البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الميزان يوم القيامة

العربية

المؤلف أحمد بن محمد العتيق
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. وجوب الإيمان بميزان الآخرة .
  2. ماهيّة ذلك الميزان .
  3. الحكمة من وزن الأعمال يوم القيامة .
  4. أمور تتعلق بميزان الآخرة .

اقتباس

ومن الإيمان باليوم الآخرِ -يا عِبادَ الله- الإيمان بالميزان, الذي تُوزَنُ به أعمال العباد, وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وهو من أمور الآخرة التي نؤمن بها كما جاءت، ولا نبحث عن كيفيتها إلا على ضوء ما ورد من النصوص‏.‏

الخطبة الأولى:

إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

عباد الله: اتقوا اللهَ -تعالى-, واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر أصْلٌ مِن أصولِ الإيمانِ الستة, التي لا يكون العبدُ مؤمناً إلا بها.

واليوم الآخر هو يوم القيامة, ويوم الحساب, اليوم الذي يبعثُ اللهُ الناسَ فيه من قبورهم؛ ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم التي عملوها في حياتهم الدنيا.

ومن الإيمان باليوم الآخرِ -يا عِبادَ الله- الإيمان بالميزان, الذي تُوزَنُ به أعمال العباد, وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وهو من أمور الآخرة التي نؤمن بها كما جاءت، ولا نبحث عن كيفيتها إلا على ضوء ما ورد من النصوص‏.‏

والحكمة في وزن الأعمال, ظُهُورُ كمالِ عدلِ الله, وإظهارُ مقاديرِ الأعمال والحسنات والسيئات؛ ليكون الجزاء بحسب ذلك، ‏(‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ‏‏فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ‏فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ‏فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ‏)‏ [المؤمنون:102-103].

(‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)،‏ أي‏:‏ رجحت حسناته على سيئاته، ‏(‏فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)‏، أي‏:‏ الفائزون والناجون من النار المستحقون لدخول الجنة‏، ‏(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ‏)،‏ أي‏:‏ ثقلت سيئاته على حسناته ‏(‏فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم)‏، أي‏:‏ خابوا وصاروا إلى النار (‏فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ‏)،‏ أي‏:‏ ماكثون في النار‏.‏

ويتعلق بالميزان -يا عباد الله- خمسةُ أمور:

أولها: إن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف, إلى أضعاف كثيرة, وهذا مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبادِه, حَيْثُ فَتَحَ لَهُم مِنْ أبوابِ الخيرِ ما يَتَمَكّنونَ من بَذْلِ الأسبابِ التي تَرْجِحُ بِها حَسَناتُهُم على سيِّئَاتِهم, فَجَعَلَ الحَسَنَةَ بِعَشْرِة أمثالِها إلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ, إلى أضعافٍ كثيرة. وأما السَّيِّئَةُ فجزاؤُها مِثْلُها.

وكَذلِكَ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ حَسَنة وإِنْ لَمْ يَعْمَلْها, ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لمْ تُكْتَبْ, فَإِنْ تَرَكَها لِلّهِ كُتِبَتْ حَسَنَة.

وكَذلِكَ شَرَعَ اللهُ لِعِبادِه أعمالاً قَلِيلَةً وحَسَناتُها كثيرة، وأخْبَرَ اللهُ -تعالى- أن الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السيِّئات.

وأَعْجَبُ مِنْ هذا كُلِّه أَنَّ مَنْ تابَ مِنْ ذُنُوبِه -مَهْما عَظُمَتْ- تَوْبةً نَصُوحاً صادِقَة, وعَمِلَ صالِحا, فإنَّ اللهَ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حسنات! فَما الذي تُريدُهُ بَعْدَ ذلِك يا عَبْدَ الله؟ وما هُوَ عُذْرُكَ إذا رَجَحتْ سَيِّئَاتُكَ على حَسَناتُك؟ وصَدَقَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذْ قال: "ولا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إلا هالِكْ".

الثاني: ليسَ كُلُّ حَسَنَةٍ توضَعُ في الميزان, وإنما الحسنةُ التي توضع في مقابل السيئة, هي الحسنة المقبولة, فيجب على المؤمن أن يَعْلَمَ ذلك, كي لا يَغْتَرَّ وَيُعْجَبَ بِعَمَلِه, فيقولُ أنا صليت كذا وكذا, وصُمْتُ كذا وكذا, وحَجَجْتُ وتصدَّقْتُ وقرأتُ القرآن, وغير ذلك من الأعمال؛ فإنَّ العبدَ قد يَعْمَلُ العملَ الكثير, ولا يُقبَلُ مِنه إلا القليل.

والحَسَنَةُ المقبولةُ -يا عبادَ الله- هي التي تَحَقَّقَ فيها شرطان: الإخلاصُ لله, ومُوافقةُ هَدْي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فيها. ولا بد أن يكونَ فاعِلُ هذه الحسنةِ مؤمناً, لأنَ الإسلام شرطٌ أساسٌ في كُلِّ عَمَل.

الثالث: حُقُوق العِبادِ لا تُتْرَك, وَقَدْ تكونُ سببا لِذهابِ الحسناتِ التي جَمَعَها العبدُ في الدنيا، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

الرابع: إنَّ أعْظَمَ الحسناتِ حسنةُ التوحيد, وأثقلُ حَسَنَةٍ في ميزان العبد شهادَةُ أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسولُ الله, وهِيَ مِفتاحُ الحسناتِ الأخرَى, فإذا وُجِدَت في الميزانِ, سُمِحَ للحسناتِ الأخرى, وإذا لم توجَد, رُدَّتْ بقيةُ الحسناتِ حتى لو بلغت أمثالَ الجبال.

وإذا كَمُلَت هذه الحَسَنَةُ في القلب, فَقَد تَطيشُ بجميعِ ما يقابلُها من سِجِلاَّتِ السيئات التي دون الشرك.

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.

أَمّا بَعدُ: الخامس: أكبر السيئات: سَيِّئَةُ الشرك, والشرك: هو أن تجعل لله نِدًّا في ألوهيته, أو ربوبيته, أو أسمائه وصفاته.

والعملُ الصالحُ لا يكون صالحا على الحقيقة إلا بالتوحيد, كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا بالطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة أفسدها, كما أن الحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها, وإذا دخل في الصلاة أبطلها، كما قال -تعالى-: (لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك) [الزمر:65].

وهذا مِمَّا يدل على أن الشركَ لا تنفعُ معه الحسنات مهما كثرت؛ ولذلك قالت عائشة -رضي اللهُ عنها- للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إن ابنَ جُدْعانَ كان يصل الرحم، ويَقْرِي الضيف، ويفك العاني، ويُحسِن الجوار. وأثنت عليه, هل نفعه ذلك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يا عائشة, إنه لم يقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين" رواه مسلم. والمراد بالخطيئة: الشرك؛ لأنه مات كافراً. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلام.

فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا, وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين, وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، ونجهم من الظلمات إلى النور، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز.

اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم أصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].