الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فالإنسان إما في تَقَدُّم وإما في تأَخُّر، إما في صُعُودٍ وإما في نزول, إما أَنْ يذَهَبَ ذاتَ اليمين وإما أن يَذْهَبَ ذاتَ الشِمال؛ ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسَهُ، فمعتقها أو موبقها".
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد: عباد الله، اتقوا الله تعالى, وابذلوا أسباب الفوز برحمته, واعلموا أنكم مطالبون بتذكر الموت والاستعداد لما بعده ما دمتم على قيد الحياة, كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، وقال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
إن هذا يدل على أنه ليس هناك توقف عن الاستعداد، فلا يجوز للمسلم أن يقول: سوف أتوقف قليلا, وآخذُ قسطا من الراحة والاستجمام ثم أُكْمِل، ولا يجوز له أن يقول: قد جمعت من الحسنات ما يكفيني؛ فإن العبد إذا توقف فلا بد وأن يرجع إلى الوراء، قال -تعالى-: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر:37].
فالإنسان إما في تَقَدُّم وإما في تأَخُّر، إما في صُعُودٍ وإما في نزول, إما أَنْ يذَهَبَ ذاتَ اليمين وإما أن يَذْهَبَ ذاتَ الشِمال؛ ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسَهُ، فمعتقها أو موبقها".
ومعنى هذا: كل الناس يسعى, وَيبدأ يومه بِالغدوة من العمل, إلا أَنَّ سَعْيَهم مختلف، فهذا يسعى في نجاة نفسه من عذاب الله؛ لأنه يعلم الحكمة التي من أجلها خلقه الله، وهذا هو معنى قوله: "مُعْتِقُها". أي: من العذاب.
والآخر يسعى في هلاك نفسه، إِما في سخط الله, أو في غفلة عن طاعة الله, وهذا هو معنى قوله: "أو مُوبِقُها"، أي: في العذاب.
وهذا شيء مشاهد؛ فإن الله -تعالى- جعل الليل سكناً وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) [الأنعام:60]، فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صغرى، تهدأ فيه الأعصاب، ويستريح فيه البدن، ويستجد نشاطه للعمل المقبل، ويستريح من العمل الماضي، فإذا كان الصباح, وهو الغدوة, سار الناس واتجهوا كل لعمله، فمنهم من يتجه إلى الخير، ومنهم من يتجه إلى الشر والعياذ بالله.
مِنهم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر، ثم يذهب فيصلي، فيبدأ يومه بالطهارة، والنقاء، والصلاة، التي هي صلة بين العبد وبين ربه، فيفتتح يومه بهذا العمل الصالح، بل يفتتحه بالتوحيد؛ لأنه يشرع للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يذكر الله, ثم يتوضأ ويصلى, ثم يواظب على ما أوجب الله عليه فيما يتعلق بحق الله وحق خلقه, إلى أن يمسى وينام، وهكذا حاله إلى أن يلقى الله. فهذا المسلم الذي هذه حاله, قد باع نفسه لله كي يعتقها من عذابه.
وابتداء المسلم بكلمة التوحيد ثم الوضوء والصلاة, أول أبواب الانتصار اليومي على الشيطان, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد, فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". فيا أيها المسلم، هل هذه هي بدايتك كل يوم؟.
والقسم الثاني من الناس هو المذكور بقوله: "أو موبقها", أي: مُهْلِكُها؛ لأنه يسعى في السبب الذي يسخط الله عليه فَيُعذبه بسببه.
فالكافر, يبدأ يومه بمعصية الله، حتى لو بدأ بالأكل والشرب؛ فإن أكله وشربه يعاقب عليه يوم القيامة، ويحاسب عليه، كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها، وكل شربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها، وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه؛ لأنه لا يستحق هذه النعمة, ولكن هوان الدنيا على الله وحقارتها, هي سبب تنعم الكافر فيها والأكل من طيباتها, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء"، مما يدل على أنها لا تزن حتى جناح البعوضة.
والدليل على هذا قوله -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خالصةً يوم القيامة) [الأعراف:32]، للذين آمنوا لا لغيرهم، (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، يعني: ليس عليهم من شوائبها شيء يوم القيامة، فمفهوم الآية الكريمةِ أنها لغير المؤمنين حرام، وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة، وأنهم سيعاقبون عليها.
فالكافر من حين ما يصبح -والعياذ بالله- وهو بائع نفسه فيما يهلكها، أما المؤمن الذي يعلم الحكمة التي من أجلها خلقه الله فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار.
فكيف يليق بك، يا من تنتسب إلى الإسلام والإيمان، أن تتشبه بأهل النقص والخسارة؛ فلا تشغل وقتك فيما ينجيك من عذاب الله؟! فإن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد: عباد الله، في الحديث الذي سمعتم, بيان حال الناس، وأن كل الناس يعملون من الصباح، وأنهم يبيعون أنفسهم، فمن باعها بعمل صالح فقد أعتقها، ومن باعها بعمل سيئ فقد أوبقها.
وهذا يدل على أن الحرية حقيقة هي القيام بطاعة الله -عزّ وجل-، وليس إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده، فإن الدنيا سجن المؤمن, وجنة الكافر، والجنة حُفت بالمكاره, والنار حُفت بالشهوات؛ ليتبين الصادق من الكاذب.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم آتِ نفُوسنا تقواها، وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، حكاماً ومحكومين. اللهم ألّف بينَ قلوبِ المؤمنين، وأصلحِ ذاتَ بينِهم، واهدِهِم سُبَلَ السلام، ونجِّهم من الظلمات إلى النور، وانصرهم على عدوّك وعدوِّهم يا قوي يا عزيز.
اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعف عنهم، ووسع مدخلهم، وأكرم نزلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقّهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين.
اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحْيِ بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد، وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .