن معتدل عجيب.

ثم إن الله -تعالى- جعل للإنسان اختيار طريقه؛ إما إلى الخير وإما إلى الشر (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:3].

ونتأمل في حُسن خلقه الذي تم في أحسن تقويم، فلا بد أن يستشعر هذا التقويم الإلهي بأن ينسجم معه ويكون في حياته متوازنًا كخلقته، وهو مقام لا يناله إلا من عزم عليه بصدق، ووفَّقه الله -تعالى- إليه، فالناس يتفاوتون بين العزيمة والكسل، وقد مكَّن الله العباد من الارتقاء في الاعتدال من عدمه: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37].

لكن: ما معنى أن يكون الإنسان متوازنا في حياته؟

معاشر الإخوة: إن شخصية الإنسان المسلم تسعى لأن تكون شخصية معتدلة سليمة ظاهرًا وباطنًا؛ بحيث لا يطغى فيها جانب على حساب جانب آخر، ولا يُغفل فيها جانبًا بسبب الاهتمام الزائد بجوانب أخرى غيره.

ولذلك ينبغي أن يظهر بأحسن حال يقدر عليه، وقد جاء في السنن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم قادمون على إخوانكم؛ فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس"، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قوامًا في ملبسه وفي هيئته، وكان يقول: "إن الله جميل يحب الجمال".

وعاتب رجل رآه ثائر اللحية والرأس؛ ففي مشكاة المصابيح عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ أَنِ اخْرُجْ كَأَنَّهُ يَعْنِي إِصْلَاحَ شَعَرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ" .

وفي سنن النسائي بسند صحيح أيضًا من حديث جابر قال: أتانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى رجل ثائر الرأس فقال: "ألا يجد هذا ما يسكِّن به شعره"؟!

وفي حادثة الخوارج عندما اعتزلوا عليًّا -رضي الله عنه-، وأرسل إليهم ابن عباس لكي يناقشهم، فلما رأوه كان مما قالوه: "إيهٍ يا ابن عباس! ما جاء بك؟ وما هذه الحلة؟!" قال: "ما تعيبون عليَّ! لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس أحسن ما يكون من هذه الحلل" (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32].

إذاً فهذا شيء مما ينبغي أن يعتني به المسلم، فكما يحرص على باطنه ينبغي كذلك أن يكون مظهره جميلاً قدر استطاعته؛ لأنه ينتمي لخير أمة أخرجت للناس، فالواجب أن يمثلها أحسن تمثيل ظاهرًا وباطنًا.

أيها الإخوة: عند الكلام عن التوازن ننظر إلى الدنيا والآخرة ونقول: ينبغي للمسلم أن يوازن بين الدنيا والآخرة؛ فلا تطغى الدنيا على الآخرة، وفي الوقت ذاته لا ينسى الدنيا، وقد نص القرآن على هذا التوازن نصًّا واضحًا في قوله -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص: 77].

فالرهبانية التي تهمل الدنيا؛ تلك الرهبانية التي ابتدعها النصارى لا شأن للمسلم بها، وفي الوجه المقابل -أيضًا- لا شأن للمسلم بالوجودية التي لا تؤمن بالآخرة -والعياذ بالله- فنحن الأحناف المسلمون الموحدون التوازن منهجنا، فلا تبهرنا الدنيا في مقام الآخرة العظيم (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 17].

ولا تمنعنا الآخرة عن متاع الدنيا (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:32].

ولا نجعل من العبادة التي هي سبب خلقنا شقاءً لنا؛ كما قال -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) [طه:2]، قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان في تفسيره للآية: "أي لتنهك نفسك في العبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة" (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) [طه: 2].

وفي صحيح البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وفي صحيح البخاري-أيضًا- من حديث عبدالله بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله ألم أُخبَر أنك تصوم النهار وتقوم الليل"؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل؛ صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله".

النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى مراعاة الفطرة؛ فالعبادة لم تفرض عذابا للإنسان، وإنما فرضت لإصلاح دنياه وآخرته وإدخال السعادة والطمأنينة على قلبه .

في صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، وأن يصوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مروه فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه" (رواه البخاري).

الله -تعالى- غني صمد لا حاجة له بعذاب عباده دون سبب، لذلك قال -تعالى-: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء:147]، إنه -سبحانه- لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه؛ كما أن عمل المطيع إنما هو لنفسه.

الحاصل أن الإنسان يوازن في تعامله مع الدنيا والآخرة، وحاجاته واشتراطاتها؛ فالدنيا فيها الجد، وفيها شيء من اللعب واللهو الذي يروِّح النفس؛ لتنشط في العبادة من جديد.

في صحيح الأدب المفرد يقول بكر المزني: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ".

أما ما يتعلق بالحلال والحرام فالتوازن يكون في مراقبة النفس، وصرفها عن هواها، ومعالجة زكاتها وخلوها من كل شهوة وحظ (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، وبعد ذلك الحديث "الحلال بيِّن والحرام بيِّن" وما خفي يسأل عنه أهل الذكر من أصحاب المنهج السليم منهج السلف الصالح ومن تبعهم ومن تبعهم بإحسان أولئك الذين -رضي الله عنهم تعالى- في قوله: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

يُسأل أهل الذكر من أصحاب هذا المنهج طاعةً لله -تعالى- إذ يقول: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)؛ فأهل الذكر هم العلماء النجباء هم الذين يعلمون المشتبهات فلا غموض في دين الله.

 وللحديث تتمة إن شاء الله.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

 أما بعد: فاعلموا -عباد الله- أن الله -تعالى- شرع لعباده شرائع، ونهى أن يُعتدى عليها في قوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)، وحرَّم على عباده أشياء، ونهى أن يُقترب منها (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)، وعظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- إقامة الحدود في قوله من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح في صحيح الترغيب: "حدٌّ يُعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يُمطَروا ثلاثين صباحا".

وأمر بإقامة الحدود، ففي صحيح ابن ماجه عن عبادة بن الصامت: "أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم".

فهذه الحدود لا يجوز أن تُعطَّل؛ خوفًا من المنظمات التي تزعم أنها أحكام رجعية أو وحشية، أو لكونها منافية للديمقراطية والحرية -كما يقال-، بل هي عين الحق والعدل والرحمة والرأفة، ولا يصلح الناس إلا بها، ولا تستقيم دول ولا مجتمعاتهم إلا بها، ولا عجب في ذلك فهي حكم الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].

كما لا يجوز أن تعطل؛ محاباةً ومجاملةً لأحدٍ؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "وأيم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

فلا فرق في الحدود بين شريف ووضيع، وغني وفقير، بل الكل فيها سواسية.

وذلك فإن من النعم العظيمة ما جرى من إقامة الحدود والتعزيرات على مجموعة  من المتورطين في جرائم التقتيل، والإفساد في الأرض، والخروج على جماعة المسلمين؛ لأن في إقامتها ردعًا لأهل الشر والفساد ممن تسول له نفسه أن يسلك مسلكهم.

فالحدود رادعة وبها -بعد الله- تحيا الأنفس، وتسلم من الأذى والشر، وتزداد الجماعة لحمةً، وتزداد الدولة هيبةً، كما قال -تعالى-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179].

ففي القصاص حياة للأنفس والأفراد والمجتمعات والأموال والأعراض، وفي إقامتها فتح أبواب البركات، ونزول الخيرات أكثر مما يكون بنزول الأمطار من السماء كما تقدم في نص الحديث.

معاشر المسلمين: إن هؤلاء الذين أُقيم فيهم حد الحراب والقتل تعزيرًا ممن سلكوا مسلك الخوارج؛ فكفَّروا واستحلوا الدماء المعصومة المعهودة من المسلمين، وسعوا في الأرض فسادًا؛ من خلال القتل والتفجير والاغتيالات، واستهداف رجال الأمن والمنشآت الاقتصادية الكبرى، وترويع الآمنين، وسلب الممتلكات غصبًا وقهرًا؛ فلا جَرَم بعد ذلك أن يحكم القضاء الشرعي بهذه الأحكام عقوبةً لهم وردعًا لغيرهم وتخليصًا للمجتمع من شرهم.

اللهم احفظ بلادنا بحفظك واكلأها برعايتك، وأدم عليها نعمة الأمن يا سميع الدعاء..